«سنوات الجري في المكان»... رواية توظِّف الفن التشكيلي والمسرح

«سنوات الجري في المكان»... رواية توظِّف الفن التشكيلي والمسرح
TT

«سنوات الجري في المكان»... رواية توظِّف الفن التشكيلي والمسرح

«سنوات الجري في المكان»... رواية توظِّف الفن التشكيلي والمسرح

عن «دار الشروق» بالقاهرة، صدرت الطبعة الثانية من رواية «سنوات الجري في المكان» للكاتبة المصرية نورا ناجي. يستدعي العمل فنوناً إبداعية أخرى بشكل مباشر، على رأسها الفن التشكيلي والمسرح والمذكرات، من خلال ما يمكن أن نطلق عليه «رواية نصوص»، تتضمن مسرحية قصيرة مكتملة، ومسودة رواية داخل الرواية، فضلاً عن وصف تفصيلي لمعارض تشكيلية معاصرة وحداثية.

تقع الرواية في 5 فصول، تتبادل الأدوار فيما بينها، كما تفصح عناوينها عن هذا التداخل بين الفنون والوسائط الإبداعية؛ حيث حمل عنوان الفصل الأول «الجري في المكان- مشروع تفاعلي متعدد الوسائط»، وحمل عنوان الفصل الثاني «كل القطط الميتة- من دفتر يوميات ياسمين السيد»، وجاء عنوان الثالث «الانتباه إلى الصوت- معرض للفنان مصطفى عبد العزيز»، أما الفصل الرابع فجاء عنوانه «الحلاق والملك- مسرحية من فصلين»، بينما كان اسم الفصل الأخير «كمثل تمثال في شرفة- رواية».

يرصد العمل مآلات 5 مبدعين شبان يجمعون بين فنون الكتابة والفن التشكيلي، شاركوا في أحداث 25 يناير (كانون الثاني) وأصيبوا بحالة من الاكتئاب الحاد، وضعت بعضهم على حافة الانتحار بسبب موت واحد منهم هو «سعد بيومي» في الميدان. يبدأ العمل زمنياً بعد مرور سنوات عديدة على تلك الأحداث التي جرت في عام 2011؛ حيث يستعيدون الذكريات كجيل يتأمل هزيمته وأحلامه الضائعة. ومن خلال أجوائها تقدم الرواية سيرة مختلفة للحواس، بداية من الرؤية واللمس والتذوق إلى الشم والسمع، ويتم ذلك عبر حكايات إنسانية مؤثرة لأشخاص يجابهون الإحساس بالفراغ والوحشة، ويسعون إلى تحويل أزمتهم الوجودية إلى إبداع.

صدرت للكاتبة نورا ناجي 4 روايات سابقة، هي «بانا»، و«الجدار»، و«بنات الباشا»، و«أطياف كاميليا»، كما صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان «مثل الأفلام الساذجة»، وكتاب «الكاتبات والوحدة».

ومن أجواء الرواية، نقرأ:

«ترتدي أمي الأزرق معظم الوقت، أرسمها منذ صغري بفستان أزرق على الورق المسطر. تحملني أو تعطيني المصروف أو أمنحها وردة. أجري نحوها لأريها الرسمة، تبتسم وتقول لي: يا سعد أنت شفاف، أنت فنان. أبتسم لها فتبتسم لي، ويضيء الأزرق، تعلق الرسمة على باب الثلاجة.

هي من أخبرتني أن هذا اللون يشف الجلد ويكشف عما بداخل الإنسان من أسرار. تقول: الأزرق لون الروح يا سعد، يكشف الروح، وهي لم تملك شيئاً لتخفيه أو كما كانت تقول: أنا لا أخاف من شيء لأخفيه. أنا أيضاً لا أخاف، عندما ذهبت إلى الميدان لم أخف، لم أتوقع شيئاً ولم أفهم تماماً ما يحدث؛ لكن ما رأيته على شاشة التلفزيون كان كافياً لأحمل كاميرتي وأذهب. ثمة أمل خفي في أنني سأشارك أيضاً في تغيير التاريخ؛ لأنني مثل أمي لا أخفي شيئاً؛ لكني أحمل الكثير من الغضب.

الغضب رفيقي منذ صحبتني أمي إلى (المنصورة)، كانت ترتدي الأزرق في ذلك اليوم، فستاناً منفوشاً بورود صغيرة صفراء، وحجاباً أبيض طويلاً. لم أفهم سر ذهابها، هذه مدينة لا نعرفها ولم نفكر فيها قط، لماذا ومضت فجأة في عقلها؟ أمطرتها بأسئلتي طوال رحلتنا ولم أحظَ بإجابات. ذهبنا أولاً إلى (موقف عبود) وركبنا الميكروباص المختنق بالناس. كانت صامتة معظم الوقت كأنها لم تنسَ أن تسألني إن كنت أريد رشفة ماء من الزجاجة التي تحملها في كيس بلاستيكي لم تنسَ أيضاً أن تملأه بسندويتشات ملفوفة بورق مفضض.

امرأة حزينة لا تتوقف عن الاعتناء بي وعرفت أنني سبب حزنها. لم يتبقَّ سوى شهر على التحاقي بالجامعة، كلية الفنون الجميلة كما حلمت دوماً وكما حلمت هي. وكنت أعرف أن المصاريف كثيرة وأننا لا نملك الكثير».


مقالات ذات صلة

«بالسابع»: الرحم مرآة للعالم الخارجي وتاريخ مُبكر للأذى

يوميات الشرق في مسرحية جو الخوري تتحوّل الرحم إلى خشبة (مسرح المونو)

«بالسابع»: الرحم مرآة للعالم الخارجي وتاريخ مُبكر للأذى

الخيط السردي الذي يربط الداخل بالعالم الخارجي، شبيه بحبل السرّة: مرئيّ، لكنه هشّ... متين بما يكفي ليُغذّي، وضعيف بما يكفي ليخنق...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق عرض «كارمن» وفق رؤية إخراجية جديدة (وزارة الثقافة المصرية)

«كارمن» تعود مجدداً لخشبة المسرح المصري برؤية حداثية

تعود الفتاة الغجرية الإسبانية «كارمن»، بطلة رواية الكاتب الفرنسي بروسبير ميرميه، للظهور مجدداً على خشبة المسرح المصري، ولكن هذه المرة برؤية حداثية.

محمد عجم (القاهرة )
يوميات الشرق «جرّة غاز سبيسيال» تُعرض على خشبة «مونو»... (الشرق الأوسط)

«جرّة غاز سبيسيال»... وجع مشترك وانفجار مرتقب على خشبة المسرح

مسرحية «جرّة غاز سبيسيال» تستكشف الصدمة الجماعية وسُبل الشفاء منها، وتعرض قصصاً ترتبط بأحداث حروب سابقة وحالية بين لبنان وسوريا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق قراءة فنية للحكاية المحلية بمنظور جديد وتمكين للمواهب المسرحية السعودية (الشرق الأوسط)

«الصرام»... حين تصعد النخلة إلى خشبة المسرح

حين يتحوّل التراث إلى تجربة فنية معاصرة، ويُعاد توظيف رموزه في سياق مسرحي حيّ، يصبح الفن وسيلة لربط الإنسان بجذوره، لا للاحتفاء بالماضي فحسب، بل لتأمله…

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق مسرحية «المجانين» أحدث الأعمال التي قدمها هنيدي (صفحة السينما. كوم)

نجوم السينما والدراما... هل يعيدون الجمهور للمسرح المصري؟

يراهن المسرح المصري في الفترة الأخيرة على الاستعانة بنجوم الدراما والسينما، لإعادة الجمهور وجذبه لمشاهدة العروض المسرحية، وهو ما ظهر في إعادة إنتاج «الملك لير».

