«كتارا» تتوّج الفائزين بجائزة الرواية العربية

تشمل روائيين ونقاداً من 8 دول عربية

الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

«كتارا» تتوّج الفائزين بجائزة الرواية العربية

الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)

توّجت مؤسسة الحي الثقافي بقطر «كتارا»، الخميس، الفائزين بجائزتها للرواية العربية في دورتها العاشرة 2024.

وفاز في فئة «الروايات العربية المنشورة» كلّ من: علاء حليحل (فلسطين) عن روايته «سبع رسائل إلى أم كلثوم»، ومحمد طَرزي (لبنان) عن روايته «ميكروفون كاتم صوت»، ويوسف حسين (مصر) عن روايته «بيادق ونيشان». وتبلغ قيمة كل جائزة 30 ألف دولار أميركي، مع ترجمة الروايات الفائزة إلى اللغة الإنجليزية.

وفي فئة الروايات «غير المنشورة» فاز كل من: قويدر ميموني (الجزائر) عن روايته «إل كامينو دي لا مويرتي»، وليزا خضر (سوريا) عن روايتها «حائط الفضيحة»، وياسين كنيمن (المغرب) عن روايته «ع ب ث»، وتبلغ قيمة كل جائزة 30 ألف دولار، مع طباعة الأعمال الفائزة وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.

وفاز في فئة «الدراسات التي تُعنى بالبحث والنقد الروائي»، 3 نقاد، وهم: الدكتور بلقاسم عيساني (الجزائر) عن دراسته «الفكر الروائي»، والدكتور بوشعيب الساوري (المغرب) عن دراسته «تخييل الهوية في الرواية العربية»، والدكتور هاشم ميرغني (السودان) عن دراسته «الروايةُ مسرحاً لجدل الهُويَّات وإعادة انبنائها»، وتبلغ قيمة كل جائزة 30 ألف دولار، مع طبع الدراسات ونشرها وتسويقها.

أما في فئة «رواية الفتيان» ففاز كل من: أبو بكر حمّادي (الجزائر) عن روايته «أنا أدعى ليبرا»، وشيماء جمال الدين (مصر) عن روايتها «بيتُ ريما»، وعلاء الجابر (العراق) عن روايته «أرض البرتقال والزيتون»، وتبلغ قيمة كل جائزة 15 ألف دولار لكل فائز، مع طباعتها ونشرها. وعن «الرواية التاريخية غير المنشورة» فاز ضياء جبيلي (العراق) عن روايته «السرد الدري في ما لم يروهِ الطبري - ثورة الزنج». وفازت في «الرواية القطرية المنشورة» الدكتورة كلثم جبر الكواري عن روايتها «فريج بن درهم».

وجرى الإعلان عن الجوائز بحضور وزراء وسفراء وممثلي بعثات دبلوماسية، وعدد كبير من الأدباء والمثقفين والإعلاميين وجمهور غفير من المهتمين بالشأن الثقافي.

وقال الدكتور خالد السليطي، المدير العام لـ«كتارا»، خلال كلمته أمام الحفل، إن الجائزة، التي أطلقتها المؤسسة عام 2014، تهدف إلى «ترسيخ حضور الروايات العربية المتميزة عربياً وعالمياً، وتشجيع وتقدير الروائيين العرب المبدعين؛ لتحفيزهم على المضي قدماً نحو آفاق أرحب للإبداع والتميز»، مضيفاً: «مدينة الرواية (كتارا) تحتفل اليوم بالأسبوع العالمي للرواية، الذي كان للمؤسسة إسهام في اعتماده من قبل (اليونسكو) خلال الفترة بين 13 و20 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام»

السليطي يتحدث عن جائزة «كتارا» وجهود المؤسسة لدعم الرواية العربية (تصوير: ميرزا الخويلدي)

وتابع: «كما نحتفل بمرور 10 سنوات على إطلاق الجائزة التي استطاعت خلال عقد من الزمان الوصول بالرواية العربية إلى فضاءات جديدة، عبر معالجة كثير من الإشكالات التي كانت تحدّ من انتشارها، ومن بينها صعوبات النشر والترجمة إلى لغات أخرى غير (العربية)»، مبيناً أن «مبادراتها العديدة أتاحت الربط بين الرواية والترجمة والدراما والفن التشكيلي، وأسهمت في ظهور مواهب أدبية واعدة استفادت من فرص نشر وتسويق الروايات الفائزة وترجمتها للغتين الإنجليزية والفرنسية».

