الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة

تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)
تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)
TT

الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة

تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)
تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)

حصدت كاتبة القصة الكويتية الدكتورة نجمة إدريس، بمجموعتها القصصية «كنفاه» الصادرة عن دار «صوفيا»، جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة العربية لدورتها السابعة.

وجاء إعلان الفائزة بجائزة «الملتقى» للقصة القصيرة العربية في ظل احتفال الكويت «عاصمة الثقافة العربية والإعلام العربي للعام 2025».

الدكتور محمد الجسّار، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الشرق الأوسط)

وفي كلمته في حفل إعلان الفائز بالجائزة، أكدّ الدكتور محمد الجسّار، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، «الالتزام بدعم جائزة الملتقى، وكذلك المبادرات الثقافية والفكرية ذات البعد العربي، والتي ترفع من شأن الإبداع والأدب وتعزز من مكانة دولة الكويت كحاضنة للفكر والإبداع».

وقال الجسار: «إن جائزة الملتقى للقصة القصيرة، منذ انطلاقتها، أكدت دورها الريادي في دعم فن القصة القصيرة، وتعزيز مكانته في المشهد الأدبي العربي والعالمي، وتحفيز الكتّاب على تقديم أعمال تحمل فرادة الأسلوب وعمق التجربة الإنسانية».

وأضاف: «لقد مثّلت (جائزة الملتقى) الكويت باقتدار في مشهد الجوائز العربية، وكذلك عضويتها في (منتدى الجوائز العربية)، حتى صار يُشار للكويت بأنها بيت القصة القصيرة العربية»، مشيداً بمؤسس الجائزة الأديب طالب الرفاعي، «الذي كان له الفضل، مع زملائه من الأدباء والمثقفين في الكويت والوطن العربي، في تأسيس هذه الجائزة المرموقة، وترسيخ تقاليدها النزيهة»، كما أشاد بلجنة التحكيم «التي بذلت جهداً كبيراً في قراءة الأعمال المقدّمة لهذه الدورة، واختيار الفائزين وفق معايير فنية رفيعة. كما أهنئ جميع المشاركين، فمجرد الوصول إلى هذه المنصة يعد إنجازاً أدبياً يستحق التقدير».

الدكتور عبد العزيز السبيّل رئيس منتدى الجوائز العربية (الشرق الأوسط)

بينما أشار الدكتور عبد العزيز السبيّل، رئيس منتدى الجوائز العربية في كلمته إلى الدور الكبير الذي لعبته جائزة الملتقى في مشهد الجوائز العربية، وقال: «لقد أعادت هذه الجائزة للقصة القصيرة وهجها، وأكدت أهميتها في عقول المبدعين، وقراء العربية، داخل الوطن العربي وخارجه. وجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية عضو نشط، ومؤسس لمنتدى الجوائز العربية، هذا الكيان الثقافي العربي الذي يحتضن أكثر من ثلاثين جائزة علمية وثقافية، ويعمل على دعمها ورعايتها، وتحقيق التواصل فيما بينها».

في حين قال الأديب طالب الرفاعي، مؤسس ورئيس مجلس أمناء الجائزة، إن الملتقى «سيبقى وفياً لفن القصة، وكذلك للجائزة، خاصة وأنها أصبحت الجائزة الأهم في الوطن العربي، مثلما صارت وجهاً مشرقاً من وجوه وصل الكويت بالمبدع العربي».

احتفال تتويج الفائزين بجائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت (الشرق الأوسط)

وقال الرفاعي: «لأسباب تخصّ اللحظة القرائية العربية، والقصة القصيرة، ومشهد الجوائز العربية، فلقد كُتب لمشروع جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية أن يولد كبيراً ومُتألقاً، وذلك عام 2015. سبع دورات ليست عمراً مديداً لكن هذا العمر كان كفيلاً بأن يجعل من جائزة الملتقى (أوسكاراً) للقصة القصيرة العربية. وأن يجعل من دوراتها بندواتها الثقافية حدثاً إبداعياً ثقافياً كويتياً عربياً عالمياً بامتياز. فسنوياً يحج للترشّح للجائزة قرابة مائتين من كتّاب القصة العربية في كل مكان. وسنوياً يرتفع اسم كاتب قصة عربي، ومجموعة قصصية عربية لتأخذ طريقها إلى الترجمات الأجنبية».

