الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»

الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»
TT

الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»

الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»

صدرت حديثاً عن منشورات رامينا في لندن رواية «ليالي الرقّة الحمراء» للروائيّ الكرديّ السوريّ آلان كيكاني. وحسب الناشر، تتغلغل «ليالي الرقة الحمراء» في أعماق مجتمع يضجّ بكثير من التناقضات، يروي لنا كاتبها سيرة الطفل نايف الذي وُلد في مدينة الرقّة السوريّة وأمضى فيها عمره، وحلم أن يصبح رائد فضاء مثل يوري غاغارين، لكنّه وجد نفسه في واقع مرير حين فقد ربيعه وانتقل بشكل صادم ليعيش في خريف موحش قاتل.

بالنسبة للطفل الذي تهدر طفولته، يختبئ الشقاء في كلّ زاوية ويتجلّى الظلم في كل لحظة. تسرد الصفحات قصّة هذا الطفل الذي يعاني من تجاوزات كثيرة بحقّه، حيث يُستغلّ من دون أيّ رأفة أو رحمة.

تشدّ الرواية القارئ إلى عالم مظلم يعتريه الشرّ، وترتحل إلى أعماق الظلم والاستغلال بحثاً عن النور، وتكشف النقاب عن ألم الأطفال الذين يكبرون في ظلّ مجتمع لا يراعي براءتهم وطفولتهم.

تعكس الرواية صوراً حية للمدينة وريفها خلال فترات زمنية مختلفة، حيث تتقاطع ذكريات الطفولة مع الأحداث المروعة التي شهدتها المدينة، مما يخلق نسيجاً درامياً غنياً يعكس واقع الحياة اليومية بكل تفاصيلها الدقيقة.

«ليالي الرقّة الحمراء» رواية عن الطفولة المهدرة والشباب الضائع والمآسي المتناسلة بعضها من بعض في مجتمع لا يرحم، يصوغها آلان كيكاني بطريقته المدهشة في تقديم الحكاية المأساوية بفنّية عالية وبراعة لافتة.

جاءت الرواية في 244 صفحة من القطع الوسط. وكانت لوحة الغلاف للفنان التشكيليّ الكرديّ السوريّ رشيد حسو، وتصميمه للفنان ياسين أحمدي.

مقاطع من الرواية:

الطفل العاشق

«كان ذلك الطفل، نايف عوّاد المصلح، عاشقاً إذن، على الرغم من أنّه لم يتمّ الحادية عشرة، ومطلوباً منه أن يخوض التجربة من دون أن تكون لديه أدنى فكرةٍ عنها. ليس لديه سوى البراءة، والبراءة هي أسوأ وسيلةٍ يمكن أن يتسلّح بها المرء وهو قادمٌ على خوض التجارب. وهنا يأتي دور القدر، فهو قد ييسّر الأمور فيجتاز البريء التجربة بنجاحٍ، وقد يعسّرها فتودي به إلى الهاوية. وهكذا لعب القدر بي، أيّما لعب، أعلاني مرّةً ووهبني قدراً من السعادة التي لا زلت أتذكّرها الآن بعيونٍ دامعةٍ بدموع الشوق، ثمّ هوى بي مرّاتٍ إلى الدرك الأسفل من التعاسة التي لا زلت أتذكّرها الآن هي الأخرى، بعيونٍ دامعةٍ بدموع القهر والمرارة».


مقالات ذات صلة

ملف الطالب طه حسين... حقبة غير معروفة

ثقافة وفنون ملف الطالب طه حسين... حقبة غير معروفة

ملف الطالب طه حسين... حقبة غير معروفة

عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، صدر كتاب «وثائق ملف الطالب طه حسين» للباحثة د. جيهان أحمد عمران.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب توماس ديكسون

الانفعال بين علم النفس والأدب

كتاب صغير عن موضوع كبير. ففي نحو 150 صفحة من القطع الصغير، تحت عنوان «تاريخ الانفعالات: مدخل بالغ الإيجاز»

د. ماهر شفيق فريد
كتب غلاف موت صغير

لماذا تتغيّر عناوين روايات في الترجمة؟

كان لترجمة الدكتورة، مارلين بوث، رواية جوخة الحارثي «سيدات القمر» دور في تقوية اهتمام صغير لديّ؛ الاهتمام بتغيّر، أو ضياع العناوين الأصلية لبعض الروايات العربية

د. مبارك الخالدي
ثقافة وفنون أن تكون واقعاً في الأسر بين ماءيْن

أن تكون واقعاً في الأسر بين ماءيْن

لم أحسب، وأنا أقلب الصفحات الأولى من رواية ليلى المطوّع «المنسيون بين ماءيْن»، أنني سأقضي أياماً حافلةً بالدهشة والمتعة والذهول، وأنا مأسور بهذا الكتاب.

