معرضان للكتاب يحمل أحدهما اسم «لبنان» والآخر «بيروت»

ينطلق أولهما بعد أيام مصحوباً بحملة ترويجية غير مسبوقة

جانب من معرض بيروت للكتاب
جانب من معرض بيروت للكتاب
TT

معرضان للكتاب يحمل أحدهما اسم «لبنان» والآخر «بيروت»

جانب من معرض بيروت للكتاب
جانب من معرض بيروت للكتاب

معرضان رئيسيان للكتاب يفصل بينهما شهر واحد ستشهدهما العاصمة اللبنانية، يبدأ أولهما بعد أيام. فهل هي دلالة صحة وحيوية كما يريد أن يوحي البعض، أو حالة تدل على مزيد من التشرذم، والكيدية ووصول الانقسامات السياسية إلى عالم الكتب والنشر والثقافة؟

في الثالث عشر من الشهر الحالي تشهد بيروت افتتاح «معرض لبنان الدولي للكتاب» الذي تنظمه «نقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين» في «الفوروم دو بيروت»، ويستمر لمدة عشرة أيام. وبعد شهر تقريباً من هذا التاريخ، ينطلق «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» الذي ينظمه «النادي الثقافي العربي» في «البيال» وسط بيروت، في دورته الخامسة والستين، وينعقد من 23 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 3 ديسمبر (كانون الأول). وهذا الأخير هو أول معرض للكتاب عرفته المنطقة العربية على الإطلاق، وكان ذلك عام 1956، وبقي مستمراً حتى يومنا هذا، عابراً للحروب والأزمات، وها هو يعيش أصعب أيامه؛ إذ يأتي «معرض لبنان للكتاب» الذي ينظمه اتحاد الناشرين بعد أيام، وكأنه يوجه ضربة قاسمة للمعرض التاريخي الذي يعد محطة ثقافية جامعة عمرها تجاوز نصف قرن. «البلد يتحمل معرضين، لا بل يتحمل كل يوم معرضاً»، تقول نقيبة اتحاد الناشرين سميرة عاصي لـ«الشرق الأوسط». «المطاعم ممتلئة كما المقاهي، والفنادق. هذا يعني أن الإمكانات موجودة. والتحدي الأكبر هو في كيفية التنظيم والقدرة على جذب الناس»، ضاربة مثلاً أن لبنان يشهد العديد من المعارض في المناطق وبينها «انطلياس» وجميعها مفيدة.

الحملة الإعلانية النشطة التي ترافق معرض لبنان، يشارك فيها فنانون وإعلاميون، على مختلف وسائل التواصل، يروجون لاستضافة أدباء من خارج البلاد، وبرنامج عامر بالورشات والمحاضرات، في حين أن المعرض التقليدي يشتكي من قلة الموارد، فمن أين يأتي التمويل؟ تقول النقيبة عاصي: «نحن تمويلنا ذاتي. الناس التفت حولنا. تلفزيون (إل بي سي) يدعمنا، أقرباء لي قدموا العون وتكفلوا بالحملة الترويجية، واستقدام الضيوف. من يسعَ يصل إلى ما يريد. هدفي حماية سمعة وأداء الناشر اللبناني. نريد معرضاً نباهي به. المعرض الذي يقام كل سنة لم يعد معرضاً». تقول نقيبة الناشرين في لبنان: «إن كل ما يجري اليوم هو بعيد عن السياسة، في النقابة نحن متماسكون ونعمل معاً. ستشارك كل الدور الكبيرة، وكذلك الدور الفرنسية، وسترون ضيوفاً من خارج لبنان؛ أدباء، ووزراء ثقافة، ومستشارين».

تتحدث عاصي عن معرض بمساحة تسعة آلاف متر وليس ألفين كالذي ينظمه النادي، و270 دار نشر، و21 دولة مشاركة.

