«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

القصاص يتأمل أعمال 38 كاتباً وكاتبة بروح الشعر

«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة
TT
20

«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

ثمة خصوصية للنقد الأدبي التطبيقي حين يصدر عن مبدع عموماً وشاعر بشكل خاص، إذ تتحول الممارسة النقدية في تلك الحالة إلى غوص رهيف في أعماق النص بعين خبيرة وتجربة إبداعية متنوعة بعيداً عن الاختباء خلف ترسانة من المصطلحات والنظريات الأكاديمية.

تنطبق تلك الفكرة على كتاب «في مرايا السرد» الصادر عن دار «بدائل» بالقاهرة للشاعر جمال القصاص، الذي يضم مختارات من قراءاته النقدية في الرواية والقصة القصيرة لـ38 كاتباً وكاتبة ينتمون لأجيال ومدارس فنية مختلفة، منهم: إدوار الخراط، جمال الغيطاني، جميل عطية إبراهيم، إبراهيم عبد المجيد، أحمد صبري أبو الفتوح، محمد بركة، حمدي أبو الجليل، مي التلمساني، ميرال الطحاوي، وحيد الطويلة، ربيعة ريحان، يحيى مختار، حمدي الجزار، فتحي إمبابي، وأشرف الصباغ.

يشير القصاص في تقديمه لتلك القراءات النقدية إلى أنه ليس حكاءً بطبعه، فطفولته خلت من الحكي أو على الأقل كان شحيحاً ونادراً ورهن المصادفات أحياناً برغم تراثه الممتد في حواديت الأمهات والجدات ومسامراتهن الليلية الشائقة التي تفتح نوافذ للخيال في عيون الأطفال وتجعلهم يحلقون في أجوائها حتى يغلبهم النوم أو الحلم.

برغم ذلك، ها هو في هذه القراءات يتحول إلى حكاء يتلصص ببصيرة نزقة على ما يطرحه هؤلاء الكتاب في نماذج مختارة من أعمالهم الروائية والقصصية، مشيراً إلى أنه في قراءته النقدية لتلك النصوص لم ينشغل كثيراً بالموضوع أو «التيمة» فهي دائمة التكرار، وغالباً ما يكرس النقد لها بطريقة تقنية عقيمة تتعامل مع النص كأنه شيء منته وقماشة فُصلّت، على خلاف النقد المبدع الذي يرى النص ابن صيرورة خاصة مفتوحة بحيوية على شتى ملامح المعرفة الإنسانية، ومن ثم على الناقد الحق أن يتذكر دائماً أنه مبدع، لذلك كل ما كان يهمه وانشغل به أكثر هو فضاء السرد، كيفية تشكيله وتضافر مغامرة الكاتب فيه وتوسيع أنساقه ومقوماته الذاتية وضخ دماء جديدة في شرايينه تكثف من فعل القص وتكشف بتلقائية دوافع الشخوص ومعاناتها في تحمل أعباء الحياة وتناقضات واقعهم المعيش، على شتى المستويات بخاصة المستوى العاطفي المشبوب بهاجس الجسد والروح.

يستهل القصاص كتابه بالتصدي لمشروع إدوار الخراط، مشيراً إلى أن كتاباته التي بدأت بمجموعته القصصية الأولى «حيطان عالية»، 1959، تشبهه بروحها المصرية القبطية العربية وتشبهنا بفضاء حكاياتها المنسوجة من سقف أحلامنا وكوابيسنا ورغبتنا في أوطان عادلة وحرة، كما أنها تحرضنا على أن نكون نحن كما نحب ونشتهي لا كما يريد لنا الآخرون.

ويرصد القصاص انفتاح بواكير وعي جمال الغيطاني الأولى، منذ مولده في 1945 بقرية جهينة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، على أحضان مشاهد ووقائع لا تزال شاخصة على جدران المعابد وضفاف النيل. ومع انتقال أسرته للعيش بالقاهرة في حي الجمالية ذي الطابع الشعبي القديم، وهو الحي نفسه الذي عاش فيه نجيب محفوظ وكان مسرحاً للكثير من رواياته، اتسعت مساحة وعي الغيطاني وبدأ يتلمس طرائق للجدل والحوار بين مرآة النشأة على ضفاف النيل والمعابد وبين مرآة الحي القاهري العريق.

