منطقُ الفلاسفة ومنطق القصّاصين

الدماغ البشري يعمل كماكينة سردية ومُعالِج معاً

منطقُ الفلاسفة ومنطق القصّاصين
TT

منطقُ الفلاسفة ومنطق القصّاصين

منطقُ الفلاسفة ومنطق القصّاصين

أتيحت لي في الأسبوعين الماضيين تجربةٌ جميلة قرأتُ فيها كتابيْن مميّزين عن طبيعة الفعل القصصي (السردي). الكتاب الأوّل عنوانه: «الرواية الفلسفية كنوعٍ أدبي - the Philosophical Novel as a Literary Genre» لمؤلفه مايكل ميتياس Michael Mitias، والكتاب من منشورات عام 2022. الكتاب الثاني عنوانه: «كيف تعمل القصص - How Fiction Works» لمؤلفه الناقد الأدبي ذائع الصيت جيمس وود James Wood الذي يكتب منذ سنوات عديدة في مطبوعات ومواقع عالمية أهمها النيويوركر. صدر كتاب وود عام 2009، وتتوفر له ترجمة عربية أنجزها فلاح رحيم. قادتني هاتان القراءتان إلى التفكّر الحثيث في إشكالية العقل الفلسفي مقابل العقل القصصي: هل هي إشكالية حقيقية؟ هل ثمّة تعارض مؤكّد بين العقليْن؟ وهل منطق الفلسفة يلغي بالضرورة منطق القصة؟ انتهيتُ إلى أننا لسنا في حاجة لتجسير الهوّة بينهما؛ لأنّها (الهوة) مفترضة ونتاجُ وهمٍ راسخ لأسباب تعليمية ومهنية. يعمل المنطق الفلسفي والقصصي (السردي) في كلّ عقل بشري بطريقة متزامنة، وهذا ليس محض رغبة شخصية بقدر ما هو وسيلة تكيفية لعيش حياة طيبة ورفيعة في معاييرها المُشخّصة.

ظهر الفلاسفة منذ أكثر من 5 آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. منذ البدء رأى الفلاسفة في صناعة الحُجج (Arguments) وظيفة أساسية لهم؛ لذا تراهم انخرطوا في مناقشات حجاجية قاسية لم تهدأ يوماً ما. تنازعوا فلسفياً بشأن موضوعات عديدة: من أين جاء العالم؟ ومِمّ صُنِع؟ ولماذا وُجِدنا نحن البشر في هذا العالم؟ على الرغم من الحجاج القاسي بين الفلاسفة فإنّهم اتفقوا على أمر واحد: القصة ليست أداة يمكن الاعتماد عليها في التفكير. هُمْ رأوها وسيلة لا تخلو من جنبة انحيازية (تمييزية)، ووسيلة تتبع هوى خالقها، ومغاليةً في الاعتماد على الحقائق الحاضرة؛ لذا كرّس الفلاسفة أنفسهم لإيجاد أداة تفكير أكثر صرامة، وشيئاً فشيئاً تشاركوا قناعة راسخة بأنّ تلك الأداة هي المنطق Logic.

في سنة 350 قبل الميلاد تمكّن الفيلسوف المقدوني متعدد الاشتغالات (Polymath)، أرسطو، من جمع وتوحيد الأقيسة المنطقية المتناثرة بعمله الكبير: الأورغانون (Organon). جابهت سطوة المنطق الأرسطيّ العتيدة تحدياً بيّناً خلال عصر النهضة الأوروبية، عندما عمد الفلاسفة الطبيعيون ذوو العقول التجريبية (من أمثال ليوناردو دافنشي، وغاليليو غاليلي، وويليام هارفي) إلى استبعاد (بل وحتى مهاجمة) الكتب المدرسية الخاصة بالمنطق الأرسطيّ؛ لأنهم وجدوه قصير النظر محدوداً، تنخره الهشاشة، وغير ذي فائدة؛ لكنّ المنطق استعاد بعض مجده الغابر فكانت له عودةٌ خلال عصر التنوير بفعل جهود ديكارت وعبارته التأسيسية في «الكوغيتو» (إشارة إلى العبارة اللاتينية: Cogito Ergo Sum - أنا أفكّر إذن أنا موجود)، وكذلك علم الفلك الرياضياتي الذي وضع أساسه إسحاق نيوتن، ومفهوم العقل المتسامي الذي جاء به إيمانويل كانْت. منذ تلك الجهود المتقدّمة في جبهة المعرفة البشرية راح المنطق يندفعُ حثيثاً في توسيع مكانته في نطاق الفلسفة. مع أواخر القرن التاسع عشر صار المنطق الأرسطيّ أساساً في انبثاق الفلسفة التحليلية (Analytic Philosophy)، عندما وسّع غوتلوب فريغه (Gottlob Frege) من نطاق القوانين المنطقية الأرسطيّة لتكون حساباً (Calculus) يمكنه تناول أي محاججة.

