قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

تصدَّرها الشعر والرواية والبحث عن «التاريخ المنسي» (2 ــ 3)

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024
TT

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع... في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في مصر تراوحت قراءات المثقفين والأدباء ما بين الرواية والشعر؛ خصوصاً الشعر الأميركي بآفاقه الكثيرة التي لا تزال في حاجة إلى مزيد من الاكتشاف، كما شملت القراءات الجوانب المنسية والمهمشة من التاريخ، فضلاً عن كتب السيرة الذاتية وعلاقتها بالفلسفة، وكذلك الكتب التي تتناول الأدوار المتعددة للنخبة المثقفة وأقنعتها التي تراوح دائماً ما بين الخفاء والتجلي.

أحمد الخميسي: مكتبة متنقلة لبيع الأرض والسماء

في البداية، يشير الكاتب أحمد الخميسي إلى تنوع قراءاته ما بين اللغة والأدب والسياسة، ففي عالم الأدب استمتع برواية «المكتبة المتنقلة» للروائي الأميركي كريستوفر مورلي الذي توفي عام 1958، وفيها نقرأ بروح الفكاهة العذبة حكاية «ميفلين» العجوز الذي عشق الكتب وأُغرم بتقديمها للآخرين فراح يجوب القرى بعربة خشبية محملة بمكتبة كاملة يجذب الناس إلى متعة القراءة. يقول الكاتب على لسان ميفلين: «إننا عندما نبيع كتاباً لرجل فنحن نبيعه حياة جديدة بأكملها، الحب، والصداقة، والفكاهة... السماء والأرض بأكملهما موجودان في الكتاب».

ويشير الخميسي كذلك إلى كتاب «اختلاق إسرائيل» للكاتب البريطاني كيث وايتلام الذي يفنّد فيه الكثير من المعلومات التاريخية التي تربط الماضي بالحاضر فيما يتعلق بالأسس التي قامت عليها دولة إسرائيل، مؤكداً أنه «إذا نظرنا من منظور أطول زمناً، فإن تاريـخ إسرائيل الـقـديم يبدو مثل لحظة قصيرة في التاريخ الفلسطيني الطويل».

وتبقى في ذاكرة الخميسي كتاب يصفه بـ«ممتع» يحمل عنوان «أين ذهب المثقفون؟» للأكاديمي المجري فرانك فوريدي المختص في علم الاجتماع، وفيه يعالج برشاقة ويسر قضية عزوف الناس عن القراءة في عصرنا حتى في بلدان مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا، مركّزاً من خلاله على موضوع اختفاء المثقفين. ويقول المؤلف إن من أسباب ذلك حصر دور التعليم والثقافة في حدود الأدوات التي تخدم أغراضاً عملية لا أكثر؛ مما أدى إلى التسطيح الثقافي، وإلى ما أطلق عليه الأكاديمي المجري «تهميش الشغف الفكري»، فلم يعد للمثقف دور في مجتمعاتنا المعاصرة. ويضرب مثالاً على ذلك من فرنسا قائلاً: «إن المثقفين الفرنسيين الآن، مقارنة بسارتر، يبدون مجرد تكنوقراطيين هزيلين». ويطرح كتابه بقوة سؤالاً أساسياً: أين اختفى المثقفون بالفعل؟ ولماذا؟

سارة حواس: «شاعرة في الأندلس» تبحث عن هوية فلسطينية

وتركزت قراءات المترجمة والأكاديمية الدكتور سارة حامد حواس على الشعر الأميركي الحديث، لا سيما أرشيبالد ماكليش، وتيد كوزر، وتشارلز رايت، ودابليو إس مروين، وكونراد أيكن، وچيمس رايت ويوسف كومنياكا، وغيرهم ممن كتبت عنهم في كتاب جديد سوف يصدر لي قريباً بعنوان «ولاؤهم للروح: عشرون شاعراً أميركيا حازوا حائزة بوليتزر» بالتزامن معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وفي النصف الثاني من العام، شملت قراءات حواس الكثير من الروايات التي توقفت عندها بشغف، مثل رواية «صاحب الظل الطويل» لچون ويبستر وهي من ترجمة بثينة الإبراهيم والصادرة عن «منشورات تكوين» ورواية «النباتية» لهان كانغ التي حازت جائزة نوبل في الآداب لعام 2024، ورواية «رحلات في غرفة الكتابة» لبول أوستر الصادرة عن دار «التنوير». أما عن الكتب التي تتناول موضوع الكتابة بصفة عامة، فأحببت كتاب «كيف كانوا يكتبون» الصادر عن دار «المكتبة العلمية»، وهو كتاب ألَّفه مجموعة من الكتَّاب لم يذكرهم الكتاب، وقام بترجمته عادل العامل، ويتناول تجارب الكتَّاب في كتاباتهم من شكسبير إلى هوراكامي، وهو عمل ثري وملهم وأرشحه لأي كاتب مهتم بتجارب الآخرين.