ويرى أن أعمال جميل عطية إبراهيم تتسم بأسلوب سلس وشائق له رائحة خاصة يجمع بين براءة الحكي وخبرة الكاتب المجرّب وذلك في تلقائية شديدة العفوية، حتى يبدو كثيراً في أعماله كأنه يوجه خطابه إلى الكبار والصغار معاً. ومن الأشياء اللافتة هنا أن له كتاباً مشتركاً موجهاً إلى الأطفال بعنوان «صك المؤامرة: وعد بلفور» بالاشتراك مع الكاتب الراحل صلاح عيسى.

ويضع إبراهيم عبد المجيد في روايته «السايكلوب» مجموعة من أبطاله في اختبار فارق بين حياة عاشوها روائياً حتى الموت، وبين موت ينهضون منه كأنه ظل لحياة أخرى يعيدون اكتشافها من جديد. ولا تخلو الرواية من روح الفكاهة والمرح، فسيكولوجية الكتابة لديه مرحة في جوهرها.

ويطرح الروائي حمدي أبو جليل في روايته «يدي الحجرية» عدة مداخل لقراءتها، من أبرزها التقصي السردي لتاريخ القبائل البدوية العربية وهجرتها من الجزيرة العربية إلى مصر وبعض بلدان المغرب العربي. أيضاً يمكن النظر إليها من نافذة علاقة الشرق والغرب بسؤالها الشائك المتجدد، أو زاوية تقنيات الحكي والسرد بروح المغني الشعبي ومسرح السامر.

وتبدو فكرة «التقمص» مفتاحاً مهماً في رواية «حانة الست» للكاتب محمد بركة، فالراوي يتقمص سيرة حياة أم كلثوم ويجعلها تروي «قصتها المحجوبة» في إطار علاقة شبه تفاعلية معها، محتفظاً بمسافة مرنة بينه وبين الشخصية توفر له متابعة الوقائع والأحداث وما تكشف عنه من أسرار ومفاجآت.

وحول أعمال مي التلمساني، يرى أنها تتميز بطرائق متنوعة لمنظور الصورة، ترفدها بمجموعة من الخبرات والوسائط الخاصة، المستقاة من فن السينما خصوصاً التقطيع الزمني لحركة المشهد، وتنويع زوايا اللقطة لتنمية إيقاع السرد درامياً.

وتراهن ميرال الطحاوي في روايتها «بروكلين هايتس» على طفولتها وتعيد مساءلتها بلغة مشربة بإيقاعات الشعر وأجواء التاريخ والجغرافيا، وتستنهضها من ركام الحكايات والذكريات لتضعها في سياق زمن روائي طازج يتوزع بين فضائي القرية والمدينة.

ويطل «محروس» بطل رواية «أحمر خفيف» لوحيد الطويلة من ثقوب السيرة الشعبية، وكأنه أحد أبطالها وفرسانها الذين تتخطف أخبارهم الألسنة والأفئدة على مدار الأزمنة والأجيال. لكنه في إغفاءته الأخيرة، على سريره الأعزل بالمستشفى ينفض عنه غبار الحكايات والأسرار، تاركاً لمحبيه وأعدائه مجاز الأثر وظل الحكاية.


مقالات ذات صلة

أي تأثير للحب العذري في شعر «التروبادور»؟

ثقافة وفنون أي تأثير للحب العذري في شعر «التروبادور»؟

أي تأثير للحب العذري في شعر «التروبادور»؟

يتفق معظم الباحثين الغربيين والعرب على تأثر شعراء التروبادور في العصور الأوروبية الوسيطة بشعر الحب العربي

شوقي بزيع
ثقافة وفنون «مهمّةُ المترجم»... ترجمة عربية جديدة لنص فالتير بنيامين

«مهمّةُ المترجم»... ترجمة عربية جديدة لنص فالتير بنيامين

تضطلعُ مقالةُ «مهمّةُ المترجم»، التي كتبها الفيلسوف والناقد والمترجم الألماني فالتير بنيامين (1892 - 1940)، سنة 1921، بمكانة متميزة في الثقافة العالمية الحديثة

«الشرق الأوسط» (عمَّان)
ثقافة وفنون سفنكس من موقع سلوت يقابله سفنكس من موقع الدُّور وآخر من موقع الفويدة

«سفنكس» عُمان

خرجت من موقع حصن سلوت الأثري في سلطنة عُمان مجموعةٌ من القطع البرونزية المنحوتة، تتميز بطابعها التصويري

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون سلطان العويس

بين ديناميت نوبل ولآلئ العويس

حينما يرد اسم أيّ جائزة تكريمية في العلوم والآداب والفنون والاجتماع، دائماً ما يحضر اسم السويدي ألفريد نوبل وجائزته العالمية لـ«السلام»!

