«الحرب والتربنتين»... رواية بلجيكية تبرز ثنائية الفن والمعارك

«الحرب والتربنتين»... رواية بلجيكية تبرز ثنائية الفن والمعارك
TT

«الحرب والتربنتين»... رواية بلجيكية تبرز ثنائية الفن والمعارك

«الحرب والتربنتين»... رواية بلجيكية تبرز ثنائية الفن والمعارك

عن دار «الكرمة» بالقاهرة صدرت رواية «الحرب والتربنتين» للكاتب والشاعر البلجيكي ستيفان هيرتمانس بترجمة عن الهولندية لأمينة عابد. الرواية وصفتها «نيويورك تايمز» بأنها «عمل خارق لإعادة بناء تاريخي يتضمن سرداً شجاعاً ولكنه حزين للحرب والذاكرة والفن»، بينما اعتبرت «الغارديان»: «أننا إزاء عمل يقع على مفترق طرق الرواية والسيرة الذاتية والتاريخ، حيث كل التفاصيل لها لمعان الشعر».

عندما توفي (أورباين مارتين) ترك وراءه دفتري مذكرات سيعتمد عليهما حفيده الكاتب لسرد قصة جده في الحرب العالمية الأولى، مستخدماً «التربنتين»، بوصفه مادة أساسية في رسم اللوحات آنذاك. نتعرف على (أورباين)، الشاب الذي نجا من الموت بأعجوبة في مسبك حديد، كما نتعرف عليه وهو جندي يخوض أهوال القتال المتلاحم وجهاً لوجه، كما يتطرق النص إلى مرحلة الرجولة في حياته حين تزوج أخت من كانت حب حياته، بينما تطارده ذكرى الحرب وحلمه بأن يصبح فناناً. يحاول الحفيد أن يفهم الماضي ويجد مكانه في الحاضر، وينجح في رسم صورة مبهرة لإنسان استثنائي في زمن صعب تشبه لوحة جدارية من عصر النهضة، ويكشف كيف يمكن لحياة واحدة أن يتردد صداها على مر العصور.

لاقت الرواية تقديراً نقدياً كبيراً، واستقبلها القراء بحفاوة بالغة، وبيع منه أكثر من 250 ألف نسخة وحصدت عدة جوائز مهمة من بينها جائزة «المجتمع الفلامندي للنثر الروائي»، 2012، وهي جائزة تعطى كل ثلاث سنوات لكاتب نشر عملاً متميزاً، وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وهي أول عمل لستيفان هيرتمانس يترجم إلى اللغة العربية. ويعد هيرتمانس كاتباً وشاعراً بلجيكياً فلامندياً من مواليد مدينة «خنت» 1951. عمل في مهن عديدة منها مدرس وعازف موسيقى، نشر الروايات والمجموعات القصصية والمقالات والمسرحيات والدواوين الشعرية، وحقق نجاحاً عالمياً، وحاضر في كثير من الجامعات الكبرى كالسوربون وفيينا وبرلين والمكسيك ولندن. وفي بداية عام 2020، حصل ستفيان على جائزة «كونستانتاين» الأدبية المرموقة عن مجمل أعماله.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«من أبعد الذكريات التي تحضرني عن جدي ذكرى وجوده على شاطئ مدينة (أوستنده).

