«فلسطين الصفقة» طريقاً إلى النعمة الفاسدة والحياة الفاخرة

الروائي الأردني خالد سامح في روايته «بازار الفريسة»

«فلسطين الصفقة» طريقاً إلى النعمة الفاسدة والحياة الفاخرة
TT

«فلسطين الصفقة» طريقاً إلى النعمة الفاسدة والحياة الفاخرة

«فلسطين الصفقة» طريقاً إلى النعمة الفاسدة والحياة الفاخرة

يعالج الروائي الأردني خالد سامح في روايته الجديدة «بازار الفريسة» -المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عمّان- قضايا ثقافية سياسية، دون الوصول إلى إجابات نهائية. استأنف مواضيع روايته الأولى «الهامش» التي أصدرها في عام 2020، وقرأ فيها واقعاً عربياً لا يبعث على المسرّة. تقاسمت الروايتان اقتصاد اللغة ومشكلات المثقف العربي التي تبدأ بالتحريض وتنتهي إلى تداعٍ أسيف، وجهه الأكثر سواداً: المثقف الخائن.

مثقف يدعو إلى الدهشة، يلتفّ بتناقضاته ويسقط في عُريٍ ذليل. تأتي الدهشة من وعد بالثورة وإصلاح العالم، وانقلابه إلى تجارة منقطعة عن الأخلاق والقيم، ومن تنديد بالظلام و«الإمبريالية»، إلى ترويج الكذب والانصياع إلى أكاذيب أعداء الحقيقة. وتتسع السخرية السوداء حين يكون المثقف المنقلب يساريَّ البداية، متحزباً فخوراً بتحزبه، كما لو كان في طبيعة المثقف الخائن ما يعيد خلقه ويقايض الثورة بالمصلحة.

لكأن المثقف الكاذب المحاط بهالة جماهيرية واسعة ينجز مرحلتين: مرحلة يبني فيها الشهرة، وأخرى يجتهد في تسليع الشعارات ويعتاش بها، كأن يلعن إسرائيل وسياساتها ويرجع فيرى فيها ظاهرة تمحو «فضائلُها» أخطاءَها.

وبهذا فإن المثقف المذكور يعرف أدواته، ويتقن فعل التستر والتكسب منه، يعيش في الحالين منقسماً وسعيداً بانقسامه، مطمئناً إلى حزبه وثناء رفاقه عليه، وزوجة متعلمة كريمة البيئة.

تأمَّل خالد سامح «وضع المثقف» واستقصى أحواله، بدءاً من دراسة جامعية لامعة أو باهتة، مروراً بمساهمات صحافية «منحازة»، وصولاً إلى «مركز دراسات سياسية» يعمل فيه، أو يؤسسه مسترشداً بخطى آخرين سقطوا في بهجة المؤسسات اللاحكومية أو سقطت عليهم، حيث المواضيع الجاهزة، أو التي تحت الطلب، وتتضمن عادةً «اضطهاد المرأة» و«عنف الإسلام» و«الحوار مع الآخر» -دون تعريفه- والديمقراطية والاستبداد وتهميش أسبابهما؛ مواضيع بالنسبة لهم لا يمكن تطوير المجتمعات «المتخلفة» دون مناقشتها، بعيداً عن أخرى أكثر وضوحاً: التبعية والهوية الوطنية والبرامج المدرسية ودور اللغة القومية. وواقع الأمر أن المثقف المتكسب لا يعبأ إلا بما يوائم «المقاولات الثقافية» المُسيطرة بقدر ما أن الذين يتعاملون معه ينبهون إلى مواضيع تلبّي أغراضهم السياسية، سواء أقامت بتجميل «سلام» لا وجود له، أم افترضت حواراً ثقافياً مستحيلاً بين أطراف لامتكافئة.

جمع الروائي خالد سامح بين التوثيق والتطبيق، إذ في مآل بطل الرواية «رشيد» ما يذكّر، بلا صعوبة، بنماذج ثقافية معروفة التحول والمآل، من صعود الاسم إلى «الرحيل الأخير»، ومن ذلك التكامل بين سياسي موسر يحتاج إلى «صحافي» جامع للمعلومات و«تنظيم» رخو الأعضاء يسبق بعض قادته «مثقفهم المعروف» إلى الخيانة، بل إنه -أي الروائي- يأخذ بلغة تقريرية واضحة، كما لو كان ينجز عملاً صحافياً مألوفاً يجذب القراء. والسؤال: ما الذي يدفع المثقف الآيديولوجي إلى «العمالة» والانحياز إلى طرف خارجي يُسهم في خراب العالم العربي؟

