إلياس خوري يغلق «باب الشمس»

أي مصادفة أن يولد في عام النكبة 1948

إلياس خوري (ا.ف.ب)
إلياس خوري (ا.ف.ب)
TT

إلياس خوري يغلق «باب الشمس»

إلياس خوري (ا.ف.ب)
إلياس خوري (ا.ف.ب)

بعد معاناة أليمة مع المرض، توقف قلب إلياس خوري، وغادرنا عن 76 عاماً، تاركاً فراغاً أدبياً ونقدياً وفكريأً. صحافي، محرر، قاص، روائي، تعددت مهمات الأديب اللبناني، وبقيت القضايا الوطنية والعربية شاغلته، بدءاً من قضية فلسطين التي بقيت حاضرةً في كتاباته.

أي مصادفة أن يولد إلياس خوري في عام النكبة 1948، وأي معنى لأن يدخل إلى المستشفى وغزة تباد، ثم يغادر الحياة والمذبحة الفلسطينية تقترب من عامها الأول.

رغم مرضه، بقي مواظباً على كتابة مقالاته الأسبوعية حين يستطيع. بدأ حياته ناقداً، ثم صحافياً، أصبح مسؤولاً عن القسم الثقافي في جريدة «السفير»، وشغل بعد ذلك منصب رئيس تحرير الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة «النهار» من عام 1992 إلى عام 2009.

في الوقت نفسه كانت روايات خوري تصدر تباعاً، وفي كل مرة، كانت تجد لها صدى واهتماماً. حوالي 12 رواية، ترجم العديد منها إلى لغات أجنبية، بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها وهناك ترجمات إلى العبرية. واحدة من أشهر روايته «باب الشمس»، التي قُرئت ولا تزال تُقرأ كثيراً، كما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي أخرجه المصري يسري نصرالله عام 2004.

لا يزال رواد المسرح في العاصمة اللبنانية يذكرون نشاط إلياس خوري، حين كان مديراً لـ«مسرح بيروت»، والجهد الذي بذله ليبقي عمله حيوياً إلى أن أغلق أبوابه ولم يعد افتتاحه إلى اليوم.

ربطته علاقه بالشاعر محمود درويش والمفكر إدوارد سعيد، الذي نظم بحضوره ومشاركته مؤتمراً في «مسرح بيروت» يوم كان مديراً له.

انخرط في القضية الفلسطينية، وتأثر بما حدث من مآسٍ إثر نكسة عام 1967 فسافر إلى الأردن حيث زار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ثم انضم إلى حركة «فتح» التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وعندما وقعت أحداث «أيلول الأسود» ترك الأردن عام 1970، وسافر إلى باريس. بعد عودته إلى لبنان أصبح باحثاً في مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، والتقى وعمل مع محمود درويش.

شارك إلياس خوري في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، وأصيب خلالها بجروح خطيرة، وعندما انطلقت احتجاجات 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 كان أيضاً بين المحتجين والمعترضين على نظام فسد حتى أنهك مواطنيه.

وضمن اهتمامه بالقضية الفلسطينية وعلاقته بمنظمة التحرير، عمل في العديد من المجلات الفلسطينية، عمل سكرتيراً لتحرير مجلة «شؤون فلسطينية» عام 1975، ومديراً لتحرير مجلة «الكرمل» عام 1981، كما كان عضواً في هيئة تحرير مجلة «مواقف»، وشارك في تحرير مجلة «الطريق»، وشغل منذ عام 2011 رئاسة تحرير مجلة «الدراسات الفلسطينية».

درّس في العديد من الجامعات، بينها «الجامعة اللبنانية»، و«الجامعة اللبنانية - الأميركية»، و«الجامعة الأميركية» في بيروت، كما حاضر في جامعة نيويورك وكولومبيا.

حاز على وسام جوقة الشرف الإسباني من رتبة كومندور عام 2011، وهو أعلى وسام يمنحه الملك خوان كارلوس. وفي العام نفسه فاز بجائزة «اليونسكو» للثقافة العربية تقديراً للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية.