رجل في السادسة والستين من العمر، وسيم الهيئة، في بدلة كحلية. حفر حفرة غير عميقة بمجرفة حفيده الزرقاء، وسطّح الرمل المكوم على حافتها لينعم هو وزوجته بشيء من رغد الجلوس. لقد رفع الجدار الرملي المكوم على حافتها خلفهما بعض الشيء ليحتميا من رياح أغسطس التي تهب من اليابسة تحت سحب الضباب العالية على خط الموج المنحسر. خلعا أحذيتهما وجواربهما وجلسا يحركان أصابع أقدامهما حركات خفيفة على سبيل الاستمتاع ببرودة رمال القاع الرطبة. بدا لي وأنا ابن السادسة أن هذا عمل ينطوي على طيش ليس من طبيعة هذين الشخصين اللذين لا يرتديان سوى الأسود أو الرمادي أو الكحلي على الرغم من الجو الحار والشاطئ. يحتفظ جدي بقبعته (الفيدورا) على رأسه شبه الأصلع. إنه يرتدي قميصه ناصع البياض، وكما هي حاله دائماً ربطة العنق، الفراشة الكبيرة السوداء الخاصة به الأكبر حجماً من مثيلاتها من ربطات العنق في الحالات العادية، ولها فوق ذلك حاشيتان طويلتان فيبدو للناظر إليه من مكان بعيد وكأنه رابط حول عنقه هيئة ملاك أسود بجناحين مبسوطين. كانت والدتي تخيط له ربطات العنق الغريبة تلك بناء على تعليماته. لم أره طوال عمره المديد في هيئة أخرى غير الهيئة التي يلبس فيها ربطات العنق السوداء، تلك المزينة بحاشيتين طويلتين مثل حاشيتي السترة الخطافية. لا بد أنه كان يملك العشرات منها لا تزال واحدة منها موجودة هنا في مكان ما بين كتبي كأثر من زمن منسي بعيد».


مقالات ذات صلة

بأية سوريا نحلم؟

ثقافة وفنون سوريون يحتفلون في ساحة المسجد الأموي بدمشق (أ.ف.ب)

بأية سوريا نحلم؟

في فترة قياسية في التاريخ، لم تتجاوز أحد عشر يوماً، سقط أكثر من نصف قرن من نظام استثنائي بقمعه، وأجهزته الأمنية، وسجونه، وسجل ضحاياه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون هيثم حسين

تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

أحلم بسوريا جديدة تُعاد صياغتها على أسس المواطنة الحقيقيّة، حيث ينتمي الفرد إلى الوطن لا إلى طائفة أو عرق أو حزب

هيثم حسين
ثقافة وفنون عتاب حريب

حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

في عام 2011 كنت على موعد للحصول على فيزا لإقامة معرض في نورث كارولينا بدعوة من جامعة دافيدسون وحصلت على الفيزا في آخر يوم قبل إغلاق السفارة بدمشق.

عتاب حريب
ثقافة وفنون علياء خاشوق

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

«يسقط الطاغية (الثلج) الآن في مونتريال، والأشجار وقوفاً كالأشجار».

علياء خاشوق
ثقافة وفنون فواز حداد

سوريا بحاجة لاستعادة أبنائها

لدى السوريين عموماً عناوين غير مختلف عليها حول سوريا الجديدة: دولة مدنية. ديمقراطية. سيادة القانون. دستور. انتخابات. تداول السلطة. المواطنة. حرية التعبير والرأي

فواز حداد

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق
TT

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق

«يسقط الطاغية (الثلج) الآن في مونتريال، والأشجار وقوفاً كالأشجار».

كانت هذه جملتي المفضلة التي أكررها في أغلب منشوراتي على «فيسبوك»، طيلة ثلاثة عشر عاماً منذ بداية الثورة السورية. كنت أدرّب نفسي، أو لنقل، أستعد لكتابة الجملة المشتهاة في اللحظة المشتهاة:

«يسقط الطاغية بشار الأسد الآن في دمشق، والسوريون وقوفاً كالأشجار».

ويا للهول، أتت اللحظة الفاصلة (اللحظة المعجزة)، تحررت سوريا من هذا العبء الثقيل. سقط النظام السوري المجرم، وأصبحت سوريا، ونحن السوريين معها، بخفة ريشة تتطاير في الهواء. نمسك الحلم (حلمنا) بأيدينا، ونخشى أن يتخلى عنا مرّة أخرى. لا لن يفعل، لن ندعه يفعل، لن نعطيه هذه الفرصة.

ولذا، عُدنا إلى تبني مفهوم التفاؤل، بعد أن غاب عنا عمراً طويلاً أمضيناه نلوك المرارة تلو المرارة، مجزرة تلو المجزرة. نموت بالآلاف، أشلاءً تحت وطأة البراميل المتفجرة. نغرق في بحار البلدان المجاورة ونحن نبحث عن أرض آمنة. تنجرح أصواتنا ونحن نطالب بمعتقلينا في سجون النظام. نخبر الله والعالم أجمع عما يحل بنا ثم نخبو في آخر اليوم، كل يوم، نتكور على أنفسنا مهزومين، نلوك الوجع، ويموت التفاؤل فينا مع كل غياب شمس، أكثر من سابقه.

