الرواية السورية في المهجر... مصائر في قبضة العزلة والألم

خالد حسين يقدم قراءة لعدد من أبرز إصداراتها

الرواية السورية في المهجر... مصائر في قبضة العزلة والألم
TT

الرواية السورية في المهجر... مصائر في قبضة العزلة والألم

الرواية السورية في المهجر... مصائر في قبضة العزلة والألم

«سيميائيات الكون السردي» كتاب صدر أخيراً للناقد د. خالد حسين، ويتضمن قراءات نقدية تطبيقية في عدد من الإصدارات الروائية السورية الراهنة التي يعيش أغلب مؤلفيها في الدول الأوروبية بالمهجر.

استهل المؤلف كتابه الصادر عن «منشورات رامينا» في لندن برواية «لا ماء يرويها» للرّوائية «نجاة عبد الصمد»، التي يرى أنها جاءت أشبه بضربة مزدوجة، موجهة لمجتمع متمركزٍ حول الرجل، والأصوب حول طغيان فظ للذكورة.

ويتحدد هذا الفضاء في الرّواية بمكانين رئيسيين: «السّويداء» وإحدى قراها «مرج الكعوب»، وهما مكانان ينفتحان على أمكنة بعيدة وقريبة؛ دمشق، بيروت، لاغوس، البرازيل، رومانيا... وفي هذا «الزّمكان» الثنائي ذاته تنهضُ شخصية «حياة» البطلة بلعبةِ السَّرد كمشاركة في الحدث الرّوائي وراوية له، ولمصائر متعددة من الشّخصيات، تتناهبها الأحداث؛ مرهج أبو شال، خليل أبو شال، ذهبية، ناصر، سالم الأخوث، سلامة، زين المحضر، نجوى، أرجوان، وأحداث أخرى تظهر وتختفي هنا وهناك.

يقول د. حسين: «إننا إزاء رواية الألم - الأنوثة. الألم المحض، الوجعُ الذي لا يفتأ ينتشر من بدءِ النص إلى منتهاه، مكتسحاً حيوات (حياة)، (رجاء)، (ذهبية)، (زين المحضر)... إلخ. بيد أن هذا (الألم) يفترسُنا في الحقيقة من الشذرة التي تتصدّر الرّواية». وتكثف تلك الشذرة التي غدت في حوزة الرِّواية أو امتداداً لها «حيوات الأُنثى في الواقع والمتخيَّل الرِّوائيّ كما لو أنَّ الرّوايةَ في انبساطِهَا وامتدادِهَا هي تأويل للشّذرة ذاتها من خلال متابعةِ آلام شخصياتٍ أنثويّةٍ».

إنَّ سيمياءاتِ أو علامات الألم، حسب الناقد، «تنتشي بقوة وعنفٍ في البداية النّصيّة للرّواية، وهي تقدّمُ لنا الصُّورة الأولى عن ألم (حياة): كنا أطفالاً نلعب الغميضة في عمارة الجيران، دفعني أخي ممدوح إلى عامودها، فجَّ العامود رأسي، وركضتْ أمّي على صراخي: هصصص. بدل أن تبكي هاتي البشارة، كلُّ أرض يسيل عليها دمُكِ يُكتب لكِ فيها موطئ قدم. يظل سحْرُ اللغةِ بعداً مستقطباً للقراءة في الرواية، سحر الكلمة الشّعرية وهي تحيط بالقارئ، دون أي إخلال بالعملية السَّرديّة، ويصبحُ النصُّ في مساحاتٍ منه مفتوحاً على الغرابة والدّهشة والفيض الدّلالي».

عشبة ضارة

وينتقل الباحث إلى عمل روائي آخر هو «عشبةٌ ضارّةٌ في الفردوس» للكاتب هيثم حسين الذي يتخذ من مكانٍ ما في شمال شرقي سوريا بؤرةً مكانيةً لأحداثٍ روائيةٍ ضاريةٍ إذ يمكن التمثيلُ لها تصريحاً ببلدة «عامودا» ذاتها قبل أن ينتقل الرِّوائيُّ إلى اختلاق بؤرةٍ مكانيةٍ أُخرى تناظرُهَا في ضواحي العَاصمة دمشق «قرية المنارة»، التي يشغلها أكراد حاصرتْهم موجاتُ الجفاف في «الجزيرة» فألقتهم هناك دون دليلٍ رفقةَ نازحين سوريين من الجولان، لتنتهي الرِّوايةُ بزجّ بؤرةٍ مكانيةٍ ثالثةٍ متخيّلة (البحر ــ أوروبا) تلميحاً بوصفها إمكانيةً مكانيةً فحسبُ مع حركة «الثّقبِ الأسودِ للثّورة» واتساعها ومن ثمّ ابتلاعها لسوريا وذلك بعد أن أممتها المتشددة لتحقيق أحلامها السَّرمدية.

