ما الذي يعنيه أن تكون أسود اللون في أميركا؟

دوكس يرى كتابه الجديد تتويجاً لرحلة روحية

دوكس مع أيقوناته
دوكس مع أيقوناته
TT

ما الذي يعنيه أن تكون أسود اللون في أميركا؟

دوكس مع أيقوناته
دوكس مع أيقوناته

عندما دخل مارك دوكس ديراً للأرثوذكس الشرقيين في تكساس عام 1987، خالجه اعتقاد بأنه ربما يمتهن العمل راهباً. وبعد مرور عام، أدرك أن ذلك لن يحدث، لكنه وجد شيئاً آخر داخل كنيسة الدير: صوراً ليسوع المسيح ومريم العذراء مرسومة على الطراز البيزنطي، ووجهاهما الهادئان محاطان بهالات ذهبية كبيرة. وقال: «كان الأمر أشبه برؤية جسدية».

وعليه، قرر دوكس في ذلك الوقت أن يصبح رسام أيقونات، لكن بوصفه رجلاً أسود نشأ في الستينات، صارع دوكس العنصرية التي عاشها داخل المجتمع والكنيسة - والآن، دخل في صراع جديد مع احتمال تشييده أيقونات ليسوع أبيض البشرة.

وعن ذلك، قال: «قلت لنفسي: أليس من الرائع أن تكون قادراً على التعبير عن هذه الروحانية، لكن مع التعامل في الوقت ذاته مع المآزق الوجودية لما يعنيه أن تكون أسود اللون في أميركا؟».

بعد مغادرة الدير، واصل دوكس الاضطلاع بذلك، وتولى بناء أيقونات لدارين فريدين للعبادة في سان فرانسيسكو: كنيسة سانت جون كولترين، التي يُعدّ قديسها أسطورة بعالم موسيقى الجاز، وكنيسة القديس غريغوريوس أسقف نيصص القريبة، التي تضم مجموعة القديسين الخاصة بها 90 شخصاً و4 حيوانات، جميعهم يرقصون معاً.

وغطى دوكس جدران كنيسة القديس غريغوريوس أسقف نيصص في سان فرانسيسكو، بصور العشرات من القديسين يرقصون معاً.

بوجه عام، تميل أعمال دوكس الكنسية نحو التوقير، وغالباً ما يصور أشخاصاً ببشرة داكنة بوصفهم شخصيات مقدسة، أو يصوِّر شخصيات مقدسة في صورة أشخاص داكني البشرة. وفي خضمّ بنائه لهذه الأعمال المقدسة لحساب الآخرين، كان دوكس يصوغ قصته العبثية الخاصة التي أثمرت كتاباً فنياً مصوراً بعنوان «ذي إن وورد أوف غود» (كلمة «زنجي» من الله).

صدر الكتاب المؤلف من 366 صفحة عن دار «فانتاغرافيكس» في 27 فبراير (شباط). ويتمحور حول شخصية تدعى سانت سامبو، وهو رجل داكن البشرة يرتدي قبعة مرتفعة وسلاسل، بينما يحمل وجهه ابتسامة مبالغاً فيها محددة باللون الأبيض، ما أثار بالأذهان صورة الشاعر المنشد المرتبطة بالقرون الوسطى. وفي الكتاب، يتحول سانت سامبو من مادة للسخرية إلى المخلص الحقيقي للشعب.

تضمنت القصة لوحات للسيدة مريم، في دور العمة جيميما، وكذلك صور أخرى للعذراء وطفلها يسوع المسيح بوجهين أسودين؛ ما شكل استفزازاً لكثيرين.

في هذا الصدد، قال دبليو غابرييل سيلاسي، أستاذ الدراسات الأفريقية في جامعة ولاية كاليفورنيا، نورثريدج: «يصور مارك بشكل كاريكاتيري فكرة الشاعر المنشد التي فُرضت على السود، بل وتبنوها، إلى جانب فكرة المسيح الأبيض».

