«سحر الموروث السردي»... حوار دائم مع «ألف ليلة وليلة»

أكاديمي مغربي يرصد تأثيره في روايات وقصص عربية وأجنبية

كويلهو
كويلهو
TT

«سحر الموروث السردي»... حوار دائم مع «ألف ليلة وليلة»

كويلهو
كويلهو

في كتابه «سحر الموروث السردي - افتتان، واستلهام، وتمثُل للعجيب»، الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 266 صفحة، يبحث الكاتب والأكاديمي المغربي الدكتور مصطفى يعلي في مستويات الاستفادة من التفاعل بين الموروث الشعبي والسرد المعاصر، حيث يرى أن حركة التجريب السردي المعاصرة استطاعت توظيف كثير من جماليات الموروث السردي المدهشة، مما أثراها بأنساق تخييلية واسعة.

يضع المؤلف تمثيلات لكيفية حفاظ الموروث السردي على حيويته بعيداً عن الوقوع في بئر النسيان، لا سيما في زمن تضاعفت فيه تأثيرات وسائل الاتصال، وتغلغلت رواسبها في أنسجة الإبداعات القصصية والروائية العربية الحديثة والمعاصرة. ومن ناحية أخرى استفاد حقل السرد الحديث والمعاصر من «بلاغة» الموروث السردي سواء في مرحلة التحوّل من السرد القديم إلى الجديد، أو في مرحلة النضج واجتراح أساليب جديدة، ودخول مرحلة التجريب بابتكاراتها المتجددة في التخييل. ويرى المؤلف أن غنى الموروث السردي الشعبي بمكوناته وتقنيات تخييله المدهشة مكنه من أن يتسرب إلى خريطة الآليات الملهمة لما وصفها بـ«فتنة التجريب الطليعية المهيمنة راهناً على الرواية والقصة القصيرة».

مورفولوجية الحكاية

يسعى الكتاب، إلى تبيان واستقصاء ما وصفها بـ«أنساق الغواية» التي مارستها السرود القديمة بسحرها وفتنتها على السردية الحديثة والمعاصرة، وقام الباحث المغربي بالاشتغال النقدي التطبيقي على عدد من نماذج الأعمال التي تنتمي للرواية والقصة القصيرة العربية والغربية، التي وقعت تحت تأثير سحر الموروث السردي، مغتنية ببلاغتها، مستعيناً بآليات منهجية للتطبيق على النماذج المختارة، أبرزها المنهج المورفولوجي، الذي يقدم الباحث مدخلاً له، مشيراً للتأثير الممتد لكتاب الأنثروبولوجي الروسي فلاديمير بروب «موروفولوجية الحكاية» في دراسة السرد الشعبي والحكايا العجيبة في الغرب، وصولاً لتأثيره في الحقل البحثي بالعالم العربي.

ويتوقف الباحث عند مظاهر تأثير «ألف ليلة وليلة» في كتاب «الديكاميرون» للإيطالي جيوفانى بوكاشيو (1313 – 1375)، من خلال مقارنة بينية أجراها بين حكاية من ألف ليلة وليلة وهي «المتلمس مع زوجته»، والحكاية التاسعة من الليلة العاشرة في مجموعة «الديكاميرون»، التي اختارها الباحث على سبيل النمذجة لتأثير «الليالي» في الأدب الغربي، يقول يعلي: «ثمة أمثلة كثيرة تلفت النظر إلى كم المنتجات الإبداعية في التغذي تخييلياً على ثمار مكونات وإحداثيات ألف ليلة وليلة العجيبة، بمختلف أمم الأرض، مثلما يتأكد من اعتراف كِبار الكتاب بانبهارهم بخيالها، وتأثرهم بحكاياتها الساحرة، وخاصة في الغرب الذي تحسس قيمتها الإبداعية مبكراً».

ويتبين بالدراسة التطبيقية بين نموذج «ألف وليلة» و«الديكاميرون»، أن حكاية بوكاشيو قد نهضت على ذات المتواليات الثلاث التي قامت عليها بنية حكاية ألف ليلة وليلة، ورغم ما حصل من تماثل بين الحكايتين، فإن حكاية بوكاشيو حملت بعض الاختلاف الذي لا يمس البنية المركزية لـ«حكاية المتلمس مع زوجته».