وعدّ السلطي اختيار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، المؤسسة «مدينة الرواية»، تتويجاً لجهود «كتارا» المستمرة «في دعم تقدم وتطوير الرواية العربية باعتبارها صاحبة المكانة الأولى في أدبنا الحديث»، متعهّداً باستمرار دعمهم للرواية والروائيين العرب عبر برامج وأنشطة المؤسسة، التي تتضمن ورش عمل لتعليم فنون الكتابة الإبداعية، لمختلف الفئات العمرية، وتنمية التجربة الإبداعية بمواصلة إصدار دورية «سرديات» تعنى بتقويم مسيرة الرواية من خلال المناهج النقدية الحديثة.

وشهد الحفل الافتتاحي عزف «سيمفونية الرواية»، وهي تجربة موسيقية من تصور وإشراف الدكتور ناصر سهيم، وثمرة تعاون بين «كتارا» و«أوركسترا قطر الفلهارمونية»، حيث استمتع الحضور بالمزج المبتكر بين سحر الموسيقى الأوركسترالية والسرد المشوق في الرواية، الذي يعد شهادة على قوة التناغم والإمكانات اللامحدودة لمكونات الفن.

1697 مشاركة

وشهدت الدورة العاشرة لعام 2024 مشاركة 1697 عملاً، شملت 886 رواية غير منشورة، و437 رواية منشورة صدرت عام 2023، و177 رواية فتيان غير منشورة، و91 دراسة نقدية غير منشورة، بالإضافة إلى 7 روايات قطرية منشورة، و99 رواية تاريخية غير منشورة.

وجرى إعلان القائمة الطويلة التي تضم 18 عملاً من بين الأعمال المشاركة، وتشمل مختلف فئات الروايات. وضمّت روائيين من 17 دولة عربية، تصدرتها مصر بـ26 رواية ودراسة نقدية، تلتها المغرب بـ19، ثم سوريا بـ9 روايات، والأردن بـ8 روايات ودراسات نقدية، والعراق بـ5 .

فعاليات ثقافية

وشهد «مهرجان كتارا للرواية العربية» في نسخته العاشرة ندوات حوارية وفكرية، من بينها ندوة «الرواية والمجتمع»، وتحدث فيها الكاتبان؛ السوداني أيمن خير، والآريتري هاشم محمود، وأيضاً ندوة ثانية عن «الرواية العربية وشبكات التواصل» شارك فيها الروائي فيصل الأنصاري، الحائز على «جائزة كتارا للرواية العربية» عام 2021 عن «فئة اليافعين»، والروائية أسيل سامي، وندوة «الرواية والاغتراب... الكتابة في الغربة والغربة في المكان»، شاركت فيها السينمائية والروائية السويدية (من أصل عراقي) ميسلون فاخر، والروائي والإعلامي السوري عبد الله مكسور.

وشارك في ندوة «أدبيات علمية حديثة في دراسات الأديان»، الباحث في «مركز الدوحة لحوار الأديان» سيكو مارفا توري، والباحث في الحضارة الإسلامية مختار خواجة، والباحثة هند الحمادي. كذلك شارك في ندوة «الرواية القطرية وعلاقتها بالنقد العربي» الروائي القطري الدكتور أحمد عبد الملك، والباحث الدكتور مرزوق بشير، والروائية الدكتورة هدى النعيمي، بإدارة الكاتب الكويتي الدكتور فهد الهندال. وتحدث في ندوة «الرواية العربية في ظل الذكاء الاصطناعي» الروائي الجزائري واسيني الأعرج، والسوداني أمير تاج السر، والمصري إبراهيم عبد المجيد، وأدارتها الدكتورة أسماء فرنان.

واختارت جائزة كتارا للرواية العربية، في دورتها العاشرة، المؤرخ والصحافي والأديب المغربي التهامي الوزاني (1903 - 1972) شخصية العام، باعتباره يمثّل «تجلياً متميزاً للمثقف الشامل».