وفي مقابلة معه، قال دوكس، 65 عاماً، إن كتابه الجديد يُعدّ أول كتاب لرسوم الأيقونات، ويمثل تتويجاً لرحلة روحية خاضها لأكثر من ثلاثة عقود. وأضاف: «إنه تحقيق للرؤيا الأصلية التي رأيتها في الكنيسة الأرثوذكسية الصغيرة داخل الدير».

جدير بالذكر أن دوكس، الأصغر بين ثلاثة أشقاء، وُلِد ونشأ في كولومبوس بأوهايو في عائلة فقيرة للغاية. وكان والده يعمل في وظيفة ثابتة بشركة كهرباء، بينما عملت والدته خادمة.

وعندما أشاد أحد معلمي المدارس الابتدائية بقراءة دوكس ذات يوم، قال الفنان إن والدته فرحت كثيراً، لأنها كانت أمّية. وبمرور الوقت، أصبح دوكس قارئاً متحمساً للكتب المصورة وكتب الخيال (كان كورت فونيغت كاتبه المفضل). وانضم لاحقاً إلى فرق الشطرنج والتنس في مدرسته الثانوية. يقول: «لقد كنت الطالب الذي يذاكر كثيراً، لكنني رغم كوني طالباً مجتهداً، كان يُحسَب لغضبي ألف حساب».

بعد المدرسة الثانوية، التحق دوكس بكلية كولومبوس للفنون والتصميم. وأثناء وجوده هناك، دعت امرأة دوكس لحضور كنيستها، التي كانت رائعة، لذلك قرر الذهاب بالفعل. وهناك، سرعان ما وجد دوكس نفسه وجهاً لوجه أمام يسوع «هذا الكائن الغامض المحب»، كما قال. وبعد ذلك، قرر ترك مدرسة الفنون إلى الأبد.

يقول: «لقد خرجت في رحلة بحث»، واصفاً حالة من البحث الروحي المستمر عايشها، توقف خلالها عند محطات الهندوسية وحركة «هاري كريشنا»، من أجل أن يعاود معايشة هذا الشعور بالحب الشامل الذي اختبره للمرة الأولى داخل مدرسة الفنون.

وفي وقت لم يكن لديه سوى 12 دولاراً في جيبه، توجه دوكس إلى كاليفورنيا، واستقر في النهاية في سان فرانسيسكو، حيث وجد نفسه يعيش في الشوارع ويساعد في مطبخ للفقراء. رأى القس الذي يدير المكان أن دوكس ربما لديه مهمة أعلى من الحساء، وهذا السبب الذي جعل دوكس ينتهي به الأمر في دير تكساس، حيث تعلم كيفية نحت صور القديسين على سطح بيض الإوز.

عندما عاد إلى سان فرانسيسكو، زار دوكس، حاملاً البيضة في يده، كنيسة سانت جون كولترين. ولحسن الحظ، كان القس هناك يبحث عن شخص ليرسم أيقونات لعازف الساكسفون الشهير الذي تحمل الكنيسة اسمه.

وقال رئيس الأساقفة فرانزو كينغ، أحد مؤسسي الكنيسة: «في أحد أيام الأحد، ظهر هذا الشاب ومعه بيضة إوز عليها أيقونة. فقلت: أخي. لقد كنا في انتظارك». وأضاف كينغ أن دوكس بدا عليه التردد، وظهر أنه غير واثق ما إذا كان كولترين «يستحق التبجيل». وأضاف: «لم يكن مارك عازف جاز، ولم يكن يعرف شيئاً عن كولترين». في النهاية، جاء دوكس وربط بحثه عن إله الحب مع فكرة كولترين المثالية عن «الحب الأسمى»، عنوان ألبومه الموسيقي الشهير الصادر عام 1965.

