نابليون... وجوه عديدة متناقضة

يبدو أن الخلافات بشأنه لن تحلّ أبداً وستظل سيرته موضوعاً للجدل

نابليون... وجوه عديدة متناقضة
TT

نابليون... وجوه عديدة متناقضة

نابليون... وجوه عديدة متناقضة

الصورة الأسطوريّة التي رسمها نابليون لنفسه حجبت جوانب قاتمة من أفعاله وأدواره السياسيّة لربّما كان نابليون بونابرت (1769 – 1821) أشهر فرنسي في التاريخ، ولا يختلف أحد على أنّه أحد أعظم القادة العسكريين في كل العصور. لكن هذا الإمبراطور الذي ترك بصمته على العالم الحديث في لحظة تشكله لا يبدو كأنّه سيغادر مسرح الجدل في أيّ وقت قريب؛ إذ يرفض الاستلقاء بهدوء في قبره، وينجح دائماً في أن يستدعي الخلاف حول الجوانب المتعددة والمتناقضة لشخصيته، وحياته، وعلاقاته، ناهيك بأدواره العسكريّة منها والسياسيّة... بل، وعلى الرّغم من شهرته الفائقة، لا أحد متيقناً من شكل ملامحه الأصلية، بعد أن تكاثرت «أقنعة الموت» التي يدّعي مالكوها أنّها تعود للقائد الكبير، وهناك شكوك ونظريات مؤامرة حول مكان دفنه.

كل هذه الوجوه الكثيرة لنابليون، استُعيدت مؤخراً على هامش فيلم سينمائيّ جديد عنه، وهذه المرّة بتوقيع المخرج البريطانيّ الشهير ريدلي سكوت، لا سيّما أن الشريط تضمن اجتهادات فنيّة وخيارات لم تُرضِ المؤرخين، خصوصاً الفرنسيين، الذين عدّ بعضهم سكوت مجرّد إنجليزيّ متحذلق آخر، لا يمكن الوثوق برأيه فيما يتعلق بسيرة الإمبراطور الذي أذكى نيران صراع نفوذ بين جانبي القنال الإنجليزي ربّما خمد في القرن الحادي والعشرين، لكن أصداءه لم تتلاشَ قط.

الأمر الأهم لفهم نابليون يبدأ من إدراك أنّه، إلى تاريخه العسكري والسياسيّ الملطخ بالدّماء والفظائع والدسائس، كان يتمتع بشخصيّة جذّابة للغاية، وقصّة حياته من منتصف تسعينات القرن الثامن عشر فصاعداً نتاج تفاعل وتناقض وتوتر بين الكاريزما الشخصيّة وتلك النزعة القياديّة الفائرة، والطّموح الجامح، في مقابل أفعاله الصّاخبة في المجال السياسي، والأنظمة التي أنشأها، والحروب التي خاضها. وقد انعكست هذه التّقاطعات على المنظور الذي اتخذه المؤرخون التقليديون من نابليون؛ إذ انقسموا دائماً بشأنه من خلال ثنائيّة حادة: فهو إمّا أسوأ شخصٍ على الإطلاق، وإما عبقريّ نادر ستعجز النّساء عن أن يلدن مثله. لكّن حقيقة نابليون، كما يفهمها المؤرخون اليوم، تميل إلى أن تكون أكثر تعقيداً من تلك الثنائيّة الساذجة، وأدقّ في قدرتها على تفسير ما حققه هذا الكورسيكيّ العنيد من إنجازات استثنائيّة في حياته الأقرب إلى الخيال.

لقد كان الحدث التكويني الأبرز في حياة نابليون التحاقه صغيراً (1779) بأكاديمية عسكرية، حيث أمضى 5 سنوات في بيئة إسبرطيّة قاسية، علمته فن البقاء على قيد الحياة حتى في أصعب المواقف. ومن المحتمل أنه تعرض خلال ذلك الوقت إلى السخريّة من قبل زملائه بسبب لهجته الكورسيكيّة - حيث أصوله - وعجزه عن التّحدث بفرنسيّة سليمة. ويعتقد أن تلك الهويّة الثقافيّة المغايرة لمحيطه دفعت به ليعتنق في شبابه فكرة استقلال كورسيكا. على أنّه لم يُظهر في تلك المرحلة أي علامات نبوغ أكاديميّ تنبئ عن مستقبله رغم عيشه في حقبة الانتقال من نهايات عصر التنوير إلى بدايات الرومانسيّة - في سبعينات و ثمانينات القرن الثامن عشر - حيث كان التفكير السائد بين الشّباب حينها أنّ الظروف القاسيّة ليس لها أن تعوق الإنسان عن السعي للبروز والتميّز، بل ينبغي التغلّب عليها والمضيّ قدماً، وهي الأجواء التي نشبت في ظلالها الثّورة الفرنسيّة. لكن نابليون الضابط ابتكر نسقاً مختلفاً من القيادة العسكريّة، مكنه بشكل أو بآخر من تحقيق إنجازات مبهرة، لمسها الجنود على أرض المعارك، وأيضاً الفرنسيوّن المدنيّون العاديّون الذين شرعوا في تعليق صوره على جدران منازلهم، وملاحقة المطبوعات التي تنشر أخباره. على أنّ استثنائيّة نابليون لم تتأت من نجاحاته في الميدان فحسب؛ وإنّما – وربّما هو الجانب الأهم – جرّاء وعيه بكيفيّة نقل أخبار تلك النجاحات لجمهوره في فرنسا وأوروبا عامة؛ إذ كان مدركاً، ومنذ وقت مبكّر في حياته المهنيّة، حقيقة وجود جمهور متلق ينتظر خطوته التالية، فكان يعتني بحرفيّة، تليق بساعاتيّ محترف، بالطريقة التي تصوّر فيها هيئته قائداً عسكريّاً – ولاحقاً زعيماً سياسيّاً – في ذهن الجمهور؛ الشّره أبداً إلى استهلاك أخبار شخصيات تبدو من بعد كأنّها أكبر من الحياة، لا سيّما بعد سنوات من الفوضى التي سبقت صعوده إلى السلطة في انقلاب 1799.