أما عن الكتاب الذي توقفت عنده كثيراً لسارة حواس وخلق حالة لا تُنسى من الجمال والبهاء، فهو «شاعرة في الأندلس» للشاعرة الأميركية - الفلسطينية ناتالي حنظل، ترجمة الشاعر السوري الدكتور عابد إسماعيل وصادر عن دار «التكوين» وهو كتاب يمزج الشرق بالغرب، والحب بالفقد، والضياع باستكشاف الذات، والبحث عن الهوية التي ضاعت في سبر أحداث تحدّها جغرافيات مختلفة، حيث جاءت الشاعرة من فلسطين إلى نيويورك، ثم تذهب إلى الأندلس، التي أقامت فيها نحو عام.

وتضيف حواس: «هو من أكثر الدواوين التي أثَّرت فيَّ ومست قلبي؛ شعور بالاغتراب ممزوج بالألم والحب، شعور بالقوة والانتصار برغم الفقد والتيه، مشاعر إنسانية حقيقية كتبتها ناتالي حنظل كما لو كانت تكتب نوتة موسيقية».

خالد عزب: التاريخ المنسي لأهل الجنوب

ويتوقف المؤرخ والباحث في الدراسات الأثرية الدكتور خالد عزب عند كتاب مثير يكشف جوانب مهملة في البحث التاريخي في مصر ألَّفه الباحث النابغة أمير الصراف يحمل عنوان «منقريوس بن إبراهيم... وزير ومباشر همام الهواري أمير صعيد مصر»، وصدر عن دار «المرايا» بالقاهرة. ويتساءل الدكتور محمد أبو الفضل بدران في مقدمة الكتاب: «هل يطوي التاريخ صفحات عمداً ويُظهر أخرى؟ لماذا يغفل التأريخ صانعي الأحداث الفعليين وأدوارهم المؤثرة، ويمضي في تمجيد المنتصر وينسي المهزومين؟».

يتابع عزب: يسلط الكتاب الضوء على التاريخ المنسي لصعيد مصر وإقليم الجنوب من خلال أحد أهم أفراد رجال الإدارة القبطية في صعيد مصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وهو منقريوس بن إبراهيم المكنى في بعض وثائق وحجج المحاكم الشرعية، بـ«بولس منقريوس» وكان وزير الأمير همام بن يوسف بن محمد وذراعه اليمنى في الإدارة. ويذكر المؤلف أن التحاق منقريوس بإدارة همام، زعيم قبيلة هوارة، تزامن مع تولد فكرة الدولة المستقلة في صعيد مصر، والموازية للسلطة المركزية في القاهرة، ذات الجناحين المتمثلين في الوالي العثماني وشيخ البلد الذي كان منصبه في حوزة المماليك.

حسين محمود: مشاهد سيرة ذاتية من ذاكرة مثقوبة

ومن أبرز ما قرأه الدكتور حسين محمود، أستاذ الأدب الإيطالي، عبر 2024 كتاب لمارتا نوسباوم بعنوان «ليس للربح»، ترجمة فاطمة الشملان، لافتاً إلى أنه يناقش أهمية الدراسات الإنسانية للديمقراطيات. قرأت أيضاً كتاب «لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟» لإيتالو كالفينو، ترجمة دلال نصر الله، وفيه يقدم الكاتب الإيطالي الأشهر رؤيته حول ضرورة إعادة قراءة أمهات الكتب في مرحلة النضج، وإعادة اكتشافها من جديد وهناك كذلك، كتاب «العلم الجديد» لجان باتيستا فيكو، ترجمة أحمد الصمعي، في فلسفة التاريخ، والذي يقسم فيه التاريخ إلى ثلاث مراحل، مرحلة الأرباب، ثم مرحلة الأبطال، وأخيراً مرحلة البشر.

ويتوقف الدكتور محمود عند كتابين لأحمد جمال الدين موسى، هما «شطحات منسية» وهي مجموعة قصصية، و«مشاهد تنبض من ذاكرة مثقوبة» وهي سيرته الذاتية، مشيراً إلى أن موسى أديب نبغ في سن متأخرة في فن الرواية، وهو غزير الإنتاج رغم هذا، فقد قضى معظم حياته في عمله الأكاديمي والوزاري، ولم يتفرغ للأدب إلا بعد تقاعده الذي وفَّر له الوقت والاسترخاء الكافي لكي يستعيد هوايته في الكتابة ويصدر العمل تلو الآخر.