هذا هو ما جعل الفلاسفة (وعامة الإنتلجنسيا والأكاديميين) يعزفون عن ربط القصة بالتفكير. تمكّنت منهم دهشةٌ مديدة راسخة بلحظات الإلهام واسعة النطاق التي تأتي مع الفلسفة، ابتداءً من الفلسفات الهندية القديمة حتى الانعطافة اللغوية التي جاءت مع نشر كتب فتغنشتاين وتأسيس مدرسة التحليل اللغوي والفلسفة التحليلية البريطانية. من المشروع أن نتساءل: ما الذي يمكن أن يكون خاطئاً مع هذه النسخة من المقايسة الفكرية؟

لم يكن الفلاسفة ومريدوهُمْ مخطئين بشأن اعتبار المنطق تفكيراً. هُمْ أخطأوا في اعتبار المنطق الشكل الأوحد للتفكير. السبب وراء هذا الأمر هو وجود - على الأقل - طريقتيْن للتفكير: المنطق والقصة. كلٌّ من المنطق والقصة بوسعه حلُّ معضلاتٍ ليس في استطاعة الآخر تقديم حلّ مناسب لها، وكلٌّ من المنطق والقصة بمستطاعه تخليقُ أشياء لن يستطيع الآخر تخليقها أبداً.

ثنائية الذكاء هذا (الذكاء المنطقي والذكاء القصصي) يمكن عرضُها بمقاربتيْن: تحليلية وتجريبية. في المقاربة التحليلية: توظّفُ القصة والمنطق طُرُقاً إبستمولوجية (معرفية) مختلفة ومتمايزة. طريقة المنطق هي المعادلة المساواتية (Equation)، أو بطريقة أكثر دقّة من الوجهة التقنية: الاستدلال الارتباطي (Correlational Reasoning) الذي يستبعدُ المؤثرات الفردانية؛ في حين تعتمد القصة طريقة الخبرة الذاتية، أو بتوصيف أكثر تقنية: التأمّل السببي (Causal Speculation). كلُّ مقاربة لها نطاقها الإجرائي الخاص: المنطق ثابت يعتمد على تكرار كثرة من الوقائع؛ في حين أنّ القصة متطايرة تمتاز بالخفة، وقد تعتمد على بيانات قليلة أو حتى قد لا تحتاج إلى أي منها (تخليق ذهني خالص أو ما يسمى في العادة رواية الأفكار Novel of Ideas).

في المقاربة التجريبية: يمكن اقتفاءُ أثر كلّ من القصة والمنطق في عمليات ميكانيكية مختلفة في الدماغ البشري. هذا مكافئ للقول (وعلى خلاف ما ظنّه كثير من العلماء الإدراكيين من قبلُ، ولا يزال قسمٌ ضئيل منهم يعتقد به) إنّ الدماغ البشري لا يعملُ كحاسوب. تعتقد الرؤية الحديثة لعمل الدماغ البشري أنّه يعمل جزئياً كحاسوب (أي مُعالِج منطقي)؛ لكنّ الدماغ البشري يعمل في معظم فاعلياته كماكينة سردية لأنّ واحدة من بين غاياته الرئيسية التي تطوّرت عبر الفاعلية الداروينية هي التأثر بالبيئة المحيطة والاستجابة لها بفعل تكيفي مناسب يستفيد من فواعل التغذية الاسترجاعية الحسية (الخبرة). هذا الفعل يتطلبُ تأمّلاً تسبيبياً؛ أي بعبارة أخرى: يتطلبُ تفكيراً قصصياً.

هذا ما تغافله الفلاسفة والإنتلجنسيا. هُم حسبوا أنّ الذكاء يمكن اختزالُهُ في آلية (ميكانيزم) مفردة، وعندما جعلوا تلك الآلية مكافئة للمنطق بات من البديهي أن تُترك للقصة وظيفةٌ وحيدةٌ باقية هي مناقلة الأفكار. كان الفلاسفة غارقين في لجّة الثقة المفرطة بهذا الاستنتاج إلى الحد الذي جعلهم يغفلون أو تناسون عقبةً بيّنة: تستطيعُ القصة مناقلة الأفكار فقط عندما يمتلك الدماغ القدرة على التفكير بصورة طبيعية (تلقائية) في القصة، أي: عندما تقترن القدرة المنطقية مع القدرة السردية (الحكائية)، وبعكس هذا لن تستطيع القصة التأثير السلس والتلقائي فينا. ما رآه الفلاسفة طرداً للقصة من مملكة التفكير البشري كان في الحقيقة تأكيداً لتغلغل الشكل القصصي في نظام التشغيل الأساسي للذكاء البشري. هذا النسق هائل التعقيد للتداخل الخلاق بين المنطق والقصة هو ما ساعد البشر على تخليق حبكات قادت إلى الصنائع الإبداعية الخلاقة لكلّ شيء في الحضارة البشرية على المستويين المادي والرمزي.

الدور القيادي الرائد للفاعلية السردية يعني - بين ما يعنيه من تفاصيل كثيرة - أنّ المنهاج الدراسي المُؤسّس على المنطق الذي اعتمدته مدارسنا لعقود طويلة إنما هو قصير النظر لسببيْن على الأقل:

أولاً: لأنّه قلّل إلى حد بعيد من قيمة الكيفية الأساسية التي يفكر بها الكائن البشري بصورة طبيعية، وترتّب على هذا الأمر نتائج سلبية عميقة الأثر من حيث مترتباتها الاجتماعية. مأسَسَت المناهج الدراسية القائمة على المنطق الخالص لفعالياتِنا المدرسية ودفعت بالتلاميذ إلى مهاوي الحَيرة، والشعور بالخجل والفشل، وكبحت التنامي المتوقّع للأخلاقيات الرفيعة عندما تعاملت مع التلاميذ بقسوة مفرطة عبر تقييم العقول البشرية بمقاييس الواجبات المطلوب تنفيذها بدقة منطقية كلاسيكية صارمة مع عدم الحيود عنها. من هذه الواجبات: الحفظ، والتفكير النقدي، والتعليل الكمي... وهذه كلها واجبات يمكن إنجازها بكيفية أفضل من البشر بواسطة هواتفنا الذكية وحواسيبنا المحمولة. أكّدت المناهج الدراسية أيضاً، وبكثير من الحماسة المفرطة، على الأقيسة المنطقية والكمية والبيانات، وهذا ما ساهم في تعظيم مناسيب تشوّه الشعور بالشخصانية الفردية والكينونة الذاتية (Depersonalization)، والهشاشة، والاحتراق النفسي...

ثانياً: تتغاضى المناهج الدراسية الحالية عن التاريخ الطبيعي لتطوّر أدمغتنا البشرية. ذلك التاريخ يشوبه الغموض. هذا صحيح تماماً، لكنْ برغم هذا نحنُ نعلم أنّ التركيبة المنطقية للدوائر العصبية في أدمغتنا البشرية ليست انعطافة تطورية حديثة أطاحت بالتقنية العقلية التي طوّرت القصة وأحاطتها بالرعاية الكاملة على مدى حقب زمنية طويلة. كان للمنطق (للتفكير المنطقي، لا فرق) الكثيرُ من الزمن لكي يضع بصمته المميزة على تطوّر الذكاء البشري، ولو أنّ آليات التطور الدارويني ابتغت طرح القصة جانباً وتركها تذوي بعيداً عن متناول فاعلياتنا الدماغية لكان من المنطقي أن يمتلك المنطق الهيمنة الكاملة على أدمغتنا بدلاً من أن يرتضي التعايش مع التفكير القصصي. تقودُنا هذه الحقائق الأساسية إلى استدعاء العديد من الأسئلة ذات النكهة التمردية على المواضعات السائدة: ماذا لو أنّ الفلاسفة قدّروا القصة (التفكير القصصي) كما فعلوا مع المنطق؟ أظنّهم لو فعلوا لكنّا انتهينا إلى إشكالية غريبة: ربما لو تعاملنا مع القصة مثلما تعاملنا مع المنطق لخسرنا القوة الذاتية الكامنة في التفكير القصصي، ولجعلنا التفكير القصصي أقرب إلى المهارات الشائعة التي تفتقد ندرة العبقرية الفردية والكشوف الذاتية المتفرّدة على المستويين التقني والرمزي.

