«المهرجان اللبناني للكتاب» ينطلق الخميس متحدياً الأزمة المالية ومخاطر تمدّد الحرب

خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
TT

«المهرجان اللبناني للكتاب» ينطلق الخميس متحدياً الأزمة المالية ومخاطر تمدّد الحرب

خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)

ينطلق «المهرجان اللبناني للكتاب»، في دورته اﻟ41، الخميس المقبل 29 فبراير (شباط) 2024 في بلدة أنطلياس اللبنانية، ويستمرّ حتى 10 مارس (آذار). عام جديد تنظّم فيه «الحركة الثقافية - أنطلياس» معرضها الوطني السنوي، متحدية الظروف الاقتصادية الصعبة التي ما زال يعانيها لبنان ومخاطر تمدد الحرب الدائرة في جنوب البلاد.

يُفتتح المهرجان عند الساعة الرابعة بعد ظهر الخميس المقبل بتوقيت بيروت. ويفتح المعرض أبوابه كل يوم من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء ويستمر 11 يوماً. ويحتوي المهرجان على 3 محاور؛ «معرض (بيع) الكتب، وتكريم الشخصيات الثقافية، وتواقيع كتب صادرة حديثاً».

يتوقّع الدكتور عصام خليفة، أمين إعلام المهرجان، في حديثه ﻟ«الشرق الأوسط»، أن تكون دورة هذا العام واعدة، ويتحدّث عن أهمية استمرار تنظيم المناسبة الثقافية الوطنية في ظل الظروف الحالية، قائلاً:

«من خلال استمرارنا بالمهرجان السنوي والتكريم رغم المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، نحن نواجه مشروع انهيار الدولة اللبنانية والأزمة المالية، ونواجه الجريمة المنظّمة التي تواجهنا، ونظام الحرب الذي ما زال قائماً ضدنا، ونقف بوجه القمع. نقاوم كل هذا الوضع بالثقافة. هذه هي الرسالة التي نقدّمها».

صورة الدعوة للمشاركة ﺑ«المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (الحركة الثقافية - أنطلياس)

تشجيعاً للشباب على القراءة

في الجانب الخاص ببيع الكتب، تشارك دور نشر مختلفة بالمهرجان، وتبيع الكتب مع خصم بنسبة 30 في المائة. وفي المهرجان أيضاً معرض كتب للأطفال. ووفق د. عصام خليفة، «أقنعت الحركة الثقافية كثيراً من دور النشر بأن تنظم بازاراً بأسعار شبه مجانية لكتب تريد الدور تصريفها. نجحت تجربة البازار السنة الماضية، لذا سنعمل بازاراً هذه السنة أيضاً. عدد كبير من كتب البازار يبلغ سعره دولاراً واحداً فقط».

ويضيف خليفة: «يهم المهرجان من خلال هذه الحسومات أن يعيد التواصل بعد القطيعة بين الشباب والكتاب بفعل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي».

لا تقبل الحركة الثقافية مساعدات مالية من أي جهة، وتعتمد في تمويلها على الإيجارات التي تدفعها لها دور النشر لحجز مساحات لها في المعرض السنوي. هذه الإيجارات تؤمّن للحركة استقلاليتها، بحسب خليفة.

وتحدّث خليفة عن الصعوبات التي واجهها المهرجان اللبناني للكتاب في السنوات الأخيرة نتيجة جائحة «كورونا» (بدءاً من عام 2020)، التي تزامنت تقريباً مع الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان، وأشار إلى أنّ الجائحة أوقفت المهرجان السنوي سابقاً لعام ونصف عام. يقول: «السنة الأولى لـ(كورونا) بدأت بمهرجان الكتاب، لكن جاءت آنذاك الأوامر الحكومية بالإغلاق بسبب الوضع الصحي نتيجة الجائحة، فأغلقنا المعرض في منتصفه. السنة الماضية عدنا لتنظيم مهرجان الكتاب، وكانت العودة مشجعة. السنة تجربتنا أوسع. المساحة المتاحة للعرض أكبر».

ندوات تناقش القضايا الوطنية

بموازاة معرض الكتب، تنظّم الحركة الثقافية أنشطة كثيرة. تُقام ندوات وحفلات تكريم لأعلام الثقافة.