ولد إلياس خوري في منطقة الأشرفية في بيروت، لعائلة أرثوذوكسية من الطبقة المتوسطة، بدأ القراءة بالاطلاع على كتب جورجي زيدان، والكتاب الأول كان «فتاة غسان»، وكان لا يزال في الثامنة عشرة، وعندما قرأ جبران خليل جبران، وتوفيق يوسف عواد، ونزار قباني، وجد أن الأدب العربي لم يبلغ مرحلة النضج التي يتمناها، فحاول أن ينسج أسلوبه الخاص، مستفيداً من تجربته على الأرض، ومن التراث والروايات الشفهية.

يقول إلياس خوري حين يروي سيرته، إنه قرأ ثلاثة أنواع من الكتب. أولها الكلاسيكيات العربية، من شعر جاهلي إلى نثر أبي حيان التوحيدي، وكذلك القرآن، وثانياً: الأدب الروسي، من بوشكين إلى غوغول، وتشيكوف. أما النوع الثالث من القراءات فهي النصوص الأدبية المرتبطة بحركة الحداثة، من فولبير، إلى بروست والشعر الإنجليزي والفرنسي، وروايات ألان روب غرييه وناتالي ساروت. ويشدد على التأثير النفسي الكبير الذي أحدثه لديه الشعر العربي الحديث وروايات نجيب محفوظ.

رحل إلياس خوري الذي شغلته فلسطين طوال حياته الأدبية والنقدية، والقضية برمتها تأخذ منحى جديداً مختلفاً تماماً، وتدخل زمناً دموياً جديداً.



روايات رومانسية سريعة الاحتراق

روايات رومانسية سريعة الاحتراق
TT

روايات رومانسية سريعة الاحتراق

روايات رومانسية سريعة الاحتراق

تميل الرومانسية إلى بناء نتائج إيجابية من قرارات فظيعة. وتدور رواية «الحقيقة وفقاً لأمبر» (384 صفحة، دار بيركلي) التي كتبتها دانيكا نافا حول بطلة تتخذ المزيد من القرارات السيئة أكثر من أغلب الناس.

يبدو طريق إمبر لي كاردينال للخروج من وظيفة بلا مستقبل في صالة البولينغ وكأنه تسلق مستحيل. بعد مئات من طلبات العمل وعدم إجراء أي مقابلة واحدة، تضع من دون سابق تفكير علامة على مربع «أبيض» بدلاً من «أميركي أصلي».

فجأة، تلتحق إمبر بوظيفة مساعدة محاسبة، حيث تلتقي شاباً وسيماً للغاية يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات يدعى «دانووا»، الذي تفوح منه رائحة اللافندر ويترك شعره الداكن منسدلاً. لكن الأكاذيب لديها لها دورها في التأثير على عملها. فهي الآن تعمل وقتاً إضافياً للرئيس التنفيذي متقلب المزاج، وتكافح لإخفاء علاقتها بـ«دانووا» عن قسم الموارد البشرية، وتتعرض للابتزاز من قبل زميل رآهما سوياً. كانت إمبر دائماً تفخر بأن تكون الشخص الثابت المستقل في عائلتها، ولكن الآن قد تضطر إلى القيام بشيء غير مسبوق وطلب المساعدة التي تحتاجها.

إن التفاصيل هي التي تنقل هذا الكتاب إلى الواقع الحقيقي: الكيس البلاستيكي الذي تضعه إمبر على علبة البازلاء في الثلاجة، والصدمة التي تنتابها عند الانتقال من تنظيف المراحيض المسدودة إلى العمل في مكاتب الشركات النظيفة، والطريقة المذهلة التي يمارس بها إمبر ودانووا العلاقة الحميمة، ثم يغفوان سوياً وأصابعهما متشابكة. إنه أمر مضحك وفوضوي على أفضل طريقة ممكنة.

رومانسية متألقة

وفي رواية «تجربة منطقة الأصدقاء» (352 صفحة، «دار تور تريد»)، تقدم لنا زن تشو قصة رومانسية في تجربة ثانية جميلة تدور أحداثها في لندن الحديثة. إذ يعيش عازف البيانو السابق «كيت سيونغ» حياة عائلية متماسكة، وهو يعمل في التدريس الذي يشعر بأنه انتكاسة؛ أما الوريثة «رينيه غوه»، فلديها عائلة مريعة لكنها حققت ذاتها مهنياً في مجال تعشقه. كان الثنائي أفضل صديقين في الجامعة حتى كسر كل منهما قلب الآخر في مغامرة عاطفية كادت أن تفشل؛ والآن، يُعيد لقاء وحيد بالصدفة إحياء كل تلك الرغبة التي دامت طويلاً.

