غضب وطني في بريطانيا بعد بيع أرشيف جورج أورويل بالقطعة

مواد أرشيفيّة للكاتب البريطاني الشهير في متناول تجار الكتب

جورج أورويل
جورج أورويل
TT

غضب وطني في بريطانيا بعد بيع أرشيف جورج أورويل بالقطعة

جورج أورويل
جورج أورويل

بـ10 آلاف جنيه إسترليني يمكن شراء رسالة كتبها بخط اليد، مؤلف رواية «1984» إريك بلير (1903 – 1950)، الشهير بالاسم الأدبي جورج أورويل. لكن تلك ليست سوى غيض من فيض مواد أرشيفيّة للكاتب البريطاني الشهير توفرت مؤخراً لدى تجار الكتب والعاديات النادرة في لندن، وذلك بعدما ضاقت الشركة التي ورثت أوراق الناشر الأصلي لأعمال أورويل ذرعاً بأكوام الأوراق والصناديق المغبرة في مستودعاتها، وقررت التخلص منها.

وقد أثارت أنباء تفرق أوراق الكاتب الذائع الصيت غضب كثيرين ممن قرأوا أعماله كجزء من المقررات الدراسيّة في بريطانيا، أو وصلت إليهم ضمن جهد غربي مكثف بعد الحرب العالمية الثانية لنشر الأعمال الأدبية والفكرية المعادية للستالينية وإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من القراء، ناهيك بالطبع عن شعور بالمرارة عند ابنه ريتشارد بلير (80 عاماً)، وكاتب سيرته دي جيه تايلر صاحب كتاب «أورويل: سيرة حياة – 2003»، كما الوقفية المسماة على اسمه (وقفية جورج أورويل) لاحتمال أن تنتهي تلك الوثائق في مجموعات الأثرياء الخاصة، فتضيع إلى الأبد.

غلاف «مزرعة الحيوانات»

وكان أورويل في حياته القصيرة قد نشر عدداً من الأعمال الروائية، لكن «مزرعة الحيوانات» (1945) و«1984» (1949) خاصة تحوّلتا إلى كلاسيكيات عالميّة بسبب توافقهما مع الدعاية الأميركية ضد الاتحاد السوفياتي في أجواء الحرب الباردة. ويبدو أن الأميركيين وقتها قلقوا من الصورة الإيجابية عن الشيوعية في أذهان الأوروبيين بعد انتصار حليفهم الجيش الأحمر على النازية وتحريره نصف أوروبا من شرورها. وتتركز ثيمة الروايتين على نقد الشمولية والأنظمة الديكتاتورية، وقد أعيد طبعهما مئات المرات، ووزّعت منهما ملايين النسخ، وترجمتا إلى لغات كثيرة، كما تم تحويلهما إلى مسرحيات وأفلام سينمائيّة وتلفزيونية.

وبحسب مصادر متقاطعة، فإن أوراق أورويل التي تتضمن المخطوطات والعقود والمراسلات المتعلقة بـ4 من كتبه كانت في عهدة ناشره الأصلي شركة «فيكتور جولانكز» المحدودة، وانتقلت بعد بيع الشركة - إثر وفاة مالكها - إلى ناشر جديد هو هوتون ميفلين. وقد بيعت أعمال هذا الناشر لاحقاً – وضمناً الأرشيف القديم – إلى مجموعة أوريون للنشر، قبل أن تنتهي الأخيرة، بعناوينها ووثائقها وأرشيفها الموروث، في عهدة عملاق النشر العالمي مجموعة هاشيت، المملوكة لشركة لاغاردير الفرنسية، التي قررت في عام 2018 إغلاق مستودع تم تخزين الأرشيف فيه، وكلّفت ريك جيكوسكي، تاجر الكتب والعاديات النادرة اللندني، بمهمة التّخلص من محتوياته. ويبدو أن جيكوسكي فشل في إيجاد مشترٍ للأرشيف كاملاً بالسعر المستهدف (ما لا يقل عن مليون جنيه إسترليني)، ما يفسّر قراره اللجوء إلى بيع الأرشيف، ومنه أوراق أورويل، بالقطعة.

غلاف «1984»