في أيقوناته، عمد دوكس إلى تصوير كولترين في ثياب بيضاء متدلية، ورأسه محاط بهالة ذهبية، ولهيب إلهي مشتعل داخل ساكسفون عازف الجاز. وحتى الآن، تُعدّ هذه الصور من بين أعمال دوكس الأكثر شهرة، وظهرت على صفحات مجلة «ذي نيويوركر» و«تي: ذي نيويورك تايمز ستايل مغازين».

وعكف دوكس على الرسم في سقيفة تخزين غير مستخدَمة، على أرض ما أصبح فيما بعد كنيسة القديس غريغوريوس النيصي. وسمح دونالد شيل، المؤسس المشارك لكنيسة سانت غريغوري، لدوكس بالعمل هناك في الأوقات التي لم يكن الفنان فيها متطوعاً في مطبخ إعداد الحساء.

عام 1998، وبمجرد الانتهاء من بناء كنيسة القديس غريغوريوس، تواصل مسؤولون مع دوكس بشأن خطة لملء الكنيسة بأيقونات القديسين الراقصين. وقال أحدهم: «قال مارك، وأنا هنا أقتبس نص كلامه: (أعتقد أنني أحمل رسالة للاضطلاع بهذا العمل)».

ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2008، رسم دوكس عدداً أكبر من الصور المستوحاة من واقع الحياة لـ«القديسين» المحبوبين، ومن بينهم سيزار شافيز، وسوجورنر تروث، وآن فرانك؛ وشكلت صورهم الراقصة دائرة حول القاعة المستديرة للكنيسة.

رؤية السود على أنهم بشر أمر مدمر للعقل الأميركي لأنه عليك أن تقول: «ماذا فعلنا؟ كيف تعاملنا معكم؟ ولا يوجد كثير من الأشخاص يريدون التحدث عن ذلك»

وفي الأوقات التي أوقفت فيها الكنيسة العمل لجمع الأموال لمرحلتها التالية، عمل دوكس بمجال توريد قطع غيار السيارات لشركات مختلفة.

عام 2009، التقى دوكس بكيري جيمس مارشال، الرسام والنحات الشهير، في أثناء محاضرة كان مارشال يلقيها داخل متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث. وأثمر الاجتماع سلسلة من التوجيهات تلقاها دوكس على مدار 4 أشهر، وينسب إليها الفضل في مساعدته على تطوير النهج البصري الذي يطلق عليه «بيزادا»، وهو مزيج من الصور البيزنطية وعناصر ساخرة مستوحاة من حركة الدادية الفنية.

ومنذ ذلك الحين، ظهرت أعمال دوكس في فيلم وثائقي عام 2021 («سانت كولترين: الكنيسة المبنية على الحب الأسمى» على قناة «إن بي آر»). كما جرى تحليل أعماله في دراسات أكاديمية.

كما ظهرت أعمال دوكس الفنية على الملصقات واللافتات في الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة. (لوحة «سيدة فيرغسون» التي تتخيل مريم العذراء السوداء في مرمى البندقية، ويداها مرفوعتان ليس في وضع الدعاء، وإنما الاستسلام) معروضة في الوقت الحاضر بكاتدرائية القديس يوحنا في نيويورك.

أما فيما يخص الكتاب الجديد: «كلمة (زنجي) من الله»، فإنه عبارة عن مجموعة من أعظم أعمال دوكس. ومع ذلك، فإن موضوعاتها وصورها الاستفزازية شكلت تحدياً حتى للأصدقاء والحلفاء.

من جهته، يعترف دوكس بأن عمله قد يكون صعباً. ويقول إن رؤية السود على أنهم «بشر أمر مدمر للعقل الأميركي، لأنه عليك أن تقول: ماذا فعلنا؟ كيف تعاملنا معكم؟ ولم أرَ كثيراً من الأشخاص يريدون التحدث عن ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»