وكمثال عن الندوات التي تُقام في مهرجان الكتاب لهذا العام، يعطي خليفة مثالاً الندوة الأولى في المهرجان، وذلك يوم الافتتاح الخميس 29 فبراير، بعنوان «مراجع الشيعة وقضايا الوطن الجامعة» (الساعة السادسة مساء). يقول خليفة عن الندوة: «تشارك فيها شخصيات شيعية لبنانية بارزة، ستتحدّث عن الأفكار التي تستقطب الطائفة الشيعية اللبنانية في إطار الوطن اللبناني، وليس الخروج عليه بمشاريع (إقليمية) معروفة الخلفيّة».

الدكتور عصام خليفة الأمين السابق للحركة الثقافية وأمين الإعلام في الدورة الحالية ﻟ«المهرجان اللبناني للكتاب» (متداولة)

من أبرز اللقاءات أيضاً، ندوة بعنوان «لبنان بين النزوح واللجوء، والمخاطر الكيانية والسياسات الوقائية»، تُقام الخميس 7 مارس الساعة الرابعة بعد الظهر بتوقيت بيروت، وندوة أخرى بعنوان «حرب غزة وانعكاساتها على لبنان» الجمعة 8 مارس الساعة الرابعة بعد الظهر، وندوة حول كتاب السفير الأميركي السابق في لبنان دايفيد هيل، الذي صدر بعنوان «الدبلوماسية الأميركية تجاه لبنان 1943 – 2023». ويشارك في تنظيم هذه الندوات خبراء وأكاديميون وسياسيون وإعلاميون.

يقول خليفة عن الندوات التي ينظّمها المهرجان: «ننظّم ندوات حول قضايا الوطن، نستقبل فيها أطرافاً من جهات متنوّعة ليتناقشوا ويتحاوروا على أساس أنّ العنف لا يؤدّي إلى حلّ. أجرينا حواراً بين الأطراف المختلفة خلال الحرب. وعندما كانت الطرق مقفلة آنذاك، كنا نذهب إلى غرب العاصمة بيروت، ونأتي بشخصيات من بيروت الغربية للمشاركة في النشاطات الثقافية، كانوا يمرّون على الحواجز، وكنا نجري حواراً بين كلّ الطوائف. وأجرينا نشاط الهيئات الثقافية في كلّ المناطق اللبنانية، في (تجمّع الهيئات الثقافية)، وقدّمنا مذكّرات، ما أثار ريبة الوصاية السورية على لبنان التي نظرت بتخوّف إلى تحرّكاتنا».

تكريم 8 من أعلام الثقافة

يشارك 78 شخصاً في تكريم 8 من أعلام الثقافة لهذا العام، ويلقي المشاركون كلمات أو شهادات بالمكرّمين.

التكريم، بحسب خليفة، هو للذين أعطوا حياتهم للثقافة: «نقدّم لهم تحية بالمهرجان. المكرّمون لبنانيون من اختصاصات متعددة؛ علمية، تاريخية، أدبية، فنّيّة، موسيقية... إلخ. ونحرص دائماً على تحقيق توازن طائفي بين المسلمين والمسيحيين في عدد الشخصيات المكرّمة في المهرجان».

المكرّمون لهذا العام هم:

أنطوان سيف (مواليد 1944). هو من مؤسسي الحركة الثقافية. أستاذ فلسفة في الجامعة اللبنانية. كان أميناً عاماً وأمين نشاطات في الحركة الثقافية. ألّف ما يقارب 70 كتاباً، وترجم كتباً كثيرة فلسفية وأبحاثاً موسّعة ومقالات، عددها يزيد على مائتين. شارك في أكثر من 120 مؤتمراً وندوة في لبنان والخارج.

لمياء المبيّض بساط (مواليد 1967). بدأت حياتها المهنية لدى مؤسسات مهنية خاصة، ثم مديرة برامج لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا. في عام 2000، سمّتها وزارة المالية الفرنسية لتكون المديرة الوطنية للمعهد المالي والجمركي من الجانب الفرنسي. انتُخبت عام 2016 عضواً في مجلس إدارة الرابطة الدولية لمدارس ومعاهد الإدارة. ساهمت في إصلاح الموازنة العامة اللبنانية وشفافيتها. عززت مركز توثيق المكتبة المالية، ونشرت مجلة متخصصة في شؤون إدارة المال، وأشرفت على إنتاج كثير من الأوراق البحثية والتقارير الدورية.

