زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

مبدعون يرثون شاعر البهجة والترحال والرقص مع الحياة

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»
TT

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

لا تزال تداعيات الرحيل الصادم للشاعر العماني البارز زاهر الغافري، تتفاعل في أروقة المثقفين العرب وعبر منصات التواصل الاجتماعي، منذ أن غيبه الموت في مستشفى بالمدينة السويدية مالمو أمس (السبت)، مخلفاً وراءه إرثاً إبداعياً متفرداً عبر 12 ديواناً شعرياً تُرجم كثير منها إلى لغات عدة منها الإنجليزية والإسبانية والصينية. ولد الغافري 1956 وتخرج في قسم الفلسفة بجامعة «محمد الخامس» بالرباط وعاش حياته عاشقاً للسفر والترحال، كأن الحياة امرأة جميلة يراقصها، ومن أجلها يتنقل من بلد لآخر، حيث طاب له المقام في المغرب والعراق وباريس ولندن، قبل أن تصبح السويد محطته الأخيرة.

ورغم تعدد الجغرافيا والأمكنة في خريطة العمر، فإن قريته «سرور» بسلطنة عمان، ظلت بمثابة شجرة وارفة الظلال يعود إليها بين الحين والآخر، ملتمساً عبق الذكريات ورائحة الجذور. ومن أبزر أعماله: «أظلاف بيضاء»، و«الصمت يأتي للاعتراف»، و«أزهار في بئر»، و«حياة واحدة، سلالم كثيرة»، و«هذيان نابليون»، و«مدينة آدم». وبدا لافتاً هذا الكم من القصائد التي تشي بأن الموت والرحيل تحولا إلى هاجس يطارد الشاعر في سنواته الأخيرة، نتيجة مرض تليف الكبد الذي عانى منه بقسوة، لكنه هاجس ظل ينطوي على «جمال منتظر»، كما في قوله: «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت / فنسمع من يقول: انظر كيف تقفز الأسماك من عيونهم / هكذا ننحني لغصن الموت». ويقول في قصيدة أخرى: «ميتٌ في السرير لكنني أرى / لهذا سأتركُ لكم الشعرَ / يكفيني أن أرى تلويحة اليد من أعلى السحابة». ويتساءل في نص ثالث: «هل كان ينبغي أن تمضي كل تلك السنوات / كي أكتشف أنني صيحةٌ عائدة من الموت؟».

وتدفقت منشورات الرثاء واستعادة الذكريات لمبدعين ومثقفين من مختلف الأجيال والبلدان، وقعوا في غرام شاعر أخلص للشعر وحب الحياة، وزهد في الأضواء والصراعات الصغيرة.

وقال الشاعر العماني إبراهيم سعيد إن «زاهر تعامل مع الموت بطريقة شعرية تصعيدية للحدث القادم آنذاك، والذي نعرف الآن أنه هذا اليوم الحزين، وداعاً زاهر الغافري بكل الأناقة التي ودعت ولوحت بها طوال سنوات عمرك الأخيرة وصبرك، وتحملك لألم المرض الذي ظل يلاصق أيامك، والذي كنت تحتال عليه وتراوغه بأسلوبك الفريد...». وعلق الكاتب المصري مهدي مصطفى: «منذ أسابيع تهاتفنا عبر الفضاء الشاسع. صوته الضاحك المفرح يجيء من بعيد كأنه يودعني. لتعد يا زاهر إلى حضن قريتك سرور في عمان، كن طائراً في سماوات قريبة كما اعتدت».

ويستعيد القاص والروائي العراقي المقيم في الدنمارك سلام إبراهيم، بداية قربه الإنساني من الشاعر الراحل قائلاً: «في أمسية أدبية بمدينة مالمو وقع نظري عليه أول مرة. كان ذلك في منتصف تسعينات القرن الماضي. كان يجلس في الصف الأول بوجهه الأسمر كأنه رغيف خبزٍ تعطل قليلاً في التنور، يحملق بعينين ذكيتين متابعاً، وأنا أقدم صديقي المسرحي د. فاضل سوداني ليحاضر عن طقوس المسرح. في الجلسة التي أعقبت المحاضرة أقبل نحوي وعانقني، لم يقدم نفسه، فبقيت حائراً بمَ أناديه، وخاض معي حديثاً متشعباً وغنياً عن الأدب والعراق ونصوصي التي أنشرها في الصحافة العربية». ويضيف إبراهيم قائلاً: «كانت الجلسة محتدمة وبها خليط من مثقفي ومبدعي العراق، وكان (زاهر) شديد الحماس، شديد الإنصات، ظننت أنه عراقي بالرغم من أن لهجته فيها إيقاع لهجة أخرى، لكن ما يرتسم في تقاسيمه السمراء الناصعة كماسةٍ من انفعالات متوهجة، وما يصيب نبرة صوته من تهدج كلما سمع اسم العراق جعلني أتيقن بأنه عراقي».

ويتوجه الكاتب العماني أحمد العلوي إلى الراحل برسالة مؤثرة قائلاً: «أهو بياض الثلج الذي يبعد بحر عمان عنك؟ أم أن مالمو عصية على هتاف البحر لك؟ صورتك أمام الأزرق في عُمان تتجذر في أعيننا، حين يوافيك الحظ، ويعتقك البياض من قيد المسافة، وتأتي كموجة تناثرت هباتها على الشاطئ الذي تلتقط صوراً لك أمامه، وتكتب (من أمام بحر عُمان العظيم) كأنك بها وحدها تؤصّل جذورك في الماء».



