«كراسات سينمائية»: مراجعات نقدية لأفلام سعودية جديدة

«كراسات سينمائية»: مراجعات نقدية لأفلام سعودية جديدة
TT

«كراسات سينمائية»: مراجعات نقدية لأفلام سعودية جديدة

«كراسات سينمائية»: مراجعات نقدية لأفلام سعودية جديدة

صدر العدد الخامس من «كراسات سينمائية»، وتضمّن موضوعات مختلفة، شملت مراجعات نقدية لأحدث الأفلام السعودية التي عُرضت في المهرجانات الدولية وفي صالات العرض، خلال الأشهر الماضية، ومواد تطرّقت إلى قضايا وظواهر في السينما الخليجية والعربية والعالمية، بالإضافة إلى ملف حول تجربة المخرج الأميركي تيرنيس ماليك، جاء بعنوان «جد طريقك من الظلمة إلى النور»، وكذلك نشرت المجلة سيناريو فيلم «شجرة الحياة» لتيرنيس ماليك نفسه، وترجمه أزدشير سليمان الذي شارك أيضاً في كتابة الموضوع الأول في الملف، الذي ترجم مواده محمد علام. وقد خصّصت هيئة التحرير افتتاحية العدد وعنوانها «السينما السعودية حديث العالم» للتنويه بالخطوات المهمة التي قطعتها السينما السعودية في الأشهر الأخيرة، وفي مقدمتها إنتاج أفلام مهمة استقبلها الجمهور والنقاد بحفاوة كبيرة. وفي قسم «سينما سعودية» نطالع عدداً من المواد التي رصدت المشهد السعودي الراهن في السينما، في مقدمتها الحوار مع المخرج علي الكلثمي (أجراه محمد عبد الرحمن) وقال فيه إنه لا يعد نفسه مخرجاً حراً، وإنه يهمّه كثيراً أن يحب الجمهور فيلمه «مندوب الليل»، الذي استغرق 6 سنوات كاملة من التحضير، مشيراً إلى رغبته في تقديم عمل يظل حياً في ذاكرة الجمهور.

وكتب الدكتور محمد البشير قراءة في «مندوب الليل» بعنوان «ليل القضعاني وخيباته»، ذاهباً فيها إلى أن المشاهد سيصدم بذلك الليل الذي لا يعرفه في الشوارع الخلفية للمدينة. في حين أكد الفنان عبد المحسن النمر، في حواره مع هيام بنوت، أنه حقّق ما يقدر عليه، وأنه ليس شغوفاً بالشهرة والنجومية، ووصف تكريمه في مهرجان أفلام السعودية بأنه ليلة عرس. وكتب أحمد العياد عن عبد المحسن النمر بوصفه «الممثل الأيقونة». وقارن خالد محمود بين فيلمي «حوجن» و«هجان»، موضحاً أن السينما السعودية تتجاوز الصورة المألوفة.

وأجرى الفنان إبراهيم الحجاج حواراً مع أحمد عدلي، قال فيه إنه دخل التمثيل بالصدفة، وإنه يحضر لأعماله بشكل جيد، مؤكداً على أن السينما السعودية تسير بخطى جيدة، وأن جزءاً من نجاح أي عمل يعتمد على التسويق. وفي مقاله عن فيلم «نورة» للمخرج توفيق الزايدي، كتب محمد رضا أن الفيلم حكاية بسيطة ذات مفادات كبيرة، مشيراً إلى أن المخرج قفز من خلاله خطوتين إلى الأمام؛ الأولى كانت الانتقال إلى ميدان الفيلم الروائي الطويل، والثانية كانت دخول فيلمه مسابقة «نظرة ما» في مهرجان كان السينمائي. وكتب عبد الله الدحيلان عن فيلمي «ناقة» و«مندوب الليل» والعوالم السفلية في المجتمع. ونطالع حواراً مع ممدوح سالم، أجراه صادق الشملان، قال فيه سالم إن الشغف هو المحرك الأساسي لأي حلم.