ركنَ خالد إلى استقصاءٍ قريب من «علم اجتماع المثقف»، يستكمل فيه كلُّ بُعدٍ بعداً آخر: الاستعمال الذرائعيّ لصفة «الحزبي» التي تمد المثقف العميل بصفة «المناضل» أو «التقدمي»، فقد جاء بطل الرواية من فضاء طبقيّ «شعبيّ»، وذهب إلى بيروت واقترب من العمل المسلح، وعمل في «مركز أبحاث» يرمي عليه بصفة الباحث المحتشد بالمعادلات السياسية. وإضافةً إلى هذا وذاك فهو مزوَّدٌ بتأهيل ذاتيّ، وسيم، كثير العلاقات، يثق به الآخرون، يخادعهم ويتأخرون في اكتشاف خداعه، وتصيب زوجته الدهشة إن شكَّك «رفاقه» المقربون في ولائه الوطني.

يتسم المثقف المتكسب بفن المخادعة مدعوماً بفتنة الاستهلاك، وهو الذي جاء من وسط فقير، مولعٌ بالأناقة وبالفاخر من السلع والسكن المريح، ويسلّع ذاته ليمتلك ما يريد، بدءاً باللباس وانتهاءً بالزوجة التي قاسمته «الفاخر» لباساً ومأكلاً وسكناً، رسم خالد سامح سمات المثقف المتداعي، الذي بلغ قرار «المثقف الخائن»، والذي يقبل اتفاق أوسلو بلا مساءلة ويصبح مرشداً سياسياً لأوساط أنكرت الحق الفلسطيني وسخرت منه ومن القائلين به. وبهذا أصاب المؤلف في عنوان عمله: «بازار الفريسة»، إذ المثقف بازار سقوطه، وإذ الحق الفلسطيني بازار الذين يدبّجونه، ما يستقدم الفساد لدى أوساط لا تفصل بين الحل الوطني للقضية والصفقات التجارية، بل يجعل من «فلسطين الصفقة» طريقاً إلى النعمة الفاسدة والحياة الفاخرة.

عاين خالد سامح «البازار الواقعي» وسجّله بشكل واقعي بلا تزييد أو نقصان، كأن يستهل روايته مباشرةً بالوثيقة التالية:

«الولايات المتحدة الأميركية – وزارة الخارجية – مكتب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، واشنطن العاصمة، 6 ديسمبر (كانون الأول) 1989: سعادة السفير، نظراً للتحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط (...) فإننا نوجهكم...». وضوحٌ لا ضباب فيه، موضوعه الشرق الأوسط وقضاياه، تضيئه كلمة «نوجّهكم» التي تشير إلى طرفٍ يقدم النصيحة السياسية بالتواصل مع القوى والشخصيات الفاعلة سعياً إلى تحقيق «المصالح المشتركة»، وتنتهي الرسالة الرسمية «بإخلاص، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط»، والمرسل له مثقف يدعى «الرفيق رشيد مرعي» ينتظر جواباً من مسؤول أميركي مرموق تربطه علاقة وثيقة بمدير مركز «جسور الحوار» للدراسات السياسية في عمّان، هو رشيد مرعي نفسه.

الثقافة بلا سياسة هي أقرب إلى اللهو والتجارة.. والسياسة السائبة تنتهي إلى كلمات متقاطعة

المتابع لكتابات بعض الصحافيين المعروفين في الشرق الأوسط يقرأ بلا جهد ما يَرِد في الرسائل بين مدير «معهد جسور الحوار» والمسؤول الأميركي، كما لو أن خالد سامح قد قرأ «المستور» إلى العلن، وكشف عن عينة ثقافية تمارس الكتابة في زمن الفساد. ساعد على ذلك عمله الصحافي الطويل وممارسته الأدبية، فهو كاتب قصة قصيرة منذ زمن، ودرس العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، ولديه معرفة نافذة بالأوساط الثقافية.

