الذكاء الاصطناعي بطلاً روائياً

الكاتب المصري عبد الرحمن عاطف في «فضاء البنفسج»

الذكاء الاصطناعي بطلاً روائياً
TT

الذكاء الاصطناعي بطلاً روائياً

الذكاء الاصطناعي بطلاً روائياً

تدور أحداث رواية «فضاء البنفسج» للكاتب المصري عبد الرحمن عاطف، داخل منعطفات زمن «ديستوبي» يتشارك الحياة فيه «هجين» من بقايا بشر ناجين من كارثة نووية، مع كائنات ذكية اصطناعياً، وكائنات «سايبرغ» cyborg مُحسنة ميكانيكياً، وهي تتشارك معاً في مصير كارثي جديد يقودهم خارج كوكب الأرض بحثاً عن فضاء مكاني بديل بعد شيوع اقتراب كارثة كونية جديدة. وعلى مدار السرد تتقاطع مسارات شخصيات ثلاث رئيسية في مواجهة هذا المصير المجهول المشترك.

تفكيك الإنسان

صدرت الرواية حديثاً عن دار «العين» للنشر بالقاهرة، وتقع في 244 صفحة. واللافت أن المؤلف يستثمر «شطحات» التقدم العلمي في علوم الطب الحيوي، والميكانيكا، والهندسة الجينية، والمعلوماتية، في بناء عالمه المستقبلي، الذي يسعى فيه لتأمل وجه البشرية المُشوش والمطموس وسط تلك الخريطة الآلية المعقدة، حيث يبدو الإنسان قابلاً للتفكيك، وكأنه محض قطع غِيار آلية، فتتم رقمنة وعيه، وتطويعه بطريقة بيولوجية ليسهل تجميده وحفظه لسنوات في مرحلة معملية تسمى بمرحلة «السُبات».

كما يُعاد تجهيزه لحياة جديدة بعد تبديل شرائح ذاكرته، حيث تبدو الذاكرة الذاتية للإنسان بما تحمله من مشاعر عديمة القيمة، يتم التخلص منها وزرعها في أجساد أخرى بشكل وظيفي، في مفارقات روائية عبثية تجعل الإنسان طوع الآلة وتطبيقاتها، وليس العكس.

وبالتوازي مع إظهار البشر كمحض فئران تجارب تفر من تبعات كارثة نووية إلى أخرى كونية بعد تردد اقتراب كارثة «انطفاء الشمس»، يضئ السرد حالات الاغتراب الجمعي التي تُخيم على أجواء الرواية. فالبشر يتواصلون عبر تقنيات ودوائر كهربائية، وتظهر مفارقات عبثية بين التطرف العلمي والرقمية الباذخة، وبين سيادة أوضاع تُحاكي العصور الوسطى في ظُلمتها، وكأن حضارة العالم تعود لبدائيتها، فتتم استعارة «هيراركية» قوانين الغابة، حيث يتم تقسيم المواطنين إلى طبقات متدرجة وفقاً لنظام هرمي يتم تقسيمه جينياً، فيجد بطل الرواية نفسه مُصنفاً بسبب جيناته ضمن الطبقة الأدنى، وهي طبقة «غاما»، ومحكوماً بقوانين تلك الطبقة الدنيا. ويتم توظيفه واستغلاله كترس في آلة ضخمة في سبيل قضايا لم يخترها ولا يفهمها دون مجال للتعاطف مع فردانيته، لتبدو قيم الجدارة، والأحلام، والتنافسية، والعدالة مُشوشة في ميزان هذا المجتمع الديستوبي، الذي فاقم من حصار الإنسان، وسط بطالة، وعوز، ورقابة تحاصره في الشارع والعمل، برصد كل قول وفعل لتقييم مدى استحقاقه لأن يكون «مواطناً صالحاً»، ليصبح تقييم الإنسان رهن تقييم الذكاء الاصطناعي له الذي يمنحه نقاطاً لصالحه ويخصم من رصيده إذا لزم الأمر، فالكل خاضع للتحليل تحت رحمة إحصاءات ونقاط رقمية.