وفي كلمته، قال رئيس لجنة التحكيم الروائي أمير تاج السر: «المنافسة كانت شديدةً بين كتّاب القائمة القصيرة، ولم يكن سهلاً اختيار الفائز. لكن ولأن لجنة التحكيم وضعت معايير فنية دقيقة، يستند كل معيار إلى رقم محدد، وبعد مناقشة شفافة، أجمع أعضاء اللجنة على أن الدكتورة نجمة إدريس تستحق الفوز بجدارة».

وأضاف تاج السرّ: «لقد غدت جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، مطمح كل كاتب قصة، وحلم يراود الكثيرين، وهذا ما كشف عنه الإقبال المتنامي للمشاركة في الجائزة، دورة بعد دورة. ففي دورتها الراهنة؛ السابعة تقدّم للجائزة 133 مجموعة قصصية، وكانت في مجملها تمثيلاً حقيقياً وصادقاً لمشهد القصة القصيرة العربية، على مستوى مضامين القصص، وأساليبها، ومراميها. مما حدا بلجنة التحكيم إلى وضع معايير فنية دقيقة وواضحة، والعمل وفق تلك المعايير لقراءة وغربلة القصص، وفق جدولٍ زمني، أخذها إلى الكثير الكثير من اللقاءات والنقاشات والحوارات، ولحين الوصول إلى القائمة الطويلة، ومن ثم القائمة القصيرة».

وكانت لجنة تحكيم الجائزة قد عقدت اجتماعها الأخير في الكويت، إذ تنافس على الفوز كل من أحمد الخميسي (مصر)، وزياد خدّاش (فلسطين)، وعبد الرحمن عفيف (سوريا/ألمانيا)، ومحمد الراشدي (السعودية)، ونجمة إدريس (الكويت).

وأقامت الجائزة حفلها بإعلان الفائز مساء اليوم الثلاثاء وسط جمع كبير ضمَّ الدكتور عبد العزيز السبيّل، رئيس منتدى الجوائز العربية، وأحمد عبد الحميد، الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، والدكتور علاء عبد الهادي، رئيس اتحاد الكتّاب العرب، وكوكبة من كتّاب القصة العرب والأدباء والمثقفين.



العصر العباسي الأول... المفارقة بين نزق السطوح وتراجيديا الأعماق

 تمثال أبو نواس في بغداد
تمثال أبو نواس في بغداد
TT

العصر العباسي الأول... المفارقة بين نزق السطوح وتراجيديا الأعماق

 تمثال أبو نواس في بغداد
تمثال أبو نواس في بغداد

لم يكن التغزل الصريح بالمرأة والاحتفاء بالملذات ظاهرةً عباسيةَ النشأة والتبلور، بل كانت نسخته الأولى قد تشكلت في الحقبة الأموية، متخذة ملامح عربية لا لبس في نقائها، إلا أن ما نلاحظه من فوارق في الجرأة والأسلوب بين النسختين، كان يتصل بتبدل الظروف وبتطورالبيئة السياسية والاجتماعية الحاضنة لكل منهما. ففي حين نهض بالتجربة الأولى شعراء ونخب مثقفة ينتمون بمعظمهم إلى أشراف قريش، وتمنعهم عراقة محتدهم وأمكنة عيشهم من البذاءة والإسفاف، ظهرت التجربة الثانية في ساحات نائية عن مركز الدعوة، وقادتها في ظروف أكثر ملاءمة جمهرة واسعة من الشعراء والكتاب والمغنين، المحتفين بالحياة الجديدة، أو الهاربين من أزماتهم باتجاه اللهو والمتعة الخالصة. وهكذا احتشد في الآونة ذاتها شعراء عبثيون من أمثال أبو نواس وبشار بن برد ووالبة بن الحباب والحسين بن الضحاك الخليع ومطيع بن إياس ومسلم بن الوليد وعلي بن الجهم وحماد عجرد، فيما احتشد في الموسيقى والغناء كل من زرياب وإسحق وإبراهيم الموصلي وعريب وإبراهيم بن المهدي وابن جامع وكثيرين غيرهم.