محمد الكفراوي (القاهرة )

«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

مشهد من فيلم «الختم السابع»
مشهد من فيلم «الختم السابع»
TT

«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

مشهد من فيلم «الختم السابع»
مشهد من فيلم «الختم السابع»

يناقش كتاب «الحبكة المقدسة»، الصادر عن دار «إيبيدي» بالقاهرة، للباحث أسعد سليم، تناول الشاشة الفضية للموضوعات ذات البعد الديني الأخلاقي، وما أثارته عبر تاريخها وما تخلل ذلك من توافق وتناغم، أو خلاف وتباعد بين صناع هذا الفن وبعض المؤسسات أو الجهات ذات الخلفية الروحانية.

في ثلاثينات القرن الماضي، تأسست في الولايات المتحدة جماعة تحمل اسم «فيلق الحشمة» كان هدفها كما هو معلَن «مكافحة الفجور في السينما» وفق معايير أخلاقية متشددة ترى أن «هوليوود هي أقرب شيء للجحيم على الأرض، بل هي ما تمكَّن الشيطانُ حتى الآن من إقامته في هذا العالَم، كما أن نفوذها يقوِّض الثقافة الأخلاقية».

جاء الصدام الأكبر عبر ويل هاريسون هايز (1879 - 1954) رئيس الرقابة في هوليوود وقتئذٍ، حيث تبنى قانوناً يتضمن مجموعة من التعليمات الصارمة للرقابة الأخلاقية تلغي أي حرية لدى صناع الفن في تناول أي عمل له طابع ديني، رغم أن تلك النوعية من الأفلام التي سبق تقديمها بالفعل كانت تتوافق مع الرؤية الدينية للمؤسسات الرسمية، كما في فيلم «حياة موسى» للمخرج ستيوارت بلاكتون، إنتاج 1909، والمكون من 5 أجزاء.

ورغم أن فيلم «من المهد إلى الصليب» تم تصويره في فلسطين وظهر للنور عام 1912، فإنه واجه اعتراضات بسبب الاعتراض على تجسيد الشخصيات الدينية على الشاشة. وتركت الأزمة الاقتصادية الشهيرة المعروفة باسم «الكساد الكبير» (1929 - 1939) الملايين حوْلَ العالَم في حالة من اليأس والإحباط، وهو ما جعَل القصص الروحانية التي تدعو للأمل والخلاص تبدو فكرة جذَّابة وملهِمة، ينتظرها الناس بشغف.

يوضح الكتاب أن السينما لمْ تتوَانَ عن اقتناص الفرصة؛ حيث قامت بإنتاج ملاحِمَ دينيةٍ ضخمة، بمؤثِّرات بصرية مقبولة، كما برَز اسم المخرِج سيسيل ب. ديميل واحداً من زعماء تلك الفترة، من خلال فيلمه الصامت «الوصايا العَشْر» (1923) الذي كان بمثابة الشرارة الأولى نحو إنتاج أعمال ملحمية مبهِرة، حيث استخدم ديميل تقنيات مبتكَرةً، مثل اللقطات الملوَّنة يدويّاً لتصوير شَقِّ البحر الأحمر، مما جعَل الجماهير تنظُر للفيلم كأعجوبة بصرية.

وتقدَّمت هوليوود خطوة للأمام، بمحاولة تقديمها أفلاماً دينية ذات طابع إنساني جماهيري، مثل فيلم «المراعي الخضراء»، 1936، الذي كان جميع أفراد طاقم التمثيل فيه من أصحاب البشرة السمراء. أما أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) فكان لزاماً على السينما أن تكون أداة لرفْع الروح المعنوية، وبالفعل حاولت ذلك في فيلم «أغنية برناديت»، الذي يحكي قصة فتاة تُدعَى «برناديت»، تنتابها رؤى غامضة ذات بعد روحاني وهو ما مثَّل رسالة أمَلٍ، في وقتٍ كانت فيه أوروبا تعاني من الدمار.