ويشير الدكتور محمود إلى أن بعض إنتاج هذا المؤلف ليس وليد اللحظة، وإنما يعود إلى فترات مبكرة من حياته، خصوصاً المجموعة القصصية «شطحات منسية» التي جمع فيها نصوصاً كتبها في شبابه، رغم أنها تتميز بتحقيق الشروط الفنية لفن القصة القصيرة من حيث التقاط الحدث وتكثيفه والتعبير عنه بلغة سهلة التوصيل والتواصل. وتأتي السيرة الذاتية لأحمد جمال الدين موسى عبر مشاهد تتوالى من ذاكرة مثقوبة لكي يقدم لنا فيها نموذجاً حديثاً لأدب السيرة الذاتية في تنوع أحداثها وتقسيمها إلى موضوعات، تنقسم داخلياً بترتيبها الزمني، في تدفق جيد الإيقاع وسلس لغوياً، لكنه ليس تدفقاً حراً، بقدر ما هو تحت سيطرة المؤلف، المنضبط في بنيته السردية انضباطاً هندسياً.

مروة نبيل: الغموض الساحر في علم البيولوجي

وتوضح الشاعرة مروة نبيل أنه مثلما تحمل القراءات الجديدة فائدة، فإن إعادة القراءة تمنح المزيد من التأمل والتفكير واستشراف رؤى وآفاق متنوعة للكتابة. من هنا استرجعت هذا العام ديوان «المثنوي» لـجلال الدين الرومي، وأزعم أنه من الكُتب التي لا تمنح ما فيها في قراءة أولى أو ثانية، ولا تُؤخَذ إلا بقوة ما، فهو كتاب متعدد الطبقات، ومفتوح على نوافذ شتى للقراءة والتأويل، وهو ما يمنحه حيوية وامتداداً في الزمان والمكان. وشغفاً بالأدب اليوناني وبكازانتزاكيس، كان «تقرير إلى جريكو» تَتمة لقراءة مجمُوعتِه المُترجَمة.

وتعتبر مروة أن كتاب «الخاطرات - سيرة ذاتية فلسفية» للدكتور سعيد توفيق جاء مثل مكافأة بالنسبة إليها، فالكتاب في الواقع مصفوفة فائقة الأبعاد من حيث الأساليب والموضوعات. كما كانت قراءة كتاب «المفكرون الأساسيون - من النظرية النقدية إلى ما بعد الماركسية» لسايمون تُورمي إنجازاً مهماً بالنسبة لي، لا يكمُن في الموضوع فقط؛ بل في تصدير المُترجم أيضاً، والتعرُّف من جديد إلى الدكتور محمد عناني، والتساؤل بإعجاب شديد عن حقيقة العمر العقلي لهذا المُترجم الفَذ الذي أثرى المكتبة العربية بزاد أدبي متنوع له مذاقه الخاص.

توجَّه نظر مروة نبيل إلى أعمال «هان كانج» في الرُّبع الأخير من العام... قرأت «النباتية»، وهي رواية جيدة في سياق الأدب الكوري الراهن، لكن بالنسبة للكتابة عن الصدمات التاريخية، والكشف عن هشاشة الحياة البشرية؛ تحفظ الشاعرة مروة نبيل للروائيين الشرق أوسطيين قدرهم، وترى أنهم يمتلكون القدرة على كتابة أكثر تجريداً لما يدور حولهم، حيث نضجت التجربة الإنسانية في الشرق الأوسط إلى حد التعايش مع الصدمات والعنف.

وتضيف الشاعرة المصرية: «منحتني قراءة (الكتاب الأبيض) للمؤلفة نفسها تكهُّناً باختلاف بين فضاءي الشعر والرواية، وأنه سيظل اختلافاً جوهريّاً، مهما امتدت العلاقات بينهما، فالشاعر والروائيّ لا يتشابهان إلا في القدرة على كتابة العبارات المؤثرة، لكنهما يختلفان في كل شيء بعد ذلك».

وتتابع: «أما الفوز الأكبر في قراءات هذا العام فكان كتاب (البحث عن الوعي - مقاربة بيولوجية عصبية) لكريستوف كوتش، ترجمة د. عبد المقصود عبد الكريم، ذلك الكتاب الذي أظهر لي غموضاً ساحراً في علم البيولوجيا، وإمكانية لاستمرار بصيص من التأمل الروحي في هذا العالم».

هبة عبد العليم: كتابات تداوي جراح الحروب والديكتاتورية

من جهتها، تشير الكاتبة الروائية الشابة هبة عبد العليم إلى أنها أعادت قراءة الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ ضمن مشروع إحدى دور النشر لإعادة نشر أعماله، حيث تعقد عبد العليم ندوة شهرية تستضيف فيها أحد الكتاب المتميزين لمناقشة أحد أعمال محفوظ في لقاء مفتوح للجمهور، تتخلله نقاشات غالباً ما تكون شيقة، شديدة الموضوعية.، حتى يخيل لي أحياناً أننا بصد اكتشاف نجيب محفوظ من جديد.