ولعل أكثر ما يلفتنا في هذا السياق هو السلوكيات «الفصامية» لبعض الخلفاء الذين كانوا يمارسون الشيء ونقيضه في آن. فهم بانخراطهم في مناخ المتعة واللهو، محولين قصورهم إلى حانات يؤمها شعراء ومغنون وندماء، بدوا وكأنهم يريدون الإيحاء برسوخ الحكم واستقراره. إلا أن ظاهر الأمور لم يكن متطابقاً مع باطنها، بل كان تظاهرهم بالطمأنينة يخفي وراءه قلقاً عميقاً على المصير، سواء بفعل الثورات المتلاحقة لأبناء العمومة العلويين والأشراف، أو بفعل التغلغل المتفاقم للفرس، ومن بعدهم الأتراك، في مفاصل الدولة وهياكلها المختلفة.

كما أن تداخل الدنيوي بالديني، الذي يُوجب عليهم حماية الإسلام وشعائره، جعلهم يحرصون على عدم إغضاب المتشددين من الفقهاء والعامة، والاحتفاظ بمظهر الورع والتقى، وصولاً إلى معاقبة المفرطين في الفسق والمجون، الأمر الذي أبقى المشتغلين بالأدب والفن في خانة التوتر، مع ملاحظة أن تهمة الزندقة والمروق تحولت إلى سيف مسلط على رقاب المعارضين السياسيين، وصولاً إلى قتل البعض منهم على نحو مأساوي.

ومع أن بعض هؤلاء لم يكن بريئاً من تهم الشعوبية والزندقة والعداء للعرب، فإن ثمة دوافع وأسباباً أخرى، حملت هؤلاء على ملازمة الحانات والارتماء في أحضان الجواري واستمراء السلوكيات الشاذة، من بينها النشأة المتواضعة والفقر والتهميش الاجتماعي.

وقد بدا واضحاً أن يُتْمَ أبو نواس المبكر، وافتقاره إلى الإشباع العاطفي، وما عاينه طفلاً من انحراف أخلاقي في عائلته، هو ما شكل الدافع الأهم لفجوره وتهالكه على اللذة، كنوع من الانتقام الثلاثي الرمزي، من أمه ومن نفسه ومن مجتمعه على حد سواء. وهكذا راح يضرب عرض الحائط بالأعراف والتقاليد.

وقد يكون بشار بن برد، بموهبته المتفردة وسلوكه الملتبس، أحد أكثر الشعراء تجسيداً للمفارقة القائمة بين نزق السطوح وتراجيديا الأعماق. فمن الصعوبة بمكان أن نرى مروق هذا الشاعر المولود لأب فارسي وأم رومية، من المنظور الشعوبي وحده، بل علينا أن نضيف إلى ذلك فقر أسرته ونشأته على الرق، فضلاً عن عماه بالولادة ودمامته المفرطة. وقد ولّد كل ذلك في داخله شعوراً بالنقمة على كل ما يحيط به، وصولاً إلى اعتبار عماه نعمة إلهية، بقوله:

قالوا العمى منظرٌ قبيحٌ قلتُ بفقدي لكمُ يهونُ

تالله ما في البلاد شيء تأسى على فقْده العيونُ

ولم يكن الحسين بن الضحاك الخليع ليختلف كثيراً عن مجايليه، سوى أنه كان يفوقهم في الفكاهة والظرف إلى حد أنه بات نديماً لغير واحد من خلفاء بني العباس، ابتداءً بالأمين وانتهاء بالواثق.