سجّل سامح ما يبدو راهناً منذ أكثر من عقدين من الزمن، وتابع بنبرة غاضبة أمراضاً كتابية معروفة الاسم والعنوان في زمن انطفاء الحياة السياسية إلى حد الإمحاء. مع ذلك، وبعيداً عن عدمية اعتنقها بعض المثقفين، تناول عالم المثقفين بصيغة الجمع، واقتفى «بُقيا» زمن «يتلاشى» فيه الحد بين الثقافة النقدية وجدلية الفعل السياسي، مدركاً أن الثقافة بلا سياسة هي أقرب إلى اللهو والتجارة، وأن السياسة سائبة تنتهي إلى كلمات متقاطعة، ولهذا تناول نماذج من المثقفين متعددة، بعضها جاد لكنه آثر الانزواء، وآخر رثى نفسه وهو يرثي انطفاء الأحزاب والعمل الثقافي لأسباب كثيرة.

سؤالٌ أخير لامسه خالد سامح برهافة ونباهة: مَن المثقف الذي سوّق لثقافة سياسية ثم آثر مصلحته الخاصة؟ وما المرجع الاجتماعي الذي يعيد «تصنيع المثقف» أكثر من مرة؟ ووصل الروائي بلا افتعال إلى ما يدعوه علم الاجتماع الثقافي «المثقف الريفي» بالمعنى النظري الخالص، لا بالمعنى الاجتماعي، فهذا المثقف، وفي مجتمع فقير الثقافة، له صفات محددة: اختصار الثقافة في شكل من الشهرة والتميز، واعتبار التميز الثقافي طريقاً إلى السلطة، ففي «الدراسات المصطنعة» ما يقيم علاقة بين المثقف والسلطة التي تؤثِر المديح على النقد الاجتماعي، وإن كانت العلاقة الأخيرة تُفضي إلى الشهرة، بحق أو من دونه، فإن فيها درباً إلى التسويق الذاتي وإلى أبواب «السفارات»، وتَحوُّل الشهرة «الدبلوماسية» إلى قوة وتجارة تكفلان حياة موسرة وتمنعان النقد المسؤول.

أكد خالد سامح في روايته الأولى «الهامش» أخلاق المسؤولية، وصيّر الرواية وثيقة اجتماعية عن القمع والخراب، وبرهن في روايته الثانية على جمالية وأخلاقية الإتقان، إذ الكتابة نقد ينشد الإصلاح، ويجدد الرواية، وهو في الحالين بدا روائياً مختلفاً يجدد الرواية العربية ويتجدد بها.

أخيراً، فإن الروائي خالد سامح يود أن يقول في روايته «بازار الفريسة»: إن كتابةً في السياق العربي الراهن لا تُسيِّس العلاقات الاجتماعية جميعاً، هي كتابة نافلة ولا ضرورة لها، تستجيب لمطالب سوق الكتاب المتداعية، وتعبث بتقاليد الكتابة الوطنية الممتدة من غسان كنفاني إلى غالب هلسا.

* ناقد فلسطيني


مقالات ذات صلة

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون هوشنك أوسي

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريجين أولسين

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك

هاشم صالح
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
TT

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

أشعلت كتيبة من الشعراء، تقاطروا من كل أرجاء العالم العربي، لياليّ الكويت الباردة بالدفء والمشاعر الصاخبة، في توليفة من العشق والغزل والحنين والافتجاع، حيث أوقد 27 شاعراً وشاعرة عربية جمر الكلمات لتنساب قصائدهم كألسنة نار تسكب حرارة العاطفة في قوالب موسيقية تجتذب القلوب التواقة إلى الدفء والجمال.

عبر ثلاث أمسيات شعرية، توزع الشعراء الـ27 ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية للإبداع الشعري، التي خصصت أعمال هذه الدور لسيرة مؤسسها الراحل الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي رحل منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أقيمت الأمسيات الثلاث في مكتبة البابطين في العاصمة الكويت، الأمسية الأولى جمعت تسعة شعراء من مختلف أنحاء العالم العربي، وأدارها الدكتور مشعل الحربي (الكويت). وشارك فيها كلٌ من: أوس الأفتيحات (العراق)، وجاسم الصحيّح (السعودية)، وجمانة الطراونة (الأردن)، وحنين عمر (الجزائر)، وخالد بودريف (المغرب)، ومحمد طه العثمان (سوريا)، ومحمد عرب صالح (مصر)، وموضي رحال (الكويت)، ووليد الصراف (العراق).

الأمسية الثانية جمعت أيضاً تسعة من الشعراء، وأدارها الدكتور عبد الله السرحان (الكويت) وشارك فيها كلٌ من: أحمد شلبي (مصر)، وجاسر البزور (الأردن)، وخالد الحسن (العراق)، وروضة الحاج (السودان)، وسمية محنش (الجزائر)، وفالح بن طفلة (الكويت)، ومحمد الجلواح (السعودية)، نبيلة حماني (المغرب)، وهبة الفقي (مصر).

وضمّت الأمسية الثالثة، تسعة شعراء آخرين، وأدارها الدكتور أحمد الفرج (الكويت)، وشارك فيها كلٌ من: إباء الخطيب (سوريا)، وأحمد بلبولة (مصر)، وإياد هاشه (العراق)، وحسام شديفات (الأردن) ودلال البارود (الكويت)، وشقراء مدخلي (السعودية) وعبد الله الفيلكاوي (الكويت)، وفارس حرّام (العراق)، ومحمد البريكي (الأمارات).

الشاعر السعودي جاسم الصحيّح (الشرق الأوسط)

جاسم الصحيّح

شارك في الأمسية الأولى الشاعر السعودي جاسم الصحيّح، الذي سبق أن فاز بجائزة أفضل ديوان شعري في مسابقة البابطين للإبداع الشعري 2012 عن ديوانه «ما وراء حنجرة المغني»، كما حاز جائزة سوق عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح 2018، وأخيراً جائزة المركز الأول في برنامج «المعلقة» من وزارة الثقافة السعودية في عام 2024.

وألقى الصحيّح بعضاً من نصوصه، جاء في قصيدته «لعابر في التآويل»:

نبيٌّ ولكنْ عابرٌ للشرائعِ

حدودُ سماواتي حدودُ أصابعي

إذا سال ظِلِّي بَلَّلَتْنِي غمامةٌ

من الوحيِ، تندَى بالمعاني الجوامعِ

رَعَيتُ ولكنْ في مراعي هواجسي!

تَأَمَّلتُ لكنْ في (حِرَاءِ) الشَّوَارِعِ!

يُجَلِّلُني مجدُ القصائدِ حينما

أشمُّ أريجَ الله بين (المَطالعِ)

حروفي نجومٌ أَفْلَتَتْ من مدارِها

إليَّ، وعَقَّتْ ما لها من مواقعِ!

فما حِكمتي إلا الجَمالُ، وحُجَّتي

شعوري بأنَّ الكونَ إحدى ودائعي

تَلَمَّستُ ديني داخلي فاعْتَنَقْتُهُ

وشَيَّدتُ في كلِّ الخلايا صوامعي

يسيلُ بيَ التأويلُ في كلِّ جُملةٍ

كأنِّي (مجازٌ مُرسَلٌ) للمنابعِ

بسَبعَةِ أختامٍ أُشَمِّعُ فكرتي

وأرسلُها للخلقِ دون طوابعِ

سـيَشكُونِـيَ الوُعَّاظُ مِلءَ نقيقِهِمْ

فمُستنقعُ الشكوَى كثيرُ الضفادعِ

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

روضة الحاج

شاركت الشاعرة السودانية روضة الحاج في الأمسية الثانية، وسبق أن حازت لقب «شاعر سوق عكاظ» لعام 2005، وشاركت في برنامج «أمير الشعراء» بنسخته الأولى، وحازت المركز الرابع... الشاعرة روضة الحاج، حملت أحزان بلدها السودان الذي تكويه نار الحرب، ومعاناة الناس وعذاباتهم، فألقت من لهيب الحزن قصيدتها «الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة!»، جاء فيها:

وأنا ومصرُ

غريبةٌ لاذت بحزنِ غريبةٍ

بينا تسيرُ القاطرة

كلُّ المحطاتِ التي مرَّت بنا

متشابهاتٌ كلُّهنَّ

فليس من بيتٍ

لكي نأوي له

والساعة العجلى تشير إلى تمام العاشرة!

لا أهلَ

لا مستقبلينَ هناك

لا معنًى أُطاردُه

فيتبعُني ويُتعِبني

فقط

وجعٌ عظيمٌ لانهمارِ الذاكرة!

الآن تُمطر في جنوبِ القاهرة

وأنا يُعاودُني شجاي المرُّ

تعبثُ بي حميَّاي القديمةُ

كلما

بكتِ السماءُ وأبرقت

فكأنَّما روحي السماءُ الماطرة

وجعٌ عتيقٌ

يستبدُّ بهذه الروحِ المطيرةِ

كلما

لمعتٌ بروقٌ كنتُ أعرفُهنَّ

هبَّ عليّ عطرُ الأرضِ

أيقظَ كلَّ ما هدهدتُه لينامَ

أوقدَ ليلي الساجي

وسافرَ بي هناك

وهل أنا

مذ جئتُ هذي الأرضَ

إلا ضيفةٌ ومسافرة!

مطرٌ

وصوتُ (حليم)

شايٌ أحمرٌ

كتبٌ مبعثرةٌ

وشوقٌ

لست أدري ما الذي أشتاقُه

ومن الذي أشتاقُه

لكنَّني أدري تلوُّي القلبِ

كالملدوغِ

حين تُحيط بي أشجانُه

أدري بسكِّينِ الحنينِ

يشقُّ هذي الخاصرة!

الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة

أبكي

لأرضٍ لم تغادرني وإن غادرتُها

لأحبةٍ سأظلُّ أحملهُم معي

حتى الحياةِ الآخرة!

أو ربما أبكي مكابدتي

لأبدو مثلما أبدو

وفي روحي تمورُ عوالمٌ شتى

وكونٌ كاملٌ يغلي

وأسئلةٌ

وما من مهربٍ إلا إلى هذي القصيدةِ

وهي تُمعنُ في مراوغةٍ

أنا أدرى بها

يا للعنودِ الماكرة!

ولربما أبكي

صدوعاً كلما رممّتها

وظننتُها التأمت

أعادتها قصيدةُ شاعرٍ

أو شاعرة!

أبكي

وتنهمرُ السماءُ

وتُجهش الدنيا معي

والشوقُ يهطِلُ

والحنينُ الآنَ

يهمي من سماءِ القاهرة!

الشاعرة الجزائرية سمية محنش (الشرق الأوسط)

سمية محنّش

الشاعرة الجزائرية سمية محنّش، قرأت مجموعة من النصوص من بينها «أسئلة في العشـــقْ»، جاء فيه:

لماذا...

وفي كُلِّ حُبٍ تُعَادُ الحَكَايَا

نُعيدُ الحَكَايَا...

ونَصْبُو إلى المُسْتَحيل

الذي لا يَرُوحُ

الذي لا يجيءُ

الذي كشهابٍ

يُغِيرُ الحَنَايَا

ونَلْتَذُّ بالآهِ

نلتاعُ بالشَّوْقِ

نَبْنِي قُصُوراً مِنَ الوَهْمِ فوقَ السَّحابِ

عَلَيْها نُقِيمُ الخَطَايَا

ونقلبُ كُنْهَ الأُمُورِ على ضِفَّةٍ لِلْخَيَالِ المُخَدَّرْ

فَذا الوَهْم يغدو عبيراً وسُكَّرْ

وتَغْدُو الكَمَنْجَاتُ

في الرُّوحِ نايَا...

وإنَّا لَنَغْرَقُ في الحُبِّ غَرْقَا

كَمِثْلِ السّكارى...

كَدُوقٍ قَديمٍ...

سنختارُ موتاً بِصَحْنِ النَّبِيذِ

ونَفْرَحُ أنَّا بذا المَوْتِ عِشْنَا

وأنَّا نَدِينُ لهُ كَالرَّعايَا

وإنَّا الرَّعايا.

سَنَكْذِبُ حَتْماً

ومِنْ فَرْطِ صِدقٍ

نُقَدِّسُ كِذْبَتَنَا مُغرَمِينَ...

بِحُسْنِ النَّوَايَا

ونَصْدُقُ طَبْعاً...

إذا أجهشَ الحُبُّ فينَا

وفُرْنَا بِتَنُّورِهِ كالشَّظايا

الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة (الشرق الأوسط)

جمانة الطراونة

الشاعرة الأردنية جمانا الطراونة، تنقلت برشاقة بين بحور القصيدة، وتنوعت مشاربها بين الغزل والحنين، تقول:

عشقتُكَ مرتينِ وما أكتفيتُ

كأنّي مِنْ نهايتِكَ أبتديتُ

لِتُصْبِحَ عالَمي غادرتُ ذاتي

إليكَ وبي على نفسي انطويتُ

«أحبّكَ» لم تَعُدْ تُشفي غليلي

كما كانتْ فعفوكَ إن بكيتُ

أحاولُ بالقصيدةِ أنْ أُوكنّي

فلا يخلوْ من التصريحِ بيتُ

على قلبي استويتَ وأنتَ أهلٌ

لتملِكَهُ فلو أنّي استويتُ

رأيتُكَ قبلَ هذا ملءَ عيني

متى قلْ لي وأين بكَ التقيتُ؟!

