«الأفكار هي الأشياء»... السعادة من وجهة نظر فلسفية

«الأفكار هي الأشياء»... السعادة من وجهة نظر فلسفية
TT

«الأفكار هي الأشياء»... السعادة من وجهة نظر فلسفية

«الأفكار هي الأشياء»... السعادة من وجهة نظر فلسفية

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة حديثة من كتاب «الأفكار هي الأشياء» للفيلسوف الأميركي برنتيس مالفورد، والذي يطرح فيه تساؤلاً مركزياً: «ما الهدف من الحياة؟»، ثم يجيب بأنه بلا شك يتمثل في أن نحظى بأكبر قدر من السعادة فيها، وأن نتعلم من خلال ذلك أن نحيا على يقين من أن كل يوم جديد سيصبح حافلاً بالمباهج كاليوم الذي نعيشه الآن وأكثر، وأن نصرف عن أذهاننا مجرد تذكر أن الوقت قد يمر ببطء شديد لانعدام ما يثير حماسنا إلى أن نشعر بالامتنان.

ويبدو الكتاب الذي ترجمته شيرين أشرف، في لغة رصينة ورشيقة، وكأنه محاولة متفائلة للإقبال على الحياة ورؤية ما بها من جمال؛ إذ يؤكد مالفورد أن السعادة تأتينا حين نتغافل عن المرض أو الألم، وأن نسيطر على الجسد من خلال قوة الروح، فلا يتألم ولا يعاني، وأن نتحكم في أفكارنا فنزداد قوة تمكنها من العمل منفردة وبمعزل عن جسدنا دون التأثير فيه، لكي تمكننا من توفير كل احتياجاتنا دون سلب أي شخص حقه أو ظلمه.

لكنه يبدو أن المؤلف مغرق في مثاليته حين يؤكد أن السعادة تركض باتجاه من يتجنب خلق أعداء له ويصبح صديقاً للجميع من خلال رؤية صافية وروح مشرقة تسمو عن توافه الصراع الدنيوي.

وتنتمي فلسفة مالفورد إلى ما يُعرف بحركة «الفكر الجديد»، وهي حركة روحانية معنية بـ«شفاء العقل» ذات جذور ميتافيزيقية منذ نشأتها في الولايات المتحدة الأميركية في مطلع القرن التاسع عشر. ويرجع كثيرون العديد من السمات الجوهرية لحركة «الفكر الجديد» إلى الفلسفة المثالية، خاصة في تجلياتها لدى رالف والدو إمرسون (1803 - 1882)، ومثالية أفلاطون في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد التي تفترض أن عالم المُثل؛ أي الأفكار، أكثر واقعية من العالم المادي، وأن الطريقة المثلى للوصول إلى الحقيقة هي عن طريق العقل المجرد لا الحواس.

كما تبدو تلك الحركة متأثرة بفلسفة مانول سفيدنبوري (1688 – 1772)، وتحديداً وجهة نظره التي تقول إن العالم المادي هو إحدى النتائج التي لها مردود روحي ومقصد إلهي، وكذلك مثالية هيغل المطلقة التي تقوم على اعتبار الوعي سابقاً للمادة.

لقد وُصف برنتيس مالفورد بـ«أغرب الرجال»، وأنه مفكر بطبيعته، استمد بصيرته بما يحيط الجنس البشري من غموض وأسرار جديرة بالتأمل والخبرة المباشرة وليس من الكتب، فهو رجل من الشمال الشرقي للولايات المتحدة، عاش في الفترة من 1834 – 1891 حياة متسكعة مضطربة، لا يجد مسلكاً مهنياً يرضي شغفه، فاستجاب لنداء المحيط تاركاً اليابسة خلفه على متن سفن تجارية، وصولاً إلى الساحل الغربي.

واكتفى مالفورد هناك بالطهو وصيد الحيتان والتعدين والتعليم المدرسي، ثم حاول الخوض في الحياة السياسية، ولكن ما لبثت محاولته أن باءت بالفشل، ثم انتهى به المطاف إلى عالم الإبداع الأدبي والصحافة.

ازداد اهتمام مالفورد منذ عام 1865 بالظواهر الروحانية والقوانين العقلية، واتخذت مقالاته ومؤلفاته بعداً فلسفياً يجسد شكلاً لا مثيل له من الحكمة والنظرة الثاقبة للمعضلات التي يواجهها الإنسان، وكيفية التصدي لها باستخدام قواه الفردية الكامنة في العقل بأسلوب إبداعي شائق. وتوالت محاولاته لفهم طبيعتنا الجسدية المجردة عند التطرق إلى موضوعات أزلية كالزواج والذكريات والعدالة وقوة العقل، وحتى ضرورة جمع الثروة، مع رؤية جديدة تعتمد على الحدس والمشاركة الوجدانية، لا العقل.

ومن ثم، بدا مالفورد جريئاً في تفاؤله الشديد وتوسم الخير في الجنس البشري؛ لذلك قد تبدو أفكاره للكثيرين درباً من دروب الأحلام والخيال، في حين أن هذه الصفات الإنسانية بالذات هي ما أسبغت على أعماله التي هي ترجمان أفكاره، الحداثة وخفة الروح، على نحو جعلها سابقة لعصره.


مقالات ذات صلة

«سيرة الفيض العبثية»... الرواية بوصفها تأريخاً اجتماعياً

ثقافة وفنون «سيرة الفيض العبثية»... الرواية بوصفها تأريخاً اجتماعياً

«سيرة الفيض العبثية»... الرواية بوصفها تأريخاً اجتماعياً

في روايته الأحدث «سيرة الفيض العبثية»، الصادرة عن دار «الفرجاني» في القاهرة، يسعى الروائي الليبي صالح السنوسي لتأريخ مرحلة تاريخية ممتدة في سيرة منطقة «الفيض»

عمر شهريار
ثقافة وفنون رواية عن الزنازين السورية

رواية عن الزنازين السورية

في عمله الروائي الجديد «جدران تنزف ضوءاً»، ينقل الكاتب السوري الكردي ماهر حسن القارئ إلى قلب الزنازين السورية، حيث يتحول المكان الضيق إلى عالم متكامل

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ غلاف كتاب «كيرلس بيبول» Careless People (أناس مهمِلون) لسارة وين وليامز (أ.ب)

كتاب مثير للجدل لموظفة سابقة في «ميتا» يتصدر المبيعات في أميركا

تصدّر كتاب لموظفة سابقة في شركة «ميتا» يتناول بطريقة سلبية عدداً كبيراً من المسؤولين في المجموعة الأميركية بينهم مارك زوكربيرغ ، المبيعات في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
كتب  راي كيرزويل

آلاتٌ ذكية قد تنقذنا من غبائنا البشري

يبدو الذكاء الاصطناعي لمعظمنا لعبة فاوستية معاصرة مؤذِنة بانتهاء عصر الإنسان العاقل.

لطفية الدليمي
كتب قراءة جديدة في الثورة الجزائرية

قراءة جديدة في الثورة الجزائرية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب «دراسات في ثورة التحرير الجزائرية» (1954 - 1962).

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كونان أوبراين يتسلم «جائزة مارك توين للفكاهة»

كونان أوبراين (أ.ب)
كونان أوبراين (أ.ب)
TT

كونان أوبراين يتسلم «جائزة مارك توين للفكاهة»

كونان أوبراين (أ.ب)
كونان أوبراين (أ.ب)

في ليلةٍ سخر فيها أشخاص عدة من كون هذه آخر جائزة لمارك توين على الإطلاق، حرص الفائز كونان أوبراين على أن يُختتم الحفل في مركز «جون إف كيندي للفنون الأدائية» بنهايةٍ رائعة.

وقد تسلم أوبراين الجائزة عن مجمل أعماله الكوميدية ليلة الأحد، ولم يفته أن يتحدث عن الاضطرابات التي تُخيم على مستقبل المركز الثقافي في واشنطن.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أنه تم اختيار أوبراين، البالغ من العمر 61 عاماً، ليكون الفائز السادس والعشرين بـ«جائزة مارك توين» في منتصف يناير (كانون الثاني)، أي قبل نحو ثلاثة أسابيع من الانقلاب الذي أحدثه الرئيس دونالد ترمب على «مركز كيندي» بإقالة الرئيسة ديبورا روتر، التي شغلت المنصب لفترة طويلة، ورئيس مجلس الإدارة ديفيد روبنشتاين. أقال ترمب مجلس الأمناء واستبدل بهم موالين له انتخبوه رئيساً.

ونقلت الوكالة مقتطفات من كلمة الفائز أوبراين شكر فيها رئيس مجلس الإدارة المُقال روبنشتاين والرئيسة السابقة للمركز وروتر بشكل خاص؛ ما أثار تصفيقاً حاراً، وكذلك أشاد بموظفي «مركز كيندي» الذين، كما قال، كانوا «قلقين بشأن ما قد يحمله المستقبل». وأضاف أن مثال حياة مارك توين ومسيرته المهنية كان لهما صدى خاص في هذه اللحظة من التاريخ الأميركي. وقال أوبراين: «كان توين يكره المتنمرين... وكان يتعاطف بشدة مع الضعفاء. أحب توين أميركا، لكنه كان يعلم أنها تعاني عيوباً عميقة». ثم خرج شخص مقلداً لمارك توين من بين الجمهور. وبعد نقاش حاد مع أوبراين، انضم إليه على المسرح ورقص الاثنان ببطء لبعض الوقت. ثم انضم إليهما اثنا عشر مُقلداً آخرون لتوين، بالإضافة إلى آدم ساندلر، الحائز سابقاً «جائزة توين»، لتقديم أداء صاخب لأغنية نيل يونغ «روكين إن ذا فري وورلد» (ترجح في العالم الحر). اختتمت تلك النهاية الموسيقية ليلةً خيّم فيها غموض مصير «مركز كيندي» نفسه.