ثم يأتي يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، يأتي على هيئة بابا نويل، مرتدياً العلم السوري الأخضر. يهبط بعربته في أرض الشام. يفتح جعبته ويوزع الهدايا على كل سوري، صغيراً كان أم كبيراً.

بابا نويل يمسك بنا (نحن) الخِفاف كالريشة التي صرناها ويقترح علينا مصالحات. مصالحات مع المرارة، الهزيمة، الانتظار، اللاأمل، مع موتنا وأشلائنا، مع غرقنا، مع أصواتنا المجروحة ومع زمننا المقبل، الزمن السوري المقبل. جاء بابا نويل هذا (8 ديسمبر)، وتحت إبطه عقد لصفقة كبيرة تدعى «التفاؤل».

قال له السوريون: «أيها السيد المحترم بابا نويل، إنها صفقة رابحة ونحن اشترينا. كل ما نتمناه ألا تكون بضاعتك مغشوشة».

وقّعنا، بسرعة فرح الأطفال، عقد التفاؤل هذا ثم رقصنا وغنّينا وحوّلنا ساحات المدن (كل المدن التي تبعثرنا فيها منفيين ومهجرين)، حوّلناها إلى منصات لاحتفال حاشد واحد، نحمل فيه علمنا الأخضر وندور في شوارع العالم، معلنين حريتنا الغالية الثمن، وسوريتنا وطناً مسترداً من أيدي الطاغية.

يا للهول، يا للحظة المعجزة!

يا للهول، يا للبضاعة المغشوشة أيها البابا نويل المحترم! تفاؤلنا مخلوط بكمية هائلة من الحذر ومعقود على خوف، خوف من زمننا السوري المقبل.

الخوف؟ الحذر؟

ربما لأننا أبناء إمبراطورية الخوف... سوريا.

تقول صديقة كندية: الثلج هو وطني.

ترد صديقتي السورية: الخوف هو وطني، أنا أخاف من أن يمر يوم لا أخاف فيه.

يقف الآن زمننا السوري المقبل بمواجهتنا في مرآتنا. يسألنا عن نفسه فينا، يمد لنا يده، «فماذا أنتم فاعلون؟».

نطبطب على كتف التفاؤل، نحابي الحذر، نتجرأ على الخوف، ونعلن للعالم كله بصوت واحد: «طوبى لمن يشهد قيامة شعبه».

تبدأ المبادرات والدعوات لسوريا الدولة المدنية، سوريا دولة القانون، تمتلئ صدور السوريين بطاقة إيجابية للبناء وإعادة الإعمار، للمصالحات بين زمننا الماضي بكل ما فيه، وزمننا المقبل بكل تحدياته.

تعود إلينا سوريا محطمة، مسروقة، مريضة، مكسورة النفس، تشبه أولادها الذين خرجوا أخيراً من سجون النظام، يحملون تعذيبهم على أكتافهم، ويتركون ذاكرتهم وراءهم بعيداً بعيداً في معتقلاتهم.

كل الصور والأخبار التي يراها العالم اليوم، والذي وقف لمدة خمسة عقود ونيف، متفرجاً على آلام طريق الجلجلة السورية، كلها تعقد الألسن، تفتح أبواباً ونوافذ للحذر من مآلات التغيير، وترفع مسؤولية السوري إلى أعلى مستوياتها تجاه هذا الوطن الذي نسترده الآن حراً من الطغيان الأسدي.

يتصدر المشهد مجموعة ثوار إسلامويين، قطفوا اللحظة (المعجزة)، ويصدرون الوعود الإيجابية بسوريا جديدة لكل أهلها على اختلاف مشاربهم.

ينتظر العالم بأسره كيف سيتعامل هؤلاء الإسلامويون مع بابا نويل سوريا؟

السوريون هم الوحيدون مَن لن ينتظر بعد ذلك. لقد بدأوا بكتابة تاريخهم الجديد، ولن يسمحوا بعد الآن لأي هيئة أو جماعة أن تسرق الحلم.

نعم أيها التفاؤل، إنك صفقة رابحة، حتى ولو كانت مغشوشة.

* سينمائية سورية