يوسف أبو رية

مكر سردي

يتوقف الكتاب عند البرازيلي باولو كويلهو، بوصفه نموذجاً آخر للافتتان بالموروث الثقافي الشرقي في عمله الذائع الصيت «الخيميائي»، حيث «منسوب غواية الثقافة الشرقية العربية مرتفع في عمق هذه الرواية» كما يقول المؤلف، وقادت المعالجة التي اقتفاها التشريح النقدي لسردية «الخيميائي» إلى أن الرحلة العجيبة الخطرة التي غامر بها البطل الإسباني الغربي من «طريفة» بأقصى جنوب إسبانيا نحو أهرامات مصر، عبر أقطار شمال أفريقيا، لم تكن سوى «مكر سردي» يتغذى على كيمياء الموروث المدهش بفلسفته الصوفية وتنويعاتها، مروراً بتطوّر الحدث وتشعباته عبر محطات الرحلة المختلفة.

يقول الباحث عن الرواية: «كأنها رحلة سندبادية عكسية، تنطلق من الغرب إلى الشرق، وليس من الشرق إلى الغرب»، متحدثاً عن الرواية التي ارتبطت في الذهنية العامة بفكرة «الوصول للكنز»، مشيراً إلى أن «ثيمة الكنز كانت مجرد تخييل رمزي ممتع، يموّه على المتلقي حقيقة الكنز الافتراضي».

ويُدرج الكاتب في هذا الصدد اسم كويلهو من بين الكتاب الغربيين الذين اختزنوا عوالم «ألف ليلة وليلة» وشبيهاتها، بينما يشير إلى أن هذا الموروث استفادت منه أسماء كثيرة من المبدعين العرب. وركزّ البحث على مقاربة العجيب في رواية «ألف ليلة وليلة» لنجيب محفوظ أو «هرم الرواية العربية»، كما يصفه المغربي مصطفى يعلي، الذي يتوقف بحثه في هذا الصدد عند مستويات التخييل في رواية محفوظ ومستويات العجيب فيها ما بين «العجيب الأدواتي السحري، والجني، والمغامراتي»، ليقدم رواية تعيد إنتاج ألف ليلة وليلة على صورة رواية تجريبية مُعاصرة ممتعة.

يتوقف الباحث عند البرازيلي باولو كويلهو، بوصفه نموذجاً آخر للافتتان بالموروث الثقافي الشرقي في عمله ذائع الصيت

إلى جانب توقف الأكاديمي المغربي في الكتاب عند نماذج لروائيين «وقعوا تحت تأثير الموروث السردي» مثل يوسف أبو رية، وخيري عبد الجواد، ومحمد أنقار وغيرهم، يتوقف أيضاً عند محطة القصة القصيرة، التي أسس فيها لمقاربات مورفولوجية كاشفة عن تجليات الموروث البانية لعوالمها التخييلية، كما توقف عند تقاطع الحكاية الخرافية مع القصة القصيرة جداً، التي يصفها بالضيف الجديد على أسرة السرد نسبياً، واختار التطبيق على مجموعة للقصص القصيرة جداً للكاتب الغواتيمالي الشهير أوغوستو مونتروسو، الذي تعود إليه أشهر قصة قصيرة جداً نشرت عام 1959 التي تكوّنت من سبع كلمات وهي: «حين استيقظ، كان الديناصور ما يزال هناك».