ويرى د. حسين أن «السردية في الرواية» تتمركز حول «منجونة»، عاشقةُ الكتبِ الفَلسفيّةِ، وهذا الحدث المتعلق بالغرق، إذ تفتتحُ به «منجونةُ» الرّوايةَ وتنهيها به، وما بين تكرار الحدث بدايةً ونهايةً تستعيد البطلة أحداث الرواية وتحولاتها الزمكانية وشخوصها: «لا أريدُ أن ينتشلني أحدٌ من غرقي. أي: لا أريد أن يقاطعني أحد عن سردي»، فأي انتشالٍ (مقاطعةٍ) ستُوقع بفعل السّرد وتقطع إيقاعه وتمنعه من أداء وظيفته للاستحواذ على العالم. لذلك تمضي السَّاردة إلى امتداح حدث الغرق والعتمة التي تحيط بها: «هذه لحظة الانعتاق المطلقة التي ظللتُ أرنو إليها، أستمتع بهذا الغرق، بهذه العتمة الجديدة، أحظى بحُريةٍ ما فتئت أحلم بها». إنها لحظةُ انفجارِ السَّردِ وفيضانِهِ، لحظةُ ولادةِ العَملِ الرّوائيِّ ذاتِهِ، اللحظةُ التي تسمحُ للحَدَثِ بالانبثاق، لكنها لحظةُ خاتمةِ الرّوايةِ أيضاً: «على أيّ شاطئ أستلقي الآن؟ من هؤلاء الذين يحيطون بي؟ هل انتشلني أحدهم من عتمتي المنشودة تلك. أنا منجونة التي لم يُعرف لها عمر محدّد، الغارقة في عتماتها، الهاربة من حكاية إلى أخرى، أقف على عتبةٍ متاهةٍ جديدةٍ. يبدو أنني عدتُ إلى دائرة النار ومسرح العبث. إنها العتمة من جديد».

سردية الهجرة

وفي رواية «ممر آمن» للكاتب جان دوست، يختطفُ التنظيم الإرهابي «داعش» والدَهُ الطبيب «فرهاد»، فتضطرُّ الأسرة المكوَّنة من الأم «ليلى آغا زادة» وأطفالها الثلاثة «كامو، آلان، ميسون» إلى الهجرة إلى حلب، التي تفاجئهم بمقتل الطفلة «ميسون» بشظية قنبلةٍ، فلا تجد الأسرةُ سوى «عفرين» مكاناً تلتجئ إليه، لكنّ أحداثاً جديدة تقودهم إلى مصير يتلاشى في المجهولٍ.

وفي هذا السياق، يُصَدّر الروائي نَصّه «ممر آمن» بأغنية فلكورية للمغنّي العفريني «جميل هورو»: «سأموتُ في هذه الأيام - فبالله عليكم أيُّها الأصحاب - احفروا قبري أسفل الهضبة - وازرعوا في أحد جانبيه وردا - وفي الآخر ريحانا - واحرسوا قبري فإن لي أعداء كثيرين - وأخشى ما أخشاه أن يأتوا ليقطعوا الورد والرّيحان - النّامي على قبري».

ويذكر المؤلف أن التَّصدير، أو الوصية، هنا يحيلنا من المغني إلى عفرين ذاتها، أو بالأحرى إلى «السُّلطة» التي كانت قائمة آنئذٍ.


مقالات ذات صلة

1967 متنافساً من 49 دولة على «القلم الذهبي»

يوميات الشرق المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

1967 متنافساً من 49 دولة على «القلم الذهبي»

انتهت المرحلة الأولى من عملية التحكيم للقائمة الطويلة التي شارك فيها 1967 كاتباً من 49 دولة حول العالم للفوز بـ«جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
ثقافة وفنون أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً

«الشرق الأوسط» (الأقصر (مصر))
ثقافة وفنون أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية

ماغنوس وليام أولسون باسم المرعبي (ترجمة)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)

العيش على حدّ الذاكرة... روائيّاً

العيش على حدّ الذاكرة... روائيّاً
TT

العيش على حدّ الذاكرة... روائيّاً

العيش على حدّ الذاكرة... روائيّاً

تلتقط هدى بركات، في روايتها الجديدة «هند أو أجمل امرأة في العالم» الصادرة عن «دار الآداب» لحظة موت الأم. تلك الهنيهة المفصلية القاصمة، التي تنقل المرء من حالة عيشه اللحظوية، إلى مراجعة الذات واستقراء الذاكرة وإعادة ترتيب الماضي، على ضوء الفقد العضوي الباتر. هكذا تترك الروائية لبطلتها المصابة بمرض «الأكروميغاليا»، أو تضخم الأطراف، حرية أن تمضي جيئة وذهاباً على خط الزمن، في محاولة للتصالح مع الذات والذوات الأخرى التي أحاطتها.