هناك الكثير من الأحداث الجارية هنا - الطعن بالظهر، والناشط المفقود - لكن الرومانسية تتألق وتنبض بالحياة. تمنح الرعاية الهادئة التي يقدمها «كيت سيونغ» ثقلاً دافعاً لرينيه، وتخفف من أعبائها النفسية.

ندم ويأس

تبدو البطلتان في رواية «اللقاء الليلي الثاني» (352 صفحة، دار فوريفير) للكاتبتين كاريليا وفاي ستيتز - واترز محملتين بالندم. فرئيسة فرقة الترفيه «بلو لينوكس» (واسمها الحقيقي إيزي ويلز) تملك مسرحاً قديماً رهين الديون، بينما لم تخبر الراقصة السوداء الموهوبة ليليان جاكسون شركة الرقص المرموقة الخاصة بها أن مموليها قد انسحبوا. كلتاهما يائسة بما فيه الكفاية للتقدم للاختبار في برنامج الرقص الواقعي الذي قد يأتي بجائزة نقدية ضخمة - وكلتاهما بحاجة إلى التخلص من بعض الضغط والتوتر عبر علاقة غرامية غامضة.

بطل التشتت

بالحديث عن صرف الانتباه... فإن أندرو أوشيدا، بطل رواية «الإيرل الذي ليس كذلك» (كتاب إلكتروني، منشور ذاتياً) لكورتني ميلان، هو بطل في تغيير الموضوع - وهي مهارة مفيدة لابن الإيرل أرسيل الأكبر غير المعترف به. كان الحفاظ على سر أبيه أولوية لدى أندرو منذ هرب هو ووالدته من أقاربه البيض الأرستقراطيين العنيفين إلى السلامة عبر إخفاء الهوية في ويدغفورد، وهي بلدة صغيرة خيالية ذات أغلبية آسيوية في إنجلترا الفيكتورية.

لذا، عندما تعود صديقته المقربة منذ الطفولة وعشيقته السابقة ليلي من سنوات قضتها في هونغ كونغ، متحمسة لشرح أنها وجدت دليلاً على نسبه، يقوم أندرو بالشيء الوحيد الذي يستطيع فعله: يسرق الدليل. رغم أن ذلك خيانة للمرأة التي لا يزال يحبها، لكنه يعتز بفعلته باعتبارها «أفضل خطأ ارتكبه على الإطلاق».

ليلي باي - صريحة للغاية، وراديكالية للغاية، وانفعالية للغاية - تعرف على الفور أن أندرو هو اللص. لكنها تريد منه أن يثق بها بما يكفي ليخبرها لماذا، حتى مع قلقها من أنها صعبة المراس للغاية وغير أنثوية للحد الذي يحول بينها وبين كسب محبة أي شخص. تُنفق مهر زواجها على آلة طباعة حتى تتمكن من نشر الشعر الصيني النسوي مترجماً، رغم أن محاولاتها الأولى في النشاط السياسي أدت إلى قطيعة مع جدها.

وكأن هذا لم يكن مُعقداً بما فيه الكفاية، يصل الأخ غير الشقيق الأصغر لأندرو، آلان، إلى ويدغفورد ويصر على أن يكون أندرو، وليس آلان، هو الإيرل.

كما فعلت في أول كتابين من سلسلة «ويدغفورد»، تبعثر ميلان التفاصيل الكوميدية في كل جزء - آلان المرح ولكن المزعج، والبازلاء الطويلة العملاقة التي يزرعها أندرو في حديقته - ثم تجلب كل شيء معاً في لحظة مذهلة ومبهرة من التنفيس عن الذات. «الإيرل الذي ليس كذلك» يزن الفرق بين الخبث والأخطاء، بين الأشرار الذين يسمحون للوسائل السهلة بأن تقود إلى الشر، وبين الأبطال الذين يختارون الشيء الصحيح حتى عندما يكون صعباً، لأن القرارات السيئة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى بداية رواية رومانسية، وهي لا يمكن أن تأخذك إلى النهاية السعيدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»