وذكرت الممثلة الكوميدية نيكي غلاسر قبل الحفل: «أعتقد أنه من الجنون عدم التطرق إلى المشكلة الجوهرية. الأمر واضحٌ الليلة. هذه الليلة تدور حول كونان، لكن يمكن أن يكون كلاهما». بمجرد بدء الاحتفالات، مازح أوبراين ستيفن كولبير قائلاً إن «مركز كيندي» قد أعلن عن عضوين جديدين في مجلس الإدارة: بشار الأسد، الرئيس السوري المخلوع، وسكيليتور، الشرير الخارق الخيالي. وأضاف جون مولاني مازحاً أن المبنى بأكمله سيُعاد تسميته قريباً بـ«جناح روي كوهن» تيمّناً بأحد مرشدي ترمب. وأطلقت سارة سيلفرمان الكثير من النكات عن ترمب، التي كانت بذيئةً جداً بحيث لا يمكن نشرها. وعند إعلان ترمب عن تغييرات «مركز كيندي»، نشر على وسائل التواصل الاجتماعي أن أولئك الذين طُردوا «لا يشاركوننا رؤيتنا لعصر ذهبي في الفنون والثقافة». يبقى أن نرى كيف ستتشكل هذه الرؤية، لكن ترمب تحدث عن رغبته في حجز المزيد من عروض برودواي هناك وطرح فكرة تكريم «مركز كيندي» للممثل سيلفستر ستالون والمغني وكاتب الأغاني بول أنكا. ودخل أوبراين، الذي لم تكن شخصيته الكوميدية سياسية بشكل خاص في هذه الدوامة.

وكان معروفاً عن أوبراين ميله إلى السخرية من نفسه، لكنه انخرط أيضاً في قضايا مجتمعية حساسة في بعض الأحيان. وقفز أوبراين إلى دائرة الضوء من الغموض شبه الكامل في عام 1993 عندما تم اختياره ليحل محل ديفيد ليترمان مقدماً لبرنامج «ليت نايت» على الرغم من عدم امتلاكه خبرة كبيرة أمام الكاميرا. وكان المحرر السابق لصحيفة «هارفارد لامبون» قد أمضى السنوات السابقة كاتباً في برنامجي «ساترداي نايت لايف» و«ذا سيمبسونز»، حيث ظهر أمام الكاميرا فقط كومبارساً خلفياً في مشاهد «ساترداي نايت لايف». واستمر في تقديم برنامج «ليت نايت» لمدة 16 عاماً، وهي مدة أطول من أي مقدم آخر. وتم اختيار أوبراين لاحقاً ليحل محل جاي لينو مقدماً لبرنامج «ذا تونايت شو»، لكن هذه التجربة انتهت بفشل علني. بعد سبعة أشهر، أعاد المسؤولون التنفيذيون في NBC تكليفه برنامجاً جديداً من شأنه أن يعيد برنامج «ذا تونايت شو». لكن أوبراين رفض قبول هذه الخطوة؛ ما أدى إلى خلاف علني انتهى بدفع ملايين الدولارات لأوبراين وموظفيه لمغادرة الشبكة في أوائل عام 2010. استمر أوبراين في تقديم برنامج حواري آخر على قناة الكابل TBS، بينما أطلق بودكاست وبرامج سفر ناجحة.

حظيت سلسلة رحلاته «كونان أوبراين يجب أن يرحل» بإشادة شعبية ونقدية، مع اقتراب موسم ثانٍ. وقد لاقى عرضه الأخير في حفل توزيع جوائز الأوسكار استحساناً كبيراً لدرجة أن المنتجين أعلنوا عن إعادته العام المقبل. عقب استيلاء ترمب على «مركز كيندي»، أعلن الكثير من الفنانين، بمن فيهم منتجو «هاميلتون» والممثلة والكاتبة إيسا راي، عن إلغاء عروضهم في المكان. واختار آخرون الأداء مع التعبير عن آرائهم المعارضة من على المسرح.

أعلن أوبراين مازحاً أن «مركز كيندي» قبل عضوين جديدين في مجلس الإدارة: بشار الأسد، الرئيس السوري المخلوع، وسكيليتور، الشرير الخارق الخيالي