محض أرقام

ويختار المؤلف تقنية تعدد الأصوات للاقتراب من واقع الاغتراب عن الذات والمكان، حيث يبدو «كل فرد محض رقم»، فيما تعكس شبكة العلاقات الاجتماعية في هذا المجتمع طبيعته المفتتة والفانتازية، فنرى فيه أبطال الرواية البشريين في تآلف كامل مع آلات الذكاء الاصطناعي؛ يتحدثون ويتجادلون، ويألفون القطط والكلاب الآلية في الشوارع، في زمن تلاشت فيه ملامح الحياة الطبيعية، حتى في أزهد صورها؛ حيث يتناول الناس الطعام في صورة «كبسولات». أما بطل الرواية المُصاب برُهاب اجتماعي، والواعي بأنه سليل البشرية التي انهارت بسبب كارثة نووية، فيبدو مستسلماً لحديثه المُتصل مع مُجسم لسيدة افتراضية بتقنية اصطناعية، تُبادله الحديث و«التعاطف» حيال صدمته بقرار تسريحه من العمل المفاجئ. وفي أحد مشاهد الرواية تدعوه للرقص معها فيستجيب: «مددت يدي وتظاهرت أنني ممسك بيد بشرية، رغم أنني كنت في الحقيقة قابضاً على امتداد بصري وهواء»، فيما تتناقش بطلة أخرى مُغرمة بتاريخ الفن مع مساعدتها الإلكترونية «أوليمبيا 9»، التي تفشل خوارزمياتها المتقدمة في تحليل لوحات «سلفادور دالي»، فيما يبدو «دالي» و«سيرياليته» ومضة من تاريخ بعيد لم يعد له أثر.

شرائح بدل العقول

يبدو هوس التحكم الرقمي من خلال تجريب «حكومة العالم» للبحث عن سبل للنجاة، التي باتت هاجساً كابوسياً بعد الكارثة النووية، فيجد أبطال الرواية أنفسهم منقادين لخوض رحلة خارج نطاق كوكب الأرض إلى آخر مجهول مع ترقب وقوع كارثة أخرى مع اقتراب «انطفاء الشمس»، وفرص وجود كائنات في هذا الكوكب الجديد، ورسم خريطة بديلة لفرصة الحياة في مكان مادي واقعي، في وقت تبدو فيه الرقمية قد ضاعفت من تعقيد علاقة الإنسان بالمكان، بعد أن مكنته عبر «الوهم» من كل شيء كما يصف بطل الرواية: «بنيت قصوراً وقلاعاً بها كل شيء أرغب فيه، صممت ألعاباً افتراضية، وتخيلت نفسي بداخل بعضها، لعبت وكنت أزيد من صعوبة المستويات حتى أجرب محاولات أخرى وأنجح فيها، حلقت في الهواء وتنفست تحت الماء، ولعبت الغولف على سطح القمر، جربت كل شيء حتى مللت، سألت نفسي ما الهدف من كل ذلك؟».

وهكذا، تضعنا الرواية أمام تلك المعضلة التي استحالت معها أجساد البشر لأطياف «هولوغرام»، وعقولهم لشرائح ذكية، وخيالهم لساحات افتراضية، وكأنها تضاعف الاشتياق لعالم بشري مألوف، وأجسام عادية غير خارقة، ربما لاستعادة مشاعر حقيقية لم يعد لها أثر، أو ربما حدثت في أضغاث حياة سابقة.



الأكاديمية الإسبانية تستذكر يوسا وتكشف أعمالاً له غير منشورة

الأكاديمية الإسبانية تستذكر يوسا وتكشف أعمالاً له غير منشورة
TT

الأكاديمية الإسبانية تستذكر يوسا وتكشف أعمالاً له غير منشورة

الأكاديمية الإسبانية تستذكر يوسا وتكشف أعمالاً له غير منشورة

تحتفل الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية يوم الأحد المقبل بذكرى مرور 3 أشهر على رحيل الكاتب الكبير ماريو فارغاس يوسا في مسقط رأسه ليما عاصمة البيرو عن عمر ناهز التسعين عاماً. ودعت هذه المؤسسة العريقة التي شهدت النور مطالع القرن الثامن عشر عدداً من كبار الأدباء والنقّاد الإسبان والأميركيين اللاتينيين الذين واكبوا أعمال فارغاس يوسا إلى إلقاء محاضرات حول الأديب الذي نال جائزة نوبل، وجائزة سرفانتيس، ونقلت أعماله إلى أكثر من 35 لغة. ومن المنتظر أن يتخلل المناسبة الكشف عن أعمال غير منشورة للكاتب، الذي خص «الشرق الأوسط» بمقالاته الدورية طيلة 4 سنوات تقريباً.