هذه الحساسيّة للصورة قد تفسّر لجوءه إلى إجراء استفتاء عام تلا استيلاءه على الحكم بالقوّة، ومن ثم تزويره النتائج سلفاً كي يبني أسطورته على أنه خيار شعبيّ للفرنسيين؛ رغم أن أغلبيّة ساحقة انبهرت بشخصيته، وانتخبته بالفعل. ليعيد الكرّة في 1802 عندما تلاعب بنتائج التصويت على استفتاء شعبيّ حول تعيينه قنصلاً أول لفرنسا مدى الحياة.

يقول الخبراء إن سمعة نابليون بصفته قائداً عسكريّاً بنيت على أساس كسره منهجيّة الحرب التي كانت سائدة في أوروبا قبله؛ إذ إن ملوك القارة القديمة وزعماءها، وعلى الرغم من صراعاتهم الكثيرة، كانوا ينظرون إلى المعارك العسكريّة بوصفها مجرّد صيغة لها حدود، توظّف للوصول في محصلتها النهائيّة إلى تسوية دبلوماسية عادلة لتقاسم المصالح بشكل يعكس توازن القوى على الأرض. وما فعله نابليون كان أن حطّم هذا النظام الذي بقي سائداً لقرون من خلال الاستخدام الوقح للقوّة، فكانت المعاهدات عنده مجرّد أداة لفرض إرادته، فإذا لم ترقه نتيجتها، عاد إلى الحرب مجدداً. ومن المؤكد أنّه فعل ذلك في مناسبات عدة لأنّه كان بمقدوره فعل ذلك ليس إلا، ولم يعنه كثيراً أن قراراته كانت تكلّف أرواحاً كثيرة؛ إذ تبجح في مقابلة له بأن مصاريفه السنوية تتجاوز المائة ألف إنسان؛ نصفهم على الأقل كان من مواطنيه الفرنسيين.

إن الصورة الأسطوريّة التي رسمها نابليون لنفسه حجبت بالتأكيد جوانب قاتمة من أفعاله في أدواره السياسيّة: الاستبداد بالسلطة، وتزوير الإرادة الشعبيّة، ومنظومة الدّولة البوليسيّة في بلاده، وأيضاً إعادة فرض العبوديّة على بعض المستعمرات الفرنسيّة في الكاريبي. لكن أيضاً، وفي ثنايا هذه الأدوار، فقد مثّل للفرنسيين تجسّد إرادة الدّولة بعد الانهيار الحقيقيّ الذي شهدته في أواخر تسعينات القرن الثامن عشر، ودفع عمل الطبقة السياسيّة قدماً لإنجاز ما صار يعرف بـ«قانون نابليون» الذي أصبح ملهماً لكثير من الأنظمة القانونيّة في فرنسا وكثير من دول أوروبا والعالم، وإن كان دوره شخصيّاً في صياغة مواده موضع خلاف أيضاً. ويزعم المؤرخون أن هذا الدّور الرّمزي المركزي الذي لعبه نابليون في النظام الفرنسي بعد الثورة، وإن على حساب هدر موارد الإمبراطوريّة لبناء صورته في أذهان العامّة، كان وراء بناء هيكل بيروقراطيّ للدولة أصبح بعده - وامتداداً للحاضر – النّموذج الغالب على معظم الكيانات القوميّة في أوروبا.

حياة نابليون؛ سواء الإنسان، والقائد العسكريّ، والزعيم السياسيّ، منذ صعد إلى مسرح الحياة العامّة في فرنسا بعد انتصاره في أوسترليتز وأحداث 1804 و1806، لم تكن، في أيّ من مساراتها، طريقاً مستقيمة إلى النجاح، بل شهدت كل منها إخفاقات هنا أو هناك، لكّن عناده واعتقاده الذي لا يتزعزع بأنه يستطيع هزيمة أعدائه وفرض إرادته عليهم، سمحا له دائماً بالنهوض من كبواته، واستئناف القتال مجدداً، وأحياناً دون داع عسكريّ للقتال، وإنما لكسر إرادة أعدائه الشخصيين، مهما كلف ذلك جيوشه من قتلى، وجرحى، وآلام.

