الدكتوراه ليست جواز مرور لعالم الأكاديميا

المهم اليوم الكفاءة المختبرة عملياً بدلاً من عناوين جامعية أو مهنية

الدكتوراه ليست جواز مرور لعالم الأكاديميا
TT

الدكتوراه ليست جواز مرور لعالم الأكاديميا

الدكتوراه ليست جواز مرور لعالم الأكاديميا

أكثر البحوث تطوراً على مستوى التقنيات الحديثة إنما تحصل في مختبرات الشركات الخاصة (مختبرات «IBM» و«مايكروسوفت» مثالاً) لذا فقدت الجامعات كثيراً

من بريقها السابق

ظلّت شهادة الدكتوراه مطمح كثيرين بوصفها أعلى شهادة أكاديمية تمنحها الجامعات منذ بواكيرها التأسيسية الأولى. كان دخول الجامعة حلماً يتطلّبُ الكدّ والاجتهاد؛ فكيف لو حصل المرء على أعلى شهادة منها؟ ما يحصلُ في الغالب، خصوصاً في أوساطنا العربية، أنّ شهادة الدكتوراه هي حلمٌ مفعمٌ بالأمل والإحساس بالتفوق والإنجاز. غالباً ما يحلم المرء وهو يخطو خطواته الأكاديمية المبكّرة بأن يرى هذه الحروف الثلاثة السحرية PH.D تأتي مترافقة مع اسمه كتعريف قانوني به يبيحُ له كلّ الميزات الاعتبارية والمادية التي تتيحها هذه الشهادة. أهمّ هذه الميزات اعتبار هذه الشهادة جواز مرور مؤكّداً ومضموناً إلى عالم الأكاديميا (Academia) بكلّ مواصفاته النخبوية. لم تكن هذه الحال حصرياً مع منطقتنا العربية. حتى البلدان الغربية كانت هذه هي الحال الشائعة فيها، ويمكن تحسّس هذه الحقيقة مع ملاحظة حرص حملة شهادات الدكتوراه على كتابة أسمائهم تليها هذه الحروف الثلاثة: PH.D. غاب هذا التقليد اليوم أو كاد يغيب تماماً.

الثورات الرقمية والمعلوماتية

يبدو من مراجعة تاريخ الأكاديميا والسياسات الأكاديمية والجامعية وطبيعة الثورات التقنية أنّ تغييراً جوهرياً طال هذه السردية التي تجعل شهادة الدكتوراه طريقاً أحادية الاتجاه نحو وظيفة في عالم الأكاديميا، وقد تسارع هذا التغيير مع مقدم الثورات الرقمية والمعلوماتية. هناك أسباب واقعية وأخرى عملية كسرت هذا التوجّه، منها:

أوّلاً: من الطبيعي أن تتزايد أعداد الحاصلين على الدكتوراه في كلّ الميادين البحثية والمعرفية في حقول العلوم والهندسة والإنسانيات والحقول الاجتماعية، وهذه الزيادة لا تتوافق مع الزيادة المتوقّعة في أعداد الجامعات المستحدثة؛ لذا فإنّ فجوة مؤكّدة بين أعداد حَمَلة الـPH.D والمواقع الأكاديمية المحدودة لا بد أن تكون حاصلة.

ثانياً: هناك تغيّر جوهري في طبيعة الجامعة والتعليم الجامعي. لم تعد الجامعة تحتكرُ العملية البحثية، بل الملاحَظُ أنّ أكثر البحوث تطوراً على مستوى التقنيات الحديثة إنما تحصل في مختبرات الشركات الخاصة (مختبرات «IBM» و«مايكروسوفت» مثالاً)؛ لذا فقدت الجامعات كثيراً من بريقها السابق.

ثالثاً: لو راجعنا السيرة الذاتية لكثير من أساطين التقنيات الحديثة نجد أنهم لم يحصلوا على شهادة الدكتوراه، بل إنهم لم يكملوا حتى تعليمهم الجامعي ما قبل الدكتوراه (البكالوريوس). مارك زوكربيرغ مثال ساطع لهؤلاء. ما هو أكثر إثارة أنّ شركاتهم باتت توظّف العديد ممن حصلوا على الدكتوراه.

رابعاً: الغربيون معروفون بتوجّهاتهم العملية (البراغماتية). القسم الجامعي الذي تقلُّ أعداد المسجّلين فيه سيغلقونه لتوفير نفقاته غير المجدية. لا يوجد شيء عنوانه «التعليم مثل الماء والهواء للجميع». التعليم الجامعي في معظم البلدان الغربية ليس واجباً على الدولة تقديمهُ مجاناً لكلّ الناس بقدر ما هو نشاط اقتصادي يخضع للعوامل الحاكمة لأي منشط اقتصادي رأسمالي (عوامل العرض والطلب والربحية).