كان يوسا يقول إنه لا يهاب الموت، ولا يفكّر فيه أبداً، وإن جلّ ما يتمناه عندما تأتي ساعته هو أن يكون منكبّاً على الكتابة أو منهمكاً في بحث أو مشروع أدبي جديد. وكان يخشى أن يضعف بصره إلى درجة حرمانه من المطالعة التي كانت شغفه الأول. لكن الموت جاءه، على موعد كان يعرف أنه دنا عندما قرر العودة إلى ليما خريف العام الفائت، في كنف أسرته، بعد معاناة دامت 5 سنوات من مرض لا علاج له، ولم يكشف عنه إلا للمقرّبين في دائرته الضيّقة، وبعد قصة حب عاصف ترك جرحاً عميقاً في فؤاده.

رحل ماريو فارغاس يوسا، أو «دون ماريو» كما كنّا نناديه، متصالحاً مع أسرته التي كانت اعتكرت علاقته بها منذ عشر سنوات إثر قصة غرامه الأخيرة مع نجمة المجتمع المخملي الإسباني والزوجة الأولى للمطرب المعروف خوليو إيغلزياس. انطفأ آخر عمالقة الأدب الأميركي اللاتيني بعد أن حصد جميع الجوائز الأدبية العالمية الكبرى، وانسدل الستار على حقبة ذهبية رصّعت سماءها كوكبة من المبدعين الكبار مثل الكولومبي غارسيا ماركيز والمكسيكي كارلوس فونتيس والأرجنتيني خوليو كوارتازار.

انطفأ فارغاس يوسا في المدينة التي أحبها أكثر من كل المدن العديدة التي أقام فيها مثل باريس وبرشلونة ولندن ونيويورك، ومدريد التي كانت موطنه الثاني بعد أن كرّمه الملك خوان كارلوس الأول بمنحه الجنسية الإسبانية الفخرية إثر نيله جائزة سرفانتيس وعضوية الأكاديمية الملكية للغة، وقبل أن تفتح له الأكاديمية الفرنسية أبوابها بوصفه أول أديب يجلس بين خالديها من غير أن ينشر كتاباً واحداً بلغة موليير. وكانت قالت عنه رئيسة الأكاديمية إنها لم تقرأ عن فلوبير أفضل وأعمق مما كتبه صاحب «المدينة والكلاب» المتوّج بنوبل عام 2010.

غاب الصبي الذي بقي شقيّاً ومغامراً ومشاكساً وأنيقاً وقارئاً نهماً حتى التاسعة والثمانين من عمره، بعد أن أمضى الأسابيع الأخيرة من حياته يجول في العشايا على المطارح التي ألهمت العديد من روائعه الأدبية، وبعد أن ترك لنا ما يزيد على ثمانين مؤلفاً في الرواية وأدب السيرة والبحث السردي والسياسة، من بينها مجموعة من المقالات عن العراق الذي زاره، برفقة نجله البكر آلفارو، الكاتب هو أيضاً، بعد الغزو الأميركي، وعن فلسطين التي زار أراضيها المحتلة وجال فيها، وعن لبنان الذي ربطته به علاقة عائلية بعد زواج ابنه من لبنانية.

كان في صباه الأول يحلم بأن يكون «كاتباً فرنسياً»، ربما لإعجابه بالأدباء الفرنسيين مثل فلوبير وهوغو وسارتر، وما لهم من مكانة مرموقة في المجتمع الفرنسي. وقد روى أنه اتخذ قراره النهائي بأن يصبح كاتباً ذات يوم في أحد مقاهي مدريد التي وصلها عام 1958 بمنحة لدراسة الأدب في جامعتها المركزية، وراح يتردد يومياً على ذلك المقهى حيث وضع المخطوط الأول لرائعته «المدينة والكلاب» التي قال عنها صديقه اللدود غارسيّا ماركيز أنه يتمنّى لو كان هو كاتبها.