وكشف عمرو العماري، في حوار مع أمنية عادل، أنه مشغول بالبحث عن سبل جديدة لصناعة الصورة. وذهبت الفنانة أضوى فهد، في حوارها مع نورة بدوي، إلى أن التجربة المتنوعة التي خاضتها في مجالات عديدة مكنتها من كسر الرهبة. ويرى المخرج عبد العزيز سلطان أنه «من المبكر الحكم على الإنتاج السعودي». وكتب عمر محمد بركات عن الاستلهام في السينما... الخط الأحمر الرفيع بين الإبداع والتقليد. وتطرقت تغريد سعادة في مقال لها إلى نجاحات «سوق مهرجان البحر الأحمر»، وخطواته نحو الصدارة والعالمية. ونطالع مقالين مهمين: «أحلام العصر» وصراع الأزمنة، ليزيد السنيد، و«مقام الحجاز على طريق (راء)»، لمشاعل عبد الله. وكتبت رانيا يوسف مراجعة لكتاب «السينما المستقلة» للناقد السعودي خالد ربيع.

ونطالع في قسم سينما عربية: «قضايا المواطنة في السينما الفلسطينية»، قراءة في أعمال هاني أبو أسعد نموذجاً: حسني مليطات. أفلام من الإمارات: فاتن حمودي. نقاد ملعونون: شفيق طيارة. التسعيني دريد لحام في أحسن حالاته الفنية: لمى طيارة. الكوميديا المصرية: هل نحن بصدد استعادة سينما المقاولات؟ ثامر كروان: الموسيقى التصويرية فن وأصل من أصول الصناعة السينمائية: عبد الكريم قادري. «وداعاً جوليا» إرث السينما وثقل التاريخ: منصور الصويم. السينما والبحر، حكايات إنسانية مليئة ... : عبد الله صرداوي. وفي قسم سينما العالم نقرأ: «كلب أندلسي» ضد البرجوازية: نرمين يسر. المايسترو فيلليني وسحر السينما المفقود: ترجمة إبراهيم إمام. الشيطان يرقص التانغو: قراءة في أفلام بيلا تار الأخيرة: عز الدين الوافي. فاني وألكسندر: أمين صالح. العبور الثقافي، المعالجات السينمائية لـ«ماكبث»: محمد عبد الرحيم. ألفريد هيتشكوك... بداية كمأساة وأخرى كمهزلة: محمد كرم.

يذكر أن «كراسات سينمائية» تعد أول مجلة سعودية متخصصة في السينما، أسسها كل من فيصل بالطيور وأحمد أبو شادي ووجدان المرحوم، وتصدر بدعم من مبادرة سينما، التي أطلقتها هيئة الأفلام السعودية.



المؤلف الوسيط... من دور النشر إلى أروقة العرض

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف
TT

المؤلف الوسيط... من دور النشر إلى أروقة العرض

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف

لم تكن وظيفة الوساطة بين الكاتب والناشر تمثل سلطة في عالم صناعة الكتب، سواء كانت ذات طبيعة إبداعية أو معرفية، إلا في حدود منتصف القرن الماضي، رغم بروز مهنة «المحرر الأدبي» منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث خصص فولتير تعريفاً لعمله في «المعجم الموسوعي للقرن التاسع عشر»، بوصفه الساهر على «توظيف معرفته ومهاراته وطاقته الإبداعية في ترجمة أفكار الغير، وإن لم يؤمن بها»، بينما لم يتجاوز عمر القيم الفني ستة عقود في الغرب، وبرز بوصفه صانع صيغة العرض، الذي يختار اللوحات، ويبرز بنهجه التنظيمي محتواها الفني. فالشيء الأكيد أن الروائي أو الفيلسوف أو الناقد أو المؤرخ، أو المسرحي، لا يحتاج إلى دار نشر فقط ليرى عمله النور، مثلما لا يحتاج الفنان إلى مجرد غاليري ليقدم أعماله الفنية للجمهور، ثمة مؤلفان وسيطان في عملية الانتقال من الورشة إلى المنتج المعروض للبيع، «محرر» يراجع مخطوط الكاتب وينقحه ويقترح تعديلات قد تمتد من العنوان إلى المبنى العام مروراً بالفصول والمباحث، والمشاهد والفضاءات والشخصيات، وقيّم معارض (كيراتور) يحول الأعمال المتراكمة، المتقاطعة والمتنائية، إلى متوالية لوحات ومنحوتات وتنصيبات ينتظمها نسق بصري، يضمر رؤية، تغوي جامعي الأعمال الفنية. الوسيطان معاً منتسبان إلى تقاليد مهنية، لها مهاراتها وحدوسها الفارقة، ليس من شأنها الزيادة في المتن، وإنما الإعلاء من الكيف المتقن، كلاهما متصل بالصيغة، التي تلتبس بالجوهر، تلك التي تقتضي صرامة مع الذات، وكلاهما أيضاً وافد من عالم برزخ بين المعرفة الجمالية ومهارات التسويق، الأمر الذي يفترض أن يمتلكا معاً حساسية خاصة تجاه منطق العرض، بما يصون الكاتب والفنان والناشر وصاحب الرواق من أقدار الخيبة والسقوط.