محمد رضا نصر الله
ثقافة وفنون أسئلة الثقافة في زمن التأفيف

أسئلة الثقافة في زمن التأفيف

بعض الكتب كأنها زهور، تترك رائحتها في النفس آثاراً عميقةً لا تزول، أو مثل قوس قزح في سماء بيضاء. كتاب «التثقيف زمن التأفيف»


الفعاليات الثقافية تفتح مساحة للحوار في «معرض مسقط للكتاب»

يحفل معرض مسقط الدولي للكتاب بنحو 211 فعالية ثقافية وفنية وترفيهية (العمانية)
يحفل معرض مسقط الدولي للكتاب بنحو 211 فعالية ثقافية وفنية وترفيهية (العمانية)
TT
20

الفعاليات الثقافية تفتح مساحة للحوار في «معرض مسقط للكتاب»

يحفل معرض مسقط الدولي للكتاب بنحو 211 فعالية ثقافية وفنية وترفيهية (العمانية)
يحفل معرض مسقط الدولي للكتاب بنحو 211 فعالية ثقافية وفنية وترفيهية (العمانية)

استقطبت 211 فعالية في «معرض مسقط الدولي للكتاب 2025» حضوراً لافتاً من الجمهور المهتم الذي يتوافد إليه، توزعت بين الندوات الحوارية والأمسيات الثقافية والعروض المسرحية والبرامج الترفيهية.

ويركّز المعرض هذا العام على التنوع الثقافي، وتشارك في فعالياته 674 دار نشر تمثل 35 دولة، ويبلغ عدد العناوين والإصدارات المدرجة في المعرض نحو 681.041 ألف عنوان منها 467.413 ألف إصدار عربي و213.610 ألف إصدار أجنبي.

وتنقسم دور النشر المشاركة في المعرض ما بين 640 بصورة مباشرة، و34 بصورة غير مباشرة، وتتوزع على 1141 جناحاً.

المشاركون في الجلسة الحوارية حول أهمية المؤشرات الثقافية وأدوارها (العمانية)
المشاركون في الجلسة الحوارية حول أهمية المؤشرات الثقافية وأدوارها (العمانية)

التنوع الثقافي والهوية

وأقيمت، الثلاثاء، جلسة حوارية للمفكر البحريني الدكتور نادر كاظم بعنوان «التنوع الثقافي والهوية»، أدار الحوار الكاتب العماني علي الرواحي، سلطت الضوء على مفهوم الهوية في عالم متعدد الثقافات، ودور الدولة بصفتها ضامناً للهويات، ومحركاً لتشكيل الهوية الوطنية.

ترجمة الأدب العربي

كما أقيمت أمسيةً أدبيةً بعنوان «ترجمة الأدب العربي»، استعرضت أهمية الترجمة بوصفها جسراً ثقافيّاً حيوياً ينقل الإبداع والفكر إلى العالم، ويعزز من التواصل الحضاري بين مختلف الشعوب والثقافات.

وقالت المترجمة البريطانية آليس جوثري: «تعلمت اللغة العربية في بلاد الشام، ولقد لفتتني الثقافة العربية منذ البداية، فهي حضارة عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، ومحيط ثقافي غني يستحق أن نغوص فيه عبر الترجمة».

«تحديات وآفاق ترجمة الأدب العربي» في ندوة ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
«تحديات وآفاق ترجمة الأدب العربي» في ندوة ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)

وأضافت: «بدأت علاقتي بالترجمة بعد سنوات من اهتمامي بالأدب العربي، حين نشأت لي صداقات كثيرة في العالم العربي. ومن تلك اللحظة أدركت وجود أدب عربي غني يحتاج إلى أن يُقدّم بلغة أخرى. أتذكر أنني قبل أن أُتقن العربية، قرأت رواية (موسم الهجرة إلى الشمال)، وتساءلت عن الجمال الذي تحمله الجمل في لغتها الأصلية».

كما تحدثت جوثري عن تجربتها في ترجمة الأدب العماني قائلة: «رواية (دلشاد) للكاتبة بشرى خلفان كانت أول عمل عماني أترجمه. اكتشفت خلالها أن النصوص العمانية تزخر بالتفاصيل الدقيقة، وبعض الحوارات تأتي باللهجة العامية، مما تطلب تواصلي المباشر مع الكاتبة لتوضيح بعض المعاني. فالترجمة عمل جماعي، ولا يمكن للمترجم أن يدّعي امتلاك الخبرة المطلقة».