القصة تسعى لتقديم إجابات وقتية لها حد كافٍ (Good Enough) من القدرة على تناول المعضلات الواقعية في الحياة البشرية. القصة انتقالة من الإجابات المطلقة للمنطق إلى البراغماتية الوقتية للتفكير القصصي. مع الارتقاء المستدام بتفكيرنا القصصي نستطيع أن نجعل حيواتنا الأرضية أكثر مناعة ضد الهشاشة والانكسار، وأكثر صحّة جسدية ونفسية وذهنية، وأكثر سعادة. لا أظنّ هذا المسعى أقلّ أبداً من شرف المسعى الذي ظلّ جوهر الفعل الفلسفي ومبتغاه منذ بواكير الفلسفة وحتى يومنا هذا.



حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية
TT

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني في المنامة. تحوي هذه المجموعة البديعة عدداً من العقود المصنوعة من الأحجار المتعدّدة الأنواع، كما تحوي بضع قطع ذهبية تتميّز بأسلوبها الفني الرفيع، أبرزها زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة.

تعود هذه المجموعة المتنوعة من الحليّ إلى الحقبة التي عُرفت فيها البحرين باسم تايلوس، وهو الاسم الذي أطلقه المستكشفون الإغريقيون على هذه الجزيرة في القرن الثالث قبل الميلاد. امتدت هذه الحقبة على مدى ستة قرون، بلغت خلالها البحرين درجة عالية من الصقل الثقافي، كما تشهد اللُّقَى الكثيرة التي خرجت من تلال مقابرها الأثرية. ضمّت هذه اللُّقَى مجموعة هائلة من الأواني الفخارية والزجاجية الجميلة، كما ضمّت مجموعة من الحليّ المتنوعة الأشكال والأنواع. لا تحمل هذه الحليّ في الظاهر أي طابع جنائزي، غير أن موقعها يشير بشكل لا لبس فيه إلى أنهّا شكّلت جزءاً من أساس هذه القبور. رافقت هذه الحليّ أصحابها إلى مثواهم الأخير لكي يتزينوا بها في العالم الآخر، ولم تقتصر هذه الزينة على النساء من علية القوم، بل شملت كذلك الرجال والأطفال، كما تُجمع الدراسات العلمية الخاصة بهذه المقابر المثيرة.

حضرت الأدوات المنزلية بقوة في هذا الأثاث الجنائزي، كما حضر بعض القطع النقدية، ممّا يوحي بأن العقائد السائدة في هذا المجتمع كانت تُقرّ بأنّ الحياة تستمر وتتواصل في العالم الآخر. كان دفن الميت يتمّ بعد إلباسه أفضل وأثمن رداء، كما يُستدل من الأكفان التي تمثّلت في عدد هائل من الملابس والإبر والدبابيس، وكان الميت يُزيّن بالحليّ التي تعدّدت أنواعها، مما يوحي بأن هذه الحليّ شكّلت جزءاً من هذا الرداء، وتمثّلت في العقود والأساور والخواتم والأقراط التي جمعت بين الأشكال والخامات المعروفة كافة. حوى هذا الأساس كذلك مجموعة من المراهم وأدوات التجميل، وذلك كي يستمر ساكن القبر في الاعتناء بمحياه بعد أن يتمّ تزيينه قبل الدفن، وحوت هذه الأدوات الخاصة بالزينة مجموعة من أنابيب الكحل والأمشاط النسائية. تضمّ هذه المجموعة الكبيرة من الحليّ في الدرجة الأولى عدداً كبيراً من العقود المكونة من أحجار متعددة، منها ما تُعرف بالكريمة، ومنها ما تُعرف بشبه الكريمة. من الأحجار الكريمة، يحضر الجَمَشْت الذي يُعرف بالعربية بالحجر المعشوق، ويمتاز بلونه البنفسجي السماوي، والبِجَادِيّ الشبيه بالرمّان، والعقيق بأنواعه متعددة الألوان، والجَزْع الشهير بالأونيكس. ومصدر هذه الأحجار بلاد ما بين النهرين، ووادي النيل، ونواحي باختر التي تُعرف اليوم بالبلخ. في المقابل، تحضر اللآلئ من تايلوس، وهي الجزيرة الغنية بهذه الأحجار، كما أشار بلينيوس الأكبر في الكتاب السادس من موسوعته «التاريخ الطبيعي». من الأحجار شبه الكريمة، تحضر الأحجار الزجاجية والصابونية والخزفية، إلى جانب الأصفاد المتنوعة، بشكل مستقل في بعض القطع، وتحضر إلى جانب الأحجار الكريمة في البعض الآخر.