محمد برادة

في مقال لامع للناقد الفرنسي لوران بوديي بعنوان: «الكيراتور: المهنة الجديدة بعالم الفن» تحدث عما أسماه بـ«مفهمة المعارض»، وإكسابها عمقاً فكرياً، في الآن ذاته الذي لم يستبعد هاجس القيمة، في عالم استفحلت فيه الأساليب الاختراقية، أمر له علاقة بالمزاج العام، وبالذوق غير المستقر، الذي يطول المشهد البصري، وبالقدر ذاته السرديات اللفظية، حيث المحرر، بمعنى ما، يعيد تركيب صيغة العرض، بناء على مفاهيم غير مستقرة، وذائقة متحولة.

في هذا السياق تحديداً لا يمكن تمثل القيّم الفني (الكيراتور) الذي يعود عمره الافتراضي إلى أقل من عمر المحرر الأدبي بقرن ونصف من الزمان (على الأقل)، إلا بما هو تنويع على صيغة التحرير المرتبطة بالصحافة، وبأساليب تكييف المعلومات والأخبار، ضمن خط تحريري، ففي النهاية لا يتحقق عمل قيم المعارض من دون تكييف وترتيب وسعي إلى الإقناع، منذ أن ابتدع السويسري هارالد سزيمان صيغة «النيابة عن الفنانين» في تنظيم العروض ومنحها عناوين، وصيغاً ورقية مرافقة، تقول ما يتوق المشاهد لفهمه.

ولعل ما يلفت الانتباه لأول وهلة هو أن التداول المهني للمحرر والكيراتور لم يكن تجاوز معنى المساعدة في التعبير عن رؤى أشخاص قاصرين، في حدود معينة، لقد كان الكيراتور منتدباً قضائياً لمساعدة العاجزين، مثلما أن المحرر لم يكن سوى كاتب عمومي، يصوغ رسائل وشكايات لغير المتعلمين، إنها مهارات تتوخى، في المحصلة، تمثيل من لا قدرة لهم «على الدفاع عن مصالحهم»؛ وكأنما ثمة عماء أصيل في الإبداع، مهما ارتفعت قيمته، يستلزم «هداية»، قد تمتد من خطأ في العبارة الروائية إلى تلف في سند اللوحة.

والحق أنه قد يستطيع روائيون راسخون أن يكتبوا أعمالهم ويراجعوها ويعرضوها على قراء من مقامات شتى، وقد يأخذون برأيهم، أحياناً، وقد يخالفونهم الرأي، أحياناً عديدة، وقد يمضون إلى أقرب ناشر، مقتنع بعدم التدخل في المعروض عليه لنشره، وقد تنجح الرواية، وتحقق الأثر المرغوب، كما قد لا يكون لها أي صدى، شيء شبيه بآلاف المعارض التي هي مجرد محلات لبيع الأعمال الفنية، يرتجلها فنانون برغبة في التخلص من مجهود استمر زمناً طويلاً، تتداخل فيها الأعمال وتبدو متنابذة ودونما حاجة لمجاورة ملفقة، لهذا لا تتطلب نصوصاً هادية. إن علاقة الكاتب والرسام بأعمالهما تنطوي على عواطف وانحيازات وأوهام، تجعل المكتوب والبصري عرضة لأي قدر بعد خروجه، وتطوع كليهما للقيام بدور الوساطة، تجاوز مخل إلى ما لا يفترض أن يقوما به، فهما معاً ليسا متلقيين محايدين، وغالباً ما تكون لديهما حساسية شديدة تجاه الحذف، أو الإضافة.