خامساً: شهادة الدكتوراه جزء من سياق فعالية بحثية مكلفة وليست ترفاً ذهنياً مجانياً؛ لذا فهي تتطلبُ تخصيصات مالية كبيرة. لن تخصّص جهة حكومية أو خاصة مالاً لا يخدم سياساتها العامة في حقول الدفاع أو التقنية أو العلوم المتقدّمة. بعبارة أخرى: يجب على دارس الدكتوراه أن يضع في اعتباره مخرجات شهادته وإمكانية توظيفها، وإلّا فإنها ستكون فعالية غير منتجة له ولبلده.

سادساً: التقنيات الرقمية أحدثت انقلاباً ثورياً على صعيد الأفكار والقدرات البشرية. صار النظر اليوم إلى الكفاءة المختبرة عملياً بدلاً من عناوين جامعية أو مهنية لا تقترن بخبرة مؤكّدة يمكن توظيفها وتحصيل الأرباح منها.

ما الذي ستفعلونه بعدها؟

كُتِب الكثير في أدبيات التعليم الجامعي والسياسات الأكاديمية بشأن المناخ المتبدّل لطبيعة الدراسة الأكاديمية وشهادة الدكتوراه. من الكتب المثيرة التي نُشِرت في هذا الميدان الحيوي كتابٌ حرّره البروفسور كريستوفر آر. مادان Christopher R. Madan ونشره في جزأين. البروفسور مادان يعمل أستاذاً مساعداً لعلم النفس بجامعة نوتنغهام البريطانية، ويشمل طيفُ اهتماماته البحثية موضوعات واسعة ومتداخلة، منها: الإدراك واللغة، العلوم العصبية الاحتسابية، التصوير العصبي، النمذجة العصبية... وقد نشر كتباً مهمّة في هذه الميادين.

كتاب مادان جاء بعنوان عريض: «الأكاديميا والعالم خارج أروقتها» Academia and the World Beyond. الإهداء الذي كتبه المحرّر في بداية الكتاب يكشف عن موضوعته الكبرى: (إلى طلبة الـPh.D غير العارفين كيفية الإجابة عن التساؤل التالي: «ما الذي سأفعله بعد هذا؟»، وكذلك إلى المشرفين الذين يجاهدون لدعم طلبة الدكتوراه الساعين إلى وظائف خارج النطاق الأكاديمي).

الكتاب بجزأَيه مصمَّم على أساس نمط الاستبيانات الشائعة في البحوث السيكولوجية؛ لكنّه تجاوز الاستبيانات التقليدية عندما عمد المحرّر إلى أن يجعله حواراً مفتوحاً يحكي فيه حاصل الدكتوراه عن تجربته بعد حصوله على الشهادة وكيف عانى ضياع حلمه (المفترَض) في الحصول على منصب أكاديمي، ثمّ تعلّم أنّ الحياة أكبر من أي منصب أكاديمي، وأنّ فيها إمكاناتٍ يجب أن نجتهد لبلوغها بعيداً عن أي تصوّر مسبّق يشلُّ قدرة عقولنا. أهمّ ما تركّز عليه الحوارات الخمسون في جزأَي الكتاب أنّ الدكتوراه رحلة لذيذة رغم مشقاتها، وهي ليست ميزة تضمن لصاحبها وظيفة أكاديمية مرفّهة بل يجب بعد الحصول عليها أن نطوّر إمكانياتنا لنظفر بعمل جديد. الحياة تعلُّم مستمر، وليست حفلة شاي في نهاية المطاف.

يكتب المحرّر في مفتتح مقدّمته للكتاب:

«سؤال شائع ذاك الذي يواجهه طلبة الدكتوراه من قِبَلِ أصدقائهم وعائلاتهم: (ما الذي ستفعلونه بعدها؟) لكنّ العديد من هؤلاء الطلبة هم في واقع الحال مسكونون بمتطلبات الشهادة ذاتها، وليست لهم الفرصة للتفكّر الكافي بحياة ما بعد الدكتوراه. تتشارك المهن الأكاديمية وغير الأكاديمية بعض المشتركات من حيث إن المهارات التي يتمّ تعلّمها في مرحلة الدكتوراه يمكن أن تكون ذات فائدة خارج نطاق الأكاديميا...».