يصف الكتاب القصة القصيرة جداً بأنها «حفيدة الحكاية الخرافية»، ويرصد عدداً من تمثلات وأوجه التقاطع بين الشكلين، بداية من الكثافة المتناهية، واصطفاء المكونات الجمالية، والوعاء الزمكاني الذي يتشكل فيه الحدث بسرعة فائقة، والخاتمة بارعة الإدهاش، ويختار الباحث للتطبيق مجموعة مونتروسو «النجعة السوداء وحكايات خرافية أخرى»، ويرى أن أول ما يثير الانتباه لتجليات التقاطع بين هذه المجموعة وجماليات الحكاية الخرافية هو عتبة العنوان، وتمركزها حول شخصية حيوانية «النعجة»، موحية بأن قصص المجموعة تدور حول الحيوانات، من الحفر في عوالم الحكايا الخرافية واستيحاء أشكالها، لتشييد نصوص منتمية إلى القصة القصيرة جداً، التي يشير الكتاب إلى أنها تتقاطع مع الموروث إلى حد التناص المستنسخ، بخاصة في أجناسه شديدة القِصر مثل الحكاية الخرافية، والنكتة، والهايكو، والمقطوعة الشعرية، والمَثل، مُستفيدة من براعة شعريتها ومختلف مُكوناتها الجمالية.


مقالات ذات صلة

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون غلاف الكتاب

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي
TT

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي

تتميز التجربة الإبداعية للكاتبة القطرية هدى النعيمي بالصدق مع الذات والآخر، وتصوير تحوّلات الإنسان العربي في منعطفات تاريخية مهمة منذ التسعينات وحتى الآن، ورغم أنها كثيراً ما تجعل هواجس المرأة وأسئلتها الحائرة همَّها الأول وخيارها الرئيسي، فإنها تصنع ذلك في إطار إنساني عريض، وليس تعصباً للنوع، أو انتصاراً أعمى للمرأة في مواجهة الرجل.

يتنوع إنتاجها ما بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة ومسرح الطفل، ومن أبرز أعمالها «المكحلة»، «أنثى»، «عين ترى»، «عندما يبوح النخيل»، و«زعفرانة»... وبموازاة أدبها، واصلت هدى النعيمي مسيرتها على المستوى العلمي، فحصلت على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وهي تشغل حالياً مديرة إدارة الصحة والسلامة في مؤسسة «حمد» الطبية بقطر.

هنا حوار معها حول روايتها الجديدة وتجربتها الأدبية:

*في روايتك الجديدة «زعفرانة» تعودين للتاريخ من باب الحرب في «ظفار»، عبر حقبة زمنية تكاد تغطي قرناً من الزمان، وتتنوع مكانياً ما بين الخليج ودول أخرى، ما مبرّرات هذه العودة؟

- التاريخ مغلّف بالأسرار والغموض، وإذا تحدثنا عن «حرب ظفار»، سنجد أنه كان من شبه المحرّمات الحديث عنها، أو تناولها في أي مرجع لسنوات طويلة، فقد غابت عن كُتب التاريخ في المنطقة، فخرج جيلي، وجيل بعدي لا يعرف عنها شيئاً، رغم أنها استمرت أكثر من عقد من الزمان.

في السنوات الأخيرة فقط خرجت بعض المراجع الجادّة لتؤرّخ لتلك الفترة، كما خرجت روايات عُمانية تتحدث عن «حرب ظفار» أيضاً. وجاءت روايتي «زعفرانة» لتطرح بعض الإجابات، والكثير من الأسئلة أمام القارئ، الذي يجب أن يعرف ما حدث في تاريخ منطقته، وإذا أراد أن يعرف أكثر فليبحث عن المزيد من القراءات.

* تنتمي روايتك «زعفرانة» لما يسمى «رواية الأجيال»... كيف ترين الرأي القائل بأن هذا الشكل الأدبي بات مستهلَكاً؟

-لا أتفق بالطبع مع هذا الرأي، ستظل رواية الأجيال شكلاً أدبياً جاذباً للقراء، لكن على الكاتب أن يُحسن قراءة تاريخ روايته، ويُحسن رصد التغيرات التي مرّت بها أجيال عمله الروائي، فلكل حقبة تاريخية خصوصية في جوانبها السياسية والاجتماعية، وتتطوّر الشخصيات وتتشعّب اهتماماتها، بل تتغيّر جذرياً أحياناً من جيل إلى جيل، وعلى من يتصدى لرواية الأجيال أن يدرك هذا، وأن يطوّر تصوير شخصياته من جيل إلى جيل.