وبالإضافة إلى الرسالة المكتوبة باليد، فإن أرشيف هاشيت الذي وصل بالفعل لأحد تجار الكتب النادرة في لندن يشمل ملف الأوراق المتعلق برواية أورويل الثانية «ابنة القسيس» (1935)، بما في ذلك عقد نشر الكتاب، ورسالة مع تصحيحاته للبروفات، وتقرير يعود لعام 1934 كتبه جيرالد جولد، المحرر الأدبي لأسبوعية «الأوبزيرفر» ومقيّم النصوص لدى شركة جولانكز، يقضي بأنه وجد المخطوطة تستحق النشر، وهو مسعّر الآن بـ75 ألف جنيه إسترليني، وكذلك الملف الذي يضم أوراقاً تتعلق بروايته الثالثة «دع الأسبيدِسترا تحلّق» (1936)، ويشمل مراسلات أظهرت أن مخاوف من دعاوى قانونية بتهمة التشهير قد أدت إلى إجراء تعديلات رئيسية على النص الأوليّ بناء على طلب الناشر، وهو معروض لمن يرغب مقابل 50 ألف جنيه. فيما يطلب تاجر كتب آخر 35 ألف جنيه مقابل ملف أوراق النص التوثيقيّ «الطريق إلى رصيف ويغان» (1937). أما ملف الأوراق الخاص برواية «مزرعة الحيوانات» (1945) فقد بيع بالفعل لأحد الأثرياء الأميركيين الهواة بـ100 ألف جنيه. ولم يعرف بعد ما إذا تبقى في مستودع هاشيت مواد أخرى مرتبطة بأورويل. لكن كاتب سيرته يقول إنّه خلال أبحاثه سمح له بالاطلاع على أوراق شركة فيكتور جولانكز المتعلقة بالكتب الأربعة، ولاحظ أن ثمة صندوقاً يضم مراسلات بين الناشر وكاتبه، ومنها جدل بشأن مخطوطة «الأسبيدِسترا» قد فقد تماماً، مشيراً إلى تراخٍ ملموس في الإجراءات الأمنية، سمح لباحثين أقل حرصاً على تراث الروائي الشهير بالاحتفاظ ببعض المواد لأغراضهم الخاصة.

بحسب مصادر متقاطعة، فإن أوراق أورويل التي تتضمن المخطوطات والعقود والمراسلات المتعلقة بـ4 من كتبه كانت في عهدة ناشره الأصلي

ومع أن معظم مراسلات أورويل منشورة بالفعل، فإن بعض المخاطبات الخاصة مع ناشره، التي تقدم إشارات ثاقبة لا تقدر بثمن حول أماكن وجوده في مرحلة منتصف ثلاثينات القرن العشرين، وآرائه، وخططه، وتلقي بالضوء على جوانب من منهجيته في تدبيج النصوص، وكيفية تعامله مع انتقادات ناشره، لا تزال غير منشورة.

ويرى باحثون وأكاديميون معنيون بالأدب أن أفضل مكان لحفظ هذه الوثائق لأغراض التأريخ الأدبي الوطني عن أحد أهم الروائيين البريطانيين قد يكون أرشيف جورج أورويل الرّسمي لدى كليّة لندن الجامعيّة، حيث إدارة محترفة للمواد تضمن توفرها للباحثين في ظل إجراءات أمنية فاعلة. لكن الأمر يتطلب استثمارات لشراء المواد المبعثرة الآن بين تجار العاديات، لا يبدو أن الكليّة تمتلكها، أقله في الوقت الحالي لشحّ في عدد المتبرعين المحسنين المعنيين بالأدب وأصحابه. ويمتلك أرشيف الكليّة مثلاً مجموعة من الرسائل الغرامية التي كتبها أورويل لسيدة أحبها قبل أن تتزوج من غيره لاحقاً كانت أوصت بحرقها بعد موتها، لكن زوجها عرضها للبيع وتاهت لعقد من الزمن قبل أن تظهر مرّة أخرى في 2018 ويقتنيها لمصلحة أرشيف الكليّة ابن أورويل، ريتشارد بلير، الذي دفع من أجل ذلك ثروة صغيرة.

هذا، وإذا كان أرشيف أورويل قد أثار بعضاً من اللغط بحكم شهرة الكاتب الفائقة، فإن مستودع هاشيت يضم حتماً أوراقاً ومواد أرشيفيّة لكتاب آخرين راحلين، ربما أقل شهرة، لكن ليسوا أقل أهمية، نشر أعمالهم فيكتور جولانك، ولا يعرف مصيرها بعد القرار بإفراغ المستودع العتيد من محتوياته المغبرة. ومن هؤلاء الأديب والقاص كينغزلي آميس (1922 – 1915)، والروائية آيفي كومبتون - بورنيت (1884 – 1969) والكاتبة المسرحية دافني دو مورييه (1907 – 1989).

إنها «كارثة ثقافية تامة» كما تقول ليز تومسون، إحدى مؤرخات صناعة الكتاب، ليومية «ذي غارديان»، التي نقلت أيضاً عن بيل هاملتون المكلّف بوقفية أورويل إشادته بقرار الروائية الراحلة هيلاري مانتل التبرع بمجمل أرشيفها إلى مكتبة هانتنغتون بالولايات المتحدة، ما جنّبه الوقوع في براثن التجار، التي لا ترحم.


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ
TT

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

«لا أتذكر آخر مرة اكتشفت فيها رواية ذكية ومبهجة كهذه وعالماً واقعياً، إلى درجة أنني ظللت أنسى معها أن هؤلاء الأبطال ليسوا أصدقائي وجيراني الفعليين، كافئوا أنفسكم بهذا الكتاب من فضلكم حيث لا يسعني إلا أن أوصي بقراءته مراراً وتكراراً».

