صدرت للروائي السوداني عماد البليك رواية جديدة بعنوان «الملائكة في فرص» عن دار ويلوز هاوس في جوبا بجنوب السودان، بعد أن كان قد صدر له آخر عملين قبل عامين، وهما «راما» عن دار السعيد - القاهرة، و«معجزة بوذا» عن بلاتينيوم بوك - الكويت.
تتناول «الملائكة في فرص» قصة تهجير سكان مدينة وادي حلفا في شمال السودان بعد إنشاء السد العالي في مطلع الستينات وما تبعه من ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964 ضد الحكم العسكري في البلاد، حيث كان ذلك التهجير القسري من أسبابها التي لم ينظر لها المؤرخون باهتمام.
يعود الراوي إلى اللحظة التي وصلت فيها فرقة آثار بولندية لإنقاذ ما تبقى من الكنيسة العتيقة بمدينة فرص قبل إغراقها بفيضان السد والتي يعود تاريخها إلى 600م، حيث تظهر شخصية كارلوس جوفياني الذي شارك في العمل، ذلك القادم من أثينا بتاريخ مجهول وحياة غامضة في طفولته، مروراً بالإسكندرية، إلى الخرطوم ليعيش في السودان إلى وفاته ويكتشف عالماً آخر، مساهماً في الحياة الثقافية والعلمية.
في سيرته «السوريالية» تتداخل تفاصيل الأكاديمي مع رجل الدين والمثقف الفيلسوف، الإنسان الباحث عن الحقيقة الذي يظل يطارد الهدف من وجوده.
يقوم جوفياني بأبحاث حول الكنيسة والمسيحية في السودان، وعن المملكة الغارقة تحت الماء في شمال البلاد، نابشاً في تاريخ الممالك المسيحية القديمة في شمال البلاد التي تصل إلى حدود مصر الجنوبية، إلى أن يصاب بمرض يقول الأطباء إنه لا علاج له ويشفى منه بقوة طاقة الأمكنة «التي نحبها».
العمل يأخذ تاريخ السودان الحديث ما بعد الاستقلال إلى الراهن كخلفية لتطورات الأوضاع السياسية والمجتمع، ليعكس صورة البلد بتنوعه الإثني والثقافي والديني، حروبه ومعتركاته، ما بين غابة وصحراء، في الوقت ذاته يغوص في تاريخ السودان القديم ما قبل الإسلام ودخول العرب إلى البلاد، حيث مملكة نوباتيا وقبلها من الممالك الوثنية، مصوراً تاريخاً متصلاً من التقاليد والطقوس التي لا تزال قائمة إلى اليوم.
تقوم الرواية على نظام العتبات المسماة باسم النهر كما تستلهم الرسومات التشكيلية المأخوذة من التراث والعمارة النوبية، بخاصة تلك التي تظهر في واجهات البيوت، وقد جاء العمل في 272 صفحة.
نقرأ في مقطع من الفصول الأولى:
«كانت السماء تمطر بشدة والليل قد كثرت شُهبه التي ضربت بقوة، ورصد عددٌ من الرجال أحجاراً تسقط على النهر، تتهاوى في الليل البهيم في آخر الشهر القمري.
كبار السن حسبوها قيامة سريعة سوف تقضي على كل شيء، سوف تهزم الحكومة «الكافرة» التي اتخذت القرار، لعنوا الحاكم العسكري في الخرطوم، وبعدها بعام في 21 أكتوبر 1964 حصلت الثورة ضده وأزيح عن السلطة، ولا أحد ربط بين تهجير النوبيين وانتزاع تاريخهم وهذه الثورة.
لا أحد، لكن بعض النساء الكبيرات السن كنّ يقلن:
«ذهب الطاغية إلى الجحيم»
كانت لعنات الكنائس القديمة في مدينة فرص بالتحديد، وملائكتها قد قررت أن تنتصر لذاتها، كما يتخيل بعضهم.
أو كما تخيل رجل وقف ذات يوم على أطلال الماضي وهو يراقب اللوحة التي غيّرت مسار حياته «الملائكة في فرص»، كانت عيناه تفيضان بالدموع وهو يبكي بشدة، غير عارف ما يدور من حوله، هل هو يحلم أم يعيش حياة ثانية داخل هذه الحياة التي بدت له غامضة وغير ذات معنى أحياناً».
عماد البليك روائي وصحافي سوداني، درس هندسة العمارة بجامعة الخرطوم، ونشر مبكراً في النقد الأدبي بصحف السودان، عمل بالصحافة في السودان والخليج بقطر وسلطنة عمان، وكتب في الكثير من الصحف والمواقع العربية، له 26 مؤلفاً منشوراً في الرواية والقصة والفكر والنقد الأدبي والدراسات السياسية. يعمل مدير تحرير تنفيذي لـ«إندبندنت عربية» في لندن.
أصدر أول عملين روائيين دفعة واحدة في عام 2004، وهما «الأنهار العكرة» و«دنيا عدي». من أعماله الأخرى «دماء في الخرطوم» 2008، و«شاورما» 2014.