ووصَلَت الملاحِم الدينية لذروتها مع فيلم «بن هور» (1959) الذي حصَد إحدى عشرة جائزة أوسكار، وتناوَل اضطهاد المسيحيين في روما القديمة، مستخدِماً مَشاهدَ هائلة لسباق العربات؛ لجذْب الجماهير، في خطوة جديدة تجمع بين الإبهار البصري والرسائل الروحية.

وتحت ضغط التغييرات الجذرية التي شهدتها حقبة الستينيات من ثورات ثقافية اجتماعية وحركات التحرر، طرحت السينما الغربية رؤى مختلفة وجديدة في معالجة الموضوعات ذات البعد الديني التاريخي. مهّد المخرِج السويدى إنغمار برغمان لهذا التحوُّلَ بأفلام من نوعية «الختم السابع» الذي يصوِّر رحلة فارس عائد من الحروب الصليبية في العصور الوسطَى، يواجِه ملاكَ الموت في لعبة الشطرنج، وسط وباء الطاعون القاتل. وقدَّم المخرِج رومان بولانسكي فيلمَه الشهيرَ «طفل روزماري» 1968، الذي اتَّخذ الشيطانَ تهديداً قوياً في قلب مدينة نيويورك، معتمِداً على إثارة أجواء من الرعب والقلَق عن طريق استخدام الطقوس المخيفة.

طرحت السينما الغربيةرؤى مختلفة وجديدة في معالجة الموضوعات ذات البعد الديني التاريخي

يذكر المؤلف أنه من العلامات المهمة في هذا السياق، ما قدمه المخرِج وليام فريدكين في فيلمه الشهير «طارد الأرواح» (1973)، الذي يحكي عن معركة مثيرة بين عدد من رجال الدين وروح شريرة تسيطر على فتاة صغيرة، مستخدِماً تقنيات بصرية حديثة، ومؤثِّرات صوتية، بالغة الدِّقة؛ لِبَثِّ الرعب في نفوس المُشاهدين. كما اقتبس المخرِج كين راسل أحداث فيلمه «الشياطين» (1971) من أحداث تاريخية دارت في فرنسا في القرن السابع عشر، الذي صوَّر اضطهاد رجل دين بتُهمة السِّحر وسط صراعات سياسية، مقدِّماً مَشاهد صادمة، وهو ما جعله محظوراً من العرض في بعض الدول، لكنه أظهَر صلابة السينما، وإمكانية تَحَدِّيها للمؤسسات الرسمية. وقدم المخرِج ستانلي كوبريك في عام 1986 مفهومَ التطور والذكاء الاصطناعى في فيلمه الشهير «أوديسا الفضاء 2001» باعتباره صاحب قدرات تفوق البشر على نحو خارق حتى أن البعض فكر في عبادته، مما جعل هذا العمل يعد نقطة تطوُّر جوهرية في مسار سينما الخيال العِلمي، وطريقة محاكاتها للرموز المقدسة.

ومع دخول التسعينيات، أصبح العالَم يمُوج على سطْح هائل من المعرفة والتكنولوجيا، امتازت تلك الفترة بسهولة الحصول على المعلومات وسيولتها، وهو ما حاوَلَت السينما عكسه في أفلامها، ومنها الفيلم الشهير «ماتريكس» (1999) الذي جمَع بين العديد من المفاهيم ذات الطابع المقدس في حبكة تجمع بين الإيقاع البوليسي والرؤية الوجودية القاتمة.

وبدا فيلم «آلام المسيح» (2004) لميل غيبسون مغرقاً في الأجواء الواقعية المثيرة للحزن والتعاطف نظراً للبراعة في تجسيد عذاباتِ السيد المسيح، بحسب ما يعتقد المسيحيون، بينما أشار المخرِج أنغ لي في فيلمه «حياة باي» (2012) إلى مفاهيم إيمانية روحانية مؤثرة عبر مَشاهد بصرية مذهِلة.