يحيى المنذري: قصصي تعبر عن واقعي ومعايشتي له كسارد ومراقب

الكاتب العماني يرى أن القصة العربية لا تحظى بالقراءات النقدية الكافية

يحيى المنذري: قصصي تعبر عن واقعي ومعايشتي له كسارد ومراقب
TT

يحيى المنذري: قصصي تعبر عن واقعي ومعايشتي له كسارد ومراقب

يحيى المنذري: قصصي تعبر عن واقعي ومعايشتي له كسارد ومراقب

يعشق الكاتب العماني يحيى سلام المنذري القصة القصيرة وعلى مدى 30 عاماً ظل مخلصاً لها، لا يحيد عنها أو يتخذها نقطة انطلاق لكتابة الرواية، مخالفاً بذلك القاعدة الشهيرة: «السارد يبدأ قاصاً وينتهي روائياً». في ظلال هذه المحبة وبحس شاعري مفتوح على فضاءات التجريب والحداثة صدرت مجموعته القصصية الأولى «نافذتان لذلك البحر» عام 1993 ثم توالى إنتاجه ليضعه في مكانة بارزة على خارطة الأدب العربي. من أبرز أعماله «رماد اللوحة»، «الطيور الزجاجية»، «بيت وحيد في الصحراء».

هنا حوار معه حول أعماله وتمسكه بفن القصة القصيرة وهموم الكتابة.

* في مجموعتك القصصية الأخيرة «وقت قصير للهلع»، تبرز السخرية سمةً أساسية، إلى أي حد كنت واعياً بذلك وكيف ترى دور السخرية عموماً في الأدب؟

- يبدو أن السخرية حضرت بشكل غير مخطط له، وتوغلت في سياق الأحداث لأن الحكاية وقعت في حياتنا وحياة البشر، تعوم في بحر من التناقضات والغموض والأسئلة، والكاتب وهو يسرد الحكاية يمكن أن ينقد ويحلل المجتمع والواقع بطريقة ساخرة ضمن سياق السرد. وهذا يعتمد على أسلوبه في طرح سرده الحكائي، فهناك كتّاب معروفون بأسلوبهم الإبداعي الساخر مثل عزيز نيسين ونقده اللاذع غير المباشر للواقع، وطرحه لكوميديا سوداء، ربما تضحك القارئ وتبكيه في الوقت نفسه. ولا ننسى تحليل ونقد الشاعر محمد الماغوط للواقع والحياة عبر إبداعه الشعري والسردي، وكذلك جورج أورويل في معظم أعماله الشهيرة مثل روايته «مزرعة الحيوانات»، فالسخرية أسلوب له لغته وعمقه في تحليل وفضح حقائق الواقع، والمبدع يتخذه كأداة ومعالجة أدبية.

* تحضر في هذا العمل وبقوة قضية العمالة الآسيوية في المجتمعات الخليجية من منظور إنساني رهيف، ما سر هذا الحضور وكيف ترى تناول الأدب العربي عموماً لتلك القضية؟

- حضور العمالة الآسيوية لأول مرة وبشكل لافت كان في مجموعتي القصصية «بيت وحيد في الصحراء» وخصصت لها فصلاً كاملاً بعنوان «زارعو غابة الإسمنت»، بسبب وجودهم في حياتنا، حيث نتعامل معهم بشكل شبه يومي، ونتعرف عليهم وعلى حكاياتهم ونتحاور معهم.

والقصص التي أكتبها تعبر عن واقعي وبيئتي، فمن الطبيعي أن يكونوا أبطالاً في بعض هذه القصص، فهم في بلد غير بلادهم، ويتعاملون مع ثقافة مختلفة عن ثقافتهم، لكنهم انصهروا بيننا، ومن هنا يأتي الفن ليعبر عن قضاياهم التي تتمثل في الغربة والحنين والكفاح من أجل الحصول على الرزق، والتكيف مع واقع جديد، وما يعانونه من صراع نفسي وقلق، وكل ذلك من وجهة نظري كسارد ومراقب نتيجة تعاملي معهم ومشاهدتي لهم.

والكثير من الأعمال السردية العربية ومن ضمنها الخليجية تناولت مواضيع الوافدين من كل الجنسيات وليس تحديداً العمالة الآسيوية، فالفكرة الأساسية في الطرح الإبداعي هنا رؤية الكاتب مع المغترب، المقيم في بلد ما، المهاجر، وقد يأتي الطرح من تجربة الكاتب الذاتية إذا كتب عن تجربة غربته في بلد ما.