خلال إقامته الأولى في باريس مارس مهنة المتاعب في القسم الإسباني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، والترجمة التحريرية بالتعاقد مع منظمة «اليونسكو»، والترجمة الفورية التي كانت مناسبة لقائه الأول بخوليو كورتازار في مؤتمر حول القطن في اليونان. وقد وضع رواية لاحقاً تدور وقائعها حول مترجمة فورية من البيرو ومغامراتها العاطفية في باريس. في العاصمة الفرنسية اكتشف فلوبير، وتبحّر في أعماله وحياته إلى أن أصبحت بحوثه عنه من المراجع الأساسية لدراسة صاحب «مدام بوفاري». تأثر كثيراً بسارتر، وسار في خطاه السياسية يوم كان من أشد مناصري الثورة الكوبية قبل أن ينقلب بشكل نهائي وعنيف على الفكر الشيوعي والحركات اليسارية التي كان معظم أدباء أميركا اللاتينية من مؤيديها. ولدى سؤاله مرة حول ما إذا كانت الانتقادات القاسية التي تعرّض لها من اليسار الأميركي اللاتيني بسبب انقلابه على نظام كاسترو في كوبا هي التي دفعته إلى الجنوح نحو الفكر الليبرالي، أجاب «ربما».

ماريو بارغاس يوسا

في إسبانيا وضع أطروحته لنيل الدكتوراه من جامعة مدريد حول أعمال غارسيّا ماركيز عام 1971، وهي تحليل عميق لكل ما أنتجه ماركيز حتى صدور «مائة عام من العزلة»، وأصبحت مرجعاً لدراسة الكاتب الكولومبي. لكن بعد الخلاف الذي نشب بينهم بسبب «حادثة عاطفية» امتنع كلاهما دائماً عن الحديث عنها، وانتهى عام 1976 باللكمة الشهيرة من فارغاس يوسا على وجه ماركيز التي وضعت حداً نهائياً للصداقة التي ربطتهما، رفض فارغاس يوسا إعادة نشر كتابه حول ماركيز، حتى عام 2006 عندما سمح بنشره ضمن أعماله الكاملة. وفي عام 2021، وبمناسبة مرور 50 عاماً على صدوره قرر رفع الفيتو عن إعادة نشره، وقال يومها في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «لم أشعر يوماً بالحسد من نجاح ماركيز، بل من موهبته».

وفي إسبانيا أيضاً تعرّف فارغاس يوسا على كارمن بالسيلز، الوكيلة الأدبية المعروفة في برشلونة، التي كانت وراء شهرة كثيرين من كتّاب أميركا اللاتينية مثل ماركيز وكورتازار وفونتيس، والتي أصبحت فيما بعد وكيلته الحصرية. ويروي دون ماريو أنه عندما كان يقيم مع عائلته في لندن، حيث كان يدرّس في جامعة كينغز كولج، اتصلت به بالسيلز، وعرضت عليه أن يترك التدريس، ويتفرّغ للكتابة في برشلونة التي انتقل إليها عام 1969، وفيها ولدت ابنته مورغانا، وصدرت له روايات عدة، وكتب أطروحته الشهيرة عن غارسيا ماركيز.

خلال إقامته الأولى في باريس بدأ بكتابة إحدى روائعه «محادثة في الكاتدرائية»، وأكملها خلال ترحاله بين العاصمة الفرنسية وواشنطن ولندن وبورتوريكو، وصدرت بعيد وصوله إلى برشلونة. والكاتدرائية ليست كنيسة ضخمة، بل اسم لمقهى باريسي كان فارغاس يوسا يتردد عليه. وكان فكّر في البداية أن ينشرها في جزأين لضخامتها، وكان يقول إنها الرواية التي تطلبت منه أكبر قدر من الجهد بين تنقيح ومراجعة وإعادة كتابة، وإنه لو طلب إليه أن ينقذ رواية واحدة من أعماله، لاختارها. وتدور الرواية حول الأزمات السياسية التي كانت بلاده البيرو تعاني منها. وقد دفعه هذا الاهتمام لاحقاً إلى خوض المعترك السياسي عندما ترشّح للانتخابات الرئاسية عام 1990، وخسرها أمام ألبرتو فوجيموري الذي انتهى لاحقاً في السجن بتهم الفساد حتى وفاته العام الماضي. لم يندم على تلك التجربة، وبقي يشدد على أن الأدب والسياسة هما وجهان لعملة واحدة هي حرية الإنسان. وخلال السنوات الأخيرة التي أقامها في إسبانيا كان ناشطاً في نشر الفكر الليبرالي، وسار في مظاهرات ضد الحركة التي كانت تنادي باستقلال مقاطعة كاتالونيا.