«ليس هدفنا الربح، وإنما أن نرفع اسم لبنان عالياً. أخذنا المتر بـ48 دولاراً ونؤجره للناشرين بنفس السعر. وسنقدم برنامجاً ثقافياً عامراً، ونسعى لأن يكون في المعرض أسعار مخفضة»، مؤكدة أنه «ليس القصد التحدي، وإنما على الكتاب اللبناني أن يستعيد دوره، والمعرض مكانته. نريد فعلياً معرضاً دولياً للكتاب، وليس معرضاً محلياً كالذي يقيمه النادي، خاصة بعد أن توقفت السفارات عن المشاركة فيه»، لكن الصورة ليست وردية على النحو الذي تصوره النقيبة عاصي؛ فقد سبق لنقابة الناشرين أن نظمت معرضها إلى جانب معرض «النادي الثقافي العربي» لسبع دورات في تسعينات القرن الماضي، لكن ليس بفارق شهر، ولم تكن مشاركة الدور في معرضين ثقيلة على كاهل الناشرين، كما هو الحال اليوم، فضلاً عن أن وجود معرضين يشقّ صفّ الناشرين الذين يشارك بعضهم هنا، وبعضهم الآخر هناك، ويحرج بعضاً ثالثاً فيشترك في المعرضين على مضض.

وتعترض النقيبة عاصي، على استسلام النادي للمعوقات التي يمكن تجاوزها، في حين أن رئيسة «النادي الثقافي العربي» سلوى السنيورة بعاصيري، تعد «أننا ملزمون بتحمل صغر المساحة بعد أن دمر انفجار المرفأ جزءاً من مكان العرض، وعلينا أن ننتظر إلى أن يتم إعادة البناء». وهي لا ترى إمكانية لنقل المعرض إلى أي مكان آخر خارج وسط بيروت؛ «لما له من رمزية علينا احترامها». وتعد أن النادي ليس مسؤولاً عن الانفجار، «نحن ضحايا، كما الثقافة أيضاً»، وتطالب بأن يتكاتف الجميع لإقامة معرض يليق ببيروت.

السيدتان اللتان تتربع كل منهما على رأس الهيئة التنظيمية لمعرض كتاب، لكل منهما رأيها وحجتها. وكل منهما تتمنى النجاح للأخرى؛ لأن أحداً لا يستطيع أن يلغي الآخر. «كل ما نطلبه» تقول السنيورة «ألا يتحول الكلام إلى مهاترات، واتهامات، وتصغير لدور الآخر. الثقافة في لبنان حرّة، وهناك مكان للجميع». وتذكر السنيورة أن معرض النادي الثقافي العربي يعطي هذه السنة أهمية للأنشطة التي ستكرم العديد من الشخصيات النهضوية، مثل جبران خليل جبران، وكذلك أدباء مثل نازك الملائكة وميخائيل نعيمة، وكذلك سيحتفل بعاصي الرحباني.

ويعد الناشر سليمان بختي صاحب «دار نلسن» أنه غير قادر على الاشتراك في المعرضين، وسيكتفي بالثاني، وكان يتمنى لو تم الاتفاق بين النادي الثقافي واتحاد الناشرين لإقامة معرض موحد كبير وقوي، «أما وإن الأمر ليس على هذا النحو، فالمنافسة قد تكون فرصة لتحسين الأداء»، وهو مؤمن «أن النصر في النهاية ليس لإحدى الجهتين المنظمتين وإنما للكتاب. الكتاب هو القضية الحقيقية».

والاحتجاج على الطريقة التي ينظم بها النادي المعرض، ليس جديداً، لكن العام الماضي تأزم الوضع حين قرر أن يعقد دورتين، شاركت النقابة في إحداهما، متمنعة أن تكون جزءاً من الثانية.

ومعرض لبنان الذي ينعقد بعد أيام، برأي محمد الهادي رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية له، «يراد منه أن يكون أهم وأكبر حدث ثقافي لبناني خلال العقد الأخير على الأقل. ومن الآن تتوالى الإصدارات التي تخرج طازجة من المطابع لهذه المناسبة، منها رواية جديدة لرشيد الضعيف (ما رأت زينة ولم ترَ)، و(أغنيات للعتمة) لإيمان حميدان، كما صدر كتاب بمناسبة مئوية عاصي الرحباني للناقد والممثل عبيدو باشا، وهنا مذكرات بديعة مصابني عن الدار نفسها (نلسن)، وأصدرت (دار الآداب) لمازن حيدر (الرجاء استبدال الأكاليل)». ومن بين الضيوف الشاعر أدونيس الذي سيجري تكريمه، والكاتبة الكويتية بثينة العيسى، والروائي الكويتي سعود السنعوسي.

فهل يكون الانقسام الثقافي حول معرض الكتاب هو نهاية الانقسامات وبداية الصعود؟



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي