طقوس القرية المصرية في «لطائف الأقدار»

طقوس القرية المصرية في «لطائف الأقدار»
TT

طقوس القرية المصرية في «لطائف الأقدار»

طقوس القرية المصرية في «لطائف الأقدار»

عن دار «المعارف» للنشر والتوزيع بالقاهرة، صدرت رواية «لطائف الأقدار» للكاتب رمضان محمود، والتي تقع في 258 صفحة من القطع المتوسط، وترصد تحولات القرية المصرية في إقليم الدلتا وما انطوت عليه من صراعات ونماذج إنسانية قبل قرن من الزمان. ويستعيد العمل طقوس الحياة وأفراحها وأتراحها، ويتوقف بشكل خاص أمام تلاوة القرآن في السرادقات وتقاليد العرس والمعارك ضد اللصوص.

ويبدي المؤلف اهتماماً خاصاً بوصف الطبيعة وتحولاتها، ومعاناة البسطاء في مجتمع طبقي ينقسم الناس فيه إلى طبقة عليا وأخرى دنيا. ومع ذلك، نجد أن لطائف الأقدار قد أخذت بأيدي هؤلاء المستضعفين بعد أن أتقنوا العديد من المهن ومهروا فيها، كما تخرج أبناؤهم في المدارس والكتاتيب، ومن بينهم متميزون في ترتيل وتجويد القرآن الكريم بالإذاعة.

وتتضمن الرواية الكثير من فن الترتيل وإبداعاته المختلفة عبر مدارس عديدة متنوعة، كما تطرح التحديات التي تواجه قارئ القرآن في هذا السياق.

ويتنوع إنتاج المؤلف رمضان محمود ما بين الشعر والسرد، وله عدد من المؤلفات الأدبية اللافتة، أبرزها: «همس الكلمات الحب»، و«الحب الممنوع»، و«شياطين الإنس».

من أجواء الرواية نقرأ:

«الذي لا شك فيه أن تلاوة الشيخ عثمان أمام اللجنة كانت رائعة وشديدة الإتقان؛ ذلك أنها قد لاقت إعجاب واستحسان أعضائها، فلذلك طلبوا من الممتحن أن يقرأ مرة أخرى بتلاوة يختارها لنفسه، فقرأ الشيخ بعشر جديد بما فتح الله عليه من فيوضات أطربت اللجنة، وزادتهم حيرة في أمره. وعندها أثنى عليه الشيخ قمحاوي ثم أحاله إلى فضيلة الشيخ رزق ليبلو أخباره في علم التجويد والقراءات، فسأل الشيخ عثمان قبل أن يلتقط الأنفاس عن عدد قراءات القرآن الكريم ورواتها؟ فأجابه في غير تلعثم أو تأخير بأنها عشر قراءات يرويها عشرون راوياً، وجعل يعددها من قراءة الإمام (نافع المدني)، و(قالون) و(ورش)، إلى القراءة العاشرة وهي قراءة الإمام (حمزة الكوفي) و(خلف) و(خلاد)، فانهال عليه الشيخ رزق بالثناء والإطراء، ثم سأله عن الفرق بين القراءات العشر الصغرى والقراءات العشر الكبرى، وعن الفرق بين القراءة والرواية والطريق؟ وسأله أيضاً عن الفرق بين المد المتصل والمد المنفصل عند (ورش) و(حفص)؟ وعن تعريف المد العارض للسكون وأسبابه وأحكامه؟ فأجابه الشيخ عثمان عن كل هذه الأسئلة في إسهاب، فلم يجد أعضاء اللجنة بداً من إجازته، وبشروه بقبوله قارئاً في الإذاعة».


مقالات ذات صلة

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق البنايات تتداخل مع الرموز والأفكار والتاريخ في معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)

«وسط البلد»... معرض يُحاكي زحمة القاهرة وأحوال أهلها

تظل منطقة وسط البلد في القاهرة المكان الأكثر زخماً بتفاصيلها العمرانية ونماذجها البشرية، ما يظهر في أعمال فنانين تشبَّعوا بروح المكان، وأفاضوا في إعادة صياغته.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مقر كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان (إدارة الكلية)

منشآت على «نيل القاهرة» مهدَّدة بالإزالة بعد إلغاء حق الانتفاع

اتّسعت دائرة المنشآت الموجودة على «نيل القاهرة» المهدَّدة بالإزالة بعد أيام من إعلان بعض الفنانين عن مخطّط لإزالة «المسرح العائم» بجزيرة الروضة.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تابوت «إيدي» بأسيوط (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف حجرة دفن ابنة حاكم أسيوط خلال عصر سنوسرت الأول

اكتشفت البعثة الأثرية المصرية - الألمانية المشتركة بين جامعتَي سوهاج وبرلين، حجرة الدفن الخاصة بسيدة تدعى «إيدي» التي كانت الابنة الوحيدة لحاكم إقليم أسيوط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

يعتزم «الحوار الوطني» المصري، خلال الأيام المقبلة، مناقشة قضية الدعم الحكومي المقدم للمواطنين، في ضوء قرار الحكومة بإعادة هيكلته.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

القاهرة وأزمنتها الغابرة في سردية مفعمة بالشجن

القاهرة وأزمنتها الغابرة في سردية مفعمة بالشجن
TT

القاهرة وأزمنتها الغابرة في سردية مفعمة بالشجن

القاهرة وأزمنتها الغابرة في سردية مفعمة بالشجن

يتخذ الكاتب والقاص المصري هشام أصلان من عنوان مجموعته القصصية الجديدة «ثلاثة طوابق للمدينة»، الصادرة عن «دار الشروق» في مصر، مدخلاً لاستكشاف مُستويات الحياة، وأحلامها، في مِعمار سردي مُكثَّف يتكوَّن من خمس عشرة قصة قصيرة، ينطلق فيها الكاتب من وجهة مركزية -وهي «القاهرة، وأرواح العابرين»- التي يُهدي إليها مجموعته.

تكشف كل قصة في المجموعة القصصية شيئاً من تعقيدات المدينة، وصورتها الهاربة التي يبحث عنها السارِد بين ضواحيها وأزقتها التي تحتفظ بوجهها القديم المفعم بالشجن والحنين. وبرغم تنوُّع الحكايات، فإن الرُّواة تجمعهم آصرة خاصة مع المشي الذي يترك بصمته الحركية على إيقاع القَص، وتجعلنا أمام سرد مُترجل، يعتني بترسيم المكان واتجاهاته ومُفترقاته، ليبدو الرُّوَاة وكأنهم يتلقون العالم عبر وقع خطواتهم على الأرض، بينما يصبح المشي بطلاً يتشكَّل تدريجياً ويتنوع بخطوات الرُّوَاة؛ مشكلاً جسراً لتعرف بعضهم على بعض، وهم يتشاركون دروب المدينة، الوديعة منها والموحِشة.

أصحاب المساء

تلتقط القصص تفاصيل تُبرز اليومي والبسيط كحالة مركزية في المجموعة، كما تشحذ حالة من الجمالية الخاصة بين تناقضات المدينة؛ حيث يُعمِّق هذا التنافر الظاهري شاعِرية تجد ذروتها خلال ساعات الليل التي يلوذ بها الأبطال من مُلاحقة القُبح لهم، فالراوي في قصة «مدينة وراء الليل» يقول: «الليل يعرف أن المدينة تُحبه أكثر. يعرف أنها ليست من مدن النهار؛ حيث تتحوّل إلى دُمية عملاقة تأكل سكانها مبتسمة. متجاوزة دورها كمدينة، تزحف فوق أرواح هؤلاء السُّكان، متنازلة عن أي معنى للجمال والحياة، بحركة حياتية مضمونة الشقاء، بينما يستطيع قلبها ليلاً أن يستقل، ويتجلى كقطعة منفصلة عن تلك الضواحي الممتدة، ويوفِّر شيئاً من الحياة لأصحاب المساء»، ويبدو في تلك القصة تورُّط المدينة، وظهورها؛ ليس كفضاء مكاني مُجرَّد؛ بل وكأنها في موضع مساءلة ومُحاكمة.