حين تموت الأم

ماتت الأم إذن، وها هي هنادي تعود للوطن، وتجد نفسها في تلك الأماكن القديمة التي عرفتها برفقة والدتها، لكنها هذه المرة وحيدة، ومعها زادها الثقيل من الصور والحكايات التي انقضت، وتجربتها القاسية في الغربة، وحاضرها الصعب، وقد تعرضت البلاد لعواصف من الأحداث الأليمة، لعل آخرها انفجار مرفأ بيروت، الذي تبدو آثاره جلية في الرواية، وفي حياة الأهالي.

بالرواية شخصيات عدة: الأم التي رحلت وتركت خلفها علاقتها المتوترة مع هنادي، وهند الشقيقة التي رحلت باكراً، والجيران (أم منصور)، والعمات وعامل الإنترنت أحمد، والحبيب رشيد، وآخرون، يظهرون سريعاً ويغيبون. غير أن القصة تبدو للقارئ وكأنها «مونولوغ» طويل بسبب أن الراوية - هنادي التي على لسانها يدور السرد، وتتفرد وحدها بأن تحكي لنا قصتها، من وجهة نظرها وكما تراها، من زاوية خاصة بسبب المرض النادر الذي تعاني منه وجعل حياتها متفردة أيضاً. فهو ينتج عن اضطراب هرموني لا يجعل الشكل مشوهاً والرأس متضخماً، والجسد متعملقاً، والشعر كالإبر، فحسب، بل يتطور بمرور الوقت ويتسبب بإعاقات، وعلل تودي بصاحبها، أو في أحسن الأحوال تتسبب بتدهور صحته.

حال هنادي نعيشه معها وهو يتردى مع تقدم العمر، ويسهم أيضاً في تأجيج الذاكرة، وتفتيق الجراح. المشكلة تبدأ باكراً، حين تلحظ الأم المفتونة بالجمال أن هنادي التي أرادتها بدلاً عن ابنتها الفقيدة هند بجمالها الأخاذ، لن تكون كما تمنتها، بل ستجلب لها شفقة الآخرين ونظراتهم المواربة، عندما تبدأ تفقد حسنها، وتظهر عليها آثار المرض. «بدأت عظام رأسي تكبر على غير اتساق. ذقني يبرز بقوة» تقول هنادي: «وفكاي صارا كفكي رجل تجاوز المراهقة، مباعداً بين أسناني. عظام الحاجبين انتفخت كما عند القردة، وتكورت جبهتي وتحززت كطابة مبعوجة، وفقد صوتي نعومة صوت البنات».

لم تستسغ الأم الأمر ولم تتقبله، لذلك تحجب هنادي عن أعين الناس، تضعها في العلّية، تخبئها هناك، تناولها الأكل، وما يلزم، وربما غابت عن البيت لوقت، ونسيتها. بينما تقضي هي وقتها بقراءة تلك المجلات والكتب التي تركها والدها قبل أن يغيب. وحين يسأل عنها أحد من المعارف، تقول الأم عنها، إنها سافرت عند عمتها.

تحاول هنادي أن تجد المبررات لجفاء والدتها: «حرام أمي حبيبتي. مسكينة. كان ذلك فوق طاقتها. كانت تتعذب أكثر مني من بلوتي». لقد أصيبت الأم بصدمة من مرض ابنتها؛ وباتت تختفي وتنام في غرفتها بالساعات، تخرج من البيت ولا تعود، تستفيق في الليل وتبحلق بعينين مشدوهتين، كمن يستيقظ من كابوس.

البحث عن الذات

لا إحساس من هنادي بالضيم، إذن، بقدر ما هي الرغبة في الانفصال عن الأم، لكن عمتها التي لجأت إليها ترسلها بهدف العلاج، عند عمة أخرى في باريس، لن تعثر عليها أبداً. في المقابل، تقع هنادي في مطبات وتتعرف على شخصيات لكل منها سمتها، هناك غلوريا الراقصة النيجيرية التي تحنو عليها، وفرنسوا الذي يتبين لها بعد ذلك أنه رشيد، الجزائري الأصل، المبتور الذراع، صاحب الماضي الغامض، تربطها به صلة حب لم تكتمل، وسرعان ما يرجع إلى حياة التشرد والمخدرات. هذا ما سيقودها إلى رجعة باتجاه الوطن.