كما قرأت كذلك للمرة الأولى ثلاثة أعمال للكاتب البريطاني من أصل ليبي هشام مطر. بدأت برواية «اختفاء»، ثم «شهر في سيينا» والتي تعدّ جزءاً من سيرته الذاتية ويحكي فيها وقائع شهر سافر فيه لبلدة سيينا الإيطالية لمشاهدة لوحاتها الفنية التي تنتمي إلى مدرسة فنية قائمة بذاتها، وذلك بعد أن أنهى كتابه السيري «العودة» الذي قرأته هبة باللغة الإنجليزية وترجمت بعض فصوله لشدة حماسها له.

وترى هبة عبد العليم أن كتابة مطر تتميز عموماً بصدق وأمانة لافتين للنظر، لا سيما على مستوى رصد تداعيات مأساة فترة حكم معمر القذافي الديكتاتوري لليبيا التي استمرت على مدار نحو أربعين عاماً، ومحاولة اللجوء للفن لمداواة آثار الجروح النفسية والتعافي منها.

كما استوقفها أيضاً رواية «لا شيء أسود بالكامل» لعزة طويل، والتي ترصد فيها آثار الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي بلبنان، كذلك أثر الثورة السورية الذي امتد إلى العمق اللبناني.

وتوقفت كذلك أمام بعض التجارب السردية المختلفة ككتاب «تلات ستات» والذي يرصد فيه الصحفيان محمد العريان وعمر سعيد سيرة ثلاث سيدات من العاملات في الجنس التجاري، وأيضاً كتاب «كرنفال القاهرة» للشاعر علاء خالد الذي يرصد فيه الملامح الشخصية لخريطة الوسط الأدبي بقاهرة التسعينات.

محمد البرمي: أسرار «الثورة الثقافية» روائياً

وتركزت قراءات القاص المصري محمد البرمي على رواية «الزمن المفقود» للكاتب الصيني وانغ شياوبو، بترجمة عن الصينية مباشرة للمترجم والباحث أحمد السعيد، ويرى أنها رواية تنتمي إلى الأعمال الإبداعية القصيرة؛ إذ تقع في 150 صفحة من القطع المتوسط وتتسم بالإيقاع السريع والأسلوب الساخر لشخصيات عدة تنتمي إلى البسطاء والطبقة المتوسطة في المجتمع الصيني في حقبتَي الستينات والسبعينات إبان ما عُرف آنذاك باسم «الثورة الثقافية».

محمد البرمي

وشملت قائمة البرمي في قراءات العام كذلك روايات «لا شيء نحسد العالم عليه» وهي عن الحياة في كوريا الشمالية للكاتبة باربرا ديميك والتي جاءت بمثابة وثيقة إبداعية تنقل بدقة وذكاء واقع دولة لا زلنا لا نعرف عنها الكثير، وقام بترجمتها الدكتور محمد نجيب. وأيضاً رواية «الشعب الدموي» لبول أوستر، حيث يسرد فيها بذكاء إبداعي لافت كيف تغلغل السلاح في البيوت الأميركية.


مقالات ذات صلة

القاهرة قد تطلب نجل القرضاوي من أبوظبي

شمال افريقيا عبد الرحمن القرضاوي (وسائل التواصل الاجتماعي)

القاهرة قد تطلب نجل القرضاوي من أبوظبي

بينما تسير السلطات اللبنانية في إجراءات إتمام ترحيل الناشط المصري عبد الرحمن القرضاوي، إلى الإمارات، فإن مصدراً مصرياً كشف عن نية القاهرة طلبه من أبوظبي.

هشام المياني (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من الحماية المدنية في محافظة البحيرة أثناء البحث عن أحياء (وسائل إعلام محلية)

وفاة شخص وإصابة 3 آخرين في انهيار منزل بشمال مصر

تُوفي شخص وأصيب ثلاثة آخرون، والبحث جارٍ عن مفقودين، اليوم الأربعاء؛ جراء انهيار منزل بالبحيرة في شمال مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)

لماذا يرفض مصريون إعادة تمثال ديليسبس لمدخل قناة السويس؟

في الوقت الذي يشهد تصاعداً للجدل حول إعادة تمثال ديليسبس إلى مكانه الأصلي في المدخل الشمالي لقناة السويس قرر القضاء تأجيل النظر في طعن على قرار الإعادة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
شمال افريقيا محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في «أحداث عنف» بمصر (أ.ف.ب)

«الداخلية المصرية» تتهم «الإخوان» بترويج شائعات عن «قتل مواطنين بالصعيد»

نفت وزارة الداخلية المصرية الثلاثاء صحة مقطع فيديو جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي ويزعم خلاله شخص أن «قوات الشرطة تقتل مواطنين في الصعيد» (جنوب مصر).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، بتفاعل «سوشيالي» واسع.

محمد عجم (القاهرة)

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.