* يطل الهلع عبر ثنايا الكتاب كهاجس يطارد البشر ويجعلهم يرمق بعضهم بعضاً بتوجس وخوف، كيف استلهمت الفكرة؟ وهل تحرص على أن تحمل كل مجموعة قصصية خيطاً درامياً ونفسياً يربط بين نصوصها؟

- المجموعة احتوت على 3 قصص، كان الرابط بينها قلق وخوف أبطالها، كتبتها متفرقة، وفي فترات زمنية مختلفة، ويمكن أن أقول بأنني لم أخطط لذلك، ربما كان الهاجس موجوداً دون دراية مني، فأجواء وأسلوب القصة الأولى تختلف عن الثانية والثالثة، برغم أن بطلها يلفه الخوف والقلق والوسواس.

كثير من القراء والنقاد قدموا قراءات جميلة في هذا الجانب، وتناولوها من زوايا مختلفة، فكانت قراءات ثرية، وكنت سعيداً ومتفاجئاً بأن المتلقي لديه قراءاته الذكية للنصوص وبشكل مغاير ومختلف، وهذا يزيدني علماً ومعرفة وحباً للقصة القصيرة، بل يدفعني لمزيد من الكتابات القصصية. أما عن ملاحظة الربط بين النصوص فأتذكر أيضاً أن في مجموعاتي السابقة كان يوجد خيط ورابط بين القصص، وتارة تكون عبر فصول في كتاب واحد، ولكل فصل رابط، فمثلاً في مجموعة «بيت وحيد في الصحراء» احتوت على جزأين؛ الأول يغلب عليه أجواء الطفولة والمراهقة، بينما الثاني كانت نصوصه عن العمالة الآسيوية.

* ما سر حضور الصورة البصرية عبر تقنيات السينما أو التشكيل اللوني في إنتاجك الأدبي بشكل عام؟

- ربما هذا بسبب تداخل الفنون، والاستفادة بعضها من بعض، إلى جانب أنني أميل إلى الكتابة التجريبية، ففي كل عمل أطمح إلى تجريب أسلوب يختلف عن الذي سبقه، وحتى من ناحية الأفكار والموضوعات. طبعاً هذا لا يمنع من وجود تكرار الأساليب في المجموعات السابقة، ولكن بقدر الإمكان أحاول طرح الجديد، وتأثير التقنية السينمائية أو الفن التشكيلي واضح في بعض النصوص التي كتبتها، فهناك قصص تعتمد على مقاطع أو مشاهد سينمائية وكأن القارئ يشاهد فيلماً قصيراً، وهكذا بالنسبة إلى الرسم، من خلال وصف لوحات وأبطال قصص يرسمون ويتأملون المشاهد والألوان، ولا ننسى أيضاً الشعر والمسرح فلهما التأثير نفسه.

* كيف أمكنك أن توازن في أعمالك بين «حضور الحكاية» على مستوى المضمون، وبين «طموحات الحداثة والتجريب» على مستوى الشكل؟

- برغم احتفائي باللغة الشعرية في إصداري الأول عام 1993 فإنني لم أغيّب الحكاية، والقصة القصيرة هي الحكاية، ولا بد من وجود حدث وحبكة وتشويق، وهذه عناصر أساسية لهذا الفن الأدبي الرشيق، إلى جانب اللغة وتماسكها وسلاستها وشعريتها. وكما ذكرت سابقاً أن لديّ هاجس التجريب وطرح الجديد في كل إصدار، وهذا يحتاج إلى نوع من المغامرة أولاً، وثانياً الانتباه إلى العناصر التي ذكرتها أعلاه، وكيفية صياغة نص تجريبي لا يطمرها، بل يجعلها موجودة وحتى وإن كانت مثل خيط رفيع، فالهدف أيضاً ألا يكون النص سهلاً ومباشراً، بل يهدف إلى مشاركة القارئ وجعله يفكر ويتأمل، بل يتفاجأ أحياناً.

* عناوين مجموعاتك القصصية لافتة للغاية ومشوبة بحس شاعري، هل لديك فلسفة ما في اختيار ذلك؟

- مرحلة اختيار عنوان الكتاب صعبة، أحاول بقدر الإمكان أن يعبر العنوان عن روح النصوص، وأحرص على ألا يكون أحد سبقني في طرحه، أحاول أن يكون فريداً وجديداً، وأتجنب الكلمة الواحدة لعنوان الكتاب. وعدا مجموعتي الأخيرة «وقت قصير للهلع» فكل مجموعاتي حملت عنوان إحدى قصص المجموعة، فكان أسهل من خلق عنوان جديد. في المجموعة الأخيرة اقترحت على نفسي عناوين كثيرة، ومرت بمراحل فرز، وأخذت رأي بعض أصدقائي الكتاب، حتى وصلت إلى ارتياح تام عن العنوان الذي حملته.