خطّار أبو دياب (مواليد 1956). إعلامي لبناني في باريس. ينشط في راديو «مونتي كارلو»، وقناة «فرانس 24». كاتب بارز في مجلّة «المجلّة»، وله مؤلّفات كثيرة. صاحب شجاعة في عرض مواقفه. يقول عنه عصام خليفة: «لديه من فروسية أهل الجبل (اللبناني)».

الدكتور أنطوان سيف من الشخصيات الثقافية التي يكرّمها «المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (متداولة)

دياب يونس (مواليد 1943). رجل قانون ولغة وعمق وأناقة في الأدب والخطابة. كان مناضلاً طليعياً في الوسط الطلابي حيث تولى رئاسة رابطة الطلاب في كلية التربية بالجامعة اللبنانية سنة 1967. وتسلّم مهمات حساسة في الإدارة العامة. تميّز يونس كقائد شعبي بين الطلاب.

ربيعة أبي فاضل (مواليد 1950). أديب وناقد وأستاذ جامعي. صاحب ضمير مهني. حرص على الحفاظ على المستوى الأكاديمي المرموق في الجامعة. كتب في الصحافة الأدبية والنقد الأدبي، والقصة والشعر والتراث، والأدب الروحي والوجداني.

رفعت طربية (مواليد 1948). أحد أبرز الممثلين اللبنانيين. لعب دور بطولة في عدد كبير من المسرحيات. شارك بأنواع كثيرة من المسرح، وتميّز بأدائه. ورغم أنه لم يدرس المسرح، فإنه تميّز فيه عن طريق الممارسة. تتلمذ على يد منير أبو دبس وكبار المخرجين في فرنسا.

محمد جواد خليفة (مواليد 1961). طبيب، وشغل أيضاً منصب وزير صحة. أستاذ في الجامعة الأميركية، وهو أول من أجرى عملية زرع كبد في منطقة الشرق الأوسط. لديه أبحاث كثيرة. يقول عنه خليفة: «عندما تولى الوزارة، حاول محمد جواد خليفة أن يعمل ضماناً صحياً وعمل مكننة، وحاول ترخيص الدواء، لكنه أُقيل من قبل مرجعيات سياسية».

شربل روحانا (مواليد 1965). أستاذ ماهر على العود. نظم مهرجانات ومسابقات دولية، وحفلات موسيقية وندوات. عُني بمنهج لتجديد تعليم العزف على العود. اعتُمد منهجه بمعظم معاهد الموسيقى في لبنان. كون شربل روحانا من بلدة عمشيت اللبنانية، في قضاء جبيل بمحافظة جبل لبنان، يأتي تكريمه أيضاً تكريماً للبلدة، بما فيها من كفاءات وطاقات.

120 إصداراً جديداً

يشهد المهرجان سنوياً تواقيع كتب جديدة. يستقبل المعرض هذا العام تواقيع ﻟ120 كتاباً جديداً، صادرة باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية. وتتنوّع أنواع الكتب الموقّعة لتشمل المواضيع السياسية والتاريخية والعلمية والأدبية.

يتم توقيع الكتب يومياً من الساعة الثالثة بعد الظهر (بتوقيت بيروت) حتى الساعة التاسعة طوال أيام المعرض، بمعدّل توقيع كتاب كلّ ساعتين. ومن المتوقّع أن يستقطب مجموع التواقيع هذه السنة، كالعادة، آلاف الزوار للمهرجان من الذين يزورون المعرض لشراء الكتب الصادرة.

ويوقّع الدكتور عصام خليفة كتابه الجمعة في 8 مارس من الساعة 5 إلى الساعة 9 مساء (توقيت بيروت)، وعنوانه «أبحاث في تاريخ لبنان وجواره في الفترة الحديثة والمعاصرة».

إصدارات خاصة بالمهرجان

تصدر الحركة الثقافية بين 3 و4 كتب سنوياً عن «المهرجان اللبناني للكتاب» وتوزّعها مجاناً. وتصدر كتاباً ضخماً عن المهرجان السنوي، وكتاباً خاصاً بالندوات السنوية التي تنظمها الحركة، وكتاب أعلام الثقافة، وهو الكتاب الذي تخصصه الحركة الثقافية للتعريف بالشخصيات التي تكرّمها في المهرجان السنوي، يتضمّن الكلمات التي قيلت في تكريم هذه الشخصيات.