وكان من بين هؤلاء حماد عجرد، الذي اشتهر بمكره وسعة حيلته، رغم إغراقه في الفسق والتهتك. وقد رُمي حماد بالزندقة كأترابه الآخرين، وكاد أن يواجه المصير المأساوي نفسه الذي واجهه بشار، لو لم يشفع به لدى المهدي صديقه الأثير محمد بن أبي العباس السفاح. وإذ عرف عنه ميله الدائم إلى الخصومة والعراك، لم يتردد في خوض السجالات الحادة مع منتقديه، حتى لو كانوا من الأئمة والمتنسكين، وهو الذي خاطب الإمام أبا حنيفة الذي لامه على سلوكه طريق الفسق، بالقول:

إن كان نُسكك لا يتمُّ بغير شتمي وانتقاصي

فلطالما زكّيتني وأنا المقيم على المعاصي

على أن كل ما تقدم لا يمنعنا من ملاحظة الوجه الآخر لهؤلاء الشعراء والكتاب، الذين اندفعوا إلى الفسق والمجون كشكل من أشكال الاحتجاج على الواقع، بشقيه الشخصي والاجتماعي. فهم في تهالكهم على الفوز بغنائم الجسد و«أتاواته» وملذاته، ظلوا في أعماقهم ظامئين إلى العاطفة الصادقة والحب الحقيقي. وإذ انتهى بعضهم مقتولاً على يد السلطة الحاكمة بتهمة الزندقة، كما حدث لبشار وابن المقفع، فإن بعضهم الآخر قد عمد إلى قتل حبيبته بدافع الغيرة، كما حدث لديك الجن الحمصي فوق مسرح مغاير. ومع ذلك فقد بدوا كما لو أنهم آثروا خسارة الحب لكي يربحوه مسترداً في الشعر والحنين، وهو ما يؤكده أبو نواس بقوله:

وأُقسمُ لولا أن تنال مَعاشرٌ جنانَ بما لا أشتهي لجنانِ

فواحزنا حزناً يؤدي إلى الردى فأُصبح مأثوراً بكل لسانِ

تراني انقضتْ أيامُ وصليَ منكمُ وآذَنَ فيكم بالوداع زماني

كما يتجلى الوجه الآخر للعلاقة بالمرأة في شعر بشار بن برد، وفي قصائده ومقطوعاته التي نظمها في غرام «عبدة» على نحو خاص، حيث التعلق بالمعشوق يتكفل به القلب والأذن لا العين، وواسطته البصيرة لا البصر. وإذ يقارن بشار في حالات غيرته القصوى بين الفراق الذي يحمل حبيبته إلى أحضان سواه، والموت الذي يضعها في عهدة التراب، يختار الثاني على الأول، ويهتف بحرقة:

من حبها أتمنى لو يصادفني من نحو قريتها ناعٍ فينعاها

كيما أقول فراقٌ لا لقاء له وتضمر النفس يأساً ثم تسلاها

كما بدا مطيع بن إياس كأنه يحمل في مورثاته الجينية طبائع السلالة وميلها الجارف إلى الاستمتاع بمباهج الحياة وملذاتها الحسية. فقد روى الأصفهاني بأن خارجة، جدة مطيع، كانت تحمل من النهم الجسدي ما جعلها تنتقل من زوج إلى آخر، وتستجيب لكل من يخطبها من الرجال. وقد سار مطيع على خطى جدته، بحيث انصرف بكليته إلى المتعة. ومع ذلك فإن مطيع بن إياس الذي عُرف عنه استهتاره وتهتكه وأشعاره الماجنة، هو نفسه الذي حمله العشق على إظهار ما بداخله من عذوبة وشجن. فإذ اضطر إلى فراق جارة له كان قد أحبها في الري، وجلس يستريح إلى نخلتين في محلة حلوان، راح يخاطب النخلتين بالقول:

أَسعِداني يا نخلتيْ حلْوانِ وارثيا لي من ريب هذا الزمانِ

ولعمري لو ذقتما ألم الفرقةِ أبكاكما الذي أبكاني

أسعِداني وأيقِنا أن نحساً سوف يلقاكما فتفترقانِ