كان فارغاس يوسا غزيراً في إنتاجه الأدبي، بقدر ما كان نهماً في مطالعاته التي غالباً ما كانت مواضيع لمقالاته الأدبية والنقدية التي تنشرها له «الشرق الأوسط» منذ سنوات. منذ شبابه الأول كانت الكتابة هاجسه، وسعى بمثابرة إلى التفرّغ لها. وكتب يوماً إلى أحد أصدقائه، عندما كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره: «سأصبح كاتباً. لا أريد أن أكون صحافياً، ولا محامياً ولا مدرسّاً، حتى لو اضطررت لتخصيص وقتي من أجل كسب العيش لأعمال أخرى، لكني سأصبح كاتباً. معنى ذلك أنني سأكرّس أفضل أوقاتي وطاقتي للكتابة. سأبحث عن أعمال تؤمن لي قوتي من غير أن تحول دون انصرافي الأساسي للكتابة. وإذا كان ذلك يعني أنني سأتكبد صعاباً مادية، لن أتردد لأني أعرف جيداً أنني سأكون أكثر تعاسة في الحياة إذا تخليّت عن الأدب لأسباب مادية».

وعندما نال جائزة نوبل في عام 2010 قال: «لا أبالغ في القول إن الأدب أنقذ حياتي. كنت أعيش في عالم مغلق وعدواني في أغلب الأحيان، تحكمه قواعد موروثة ويسوده الصمت والخوف من البوح. لكن في الكتب وقعت على باب سري وسحري من الكلمات التي بنيت منها عوالم سمحت لي بأن أتنفس بحُرية مطلقة. كانت الكتابة بالنسبة لي منذ البداية سبيلاً إلى الوجود من غير أن أستأذن أحداً. هي التي منحتني نعمة تغيير الواقع، بالخيال وليس بالقوة. وتعلمت منها أن بلداً من غير حكايات، ومن غير قراء، ومن غير كتّاب، هو بلد محكوم عليه بالنسيان».

كان دون ماريو يردد أن القراءة لا تقلّ أهمية عن الكتابة، وأن مطالعاته لها الفضل الأكبر فيما أنتجه من أعمال، ويقول: «من فلوبير تعلّمت أن الجهد يصل حيث لا تصل الموهبة التي ليست سوى مثابرة وصبر طويل. ومن ديكنز وبلزاك وتولستوي وكونراد وتوماس مان تعلمت أن تفاصيل الأرقام والتواريخ لا تقل أهمية في الرواية عن مهارة الأسلوب واستراتيجية السرد، وتعلمت من سارتر أن الكلمة هي أيضاً فعل، ومن كامو وأورويل أن الأدب من غير أخلاق ليس إنسانياً».

نشر فارغاس يوسا ثلاثاً من روائعه الأدبية قبل بلوغه الثالثة والثلاثين من عمره، وفي الخطاب الذي ألقاه لدى تسلمه جائزة نوبل قال: «علينا ن نواصل الكتابة والقراءة والحلم؛ لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة والأكثر فاعلية للتخفيف من حتمية الفناء وقهر سلطان الزمن».

الحب كان المصدر الأول للمتاعب والمشكلات التي واجهته في حياته التي كانت مليئة بالمغامرات، وأثارت حسداً كثيراً بين أترابه. كان يقول إن الذكاء يكمن أيضاً في الفصل بين الحب والجنس، لأن الحب هو نبع العذابات التي لا قدرة لنا على التحكم فيها. رحل مهيض الفؤاد بعد أن فشل في استئناف الاتصال بالمرأة التي كانت مهبط مشاعره في السنوات الأخيرة من حياته، لكنه كان قد استعاد السكينة العميقة التي كان يحنّ إليها دوماً بجانب أسرته، في المطارح حيث نبتت أجمل أحلامه.