تآلفتِ القلوبُ وفزتُ كوني

بنارِ النظرةِ الأولى أكتويتُ

أُقيمُكَ كالصلاةِ فأنتَ فرضٌ

ونافلةٌ وأعني ما نويتُ

بوجهِكَ في المرايا يا ابنَ روحي

إذا طالعتُها دوني أحتفيتُ

يراكَ الناظرون إليّ حتّى

ظننتُ بأنّني فيكَ اختفيتُ

رميتُكَ إذْ رميتُ فدارَ سهمي

عليّ فما رميتُكَ إذْ رميتُ

لأبعدِ نَجْمةٍ سأمدُّ كفي

وأقطِفُها فبالحبِّ ارتقيتُ

ومن عينيكَ أشربُ ألفَ كأسٍ

من الشعرِ الزلالِ وما ارتويتُ

تُؤَرِقُني وموجُ الشوقِ عاتٍ

حبيبي هل بدأتُ أم انتهيتُ ؟!

أُخيفُكَ أم أخافُكَ لستُ أدري

وكيف عليّ مِنْكَ بكَ أحتميتُ؟!

فأنتَ أنا ولستَ هُنا لتأبى

تموتُ معي وتحيا إن حييتُ

الشاعر إياد هاشم يلقي قصيدته خلال الأمسية الثالثة (الشرق الأوسط)

إياد هاشم

الشاعر العراقي، المقيم في النمسا، إياد هاشم، ألقى قصيدتين، خصص الأولى لرثاء الشاعر الراحل عبد العزيز البابطين، جاء فيها:
يا رِمالَ الْكُوَيْتّ
لَوْ يَكِلُّ الْرِّثْاءُ جادَ الْوَفَاءُ
كَيْفَ لِيْ يَوْمَ غابَتِ الْجَوْزاءُ
كَيْفَ ناءَتْ عَنَا صُدُورُ الْقَوافِي
حِينَ حَلَّتْ بِرَحْلِهَا الشُّعَراءُ
كَيْفَ تَأْبَى الأَقْلامُ فِي دَوْحَةِ الْمَجْد،
وَتَأْسى فِي فَقْدِكَ الْعَلْياءُ
مَا تَحَيَّنْتُ فُرْصَةً لِلْمَراثِي
أَوْ دَعَتْنِي لِذِكْرِكَ الأَسْماءُ
بَلْ وَجَدْتُ الأَرْجَاءَ حَزْنِى لِفَقْدٍ
قَبْلَ حُزْنِي وَهَلْ سَيُجْدِي الْبُكَاءُ
يَا بَرِيقَ الْمِدادِ فِي حَضْرَةِ الْكُتْبِ،
تَمَهَّلْ فَلِلْبُدُورِ سَماءُ
حَدَّثَتْنَا الدِّيارُ عَنْ ساكِنِيها
كَصُخُورٍ يَصُفُّهَا الْبَنَّاءُ
كَيْفَ أَبْقَتْ مَعْناكَ فِي كُلِّ رُكْنٍ
فِضْتَ فِيهِ ، كَمَا يَفِيضُ الإِناءُ
ما تَخَبَّتْ بَراعِمُ الشِّعْرِ يَوْمًا
فِي مُحَيَّاكَ أَوْ تَبَدَّى الْحياءُ
أَنْتَ فِي بارِقِ النَّشِيدِ قَصِيدٌ
وَنَشِيدٌ إِذا عَلا الإِقْواءُ
يَا لَيالِيكَ كَمْ تَساهَرْتَ طُرًا
لِتَرَى الْمَجْدَ شادَهُ الأَبْنَاءُ

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَذا (أَبُو سعُودُ)
نَزِيلٌ ، وَيُكْرَمُ النُّزَلاءُ

.....

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَلْ يُسْرَقُ الْجَفْنُ
فَيَأْتِي مِنْ صَحْوَةٍ إِغْماءُ

بِي مِنَ الشَّعْرِ مَا يَحُثُّ الْقَوافِي

مُذْ أَصابَتْكَ طَعْنَةٌ نَجْلاءُ

مَا تَعَوَّدْتُ أَنْ أَلُومَ ضُلُوعِي
ذاتَ كَسْرٍ لَمَا يَشُحُّ الذَّواءُ

جِنْتُ أَسْعَىٰ فَقَدْرُ يَوْمِكَ قَدْرٌ
لا تُدانِيهِ غايَةٌ وَ عَطاءُ

يَوْمُ ذِكْرِاكَ لَمْ يَعُدْ يَوْمَ ذِكْرِى
رُبَّ مَوْتىٰ لِكِنَّهُمْ أَحْياءُ