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية الإيراني يلتقي نظيره القطري في طهران

الخليج وزير الخارجية الإيراني خلال لقائه في طهران رئيس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (وكالة «مهر» الإيرانية)

وزير الخارجية الإيراني يلتقي نظيره القطري في طهران

أجرى رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في طهران، اليوم، مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. ووفق وسائل إعلام…

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
رياضة عربية لاعبو الإمارات يحتفلون بالفوز الكبير على قطر (أ.ف.ب)

«تصفيات المونديال»: رباعية ليما تقود الإمارات لفوز كبير على قطر

سجّل فابيو ليما 4 أهداف، وأضاف يحيى الغساني الهدف الخامس، في فوز الإمارات 5 - صفر على ضيفتها قطر.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات يلتقي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر (وام)

مباحثات إماراتية قطرية حول العلاقات الثنائية وقضايا المنطقة

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات يلتقي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر، ويبحث معه العلاقات الثنائية وقضايا المنطقة.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
رياضة عربية باولو بينتو مدرب الإمارات (الشرق الأوسط)

مدرب الإمارات يرشّح إيران وقطر لبلوغ المونديال

أكد البرتغالي باولو بينتو، مدرب منتخب الإمارات لكرة القدم، على صعوبة مباراة الثلاثاء ضد نظيره القطري.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج أمير قطر الشيخ تميم مستقبلاً الوزراء الجدد بعد اداء اليمين الثلاثاء (الديوان الأميري القطري)

أمير قطر يعلن تغييرات حكومية وأمنية واسعة

أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمراً بتعديل تشكيل مجلس الوزراء، اليوم الثلاثاء، تضمن تغييرات في حقيبة الدفاع ورئاسة الديوان الأميري وجهاز أمن الدولة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

«سادن المحرقة»... حوار مع الجلاّد

باسم خندقجي
باسم خندقجي
TT

«سادن المحرقة»... حوار مع الجلاّد

باسم خندقجي
باسم خندقجي

في تحدٍ جديد لسجَّانه الإسرائيلي، يصدر الأسير باسم خندقجي، المحكوم بثلاثة مؤبدات، الجزء الثاني من روايته «قناع بلون السماء» التي حازت «جائزة الرواية العربية» في دورتها الـ17، وأُعلن عنها في أبريل (نيسان) من العام الحالي. ويحمل الجزء الجديد الصادر عن «دار الآداب» عنوان «سادن المحرقة»، وهو يرتبط بالكتاب الأول بلعبة ذكية، وشيقة، بحيث بالإمكان قراءته ربطاً بما قبله، أو منفصلاً عنه. لكن مَن يعرف الكتاب الأول لا يمكنه إلا أن يعقد مقابلات دائمة، أو يستبطن أبعاد ما يقرأ، معتمداً على الأحداث السابقة.

الظريف في الرواية الجديدة، أن اليهودي الأشكنازي، أور شابيرا، الذي كان الفلسطيني، باحث الآثار نور الشهدي (بطل الجزء الأول) قد عثر على هويته في معطف أسود مستعمل اشتراه، وتقمّص اسمه واستخدم هويته ليلتحق ببعثة أثرية؛ شابيرا هذا هو الذي سيكون محور الرواية الجديدة. وهي مفاجأة للقارئ، الذي لم يكن يعرف عن هذا الشخص شيئاً على الإطلاق، وظنناه مجرد اسم يستخدمه الشهدي وتنتهي حكايته.

شابيرا الشخصية الرئيسية

من مطلع الرواية، نعرف أن أور (37 عاماً) كان من نخبة لواء المظليين في الجيش الإسرائيلي، شارك في حرب غزة عام 2008، وحرب 2006 في لبنان؛ حيث نجا من الموت بأعجوبة في بلدة بنت جبيل، بعد أن قُتل مَن معه، وبقي أياماً بين الجثث. وهو مصاب بعد كل ما عاناه، بـ«اضطراب ما بعد الصدمة». لذا تم تسريحه من الخدمة، والترخيص له بتعاطي الماريغوانا. وها هو يتردد للعلاج عند طبيبته النفسية هداس التي تنصحه بأن يكتب كل ما يخطر له على دفتر صغير، كي تتوصل معه إلى «نقطة التعيين» أو العقدة الأساس.

بمرور الأحداث، نكتشف خلفيات شابيرا وأزماته الشخصية والعائلية المركبة؛ والده في غيبوبة، وأمه مثل جدّيه ماتوا بفيروس «كورونا»، وأخوه الأكبر جدعون قُتل في أثناء تأدية خدمته العسكرية في مخيم في رام الله، وخاله قضى محارباً في سيناء عام 1973.