هكذا علقت إليزابيث جيلبرت، مؤلفة كتاب «طعام صلاة حب» الذي تحول إلى فيلم شهير بالعنوان نفسه من بطولة جوليا روبرتس، على رواية «جمعية جيرنزي وفطيرة قشر البطاطس» التي صدرت منها مؤخراً طبعة جديدة عن دار «الكرمة» بالقاهرة، والتي تحمل توقيع مؤلفتين أميركيتين، هما ماري آن شيفر وآني باروز، وقامت بترجمتها إيناس التركي.

تحكي الرواية كيف أنه في عام 1946 تتلقى الكاتبة جوليت آشتون رسالة من السيد آدامز من جزيرة جيرنزي ويبدآن في المراسلة ثم تتعرف على جميع أعضاء جمعية غير عادية تسمى «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس».

من خلال رسائلهم، يحكي أعضاء الجمعية لجوليت عن الحياة على الجزيرة وعن مدى حبهم للكتب وعن الأثر الذي تركه الاحتلال الألماني على حياتهم، فتنجذب جوليت إلى عالمهم الذي لا يقاوم فتبحر إلى الجزيرة لتتغير حياتها إلى الأبد.

وفي ظلال خيوط السرد المنسابة برقة تكشف الرواية الكثير عن تداعيات الحرب العالمية الثانية في إنجلترا، وهي في الوقت نفسه قصة حب غير متوقعة وتصوير للبطولة والنجاة وتقدير رقيق للرابطة التي يشكلها الأدب.

وتسلط الرسائل التي يتألف منها العمل الضوء على معاناة سكان جزر القنال الإنجليزي في أثناء الاحتلال الألماني، لكن هناك أيضاً مسحة من الدعابة اللاذعة إثر انتقال جوليت إلى «جيرنزي» للعمل على كتابها؛ حيث تجد أنه من المستحيل الرحيل عن الجزيرة ومغادرة أصدقائها الجدد، وهو شعور قد يشاركها فيه القراء عندما ينتهون من هذا النص المبهج.

وأجمع النقاد على أن المؤلفتين ماري آن شيفر وآني باروز أنجزا نصاً مدهشاً يقوم في حبكته الدرامية على الرسائل المتبادلة ليصبح العمل شبيهاً بأعمال جين أوستن من جانب، ويمنحنا دروساً مستفادة عبر قراءة التاريخ من جانب آخر.

عملت ماري آن شيفر التي توفيت عام 2008 محررة وأمينة مكتبة، كما عملت في متاجر الكتب وكانت «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس» روايتها الأولى. أما ابنة شقيقها «آني باروز» فهي مؤلفة سلسلة الأطفال «آيفي وبين» إلى جانب كتاب «النصف السحري» وهي تعيش في شمال كاليفورنيا.

حققت هذه الرواية العذبة نجاحاً كبيراً واختارتها مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات بوصفها واحدة من أفضل كتب العام، كما تحولت إلى فيلم سينمائي بهذا الاسم، إنتاج 2018. ومن أبرز الصحف التي أشادت بها «واشنطن بوست بوك وورلد» و«كريستشيان ساينس مونيتور» و«سان فرانسيسكو كورنيكل».

ومن أجواء هذه الرواية نقرأ:

«لم يتبق في جيرنزي سوى قلة من الرجال المرغوبين وبالتأكيد لم يكن هناك أحد مثير، كان الكثير منا مرهقاً ومهلهلاً وقلقاً ورث الثياب وحافي القدمين وقذراً. كنا مهزومين وبدا ذلك علينا بوضوح، لم تتبق لدينا الطاقة أو الوقت أو المال اللازم من أجل المتعة. لم يكن رجال جيرنزي يتمتعون بأي جاذبية، في حين كان الجنود الألمان يتمتعون بها. كانوا وفقاً لأحد أصدقائي طويلي القامة وشُقراً ووسيمين وقد اسمرّت بشرتهم بفعل الشمس ويبدون كالآلهة. كانوا يقيمون حفلات فخمة ورفقتهم مبهجة وممتعة، ويمتلكون السيارات ولديهم المال ويمكنهم الرقص طول الليل.

لكن بعض الفتيات اللواتي واعدن الجنود أعطين السجائر لآبائهن والخبز لأسرهن، كن يعدن من الحفلات وحقائبهن مليئة بالخبز والفطائر والفاكهة وفطائر اللحم والمربى، فتتناول عائلاتهن وجبة كاملة في اليوم التالي. لا أعتقد أن بعض سكان الجزيرة قد عدوا قط الملل خلال تلك السنوات دافعاً لمصادقة العدو، رغم أن الملل دافع قوي كما أن احتمالية المتعة عامل جذب قوي، خاصة عندما يكون المرء صغيراً في السن. كان هناك، في المقابل، الكثير من الأشخاص الذين رفضوا أن يكون لهم أي تعاملات مع الألمان، إذ إنه يكفي أن يلقي المرء تحية الصباح فحسب حتى يُعد متعاوناً مع العدو».