وطبعت الحركة أجزاء ضخمة خاصة بأعلام الثقافة الذين كرّمتهم، ولا تزال تستكمل عملية الطبع، رغم المشكلة المالية. يقول خليفة عن هذه المسألة: «نطبع حسب توفّر الإمكانات. هذه الكتب توزّع مجاناً على زوّار المعرض وعلى كل من يحب القراءة ويطلب هذه الكتب. الحركة الثقافية هيئة لا تبغى الربح».

جانب من برنامج «المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (الحركة الثقافية - أنطلياس)

الثقافة في مواجهة العنف

انطلق «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 1980 خلال الحرب التي شهدها لبنان. يتحدّث خليفة عن دوافع انطلاق الحدث الثقافي السنوي: «كان الشباب اللبناني آنذاك من كل المناطق ومن مختلف الطوائف منشغلاً بالسلاح. لذا هدفنا أن نوجّه الشباب نحو المعرفة لا نحو السلاح. فالمعرفة هي القوة لا السلاح. نهدف للتخفيف من عنف الشباب. نحن مع السلم الأهلي، والوحدة الوطنية بين اللبنانيين. ينسجم المعرض مع هدفنا وميثاقنا، لأننا مع التغيير في الثقافة ومن خلال الثقافة. من خلال الثقافة نغيّر المجتمع، وجوهر الثقافة لا نبقيه نمطاً تقليدياً بل متجدداً علمانياً ديمقراطياً».

«هكذا وُلد المهرجان اللبناني للكتاب. لا يقتصر المهرجان على بيع الكتب، لنحبّب الشباب بالمعرفة، لكن أيضاً تكريماً لأعلام الثقافة بداية في لبنان ثم أيضاً في العالم العربي»، وفق خليفة.

مشروع اعتدال بوجه التطرّف

ينظر المجتمع اللبناني بمختلف طوائفه إلى مهرجان الكتاب باحترام، إذ يوضح خليفة أن ذلك يعود إلى أن المعرض كان يعكس في الحرب وجهة النظر المعتدلة بين الأطراف.

يقول خليفة في هذا الإطار: «نحن واجهنا كل الأطراف المتشنّجة والمتعصّبة بغضّ النظر عن انتماءاتها. كان مقترحنا وطنياً، يجمع بين استقلال لبنان وسيادته من جهة، والانفتاح على العالم العربي من موقع السيادة والاستقلال، والالتزام بالقضية الفلسطينية والعدالة للشعب الفلسطيني في أن تكون له دولته، ولكن ليس على حساب الشعب اللبناني، وضد أن يعمل الفلسطينيون قتلاً واستيطاناً في لبنان».

ويضيف خليفة: «توجُّه حركتنا الثقافية هو التحالف مع العالم العربي، ولكن ضمن سيادة الدولة اللبنانية واستقلالها. لذا تعاطفت معنا كل الفئات اللبنانية. اعتبرتنا الفئات التي لم تدخل في الحرب والأحزاب أننا سند لها. فحركتنا لم تكن لها أهداف سياسية مباشرة، بل سياستنا وطنية عليا، للدفاع عن حقوق الإنسان اللبناني والعربي».


مقالات ذات صلة

التشكيلي المصري كلاي قاسم يُذكّر بالأحلام الضائعة

يوميات الشرق شخوصه تعدّ أشكالاً أكثر قرباً للمجسمات التي تتحرك في فضاء المسطح (الشرق الأوسط)

التشكيلي المصري كلاي قاسم يُذكّر بالأحلام الضائعة

المعرض الذي يحمل عنوان «رسائل مؤجلة» تدور فكرته حول قضية إنسانية شائكة، تعكس الأحلام الضائعة.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق الفرح والسعادة والألوان المبهجة غلبت على اللوحات (الشرق الأوسط)

«الغريزة والتاريخ» معرض قاهري يدعم البدينات

بين صخب وهمس، حزن ومرح، جدٍّ وتهكم، تتحرك المرأة باحثة عن ملاذ آمن يحميها من تقلبات الزمن.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق أعمال المعرض تعكس الحياة في الأحياء الشعبية (الشرق الأوسط)

«إبداعات متقاطعة»... محاولة لاستدعاء ونس الأماكن ودفء البيوت

ما بين ونس الأماكن العتيقة، ودفء البيوت، وصنوف الفن المتنوعة، يطرح المعرض الجماعي «إبداعات متقاطعة» حالةً فنيةً تتداخل فيها الأفكار والمشاعر والانطباعات.

