تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو

«القارئ والتأويل» للناقد المغربي صدوق نور الدين

تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو
TT
20

تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو

تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو

يتأمّل الكاتب والناقد المغربيّ صدّوق نور الدين العالَمَ الأدبيّ لعبد الفتاح كيليطو، الكاتب والروائيّ والناقد المغربيّ المعروف، من خلال كتاب صدوق الجديد «القارئ والتأويل»، معتمداً أسلوب المقارنة والتركيب، مقارنة مُنجَز أدبي، فلسفيّ تَحقَّق في مرحلة ماضية، وآخَر عن المنجز نفسه، لكن في الحاضر.

يستهلّ المؤلّف كتابه، الصادر حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان، في 100 صفحة، بمقدّمة حملت عنوان «من أجل هموم مشتركة»، يستعيد خلالها ذكرى لقائه بكيليطو، في المعرض الدولي للكتاب والنشر، في الدّار البيضاء، خلال شهر فبراير (شباط) 1988. «من بعيدٍ رأيته. جسد نحيف، ونصف لحية. لم يكن يدخّن، بالقرب طاولة فارغة وكرسيّ يجلس عليه عند التوقيع. بدا أنيقاً، فيما الممر الأحمر ينطق صمتاً. ابتسمتُ تسبقني تحية الرأس تقديراً، فابتسم. لم تندَّ كلمة. لم يسأل عن شيء، ولا طلبت. جلس. استلَّ قلمه، دوَّن جملةً مائلة نوعًا ما باللغة العربية: (من أجل همومٍ مشتركة)».

ويواصل المؤلّف استعادة مفردات ذلك المشهد، بما فيه من خِفّة سرديّة، وإشاراتٍ كاشفةٍ عن جانب شخصيّ من كيليطو، قائلاً: «أعاد لي النسخة. ابتسم، فابتسمتُ. لم تندَّ كلمة، ترك الكرسي في الخلف، واستعاد وقفته. أشعل سيجارة، ورمى نظرة بعيداً، بدا كأنّه هنا، ولم. لربما يقيم في نصٍّ من كتاب (ألف ليلة وليلة)، أو يكتب في رأسه تحليلاً لمقامة من مقامات الحريري، أو بديع الزمان الهمذاني. يفكر واقفاً. أحياناً يتمشّى ببطءٍ كخائفٍ من أن يجرح صمتاً سيتكسّر لاحقاً لمَّا تفيض طاولته برؤوس يسرقها الفضول، وأيدٍ تحمل نسخاً بحثاً عن توقيع.

وأنا أغادر قاعة المعرض تمام السادسة، عاينتُ المشهد».

الكتاب، الذي صمَّم غلافه الشاعر عيد بنات، جاء تحت عناوين رئيسة تعكس الفضاءات التي تحرَّك خلالها مؤلّف الكتاب، يندرج أسفل كلٍّ منها مجموعة من العناوين الفرعية، وجاءت تلك العناوين الرئيسة على النحو الآتي: «نحو نقد أدبي جديد... بين عبد الكبير الخطيبي وعبد الفتاح كيليطو»، «صورة ابن رشد في الأدب... نموذج عبد الفتاح كيليطو»، «شعرية الاستطراد... بين عبد الفتاح كيليطو وعبد السّلام بنعبد العالي»، «خورخي لويس... بين حياة الكتابة وحياة المؤلّف»، «مصطفى لطفي المنفلوطي... البدايات واكتشاف الأدب»، «عبد الفتاح كيليطو والكتابة الروائية»، «عود على بدء/ سؤال الأدب الحديث».

ويخلص المؤلّف إلى أن الحديث عن عبد الفتاح كيليطو المؤلّف يقتضي تمثُّل صورة القارئ. ويقول: «أقول: القارئ الرهيب الذي يفرض عليك المتابعة والمواكبة لما قد تكون تناسيت أهميّة الاضطلاع عليه، أن لا معرفة لك به، ويحدث أن يمارس الضغط الآيديولوجي لمن يقرأ، وعلى من يقرأ بخصوص أسماء إبداعيّة مغربيّة أو عربيّة رسّخت تقاليد الكتابة الأدبية. فكيليطو القارئ يتفرّد بموسوعيّته على مستوى الأدب العالمي والعربي. التّفرد الذي يُلمَس انطلاقاً من الكتابة، التأليف ومن مهارة التركيب».

ويؤكّد مؤلّف الكتاب أنّ «سؤال الأدب الحديث يظلّ حاضراً على مستوى المُنجَز النقدي لعبد الفتاح كيليطو، دون امتلاكه حظوة أو مكانة الأدب القديم، وما خصّ به من كبير اهتمام وعناية. وإذا كان الأدب العربيّ الحديث متميّزاً بتاريخيّته التي تستدعي الدرس والمقارنة، فإن الأدب المغربيّ الحديث يفتقد هذه التاريخيّة، حيث إن تأخّر ظهوره والتأثيرات العربيّة والمشرقيّة التي وسمته تستلزم التفكير قبل الإقدام على الممارسة النقديّة الجادة والموضوعيّة».

وللكاتب صدّوق نور الدين مجموعة من الكتب النقدية؛ منها: «حدود النص الأدبي»، و«النص الأدبي: مظاهر تجليات الصلة بالقديم»، و«عبد الله العروي وحداثة الرواية»، و«البداية في النص الروائي»، و«الغرب في الرواية العربية»، و«الرواية وإنتاج الوعي... دراسة في لعبة النسيان»، و«الذات والعالم (دراسة في اليوميات)»، وغيرها.