لا يسعى الكاتب إلى منح عالم أبطاله ملامح سوريالية تُغيِّر من طابع واقعهم؛ بل يُفجر من ذلك الواقع الصِّرف سِحره الخاص الذي يمنح لأبطاله حضوراً أسطورياً في بعض الأحيان، مستفيداً من ثقافة «الأولياء» الشعبية، و«الحكايات المتوارثة»، كما في قصة «صاحب كرامة الشتاء» الذي ينسج أهل القرية حوله أسطورة يتوارثونها، فتخلد حكايته بينهم لمئات السنوات، وتلقي ظلالها عليهم كما سعف النخيل والطائرات الورقية.

ليلة الأمنيات

يُنوِّع الكاتب هشام أصلان من تقنيات ظهور أبطاله وأصواتهم، لتتراوح كادرات القصص بين النظرة البانورامية، والبورتريه الشخصي، كما في قصة «مراحل زينب» التي تضيء على شجون من شاركونا الطُّرقات نفسها ثم رحلوا، في سردية شجيَّة عن تبدلات الزمن، وتبدو قصة «الغريب المبتسم» التي كُتبت بلسان طفل، أقرب لسرد سينمائي يتنقل بعدسته بين رُعب المدينة الفاضح وصُدفها بالغة الدهشة.

وفي قصة «ابتسامة من الماضي»، يُكثِّف الكاتب الزمن ويُحاصر بطله، في سياق مُشبَع بالنوستالجيا داخل استوديو تصوير فوتوغرافي؛ حيث يتساءل البطل: «في أي زمن أعيش هذه اللحظة؟» بينما تختلط الصور الفوتوغرافية، في اللحظة التي تُحدِّق إليه فيها من فاترينة المُصوِّر، مع الشريط الصوتي للشارع الشعبي الذي يغمره بالمشاعر، فبدَت اللحظة أقرب لومضة متوهجة بالخيال: «انسحب الضوء المار عبر الفراغات بين الصور المُعلقة، ورأيت هلالاً نحيلاً باقياً من قرص الشمس المتواري خلف البنايات. وسمعت صوت خبطات معدنية مميزة لمفتاح إنجليزي يُقرَع على أنبوبة بوتاجاز. كنت أحاول استيضاح مكان بائع الأنابيب، فوجئت بابنة المُصوِّر القديم تُطل مبتسمة من إحدى الصور المُعلقة على الفاترينة، وأخذتني خضة مخلوطة بالسعادة».

تطرح المجموعة نبرة ساخرة من المعجم الحديث لأهل المدينة الذي يعكس تغيُّراتها الاجتماعية وانحيازها للتصنيفات المُعلبة مثل: «الإعلامي الشهير»، و«مطربة المثقفين» في وقت تبدو فيه المقابر بأحراشها أكثر تحرراً ومنافسة للحياة خارج أسوارها. فبطل قصة «مهرجان ليلي صغير» تقوده مُفارقة تضطره للعبور بمنطقة مقابر، فيجد نفسه في قلب هذا المشهد الصاخب: «هناك محل بقالة، ورش تصليح سيارات، باعة ألبان، فتارين صغيرة تبيع الحلوى. رغم هذا، لم أستطع استيعاب مشهد هؤلاء العمال، وهم يُفككون أفرع لمبات الكهرباء الملونة، وبقايا صوان كان منصوباً لفرح شعبي في قلب المقابر».

أما في قصة «خطة استدعاء الوحدة» فقد ضيَّق الكاتب حدود المكان، ليُحاصِر مشاعر بطله الوحيد في ليلة «رأس السنة»، باعتبارها ليلة الأمنيات الصاخبة، وهو يُعدُّ نفسه لخطة احتفال فردية، يضع فيها مسافة بينه وبين العالم الذي يُطل عليه من نافذة بيته: «الآن، كل شيء جاهز تماماً، أنا رجل وحيد يستطيع أن يسخر من العالم وقسوته بارتياح، وفي الغد أعِدكم وأعِد نفسي أن أعاود الابتسام المُتعشِّم في لطافة الحياة، مثلما يفعل الرجل الوحيد الوسيم في الأفلام الأجنبية».