الاختلاف بشأن إرث نابليون، امتدّ حتى إلى مظهره الشخصيّ؛ إذ يصوره البريطانيون قصيراً للغاية، وهو أمر غير دقيق، لكّن المؤكد أنّه لم يكن مصدر افتتان للنساء في شبابه، وإن عوّض ذلك في المراحل اللاحقة من حياته من خلال ديماغوجيته الصاخبة وحضوره القياديّ. ومع كل شهرته الفائقة، فإن ملامح وجهه غير مؤكدة بسبب تعدد «أقنعة الموت» المنسوبة إليه. وهناك إلى اليوم خلاف بين جهتين في الدّولة الفرنسيّة (وزارتا الدّفاع والثقافة) حول أيها النسخة المزورة من الحقيقيّة، فيما يقول مختصون مهووسون بتراث نابليون إن الجثة المسجاة اليوم في متحف الـ«إنفاليد» الفرنسيّ ليست جثته كما تزعم الدّولة الفرنسيّة، بل جثة خادمه الذي رافقه في منفاه الأخير إلى جزيرة سانت هيلانة.

يبدو أن الخلافات بشأن نابليون لن تحلّ أبداً، وسيستمر الرجل وتراثه موضوعات أبديّة للجدل، ولذلك، فإن فيلم سكوت الأحدث، رغم انتشاره الفائق، لن يكون سوى نقطة في بحر لن ينضب، وستظّل كل محاولة للتأريخ - على إطلاقه - مجرد مشروع إعادة كتابة لا تنتهي يوماً.



آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
TT

آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)

كشف المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية، الأربعاء، عن أعضاء لجنة «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، والتي تهدف إلى إثراء صناعة السينما بالمنطقة، ودعم المواهب الإبداعية في كتابة الرواية من جميع الجنسيات والأعمار.
وتَشكَّلت لجنة الجائزة من أعضاء يملكون خبرات واسعة في مجالات الأدب، والكتابة السينمائية، والإنتاج والإخراج السينمائي، حيث جاءت برئاسة الأديب والروائي السعودي الدكتور سعد البازعي، والروائي والمترجم والسيناريست السعودي عبد الله بن بخيت نائباً له.

وتضم اللجنة في عضويتها كلاً من الكاتب والروائي السعودي عبده خال، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، والروائي المصري أحمد مراد، والروائية السعودية الدكتورة بدرية البشر، والكاتب والسيناريست السعودي مفرج المجفل، والكاتب والسيناريست المصري صلاح الجهيني، والناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، والسيناريست المصري شريف نجيب، والخبير عدنان كيال مستشار مجلس إدارة هيئة الترفيه، وكاتبة السيناريو المصرية مريم نعوم، والمخرج المصري محمد خضير، والمنتج السينمائي المصري أحمد بدوي، والمخرج المصري خيري بشارة، والمنتج اللبناني صادق الصباح، والمخرج السينمائي المصري مروان حامد، والمخرج والمنتج السينمائي السعودي عبد الإله القرشي، والكاتب والسيناريست المسرحي السعودي ياسر مدخلي، والكاتب والروائي المصري تامر إبراهيم.

وتركز الجائزة على الروايات الأكثر جماهيرية وقابلية لتحويلها إلى أعمال سينمائية، مقسمة على مجموعة مسارات؛ أبرزها مسار «الجوائز الكبرى»، حيث ستُحوَّل الروايتان الفائزتان بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين، ويُمْنح صاحب المركز الأول مبلغ 100 ألف دولار، والثاني 50 ألف دولار، والثالث 30 ألف دولار.

ويشمل مسار «الرواية» فئات عدة، هي أفضل روايات «تشويق وإثارة» و«كوميدية» و«غموض وجريمة»، و«فانتازيا» و«رعب» و«تاريخية»، و«رومانسية» و«واقعية»، حيث يحصل المركز الأول على مبلغ 25 ألف دولار عن كل فئة بإجمالي 200 ألف دولار لكل الفئات.
وسيحوّل مسار «أفضل سيناريو مقدم من عمل أدبي» العملين الفائزين بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين سينمائيين مع مبلغ 100 ألف دولار للأول، و50 ألف دولار للثاني، و30 ألف دولار للثالث.
وتتضمن المسابقة جوائز إضافية أخرى، حيث سيحصل أفضل عمل روائي مترجم على جائزة قدرها 100 ألف دولار، وأفضل ناشر عربي 50 ألف دولار، بينما يُمنح الفائز «جائزة الجمهور» مبلغ 30 ألف دولار، وذلك بالتصويت عبر المنصة الإلكترونية المخصصة.