«ثورة القمر»... رواية إيطالية تبرز قوة المرأة باستلهام التاريخ

«ثورة القمر»... رواية إيطالية تبرز قوة المرأة باستلهام التاريخ
TT

«ثورة القمر»... رواية إيطالية تبرز قوة المرأة باستلهام التاريخ

«ثورة القمر»... رواية إيطالية تبرز قوة المرأة باستلهام التاريخ

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «ثورة القمر» للكاتب الإيطالي أندريا كاميلليري، ترجمة أماني فوزي حبشي. وصف النقاد هذه الرواية بأنها «دراما تاريخية رائعة»، و«رواية مزدانة بالذكاء الماكر والفكاهة». ويعالج كاميلليري في هذا العمل مسائل الأخلاق، والسياسة، والجريمة، والعلاقة بين الجنسين، عبر أسلوب ساخر يمزج الحقائق بالخيال، ويصنع إسقاطاً على الواقع الحالي.

تدور الأحداث في جزيرة صقلية انطلاقاً من تاريخ 16 أبريل (نيسان) 1677، حيث يُعيِّن نائب الملك كارلوس الثالث، قبل موته المفاجئ، زوجته دونا إليونورا خلفاً له، لكنها تتعرّض لمكائد عدة من جانب السلطات المحلية، لا سيما أسقف المدينة وأعضاء المجلس الفاسدين الذين يعارضون حكمها. تستخدم الزوجة، التي وجدت نفسها فجأة في مواجهة النار، فطنتها وشجاعتها لكشف جرائم الخصوم، وتسعى إلى تطبيق تدابير عدة تغير بها حياة سكان إقليم باليرمو، الذين يعانون الفقر. ويستعرض أندريا كاميلليري ذلك الحدث الاستثنائي الذي استمرّ 27 يوماً فقط، أي دورة قمر واحدة، في إطار روائي يتميز بالتشويق والمتعة وخفة الظل.

يعد أندريا كاميلليري (1925 - 2019)، المولود في جزيرة صقلية، أحد أعظم الكُتَّاب الإيطاليين المعاصرين. التحق بكلية الآداب في عام 1944، وبدأ ينشر القصائد والقصص في الصحف المحلية، ونشر روايتين لم تُحققا نجاحاً يذكر. عاش في روما وعمل مخرجاً تلفزيونيّاً ومسرحيّاً. وفي عام 1994، وبعد أن قرر اعتزال العمل المسرحي، كتب رواية «شكل الماء»، وهي الكتاب الأول في سلسلة بوليسية من الروايات اشتهرت باسم بطلها «المفتش مونتالبانو». باعت السلسلة ما يربو على 10 ملايين نسخة حول العالم، كما حُوِّلت إلى مسلسل تلفزيوني، وذاعت شهرته عالمياً. تُعدُّ «ثورة القمر» عملاً استثنائيّاً، وينظر إليها النقاد على أنها الأجمل بين رواياته.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كان يوماً مرهقاً جداً لدونا إليونورا، لديها الكثير لتفعله، جميعها أشياء متعاقبة؛ بين الاحتفالات، واستقبال زيارات خاصة. الاحتفال الأول كان بملجأ السبيد إليتو، إذ أُعيد تجديده؛ حيث ستجد العذارى المُعرَّضات للخطر منزلاً لهن. كان احتفالاً غاية في البساطة، أمرت المركيزة بألا يكون به أي صخب. كان في استقبالها ومعها أميرة ترابيا التي رغبت المركيزة في حضورها هذه المناسبة دون جايتانو كورو، قاضي الملكية، الذي يشعر بالفخر بهذا العمل الضخم الذي استطاع إنجازه في تلك المدة الوجيزة.

وكان لديه كل الحق في الفخر، فعدد اليتيمات الصغيرات المنتشلات من الطرقات وصل إلى 250 يتيمة، والمسكينات المسنات تقريباً 200، وجميعهن الآن بفضل دونا إليونورا ليس أمامهن سوى أيام مقبلة من الفرح والسلام. على الرغم من أن اليتيمات توسّلن إليها بإلحاح أن تقول كلمة ما بعد كلمات البركة التي ألقاها أسقف باتي، فإن المركيزة لم ترغب في التحدث. اكتفت بأن تحضن وتقبّل أصغر الفتيات التي كان عمرها 13 عاماً، والشيء نفسه فعلته في المنزل الآخر. احتضنت وقبَّلت الأكبر سناً بين الناجيات، ولكن هذه المرة قالت لها في أذنها 3 كلمات: (استريحي أختي العزيزة).

الاحتفال الثالث كان الخاص بملجأ سانتا تيريزا الذي تهتم به راهبات الدير ويحمل الاسم نفسه؛ حيث تقيم العذارى المُعرَّضات للخطر أو أولئك اللاتي خضعن لاختبار القابلة سيدونيا، ولكن تعرّضن للاختبار ضد رغباتهن. بعدها استقبلت زيارة 100 فتاة ممَّن خصصت لهن نقود المهر الملكي للزواج. وفي نهاية هذا الصباح الطويل جداً عادت المركيزة إلى البلاط، متعبة ولكن سعيدة».