أمين صالح
كتب فرتجوف كابرا

رؤية موحّدة للحياة في سياق علاقات تفاعلية معقّدة

عندما وقعتْ عيني على نسخة إلكترونية من كتاب «الطاوية والفيزياء الحديثة» لم أتأخّرْ في قراءته على الفور

لطفية الدليمي

هدر المال الثقافي في العراق

شعار مهرجان المربد
شعار مهرجان المربد
TT

هدر المال الثقافي في العراق

شعار مهرجان المربد
شعار مهرجان المربد

يتصور بورديو أن «رأس المال الثقافي يشتغل كعلاقة اجتماعية داخل نظام تداولي، يتضمن معرفة ثقافية متراكمة تمنح سلطة ومكانة» تشتغل على نسق مؤسساتي يسعى إلى إضفاء «الشرعية والأصالة» بدلاً عن القيمة الجمالية. وأمر كهذا تقوده السلطة، حسب ميشيل فوكو، بوصفها ذات علاقة تبادلية مع المعرفة، بحيث إن إنتاج المعرفة يفهم كتشابك مع أنظمة السلطة، أي أن المعرفة مكوّنة داخل سياق علاقات، وممارسات لتساهم السلطة لاحقاً في تطوير وصقل وانتشار التقنيات الجديدة لها.

ومن هذا المنطلق يتبلور النتاج المعرفي والثقافي في نسق خطابي، ينتج ويحدد مواضيع المعرفة بأسلوب واضح، وتتمثل فاعلية السلطة في قدرتها على تسويغ الخطاب الثقافي بما ينسجم مع توجهاتها وأهدافها؛ وعلى وفق ذلك لنتفحّص أسلوب السلطة العراقية في تعاملها مع الملف الثقافي في العراق، مع الإشارة إلى الاختلاف الكبير بين التصور الفلسفي للسلطة، برؤية تجريدية، الذي مر بعضه في مقدمة المقال، وبين دلالة السلطة كحكومة وإدارة للبلد. وكاتب السطور معني هنا بالتصور الثاني لغياب المنهجية الفلسفية والمؤسساتية في العراق بما لا يتيح مجالاً للجدل والنقد في ضوء التصور الفلسفي!

في العام الماضي، أعلنت رئاسة الوزراء العراقية عن دعمها للنشاطات الثقافية بأموال طائلة، وما زالت تؤكد ذلك في أكثر من مناسبة! لكن وهنا المفارقة، من دون أن تعلن عن «خططها» العلمية والمنهجية لكيفية استثمار الأموال استثماراً يحقق «ربحاً» معرفياً أو فائدة ثقافية، بمعنى أننا لم نعرف السياسية الثقافية أو التخطيط الثقافي وكيفية صرف الأموال بما يتوازن مع رؤية الدولة وفلسفتها. وتالياً فإن غياب الرؤية وعدم وضوح الهدف أدى إلى هدر مالي ناتج عن هدر ثقافي. فمثلاً دعمت الحكومة مهرجان المربد الذي أقيمت فعالياته بمحافظة البصرة في فبراير (شباط) الماضي، وانتهى بمعارك «طائفية» بين بعض الشعراء بسبب قصيدة أُوّلت على أنها تنتقص من «الحشد الشعبي»، ثم أقيم بعد ذلك «مهرجان أبي تمام» في مدينة الموصل وانتهى بتقاذف طائفي مماثل وصل إلى المحاكم والقضاء، والمعركة مستمرة وسيل الشتائم متواصل، ولم نعرف ما القصائد التي ألقيت وما البحوث التي شاركت؟!

من جهتي، كنت قد شاركت ببحث نقدي في مهرجان المربد، وحرصت على إعداده وفق أعراف النشر ومعاييره السائدة، وكنت أتصور أن البحوث والمشاركات النقدية ستكون بين دفّتي كتاب، يطلع عليه الآخرون، ويصبح تأريخاً دالاً على فعاليات المهرجان. ثم تبين لي لاحقا أنها لن تنشر!