* عبر رحلة تمتد لأكثر من 30 عاماً، يبدو أنك خالفت مقولة «إن السارد يبدأ قاصاً وينتهي روائياً»، ما سر إخلاصك لفن القصة القصيرة؟

- كتابة الرواية لم تقتصر على كتاب القصة القصيرة، وإنما شملت المفكر والشاعر والمسرحي والأكاديمي والصحافي والرسّام، فهناك ظاهرة تسمى كتابة الرواية، حتى الذين لا يمتلكون موهبة الكتابة والسرد أو لا يمتلكون موهبة في فنون أخرى كتبوا الرواية كيفما اتفق.

وكتابة الرواية تظل جاذبة لمن يريد المغامرة في كتابتها ومن حق الجميع ذلك؛ لأن فيها مساحة واسعة للبوح والتحدث وربما الثرثرة، لكنني آثرت ألا أقترب من كتابتها، على الأقل حتى الآن. بالنسبة لي فإن كتابة القصة القصيرة تجلب لي السعادة والراحة النفسية، وهي مساحة للبوح والتجريب والمغامرة، التصقت بهذا الفن والتصق بي، لم أتجرأ بعد لفتح باب الاغتراب والابتعاد عن القصة القصيرة والدخول في عالم الرواية، ولكن في الوقت نفسه أقول بأنه لا يمنع في يوم ما البدء في مغامرة كتابة رواية. فأنا لا أكتب من أجل جائزة أو مسابقة، إنما أكتب القصة القصيرة بهدف حبي لهذا الفن واستمتاعي بكتابته. من وجهة نظري، التخطيط للجوائز يكسر عملية الإبداع، فالعمل الإبداعي الذي يستحق هو الذي يلتفت إليه القراء ويهتمون به، وهذه هي الجائزة التي يريدها المبدع.

* ألا تشعر أحياناً بحاجتك الشديدة للبوح والجلوس على كرسي الاعتراف، وهو ما توفره الرواية كجنس أدبي؟

- حتى الآن استطرادي وبوحي في الكتابة السردية في حدود القصة القصيرة، حتى وإن طالت أحداثها، ومشروع كتابة الرواية هو بمثابة عالم آخر حتى الآن ما يزال بعيداً عني. وأشكال البوح كما نعرف تتمثل في جميع أنواع الأدب والفنون، ولا تقتصر على الرواية.

* كيف ترى واقع القصة القصيرة الراهن على مستوى منطقة الخليج العربي؟

- لا يزال هذا الفن الجميل مستمراً ونابضاً بالمبدعين، والدليل على ذلك كتاب القصة القصيرة المستمرون في الكتابة، ومن ضمنهم الذين اتجهوا إلى كتابة الرواية وعادوا إلى كتابة القصة القصيرة. كما أن هناك إصدارات سنوية لكتاب جدد، ويمكن متابعتها عبر المجلات والملاحق الثقافية، إضافة لمواقع التواصل الاجتماعي. ولكن هناك نقص كبير في عدد المؤتمرات والجلسات النقدية التي تتناول القصة القصيرة والاحتفاء بها وبكتابها، بخاصة فيما يتعلق بالقراءات النقدية.

*أخيراً، هل تنظر خلفك في غضب أم في رضا، حين تقوم بتقييم تفاعل النقاد والإعلام مع مجمل تجربتك؟

- أنا سعيد بتفاعل القراء والكتاب والنقاد مع مجمل إصداراتي، فمجموعتي الأخيرة «وقت قصير للهلع» استطاعت جذب شريحة واسعة من القراء والمبدعين والنقاد، وكُتب فيها العديد من القراءات، التي بلا شك كانت مفيدةً جداً بالنسبة لي، كذا إصداراتي السابقة. وبالنسبة للإعلام، فأنا أشكر وسائل الإعلام المحلية التي احتفت بإصداراتي، عبر الحوارات الصحافية والتلفزيونية والإذاعية وخاصة التابعة لوزارة الإعلام كجريدة «عمان» ومجلة «نزوى» وقناة «عمان» التلفزيونية والإذاعة العمانية، إضافة إلى مكتبة «قراء المعرفة» والجمعية العمانية للكتاب والأدباء و«النادي الثقافي» وجهات أخرى ثقافية وإعلامية. أيضاً تحويل كتابي القصصي «الطيور الزجاجية» إلى كتاب صوتي من قبل قناة «عين» التابعة لوزارة الإعلام العمانية، فلهم كل الشكر والتقدير.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».