دور الإعلام الجديد

كما أقيمت جلسة حوارية بعنوان «الإعلام الجديد ودوره في تشكيل الثقافة المجتمعية»، تناولت تأثير الإعلام الجديد على تشكيل الأنماط الفكرية والاجتماعية في المجتمع، وأهمية الاستفادة الواعية من المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي في نشر القيم الإيجابية وتعزيز الهوية الوطنية.

جلسة حوارية حول «الإعلام الجديد ودوره في تشكيل الثقافة المجتمعية» ضمن فعاليات المعرض (العمانية)
جلسة حوارية حول «الإعلام الجديد ودوره في تشكيل الثقافة المجتمعية» ضمن فعاليات المعرض (العمانية)

وقال هلال الهلالي، الخبير والمستشار الإعلامي ومدير عام إذاعة فنون الإلكترونية، خلال الجلسة: «إن ثقافة المجتمع بحاجة إلى التطوير لمواكبة التحولات التقنية المتسارعة»، ودعا إلى تقديم رؤية ثقافية عصرية تواكب التحول التقني وتدعم بناء جيل إعلامي قادر على استثمار هذه الوسائل بما يخدم القيم الوطنية والثقافية.

وقال الدكتور خميس بن سليم أمبوسعيدي، أستاذ الإعلام الرقمي المساعد بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى، خلال مداخلته في الجلسة: «أسهمت منصات الإعلام الاجتماعي في إعادة تشكيل الهوية الثقافية والوعي المجتمعي، مما يفرض علينا كمجتمعات مسؤولية توجيه هذه الأدوات توجيهاً مدروساً يخدم مصالح المجتمع ويحافظ على ثوابته».

الهوية التراثية العمانية

كما نظم «مركز العوتبي للدراسات الثقافية والتراثية» بجامعة صحار العمانية، ندوة بعنوان «الهوية التراثية العمانية في المنجز البحثي الجامعي: خلاصات ورؤى»، ناقشت عدداً من البحوث العلمية فيما يخص التراث والثقافة العمانية، وأهمية تطبيق المنهج في البحث التراثي، وهي الحكايات الشعبية والحفاظ على اللغة الكمزارية، بالإضافة إلى العطر والتعطر، والأدوات المنهجية والإجراءات المتبعة لتحقيق أهداف البحوث.

جانب من ندوة عن الهوية التراثية العمانية في المنجز البحثي الجامعي (العمانية)
جانب من ندوة عن الهوية التراثية العمانية في المنجز البحثي الجامعي (العمانية)

وشارك في الندوة الدكتور علي المانعي، مساعد عميد كلية التربية والآداب بجامعة صحار، الذي قدم خلاصة عن دراسته حول الحكاية الشعبية في محافظة شمال الباطنة، وتناول فيها الحكايات والأساطير المرتبطة بالمكان، مركّزاً على أن التراث يعد من أهم المصادر المادية للنشاط الإنساني الذي يعين على استرجاع المفقود باعتبار أن التراث مصدر غير متجدد، وهو من العناصر الجاذبة للسياحة.

واستضافت الندوة الدكتورة هاجر حراثي، باحثة أكاديمية وأستاذة مشاركة في الأدب العربي القديم بجامعة صحار، وقدمت خلاصة عن بحثها حول العطر والتعطر في الثقافة العمانية، وكونها من الممارسات العطرية الموروثة وما يتصل بها من مكونات وخلطات ورموز وطقوس ووظائف وأدوار جمالية وسحرية واجتماعية ودينية واقتصادية وغيرها، وأهمية الحفاظ على هذا الموروث من الاندثار، حيث يتمسك به العمانيون على الرغم من تطور صناعة العطور ورواج العطور الأجنبية.

أما الدكتورة دولا القاضي، أستاذة بكلية الدراسات اللغوية في جامعة صحار، قدمت خلاصة عن بحثها حول اللغة الكمزارية وجمعها وتوثيقها، الذي يندرج ضمن علم توثيق اللغات والدراسات اللسانية، ويهدف إلى توثيق اللغة الكمزارية، وهي إحدى اللغات المهددة بالاندثار في سلطنة عُمان.