* ما تفسيرك لظاهرة اتجاه أدباء الخليج إلى الغوص في تاريخ المنطقة، وطرح أسئلة الهوية والمستقبل من خلال هذا الشكل الأدبي؟

-أشُدّ على يد هؤلاء الذين يتصدّون للغوص في تاريخ المنطقة، فالتاريخ لدينا لم يوثّق بشكل قوي، نعم هناك كتابات، ولكن الأديب أو المبدع قادر على قول ما لا يجرؤ الباحث أو المؤرّخ على أن يقوله، لكن الرواية في صورتها الأدبية تحكي ما لم يُحكَ، وهذا لا ينطبق على الخليج فقط، بل على عوالم عربية وغير عربية حول العالم.

* البعض ينتقد ما يسمى بـ«الرواية التاريخية» في تجلياتها العربية عموماً، ويقول إنها تعكس الرغبة في البحث عن مساحة إبداعية «آمنة»، من خلال العودة للماضي الذي تتوفر فيه الأحداث والتفاصيل والشخصيات بكثافة، كيف ترين الأمر؟

- أختلف مع هذا الاتجاه في النقد، فالتاريخ منطقة شائكة، وليست آمنة للكاتب كما يعتقد بعض النقاد، بل هو حقل ألغام يجب التحرك خلاله بحذر شديد؛ لأن الماضي لا بد أن يكون موصولاً بطريقة ما مع الحاضر. وتستدعي الرواية التاريخية الكثير من القراءات والبحث والمراجعات، وعند استدعاء شخصية تاريخية، فإن ذلك يحتاج إلى شجاعة، فأغلب الشخصيات التاريخية شخصيات جدلية تحوم حولها الأساطير، والحكايات المتناقضة، فكيف تكون مساحة آمنة؟

* أثار قرارك بكتابة سيرتك الذاتية «حين يبوح النخيل» وأنت في هذه السن المبكرة استغراب كثيرين ممن اعتادوا على قراءة السير الذاتية، حين يكون صاحبها شارَف محطته العمرية الأخيرة، ماذا كانت مبرّراتك؟

- سيرتي هي سيرة بلد فتيّ هو بلدي قطر، لقد سجّلت في كتابي هذا انعكاس تطور البلاد على سيرة امرأة مثلي، وأوجدت بلادي لنفسها مكانة دولية في خلال سِنِي عمري، وأوجدت لنفسي بحمد الله مكانة عربية ودولية في مجال العلوم الذي تخصصت به، والكتاب لا يتحدث عن شخصي فقط، لكنه يتحدث عن دولة حصلت على استقلالها حديثاً عام 1971، ثم صارت اسماً عالمياً خلال 50 عاماً فقط، ولي أن أفخر أن أكون ابنة هذه البلاد، فسجّلت سيرة تنهض على التماس بيني وبين بلدي.

* لماذا لم تلجئي إلى الحل الأسهل، وهو أن تكتبي سيرتك من خلف قناع شخصية رئيسية في رواية، وتتجنّبي المواجهة الصريحة المباشرة مع القارئ، كما تفعل معظم الكاتبات العربيات حالياً؟

- لم أحتَج إلى قناع في كتابة سيرتي الذاتية، نعم هذا يحدث كثيراً مع كاتبات وكُتّاب عرب أيضاً، بخاصة عند الخوض في مناطق المحرّمات السائدة أو «التابوهات»، أو عند تصوير علاقات إنسانية يشوبها الاختلال. يرفع الكاتب أو الكاتبة نفسه عن الأحداث التي عاشها وينسبها إلى شخصيات روائية، ولا ضيرَ في ذلك، ولكنني بالفعل لم أحتَج إلى التخفّي أو إلى الأقنعة وأنا أكتب «حين يبوح النخيل».