في روايات عربية عديدة هناك عشرات المشاهد الزائدة وشخصيات لا وظائف لها وآلاف الأخطاء في اللغة والتاريخ والحقائق الجغرافية والإثنية والاجتماعية

في أمثلة عديدة على امتداد مسار الرواية العربية، يمكن أن نقف عند اسم شخصية يتغير في نص، أو حوار خاطئ، أو انقلاب في وقائع لا منطق لها، أو تحول في صيغة السرد من وجهة نظر إلى أخرى لا يتحمله المبنى السردي... يحضرني هنا مثالان شهيران لم يتجاوز فيهما النص عتبة الثلاثمائة صفحة، أولهما في رواية «حيوات متجاورة» لمحمد برادة حين تبدّل اسم شخصية رئيسية في أحد مقاطع الفصل الأخير من «عبد الموجود الوارثي» إلى «عبد الواحد الوارثي»، والثاني في رواية «هرة سيكيردا» لرشيد الضعيف، حيث تحولت شخصية «سوسا»، في إحدى الفقرات العابرة، من خادمة فلبينية إلى خادمة حبشية؛ هذان مثالان لكاتبين متحققين، لم يتدخل فيهما المحرر، ويمكن العثور في نماذج أخرى على عشرات المشاهد الزائدة والشخصيات التي لا وظائف لها. وآلاف الأخطاء المتعلقة باللغة والتاريخ والحقائق الجغرافية والإثنية والاجتماعية. هي تفاصيل قد تتوه في ثنايا المتن الممتد، وأحياناً يلتقطها النقاد، بينما هي من صميم عمل المحرر الذي يقدم الصيغة المشذبة والمراجعة للنشر. للمحرر سلطة على الروائي يستمدها من دار النشر، يمكن أن يقترح عنواناً أدق، ومساحة أجدى وحبكة أكثر تماسكاً، وهو موضع ثقة الروائي والناشر على حد سواء، لأن هدفه هو تحويل العمل التخييلي إلى منتج رابح. لهذا يمكن أن نستعرض عدداً كبيراً من قصص الأخذ والرد بين روائيين ومحررين في قائمة طويلة تشمل نجوماً من فيليب روث إلى لوكليزيو، من توماس مان إلى دوريس ليسينغ.

لكن إذا كان المحرر وسيطاً أساسياً في عالم النشر، فإنه مع ذلك لم يتحول يوماً إلى اسم علم له شهرة وصيت يضاهي اسم الكاتب، بينما تحول القيم الفني، في أروقة الفن عبر العالم إلى سلطة عاتية، تصنع الأسماء وتبرز الأهواء والأساليب، وتقترح على المشهد الفني وعلى أسواق الفن علامات جديدة، دون أن يعني ذلك أنه قد لا يتحول بحكم وظيفته إلى مجرد مساعد للفنان، ففي تصريح لا يخلو من تذمر، أورده الباحث الفرنسي إيمانويل أوكو عن «مهنة الكيراتور الأكثر حداثة في عالم اليوم»، ترى قيّمة المعارض غاييل شاغبو أن : «حوارنا مع الفنان ينتقل غالباً من الجمالي إلى الأسئلة الأكثر جوهرية. لكي تكون قيماً للمعارض، من الأفضل معرفة كيفية الرد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالفنان في منتصف الليل ووضع جدول بيانات ممتازاً، بدلاً من التشدق فقط بمعرفتك بتاريخ الفن».