تشكّل هذه الأحجار المختلفة مادة لحليّ متنوعة، منها ما هو مستورد، ومنها ما هو محليّ، ومنها ما يصعب تصنيفه. يغلب الطابع التجريدي على الجزء الأكبر من هذه الحليّ، ويحضر الطابع التصويري في عدد محدود منها، كما في مجموعة من الحِرْز المصوغة على شكل عناقيد العنب. خرج عدد من هذه الحِرْز من مقبرة «كرانة»، وخرج البعض الآخر من مقبرة «سار»، وتتبنّى طرازاً معروفاً يرمز كما يبدو إلى الخصوبة، وهذا الطراز معروف في الشرق الأدنى، وقد بلغ كما يبدو شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، كما تشهد مجموعة مشابهة من الحِرْز عُثر عليها في موقع الدُّور التابع لإمارة أم القيوين.

مجموعة متنوعة من الحليّ تعود إلى حقبة تايلوس

إلى جانب هذه القطع المتنوعة، يحضر الذهب في مجموعة من القطع، خرج القسم الأكبر منها من مقبرة «الشاخورة» في المحافظة الشمالية. أشهر هذه القطع زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة، يتميّز بطابعه التصويري المجسّم. يتكوّن كل قطر من ثلاثة عناصر مترابطة كسلسلة، ويبلغ طول هذه السلسلة 8 سنتمترات. يأخذ العنصر الأول شكل طفل مجنّح يمتطي جدياً، وهذه الصورة معروفة في العالم الهلنستي المتعدد الأقطاب، وتمثّل إيروس، سيّد الرغبة المتّقدة في الميراث الإغريقي، ممتطياً جدياً يثب في الفضاء. تحلّ هذه الصورة في طرف حلقة قرط الأذن، وتبدو أشبه بمنحوتة ذهبية منمنمة صيغت بمهنية عالية، وفقاً لناموس الجمالية اليونانية الكلاسيكية التي تحاكي الواقع الحسي بشكل مطلق. من هذه الحلقة، يتدلّى العنصر الثاني، وهو على شكل دائرة ذهبية مرصّعة بحجر نفيس مجرّد. ومن هذه الدائرة، يتدلّى العنصر الثالث، وهو على شكل إناء يوناني تقليدي، عنقه وقاعدته من الذهب، وقالبه الأوسط من حجر لازوردي.

يبرز كذلك خاتم يحمل في وسطه حجراً نفيساً نُحت على شكل وجه آدمي في وضعية جانبية، وفقاً لطراز يُعرف باسم «قميو». شاع هذا الطراز في ميدان الفنون الفاخرة الكبرى بشكل واسع على مدى عصور، وتكرّر ظهوره بشكل مشابه على رقائق من الذهب، خرج بعضها من مقبرة «الشاخورة»، والبعض الآخر من مقبرة «أبو صيبع» المجاورة لها. مثل صورة إيروس ممتطياً الجدي، المنقوش على حجر ناعم بطابعها الكلاسيكي الصرف، وتمثّل رجلاً حليق الذقن مكللّاً برباط معقود حول هامته.