* ما الذي يجمع بينك وبين «النخيل» الذي تصدّر غلاف سيرتك؟

- النخلة شجرة معطاءة، كريمة وفياضة العطاء، وهي تأخذ القليل، ويُسعدها العطاء أكثر من الأخذ، النخلة تهب السعف وتهبنا رُطَباً ندياً. وحين أردت أن أكتب سيرتي، وجدت أني أشبه النخلة في الرضا والعطاء، أو أحاول أن أتشبّه بها في رضاها وفي عطائها. أما الشموخ الذي تتمتع به النخلة فهذه حكاية أعشقها وأدور حولها، نعم أعشق شموخ النخيل، الذي يصعد بسعفه إلى السماء، وأتشبّه به في غَرس جذوره بالأرض الطيبة.

* حصلتِ على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وتعملين في تخصصات علمية دقيقة، كيف يتقاطع عملك سلباً أو إيجاباً مع عوالمك الإبداعية؟

-العمل في المجال العلمي شاقّ، ويحتاج إلى تركيز ورعاية دقيقة، والإبداع أو الكتابة الإبداعية أيضاً عمل جميل وشيق، لكنه يحتاج من المبدع التدقيق في كتاباته والعناية بها، وعدم التصريح أو الإفراج عن الكتابة للقراءة إلا بعد الكثير من التدقيق، والحرص على جماليات اللغة والمعني.

أما التقاطع فهذا صحيح، لقد أخذ العمل مني الكثير من الزمن، الذي ربما كنت قد أنتجت خلاله أعمالاً أدبية كثيرة، لكن إدارة الوقت لم تكن تسمح بأكثر مما كان، في ذات التوقيت قد زادت خبرتي في الحياة، من خلال الانخراط في العمل مع عالم متنوع من البشر، والكثير من التضاربات بينهم، وهذا ينعكس على أعمال إبداعية قد تصدر يوماً بإذن الله، خصوصاً أنني تفرغت حالياً للقراءة والكتابة.

* كيف تنظرين إلى الإسهام النسائي في الرواية على الساحة الخليجية؟ وهل رفعت المرأة المبدعة أخيراً شعار «لن أعيش في جلباب الوصاية أياً كان مصدرها؟».

- حققت الكاتبة الخليجية في السنوات الأخيرة الكثير من الأهداف، دون أن أقارن بين الكاتب والكاتبة في الخليج، لكن المرأة التي عاشت لوقت طويل خاضعةً لوصاية الرجل، ممثَّلاً في الأب أو الأخ أو الزوج أو المجتمع بأسره، استطاعت في سنوات قليلة أن تخرج بالفعل من ثوب الوصاية، وتمثّل نفسها وبنات جيلها بحرية تامة، أيضاً جيل ما قبلها.

استطاعت أن تعبّر عن قضايا عامة على عكس الوصاية، ورفضت إحكام القبضة على حياتها، كما حدث مع كتابات كثيرة في السابق. الكاتبة الخليجية اليوم تخوض في إبداعها عوالم كانت مظلِمة، فتكتب عما حولها كما يكتب الرجل، وربما أفضل كأيّ كاتب حر.

* أخيراً، برأيك ما سر ظهور فن الرواية على الساحة القطرية متأخِّراً مقارنةً ببقية بلدان الخليج العربي؟

- ربما يعود السبب إلى عدم وجود دُور نشر في قطر لتشجّع على نشر الرواية، فقد غابت هذه الدُّور لوقت طويل، الأختان دلال وشعاع خليفة قامتا بطباعة أول روايتين قطريتين لهما في بيروت مطلع التسعينات، وهذا عمل شاقّ، ليس بمقدور الكثيرين القيام به، واكتفى الكاتب والكاتبة القطريَّين بنشر القصص القصيرة والشعر في المجلات المحلية التي تستقبل الإنتاج الأدبي، مثل «العهد» و«العروبة» و«الدوحة»، ولكن ما إن نُشرت روايات دلال وشعاع حتى فتح المجال واسعاً للكُتّاب الروائيين، وبدأ نشر الرواية القطرية خجولاً، ثم ازدهر بعد ذلك بوجود عدد من دُور النشر المحلية في قطر حالياً، ومنها دار «الوتد» التي أصدرت رواية «زعفرانة».