وجّه المحرّر أسئلة محدّدة لهؤلاء الذين اختارهم ليكتبوا عن تجاربهم، وكلهم من الحاصلين على الدكتوراه في علم النفس (السيكولوجيا) أو العلوم العصبية. قد يكون هذا التخصيص مأخذاً على المحرّر؛ لكنّه يعترف بأنّه اقتصر على طلبة دكتوراه من حقله البحثي، وسيعمل لاحقاً على توسيع نطاق البحث ليشمل حقولاً بحثية أخرى. لكي يكون القارئ على بيّنة من طبيعة الأسئلة سأترجم بعضاً منها إلى العربية:

- عندما كنتَ تكمل شهادة الدكتوراه، هل كنتَ تفكّرُ بخطط محدّدة للمهن التي ستمتهنها بعدها؟

- كيف تغيّرت خططك المهنية بعد حصولك على الشهادة؟

- هل تستطيع إخبارنا بعض الشيء عن حياتك اليومية وأنت في مهنتك الحالية؟

- ما الذي تحبه أكثر من سواه في مهنتك الحالية؟

- ما الذي تمقته في مهنتك الحالية؟

- كيف ترى أنّ حصولك على الـPh.D قد ساعدك على النجاح في مهنتك الحالية؟

- أحد الأسباب التي تجعل حاصلي الدكتوراه يفضّلون الأكاديميا هو شعورهم بأنّها (الأكاديميا) توفّرُ لهم حرية أكثر بكثير من الحرية التي توفرها مهن في قطاعات أخرى غير الأكاديميا. ما مدى الحرية التي ترى أنك تحوزها في مهنتك الحالية لفعل ما ترغب في فعله والاستمتاع به؟

- معتمداً على رحلتك مع شهادة الدكتوراه وما بعدها؛ ما النصيحة التي تودُّ تمريرها لهؤلاء الذين هم على وشك إكمال الدكتوراه؟

النتيجة في النهاية هي خمسون رحلة كتبها أصحابها بكيفية أقرب إلى سرديات رفيعة تنقل لنا - ولحاصلي الدكتوراه بالتخصيص - خبرات ثمينة، أهمّها ضرورة التكيُّف مع المتغيرات العالمية وعدم اتخاذ نسق مسبّق إطاراً جامداً لنا.

الخصيصة المشتركة بين الرحلات التي ضمّها الجزآن هي قناعة أصحابها بأنّ عصر الثورة التقنية الرابعة التي نعيش بداياتها يوفّرُ ميادين مهنية مرغوبة أكثر من معظم الحقول البحثية لشهادات الدكتوراه الشائعة، وبلوغُ هذه الميادين شائع ومتاح ومجاني في الغالب لا يتطلبُ فواتير باهظة كما الجامعات، لذا فإنّ إتقان التعامل مع علوم البيانات أو الذكاء الاصطناعي أو لغة برمجية (مثل «بايثون») أو تصميم المواقع الرقمية قد يكون إحدى الإمكانيات المتاحة لمهن مرموقة خارج نطاق الأكاديميا.


مقالات ذات صلة

أي دور للكتاب والمبدعين في زمن الحرب؟

ثقافة وفنون سانت إكزوبيري

أي دور للكتاب والمبدعين في زمن الحرب؟

لم يكف البشر منذ وجودهم على هذه الأرض عن التقاتل والتذابح، وفرض سيطرة بعضهم على البعض الآخر، عبر أكثر الوسائل دمويةً وفتكاً.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

يحتل الفن الجنائزي حيزاً واسعاً من ميراث أقاليم شبه الجزيرة العربية، وتتميّز جزيرة البحرين في هذا الميدان بنتاج نحتي تصويري يعود إلى القرون الميلادية الأولى

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة

أنيسة مخالدي (باريس)
ثقافة وفنون «اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)

سيمون فتال: السومريون أنتجوا أجمل الفنون وهي الأساس

سيمون فتال
سيمون فتال
TT

سيمون فتال: السومريون أنتجوا أجمل الفنون وهي الأساس

سيمون فتال
سيمون فتال

تستضيف مؤسسة «Secession» النمساوية في فيينا، وهي أقدم قاعة مستقلة مخصصة للفن المعاصر في العالم، مجموعة مختارة من أعمال الفنانة والكاتبة والسينمائية سيمون فتّال تحت عنوان metaphors (استعارات)، أبرزها منحوتات من الصلصال تعرض للمرة الأولى خارج لبنان حيث تحفظ غالبية أعمالها ضمن مجموعة سارادار الخاصة التي تضمّ أكثر من 400 عمل فني حديث ومعاصر بهدف صونها ودراستها.

شهدت سيمون فتّال النور في دمشق عام 1942، ومنها انتقلت طفلة إلى بيروت حيث أكملت تعليمها الجامعي وتخرجت مجازة في الفلسفة من معهد الآداب، قبل أن تنتقل إلى باريس حيث تابعت تخصصها في جامعة السوربون.

عادت إلى بيروت وانصرفت لفترة إلى الرسم، تعرفت خلالها إلى الشاعرة والفنانة المعروفة إيتيل عدنان، ونشأت بين الاثنتين صداقة متينة امتدت حتى وفاة الأخيرة في خريف عام 2021. بعد مرحلة الرسم انتقلت إلى النحت بالصلصال ثم انصرفت إلى الأعمال الخزفية، وعندما «أصبحت الحياة مستحيلة في بيروت بسبب الحرب الأهلية» كما تقول، قررت الذهاب إلى الولايات المتحدة عام 1980، واستقرت في كاليفورنيا حيث أسست دار النشر المعروفة «بوست أبولو برس» المتخصصة في الأعمال الأدبية الرائدة والتجريبية.