مقالات ذات صلة

كاثرين ستوكيت... امرأة بيضاء تتحدث بصوت امرأة سوداء

ثقافة وفنون كاثرين ستوكيت

كاثرين ستوكيت... امرأة بيضاء تتحدث بصوت امرأة سوداء

بعد 15 عاماً من صدور روايتها الناجحة «المساعدة» التي أثارت الكثير من النقاش والنقد بسبب تصويرها حياة الخادمات السود في الجنوب

ألكسندرا أولتر
ثقافة وفنون «الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة

«الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة

عن دار «البشير»، صدر كتاب «الحيوان في القرآن الكريم - دراسة دلالية» للباحث د. محمد حمدي درويش الذي يستعرض جانباً مهماً ولافتاً من جوانب الإعجاز البلاغي

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
ثقافة وفنون رواية تونسية عن «الهرب المستمر من القدر»

رواية تونسية عن «الهرب المستمر من القدر»

صدر حديثاً عن «دار نوفل / هاشيت أنطوان» رواية «رأس أنجلة» للكاتبة التونسية إيناس العباسي، وفيها تروي حكاية شقيقتين تونسيتين تهاجران لأسباب مختلفة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
كتب إيمانويل تود

إيمانويل تود في «هزيمة الغرب»: أميركا وصلت إلى «العدمية»

كتب عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود، عندما كان لا يزال طالباً عام 1976 متوقعاً انهيار الاتحاد السوفياتي، وصدقت نبوءته بعد 15 عاماً.

سوسن الأبطح
كتب شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية

شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية

يطرح الكاتب العراقي ماجد الخطيب في السوق كتابه المعنون «البيئة المسلية» في زمن ما عاد فيه الإنسان يشعر بأي تسلية وهو يشاهد الخراب البيئي العظيم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ديوان المتنبي... طبعة جديدة محققة

ديوان المتنبي... طبعة جديدة محققة
TT
20

ديوان المتنبي... طبعة جديدة محققة

ديوان المتنبي... طبعة جديدة محققة

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من «ديوان أبي الطيب المتنبي»، تحقيق وتعليق الأديب والدبلوماسي المصري د. عبد الوهاب عزام (1894-1956) الذي سبق له أن أصدر أكثر من عمل عن الشاعر نفسه، منها «ذكرى أبي الطيب المتنبي بعد ألف عام».

ورغم أن تحقيقات ديوان المتنبي كثيرة، فإن عزام الذي يعي جيداً لغة الشعر وطرائق التعبير عنها بذل جهداً دقيقاً ورصيناً في إخراج الديوان على النحو الجدير بعمل علمي موثَّق يساعد القارئ على تلقيه وفهمه ومعايشته، باعتباره أكثر شعراء العربية أهمية وانتشاراً بشعره الذي يجمع بين الجمال والحكمة والعمق عبر العصور.

يبدو أن المتنبي أدرك حقيقة إبداعه حين أعلن أن الخلق سيسهرون مع قصائده، حائرين في معانيه ومستمعين ومتطلعين إلى شخصيته في شعره، حتى إن كثيرين يتداولون في حياتهم الشخصية بعض الأمثال المأخوذة من أشعاره دون أن يعرفوا أنها لهذا الرجل الذي يستصغر الأمور العظيمة ساعياً نحو الأفضل، وكأنه ينطلق من «فلسفة القوة» التي ظهرت بعده بقرون عديدة.

ويشير د. عزام في مقدمته للديوان إلى أن البلاد العربية احتفت بذكرى مرور ألف عام على ميلاد الشاعر العظيم، ولم يكن أساتذة الأدب العربي بكلية الآداب، جامعة «فؤاد الأول» (جامعة القاهرة لاحقاً)، استثناء، فقرروا أن يُحيوا ذكرى الشاعر بإلقاء محاضرات عامة في تاريخه وأدبه.

من هنا جاءت فكرة هذا الكتاب، حيث كان قد عُني المحقق في صباه بأبي الطيب وكتب رسالة في أخباره وأشعاره، فجدد العهد بالرجل الذي يُكبره وأخذ يراجع المخطوطات القيمة في «دار الكتب المصرية» ويناظر بعضها ببعض، ثم دُعي إلى العراق حيث عثر على نسخ من ديوان الشاعر في خزائنها منها النسخة التي أسماها «البغدادية»، كما ألقى محاضرة في دمشق حول المناسبة نفسها.

وعندما عاد إلى القاهرة، اقترح على قسم اللغة العربية بكلية الآداب أن يكرم أبا الطيب بإخراج نسخة صحيحة جامعة من ديوانه «تكون عمدة للباحثين في شعره وحجة للمدققين في رواياته»، وعكف على هذا العمل الشاق المديد بضع سنين.

ويلاحظ د. عبد الوهاب عزام أن ديوان أبي الطيب معظمه في المدح والرثاء والهجاء، ولكن هذه الضروب من الشعر فيها الكثير من الغزل والوصف والفخر والإبانة عن هموم الشاعر ومطامعه. ويضم الديوان نحو ثلاثين قصيدة وقطعة نظمها الشاعر لنفسه غير مادح ولا ذام، ويجد القارئ في هذه الطبعة مقدمات وافية بشرح الأحوال والحادثات التي ألّف فيها أبو الطيب شعره.

ويذهب د. عزام إلى أن أكبر الظن أن كثيراً من هذه المقدمات من إملاء الشاعر نفسه، وهي ميزة أخرى من مزايا الديوان تضاف إلى ميزة تأريخ القصائد، والذي أدى به إلى هذا الظن أن هذه العناية بتفصيل الحادثات لا تكون من غير الشاعر ولن يعرفها إلا الشاعر نفسه، فلم يكن يصحبه راوية في سفره، عندما شق طريقه في البراري والصحاري.