حمدي عابدين (القاهرة )
ثقافة وفنون جانب من الدورة السابقة التي حملت اسم فلسطين

انطلاق فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب

يتضمن برنامج المعرض أيضاً جلسات فكرية وثقافية عديدة يساهم فيها مثقفون وكتاب من العراق والبلدان العربية الأخرى

علاء المفرجي (بغداد)
يوميات الشرق أحدث لوحات زنتوت عن مدينة بيروت «سيعود بريقها» (راوية زنتوت)

راوية زنتوت تنفصل بريشتها عن لبنان الحرب

لم تنسَ راوية زنتوت أن تخصص لأرزة لبنان لوحةً خاصةً بها، وتحت عنوان «رمز الصمود» رسمتها خضراء على خلفية سماء زرقاء صافية.

فيفيان حداد (بيروت)

أبطال في قبضة واقع مأساوي وأحلام كابوسية

أبطال في قبضة واقع مأساوي وأحلام كابوسية
TT

أبطال في قبضة واقع مأساوي وأحلام كابوسية

أبطال في قبضة واقع مأساوي وأحلام كابوسية

في مجموعته القصصية «العاقرات يُنجبن أحياناً»، يُجري الكاتب المصري أحمد إيمان زكريا مفاوضات ضمنية بين المُمكن والمستحيل بما يُشبه لعبة الشدّ والجذب، التي تعكس تخبطات أبطاله اليائسة بين الأحلام والهزائم.

صدرت المجموعة أخيراً عن دار «المرايا» للنشر بالقاهرة، ويبدو أبطالها في نزاع مُستمر مع واقع مجهول يعيشون مُدجنين تحت مظلته، رغم تجاهلهم إحباطاته، وتفانيهم في يوميات لقمة العيش، لكن مارد هذا الواقع يظل يُلاحقهم، ويفرض عليهم كوابيسه وكوارثه، كما فعل مع بطل قصة «سعد الساعاتي» المهووس بعالَمه المُسالِم في إصلاح الساعات. ويبدو استعداده للزواج هو الحدث المركزي الجديد في حياته، إلا أن انهيار سقف توقعاته من السعادة المرجوّة من هذا الزواج يكون أكثر قسوة من وقع «الزلزال» الذي ضرب البلاد بالتزامن مع عُرسه الجديد، فيتحوّل من «جرّاح يُعالج التروس» يتحرك عالمه مثل دقة ساعات «السايكو» و«الرولكس»، إلى عالم عبثي وفوضوي تبدو فيه مانشيتات الصحف، وتحركات الحكومة من أجل تعقب ضحايا الزلزال هي صاحبة الكلمة العليا في حياته، رغم محاولاته الطويلة تجاهل هذا العالم وأبواقه غرقاً في عالم ساعاته وتروسها.

أحداث مركزية

يجعل الكاتب من الأحداث التي تُمثل محطات مفصلية في التاريخ المصري، مثل زلزال أكتوبر (تشرين الأول) عام 1992، وأحداث الأمن المركزي التي وقعت في فترة الثمانينات بمصر، يجعلها بمثابة أرضية زمنية تؤطّر عالم قصصه وتمنحها كثيراً من شُحناتها المتوترة لتتفاعل مع التحديات الشخصية لأبطالها، فبطلة قصة «العاقرات يُنجبن أحياناً» تفشل في الاتصال بزوجها المسافر خارج مصر بعد قطعها مسافة طويلة إلى «السنترال» لإجراء مكالمة دولية له، وذلك بسبب حظر التجوال الذي بدأ يُفرض في البلاد بسبب ما بات يُعرف بأحداث تمرد الأمن المركزي، ورغم الهرج والمرج الذي بات يسود الشوارع في هذا الوقت كانت «أمينة في وسط كل هذا لا تُفكر سوى في أهمية المكالمة التي قد تُغيّر حياتها، وجاءت هذه الأحداث المُفاجئة لتؤجل انتظارها أكثر».