بروفايل نموذجي

أور هذا، له بروفايل نموذجي لشخص إسرائيلي، ليس فقط من حيث الصلة العضوية بين عائلته والجيش أو الحياة العسكرية، ولكن أيضاً هو واحد من أحفاد الناجين من المحرقة النازية، وتربى على ذاكرة المحرقة وذيولها. وإن نشأ في عائلة علمانية لا علاقة لها بالدين، إلا أن ذاكرته مضمخة برائحة مخيمات التعذيب، التي لم تتوقف جدته عن الكلام عنها. هو نفسه زار مخيم الإبادة النازي «أوشفيتز» في بولندا، ولا تزال تلك الزيارة، على الرغم من أنها كانت وهو في المدرسة، تؤرقه.

تاريخ مليء بالعنف والتراجيديا. والده كان مُصرّاً، رغم اعتراض والدته، على أن يلتحق ابناه، جدعون وأور، بالجيش. الأب نفسه كان عسكرياً، وهو ما يجعل أور يتخيل باستمرار الفظائع التي يمكن أن يكون قد ارتكبها، ويحاول أن يفهم منه ذلك، حتى بعد أن دخل في غيبوبة.

عبء نفسي ثقيل، يرزح تحته أور، الذي نراه متعباً في منزله في جفعات شاؤول، خصوصاً حين يكتشف أن اسمها العربي هو «دير ياسين»، بكل ما يحمله اسم المكان من ذكريات دموية، وسمعة مرعبة. تزداد هلوساته، يعيش منعزلاً دون أصدقاء، بلا نوم، يحاول مكافحة أخيلة تظهر له، تثير في نفسه الرعب. «فتاة القبو» التي تطارده، أشباح المتألمين، ما يسمعه من جرائم ارتُكبت، لعل أحداً من عائلته ارتكب أفعالاً شائنة! كل شيء يدعو للأرق، حتى أحلامه، لا يعرف لماذا يراها بالعربية، منذ سنتين! ما تراه يستطيع أن يفعل؟ لجأ إلى معلمة فلسطينية، وها هو يتابع دروساً باللغة العربية لعل هذا يقربه، من فهم نفسه! وما لا يقوله، إنها قد تكون في لا وعيه، طريقة لفهم مَن حوله.

عبثاً يفعل. إضافة إلى أعراض ما بعد الصدمة، بدأت تظهر عليه علامات انفصام. انتقاله إلى منزل العائلة في تل أبيب؛ هرباً من لعنة دير ياسين، ليس كافياً ليخرجه من الجحيم.

مفاجآت السرد

ينجح باسم خندقجي، في مفاجأتنا، بقدرته الساحرة على الربط بين جزئَي روايته. فإذا كان في الجزء الأول قد نجح في رسم سيكولوجية الشخصية الفلسطينية عبر نور الشهدي، والدخول إلى دهاليزها، من خلال استقراء أزمة الهوية والوجود الملتبس، فهو هنا يفعل العكس. هذه المرة، يأخذنا في رحلة إلى أعماق شخصية أور شابيرا، بكل ما تنطوي عليه من أسئلة وضياع، واستفهامات، ومحاولة فهم للتاريخ المتصدع، وعلاقته بالواقع المنفصم. وتكاد تكون الرواية كلها، محاولة بحث عن الذات، وعقد مصالحة مع مكونات في تركيبة الشخصية، من الصعب الجمع بينها.

لكن الرواية لا تكتفي بهذا، فثمة مفاجآت عديدة تتوالى، تجعل القارئ، متعجلاً معرفة إجابات عنها، خصوصاً عندما يعرف أور بالصدفة أن هويته التي ضاعت في جيب معطف أخيه جدعون وقعت في يد شخص آخر، وأنه استخدمها بالفعل، وعمل بموجبها.

هنا يبدأ البحث الفعلي، وتتوالى اكتشافات أور، ومغامراته لمعرفة حقيقة ما حدث، ومَن هو هذا الشخص المجهول؟ وماذا فعل بعد أن تقمَّص شخصيته؟

كل ذلك سيساعده على بدء فكفكة أزماته الشخصية، حيث يظهر نور الفلسطيني في النصف الأخير من الرواية، بصورة غير متوقعة. ولا داعي لمزيد من التفصيل، كي نبقي للقارئ متعة الاكتشاف. فالكاتب يتمتع بأسلوب سردي منساب، مع حيل روائية تأخذنا إلى حبكات متوالية، تجعلنا في حالة انجذاب متواصل.