قصة كلب فيلسوف وحيد

كافكا
كافكا
TT

قصة كلب فيلسوف وحيد

كافكا
كافكا

بحلول الوقت الذي توفي فيه الروائي التشيكي فرانز كافكا في عام 1924 عن عمر يناهز الـ40 عاماً، كان صاغ ثلاث روايات (المحاكمة، والقلعة، وأمريكا) لكنه لم ينته أو ينشر أياً منها في حياته، باستثناء بعض المقتطفات. وقبلها كان نشر رواية وجيزة وعدداً من القصص القصيرة قبل أن يعهد بكل كتاباته التي لم يتخلّص منها إلى صديقه وناشره ماكس برود كي يتولى حرقها في حال وفاته. على أن برود لم ينفّذ الوصيّة، وبعد بعض التدخلات التحريريّة نشر الروايات الثلاث التي أسست لاحقاً - لا سيّما بداية من فترة الستينيات - لسمعة كافكا واحداً من أهم روائيي القرن العشرين على الإطلاق، وأيقونة ثقافيّة عابرة للغات لدرجة أن أكثر القراء التهموا حتى كتاباته الشخصيّة كاليوميات والرسائل والملاحظات غير منشورة، وتناقلوا عنه مقاطع غامضة وزلات لسان، بل ونشر أحدهم مجموعة مختارة من المستندات التي كان يملؤها كافكا في إطار وظيفته اليومية ككاتب لدى هيئة التأمين ضد حوادث العمال.

غلبت على الأعمال التي تركها كافكا ثيمة النقد اللاذع للمؤسسات القانونيّة والبيروقراطيّة التي أنتجتها مرحلة الحداثة، والتنديد بأهوال الأنظمة الإدارية التي تأخذ حياة مستقلة عابرة للأشخاص وتصبح عصيّة على الاختراق بشكل غريب، لكن ثمة مساحة أخرى عُني بها، وإن لم تحظ بالانتشار، تعلّقت بنقد إنتاج المعرفة في الأكاديميا المعاصرة والتي لا تقل «كافكاويّة» في تصنيفاتها ونظم تقييماتها وترقياتها وتراتبياتها وأولوياتها التي يحرّكها السوق عن أي منظومة حداثيّة أخرى.

مقاربة كافكا لعالم إنتاج المعرفة جاءت في نص «أبحاث كلب»، أحد أقل أعماله شهرة، وأكثرها غموضاً، كان كتبه في خريف عام 1922، لكنّه تركه بلا عنوان، ولم ينشر إلا بعد وفاته، بتحرير صديقه برود، الذي جمع عدة كتابات قصيرة ونشرها في مجلد عام 1931 مضيفاً هذا العنوان لذلك النص ليربطه بـ«الأبحاث» الأكاديميّة.

«أبحاث» هي قصة ساخرة فلسفية عميقة لكلب وحيد غير قادر على التكيف مع محيطه ويتحدى العقيدة العلمية السائدة، فينطلق في رحلة بحث سعياً لفهم أفضل لذاته وللعالم من حوله، تأخذه إلى سلسلة من المغامرات النظرّية، تبدأ من استقراء لفضوله وغرائزه الاستقصائية قبل أن ينتقل إلى اللغز الرئيس للوجود معبراً عنه بسؤال «من أين يأتي الطعام؟».

ويبتكر الكلب المتفلسف في سياق بحثه عن إجابات عدداً من التجارب، ويطرح سيلاً لا يتوقف من الأسئلة دون أن يتلق أي إجابات، ثم يصف العقبة التي يصطدم بها عند محاولته استمالة زملاء للانضمام إليه في أبحاثه: الصمت والتخلّي، فكأن لا أحد يرغب بمعرفة الحقيقة. وفي وقت لاحق يطلق مبادرة جذريّة من أجل كشف أسرار التغذية، فيصوم، لكن ذلك كاد يقضي عليه، إذ شارف على الموت جوعاً. وتختتم القصة بتلخيص الاكتشافات الفلسفية للكلب، والتي يمكن تسميتها، «نظام العلوم»، وهو هيكل ذروته علم الحرية - التي ستكون الكلمة الأخيرة في القصة. أثار «أبحاث كلب» اهتمام آرون شوستر، أحد أهم الباحثين المعاصرين في الأنثروبولوجيا الثقافيّة والفلسفيّة القاريّة (الأوروبيّة) الذي رأى فيه تفكيراً رائداً سبق نقد المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان لما أسماه «الخطاب الجامعي» الذي لم يتعلق بسوء إدارة الجامعة الحديثة بقدر ما يتعلق بتسليط الضوء على التحول الواسع في هيكلة السلطة بالمجتمعات المعاصرة، حيث تتحد المعرفة والسلطة لإنشاء أنظمة إدارية تكرّس أوضاعاً معينة تعمل باسم العقل والتقدم التقني. وهنا دور كافكا الرؤيوي، مشككاً في هذا النظام الجديد، ومنقباً عن الجانب الخفيّ من حياده (العلميّ) المفترض، مع اقتراح طرائق أخرى بديلة للتفكير، وربما مخارج.

شوستر قدّم قراءته لـ«أبحاث كلب» في كتاب صدر بالإنجليزيّة حديثاً عن مطبعة «معهد ماساشوستس للتكنولوجيا» بعنوان «كيف تبحث ككلب: علم كافكا الجديد»، معتبراً هذا النصّ القصير لم يحظ بالاهتمام الذي يستحق، وأنّه لا يزال أكثرها غموضاً، ويتعيّن العمل على إعادة استكشافه وتفكيك ألغازه.

ويرى شوستر أن مفتاح النّص قد يكمن في كمّ السخريّة الهائل الذي تحمله «أبحاث كلب» مقارنة بمجمل تراث كافكا الأدبيّ كلّه، ما يجعلها في القراءة الأولى أشبه بنكتة متفلسفة طويلة غايتها الترفيه الفكري المحض. لكن معرفتنا بكافكا، كناقد عميق لمؤسسات الحداثة، تدفع للتساؤل عمّا إذا كانت قصته بمثابة هجاء لحماقات الفلسفة والمتفلسفين في أبراج عاجيّة، وشتيمة لفذلكات التكهنات الميتافيزيقية.

يأخذ شوستر القراءة تالياً إلى ما يشبه الصدمة: حيث لا نرى البشر في عالم الكلب الفيلسوف، لكنّهم أسياد الكون غير المرئيين، وهذه الفجوة الهائلة في الإدراك بين الظاهر ومن يقود العالم هي ما يفسّر للقارئ جميع أنواع المآزق المضحكة والمشاكل الزائفة التي يغرق فيها بطل القصة وراويها، الذي يقول «لقد عمدت مؤخراً أكثر فأكثر إلى النظر في حياتي بحثاً عن الخطأ الحاسم والأساسي الذي يجب أن أكون قد ارتكبته في وقت ما بالتأكيد، ولا يمكنني العثور عليه». إن هذا العمى عن القوة المهيمنة في العالم هو الخلل الأساسي الذي تتحرّاه «الأبحاث».

يقول شوستر إن الهيمنة تبدو في قصّة الكلب المتفلسف أكثر تعقيداً وغير مرئيّة، إذ بعكس «المحاكمة» و«القلعة» تنسحب السلطة المركزيّة إلى درجة تلاشيها من الرؤية تماماً لكن دورها مستمر على مستوى آخر من خلال عملية صناعة المعرفة التي تنتج العقائد والأفكار، لكّن ذلك يجعل السعي إلى الحرية أكثر إلحاحاً، وهو أمر يجعل من الحياة أقرب إلى حالة انتحار فاشلة مستمرة، فيما هذا الفشل تحديداً هو أدق تعبير عن الإيجابية والحياة.

إن «أبحاث كلب» التي كتبت في وقت متأخر من حياة مؤلفها، قد تكون وفق ما يذهب إليه شوستر في قراءته أفضل مدخل لفهم أعمال كافكا الأخرى كلها، ومفتاحاً لكسر مغاليق شخصياته شديدة التعقيد، بل ربما لمقدمة لا بدّ منها لفهم عقل كافكا نفسه.