يُصعّد هذا التقاطع بين الحدثين العام والشخصي لبطلة القصة أمينة كثيراً من التوتر الذي يتصاعد بمأساوية تعصف بها من النقيض إلى النقيض؛ ومن قمة الرجاء إلى فرط اليأس، لتبدو خطوات البطلة «العاقرة» الملهوفة على الإنجاب والاحتفاظ برضا الزوج وأسرته، وكأنها تركض بها صوب الهاوية، في حين يبدو الموت، الذي يُخيّم على الأجواء، وتعميم مناطق حظر التجوال الذي يذيع أخباره الراديو، وكأنه يشوّش على صوتها ونزاعها الأخير مع أمل لحظة ولادة جنين.

ويمنح الكاتب وسائل الإعلام التقليدية؛ من نشرات أخبار الراديو وأغنياته، والصحف المطبوعة وعناوينها، حضوراً سردياً في متن نصوصه القصصية بشكل لافت، فلا يبدو ظهورها هامشياً بقدر ما تشتبك بوعي مع أصوات أبطال القصص ومساراتهم، كما تبدو مجازاً للمسافة التي تفصل بينهم وبين السُّلطة، فكما يظهر هروب بعضهم من تلك الوسائل وعدم تصديقهم إياها، يبدو هناك من يلوذون بها بوصفها بوصلة وحيدة لهم على الطريق.

يبدو أبطال هذه المجموعة في نزاع مستمر مع واقع مجهول يعيشون مُدجنين تحت مظلته، رغم تجاهلهم إحباطاته وتفانيهم في يوميات لقمة العيش.

رعب نفسي

يُجرّد الكاتب بعض القصص من السياق الزمني التقليدي، فيُغلق جدران البيوت على بعض أبطال قصصه، ليبتلعهم الوقت وهم يواجهون علاقات كابوسية مع شركاء بيوتهم، التي وصلت ذروتها في قصة «نار هادئة»، التي صاغ بها الكاتب توليفة من مشاعر الحب والكراهية والانتقام، مستعيراً «التركيبات الكيميائية»، و«الهوس بالمعادلات»، لبناء عالم تلك القصة، حيث تبدأ بصوت البطلة وهي تعترف بقتل زوجها، دون أدنى شعور بذنب، وتبدو البطلة التي لا تضع الحب ضمن حساباتها، تتصرّف بمنطق قاتلة محترفة، حتى بدا هذا المنطق من فرط قسوته وسيطرتها عليه، أقرب للكابوسية التي تُقارب قصص الرعب النفسي وتستدعي أفلام الجريمة، وتبدو السينما حاضرة في صيغة أخرى بالمجموعة، كما في قصة «عندما وجد توماس باتمان مقتولاً في إناء خزفي» فيما يشبه التناص مع عالم أبطال السينما الخارقين، فتبدأ القصة برسالة يكتبها توماس لصديقه يوصيه بمشاهدة فيلم «فارس الظلام» للمخرج الشهير كريستوفر نولان، ويخبره بأنه أحب باتمان أكثر مما أحب «الجوكر» في الفيلم، وتدور مفارقات القصة في فلك هؤلاء الأبطال الخارقين التي تتماسّ مع لحظات شخصية في حياة بطل القصة المأخوذ والمسحور تماماً بهذا العالم السينمائي الخرافي.

وتظهر العبثية في زمن آخر يستدعي أجواء الحكايات التراثية، وساحات الأسواق الشعبية القديمة، كما في قصة «ساحة ميمونة» التي تقود فيه «قردة» زمام الأمور فتستولي على انتباه المارة وهي تؤدي فقرات استعراضية وتتكلم، فتجلب لصاحبها «القرداتي» الحظ والدراهم، حتى ذاع صيت القردة المُتكلمة في أرجاء المدينة، ليكون ذلك سبباً في سلسلة من التحوّلات العبثية التي تقودها للمُلك والعرش وحُكم البلاد والعباد، في حين تجلب الفقر واللعنة لصاحبها بعدما تتركه، وهي قصة يجعلها الكاتب احتفاءً بالعجيب في سبره أغوار النفوس، وتقلبات الأقدار.