الوجه والقناع

تُسجَّل للكاتب، مهارتُه في إعادة استخدام أدوات الجزء الأول نفسها، بطريقة جديدة. فهو أديب يحب اللعب، وبمقدوره أن يسلي القارئ بهذه الحبكات القائمة على المصادفات تارة، والأخيلة تارة أخرى. فهو يعيد إحياء صاحب الهوية اليهودي الذي لم يكن له أي وجود فعلي في الجزء الأول، ويبني له شخصية وعائلة، وحياة كاملة وتاريخاً مديداً. كما أنه يجعل اللغة العربية محوراً من المحاور الرئيسية، تماماً كما كانت العبرية في الجزء الأول. وثمة في الجزأين صديقة أو حبيبة عربية، وأخرى إسرائيلية، تلعب كل منهما دوراً في الإضاءة على الشخصية الرئيسية. ونرى الكاتب في النَصَّين، يركز على استبطان الجانب النفسي، وما يدور من حوارات ذاتية، في محاولة لولوج الدواخل المركبة سواء فلسطينياً أو إسرائيلياً. هذا الصراع الدموي الكبير، يصبح في مستواه الأكثر دراماتيكية حين نعاينه فردياً، ونجد الأشخاص المفترض أنهم أعداء في حالة تواصل إنساني، يلزمهم بمراجعات مؤلمة. أما الكلمة التي لا بد أنها أساس في النَصَّين معاً فهي «الكولونيالية» التي تستغرق من الكاتب عبر شخصية نور كثيراً من الجهد لفهمها وإفهامها.

رواية على الوتر الحساس

تأتي «سادن المحرقة» بصدورها في هذا التوقيت تحديداً، رغم أنها أُنجزت على ما يبدو قبل حربَي غزة ولبنان الحاليَّتين، وكأنها تجيب عن أسئلة كثيرة، صارت تتردد على الألسن. إذ وأنت تقرأ النصَّ، كثيراً ما تلحظ أنه يحاول، من خلال استفهامات أور شابيرا، أن يجيب عن أسئلة من نوع: لماذا كل هذا العنف عند الشخصية الإسرائيلية؟ أو ما الخلفية التي تجعل مجتمعاً يفكر على نحو انتقامي؟ وفي محاولة من أور للعثور على إجابات، يتحاور مع معلمة اللغة العربية، ويصطدمان باستمرار، يكتب على دفتره وكأنما ليفهم، يحاول أن يستنطق والده تكراراً، وهو في غيبوبته، عن تلك الحادثة الشهيرة في النقب للاعتداء الجماعي على فتاة صغيرة، من قبل الجنود، وفي قلبه خشية أن يكون والده مَارَسَ نوعاً من هذه البشاعات.

الأسير والغفران لسجَّانه

يبقى أن باسم خندقجي، يكتب هذه الرواية بعد مرور 20 سنة من عمره خلف قضبان السجن، لكنه متحرر من الجدران، كما في الجزء الأول، ويسطر حكايته، مثل طليق يحب التجول في الشوارع، يصف لنا القدس وتل أبيب، يجلس في المقاهي. يبدو خندقجي مثل مَن يأنف من الكتابة عن السجن، أو يعدّ الكتابة الروائية انتقالاً إلى عالم الحرية. والسؤال الذي من المحال أن تنهي قراءة الرواية، دون أن تتساءل حوله، هو: كيف يمكن لسجين، عاش حالات اضطهاد قصوى، وعانى من سجَّانه ما عانى، يمكن له ليس فقط أن يتقمَّص عدوه، وإنما أن يسخِّر قلمه للكتابة عن معاناته، بل يُقدِّم صورته ضحيةً أكثر مما هو مستعمرٌ مغتصبٌ، ومرتكب جرائم؟

يُشار إلى أن باسم خندقجي اعتُقل في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2004 وكان لا يزال في الـ19 من عمره، أصدر ديوانين، و3 روايات: «نرجس العزلة» عام 2017، و«خسوف بدر الدين» عام 2019، و«أنفاس امرأة مخذولة» عام 2020. ونشر أكثر من 200 مقالة، وأكمل دراسته في السجن. ومع صدور روايته «قناع بلون السماء»، وعدنا أنها ستكون ثلاثية تحمل عنوان «ثلاثية المرايا»، أي أننا لا نزال بانتظار جزء آخر، وهو ما يبرر النهاية المفتوحة والمعلقة التي تنتهي بها «سادن المحرقة».