قليلاً ما انشغلت الروايات العربية بالعلاقة بين الأهل وأولادهم الذين يعانون من عاهات، وصلات تشوبها الكثير من التعقيدات، قد تتراوح بين الحب الجارف النابع من الشفقة، والنفور المتأتي من رفض القبول بواقع قاسٍ له تبعات ممتدة في الزمن. لكن هنادي، لا تحقد ولا تكره، بقدر ما تبحث عن نوافذ حب لتريح نفسها. «وأنا في بحثي الدائم بل المحموم عن أصول الحب وأغراضه، وخاصة حب الأم، أي حب أمي لي، كنت أحفر في كامل كياني كل معلومة أقرأها أينما وجدت». استشعرت هذا الحب مثلاً، حين أصيبت بالجدري، رأت لهفة أمها عليها. فحب الأم حقيقة لا شك فيها، إلا في بعض حالات الخلل الهرموني الشاذة. هذا كله لترتاح وتقول إن الأمر قدري، ولا مسؤولية لأحد: «أنا ملكة الهواجس... ملكة الحظ السيئ».

هنادي شخصية أقرب إلى اللطف والدعة، والأم تبدو وكأنها تمتلك الشيء وضده، لها سمات متناقضة، مما يصعّب على الابنة العائدة، بناء شخصيتها من جديد، تحاول كي تحرر نفسها من عبء العلاقة المتوترة مع الأم أن تجد لها مبررات لسوء مزاجها: «ربما صارت أمي قاسية ومنعزلة ولئيمة، أنا أيضاً قد أصبح كذلك، حين يشتد علي الألم. تصبح رؤية الناس أو سماع أصواتهم عذاباً خالصاً».

مناجاة الكائنات

وفيما يشبه الهروب أو مؤانسة الذات تلجأ هنادي إلى مصاحبة الشجر والنبات، والقطة زكية، التي ترافقها في يومياتها، والكلب رامبو، وشجرة التين الموجودة في الشرفة، وشجرة الصفصاف. تقضي وقتاً مع رشيد، وآخر مع الميكانيكي نبيل ونكتشف جانباً من شخصية هنادي وهي تتعرف على عالم جديد، عبر الإنترنت بمعونة أحمد العامل الباكستاني قرب منزلها. لكن الكاتبة تبقي كل هذه الشخصيات في خدمة الكشف عن أبعاد شخصية هنادي، وتلك العلاقة الملتبسة مع أمها، وكأنما هي حكاية نسائية أكثر من أي شيء آخر. ونساء لهن تجربة خاصة، لسن كبقية النساء. فالعلاقة بين الأم وشقيقها، بقيت متشنجة، ومع والدها لم تكن سهلة. هنادي هي الأخرى، كان حظها مع الرجال يتحرك صعوداً ونزولاً، لتنتهي في عزلتها.

هي أيضاً رحلة بحث الابنة الغائبة التي تشعر بالندم على ما فات. هربت لتريح والدتها منها. «هربي كان صفقة لصالحنا نحن الاثنتان... لكنها قد تكون تغيرت وندمت وحين ندمت لم يعد بمقدورها أن تجدني، وأن تعتذر مني».

تتحرى حقيقة شخصية الأم من رائحة الشراشف والنبش في الأغراض، ورق مخبأ، «لماذا احتفظت أمي بمزقة الجريدة هذه وقد طوتها بعناية؟ هل تكون نسيتها أو أضاعتها بين غيرها من الأوراق وتاهت عنها تماماً؟».

إيقاع هادئ

النص يسير وفق إيقاع هادئ، وبطيء، يواكب حركة هنادي التي تفتقد للحيوية بسبب المرض، إلى أن نكتشف في النهاية سرّ والدها، وقصته المثيرة، التي خبأتها الأم عنها. وهو ما يربط النص قليلاً بما نشهد من أحداث حالية. حيث إن الأب ذهب إلى إسرائيل مع العملاء الذين هربوا بعد حرب التحرير عام 2000 لا لأنه عميل بل اعتقد أنها وسيلة للهروب من وجه العدالة بعد ارتكاب جريمة بطريق الخطأ ومطاردته بهدف الثأر. ظن أن العودة إلى الوطن ستكون متاحة لاحقاً، لكنه بقي هناك، وفي إسرائيل صارت له حياة أخرى، نكتشفها في نهاية الرواية.

صحيح أن تيمة الحرب ليست في مركز القصة، لكنها مبثوثة فيها، هي في الخلفية من خلال غياب الأب وانكفائه عن الصورة، ثم حين يشكل المفاجأة بنهايته غير المتوقعة، ونكتشف أسراره الصادمة. الحرب حاضرة في التفاصيل اليومية، في تعامل الناس مع بعضهم، في انقطاع الماء، في غياب الكهرباء، وأزمات العيش.

رواية تأملية، هادئة، مشغولة بالحفر الداخلي الباطني، أكثر من عنايتها بالصخب الخارج والإيقاع الحياتي للبطلة. وهي مواكبة حميمة لامرأة مريضة، تكافح وحيدة، دون تبرّم كي تصل إلى نهايتها بسلام.