من أعمالها

في عام 1988 التحقت بمعهد الفنون في سان فرنسيسكو واستأنفت نشاطها الفني في الرسم والنحت والكولاج. وفي عام 2006 انتقلت إلى فرنسا وانضمّت إلى محترف هانز سبينّر الشهير في غراس حيث أنتجت أهم أعمالها الفنية. وخلال إقامتها في فرنسا أخرجت شريطاً سينمائياً بعنوان «Autoportrait» عُرض في معظم المهرجانات العالمية ولاقى نجاحاً كبيراً. في عام 2019 نظّم متحف الفن الحديث النيويوركي معرضاً استرجاعياً لأعمالها التي استضافتها متاحف عالمية عديدة مثل متحف دبي للفنون ومتحف لوكسمبورغ وبينال البندقية ومتحف إيف سان لوران في مراكش ومؤسسة الشارقة للفنون، ومتحف فرنكفورت، وبينال ليون، وبينال برلين، ثم المؤسسة النمساوية التي كرّست عدداً كبيراً من الفنانين المعاصرين.

التاريخ والحنين (نوستالجيا) هما المصدران الأساسيان اللذان تستلهم فتّال أعمالها منهما، وتقول: «أشعر بالحنين إلى الماضي القريب... إلى سنواتي الأولى التي عشتها في هذه القطعة الرائعة والآمنة من الأرض التي اسمها دمشق وليس إلى التاريخ بحد ذاته. وعندما أتحدث عن التاريخ الذي أستحضره في أعمالي، أعني به التاريخ الذي ينبغي أن يذكّرنا بهويتنا، التاريخ الذي نحن جزء منه وعلينا أن نعرفه»، وتضيف: «التاريخ بالنسبة لي بدأ مع السومريين الذين أنتجوا أجمل الفنون. تاريخهم يثير عندي أعمق المشاعر، ليس فحسب لأني أنتمي إلى تلك المنطقة من العالم، فأنا بطبيعة الحال وليدة العصر الحديث، والفنون الحديثة والمعاصرة هي جزء أساسي مني، لكن تلك الفنون هي التربة الأساسية التي يمكن للفن الحديث أن يضرب جذوره فيها».

تقول فتّال إن الإنسان، والفنان بشكل خاص، في سعي دائم لدراسة الماضي ومعرفة جذوره، «وأنا من منطقة غنية بهذا الماضي الذي تشهد عليه أماكن عديدة دأبت على زيارتها، مثل تدمر وجبيل وبعلبك وصور وجرش حيث ما زالت تدور حياتنا اليومية إلى الآن». وتبتسم السيدة التي تجاوزت الثمانين من عمرها وما زالت في حيوية لافتة حين تقول: «يهمني جداً الحفاظ على هذا التاريخ وتسليط الأضواء عليه. أنا أنتمي إلى منطقة اخترعت الأبجدية الأولى وأنتجت أول الفنون. الفن في ذلك الوقت كان له معنى وهدف، وأنا أريد أن يكون فني تعبيراً عن تلك المنطقة، وما عاشته، وكيف هي اليوم، حتى يتسنى للأجيال المقبلة أن تتعرف عليها».

وعن الصداقة المديدة التي ربطتها بالفنانة والشاعرة والكاتبة إيتيل عدنان تقول: «أولى ثمار تلك الصداقة كان التعاون في دار النشر (بوست أبولو برس)، وقد تأثرت كثيراً بنتاجها الشعري. أما بالنسبة للفن البصري، فثمة اختلاف كبير بيننا ولم تتأثر إحدانا بالأخرى».

تفاخر فتّال بمصادر إلهامها من معالم أثرية شاهدة على حضارات سحيقة، وتشعر بحزن عميق لما آلت إليه اليوم تلك المصادر، وتقول إن الفنون الحقيقية غالباً ما تولد خارج الأطر الرسمية، وهي التي تنقل الناظر إلى «مطارح تاريخية» تتحدث بلغات عديدة ولها معتقدات متعددة، لكنها موجودة الآن بيننا. ولعل هذا الالتصاق بالأرض والمواقع الأثرية هو الذي دفعها إلى اختيار مادة الصلصال لإنتاج أهم أعمالها التي تعرضها المؤسسة النمساوية، وهي على شكل رجال محاربين، وملائكة، وفاكهة، وأطعمة، وحيوانات تستحضر ذلك الفردوس الضائع بعد دمار المواقع التاريخية في حلب وتدمر وبعلبك وجبيل.