إذن، لماذا الدراسات أصلاً إذا كانت النية مبيتة بعدم النشر؟ ولماذا لم تراقب اللجان المختصة هذا الهدر؟! فقد دُعي الناقد وكلّف الحكومة وخزينتها أجور النقل والسكن بأفخم الفنادق، وإذا به يجلس لعشر دقائق ويتحدث كما يتحدث العشاق؟! أيعقل أن تقوم الحكومة ومن ورائها الدولة بغدق الأموال الطائلة من دون أن تعرف نتائج صرفها؟ ما القيمة الثقافية والمعرفية وراء هذه «الشفاهيات البدوية؟!».

يبدو لي أن السؤال الأهم الذي يجدر طرحه، مفاده: ما الحاجة الملحة التي تدعو إلى تبذير كل هذه الأموال على مهرجانات ينتهي أثرها مع إطفاء الميكرفون على المنصة. أليس الأولى أن تحدد سياسة الدولة، ومن ثم تحدد الرؤية الثقافية التي تدعمها الحكومة، وتكون هذه الرؤية منسجمةً مع فلسفة الدولة؟!

لا شك في أن الفراغ المؤسساتي الثقافي كبير جداً ومتصحّر، من حيث الإمكانات المادية والإدارية أو من حيث الرؤى والخطط الاستراتيجية، ومن ثم غياب التخطيط والتنظير وغياب رسم الموازنة الثقافية، فليست لدينا دور نشر تضاهي «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، ولا يمكن المقارنة بين نتاج «المركز القومي للترجمة» و«دار المأمون»؛ ليست لدينا مسارح غير التي بنيت في النظام الدكتاتوري، والتي كانت منبراً إشهارياً للسلطة. والقوانين السلطوية ما زالت قيداً وعائقاً أمام نشر الكتاب وتوزيعه وتصديره، ولم تسع الحكومات المتعاقبة إلى إلغاء القوانين التي تخص الثقافة والطباعة، وهي الصادرة عن مجلس قيادة الثورة أيام الحكم البعثي.

بأسف واختصار شديد أتساءل: أيمكن أن يدلني أحد على صرح ثقافي مهم بنته الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال؟!

انتهى «مهرجان المربد» في البصرة بمعارك «طائفية» بسبب قصيدة أُوّلت على أنها تنتقص من «الحشد الشعبي»، واختتم «مهرجان أبي تمام» في الموصل بتقاذف طائفي مماثل وصل إلى المحاكم والقضاء

لا أدري إن كانت الحكومات المتعاقبة، بعد الاحتلال، تعني هذه السياسة العبثية؟ فهي من نتاج نسق قبلي وبدوي قديم يسعى إلى التقرب من الشاعر الحطيئة كي لا يهجوه؛ أو لعلها سياسة الخليفة الذي يقطع لسان الثقافة بالمال! لنتذكر كيف كان النظام الدكتاتوري يغدق بالأموال الهائلة والتبذيرية على الثقافة أيام الحرب العراقية - الإيرانية بما يتماشى مع حربه حتى حوّل المثقف العراقي الحرب إلى «نزهة إلى الجنة»، وكيف أصبح الأديب المثقف العراقي قادراً على تصدير ثقافة الدولة إلى المحيط العربي؛ وحين انتهت الحرب وبدأ الحصار الدولي أبان عقد التسعينات من القرن الماضي ما عاد الدكتاتور بحاجة إلى دعم الثقافة واكتفى بسد رمق «اللسان» فيلتقي بين الحين والآخر بالشاعر والناقد والعالم والأستاذ، ويبارك زيارتهم بحزمة من النقود يضمن بها مدحهم له ولا ينتظر منهم خطاباً جمالياً ولا رؤية معرفية يمتدان لخارج الحدود، لأن المثقف العربي قد ضمن معرفته بكذبة العروبة عند القائد، وصار الدعم محلياً بنقود مطبوعة؛ لا خير فيها ولا ثراء يرتجى منها وتشبه تماماً الخطاب الثقافي المحلي.

بتقديرنا، إن دعم الثقافة يتأتى من خلال إنقاذ ملف الطاقة، والاهتمام بالتعليم، وبناء المستشفيات، ورصانة المؤسسات، وفرض القانون حتى لا يلتفت المواطن إلى الوراء خوفاً من رصاصة طائشة، وأن يكون الحكم بيد نظام الدولة، وليس بيد الأحزاب، فهذا هو الدعم الرئيس للمثقف، وهذا هو البناء الرصين للثقافة العليا أو السَنية القادرة على خلق خطاب معرفي واضح يجسد هوية الدولة وفلسفتها على وفق مرجعياتها المختلفة.