سير ذاتية عربية من خمسينات القرن الـ20 حتى الألفية الجديدة

تحية عبد الناصر تردها إلى أصولها في التراث العربي واختلاطها بأجناس أخرى

طه حسين
طه حسين
TT

سير ذاتية عربية من خمسينات القرن الـ20 حتى الألفية الجديدة

طه حسين
طه حسين

طه حسين، لطيفة الزيات، إدوارد سعيد، آسيا جبار، صنع الله إبراهيم، محمود درويش، عالية ممدوح، مريد البرغوثي، نجلاء سعيد، رضوى عاشور، منى برنس... أدباء وأديبات من مصر والجزائر وفلسطين والعراق كتبوا جميعاً سيَرهم الذاتية على نحو يراوح بين التسجيل الوثائقي والثوب القصصي. وهم في ذلك امتداد لأعمال من الماضي القريب ومن التراث العربي سجلت، عبر القرون، خبرات مؤلفيها والتحامهم بعصرهم وعلاقاتهم برجاله ونسائه.

الأدباء المذكورون أعلاه موضوع كتاب باللغة الإنجليزية عنوانه «السيرة الذاتية الأدبية والنضال القومي العربي» من تأليف الدكتورة تحية عبد الناصر، حفيدة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وأستاذ مساعد الأدب الإنجليزي والمقارن بالجامعة الأميركية في القاهرة، ومؤلفة كتاب «الأدب العربي وأدب أميركا اللاتينية» الذي استعرضناه في هذه الصفحة في 6 فبراير(شباط) 2023.

مريد البرغوثي

ترد المؤلفة فن السيرة الذاتية إلى أصوله في التراث العربي واختلاطه بأجناس أدبية أخرى كالسير وكتب الرحلات وكتب الدين والأخبار والسجلات ومعاجم الأدباء (ترد هنا على الذاكرة أسماء الغزالي، وأسامة بن منقذ، وابن جبير، والمقدسي، وغيرهم). ويغطي كتابها الفترة ما بين النصف الثاني من القرن العشرين والألفية الجديدة في 3 لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية. ومسارح السير التي تعالجها متعددة: قرى الريف، وصحن الأزهر، والسجن، والجبال التي كان يعتصم بها ثوار الجزائر، وشقة في فلسطين، وشقة محاصرة في بيروت، والقاهرة في عهد الاحتلال البريطاني، ونيويورك، وغرفة مستشفى، وميدان.

أشهر هذه السير الذاتية بلا جدال كتاب «الأيام» بأجزائه الثلاثة للدكتور طه حسين (1889 - 1973) وهو، كما يقول بيير كاكيا، أول كتاب في الأدب العربي الحديث يكتسب اعترافاً دولياً، ويترجم إلى لغات عدة. ونشر الكتاب أولاً مسلسلاً على صفحات مجلة «الهلال»، وفيه يتحدث المؤلف عن نفسه بضمير الغائب. في الجزء الأول نشهد طرفاً من طفولة الصبي الكفيف في صعيد مصر واختلافه إلى كُتّاب القرية وإرساله إلى القاهرة كي يتلقى تعليمه في الأزهر. وفي الجزء الثاني نرى سنوات دراسته في الأزهر وشعوره الحاد بالعزلة وهو يعيش في القاهرة. أما الجزء الثالث (وقد نُشر قبل رحيل المؤلف في أكتوبر 1973 بستة أشهر) فيسجل ارتباطه بالجامعة المصرية وانفتاحه على ثقافة الغرب حين سافر في بعثة دراسية إلى فرنسا ليعد رسالته للدكتوراه في جامعة السوربون ثم يعود إلى مصر أستاذاً للتاريخ القديم، ويثير عواصف في الحياة العقلية بأفكاره ومحاضراته وكتبه مثل «في الشعر الجاهلي» و«مستقبل الثقافة في مصر» وغيرهما.

لطيفة الزيات

ويتكامل ما تقوله تحية عبد الناصر هنا مع كتابات سابقة عن طه حسين، منها الكتاب الرائد (1956) لبيير كاكيا عن الأستاذ العميد وموقعه من النهضة الأدبية المصرية، وكتاب سوزان طه حسين «معك»، وكتاب «العمى والسيرة الذاتية» (1988) للباحثة فدوى ملطى – دوجلاس. وتجتمع هذه الكتابات على رسم صورة متكاملة للفتى النابغ الضرير الذي كان، على حد تعبير لويس عوض، «إمام الثائرين والراشدين معاً».

وتتحدث تحية عبد الناصر عن كتاب «حملة تفتيش: أوراق شخصية» (1992) للروائية وأستاذة الأدب الإنجليزي الدكتورة لطيفة الزيات (1923 - 1996). يسجل القسم الأول من الكتاب ذكريات الزيات مناضلة ضد الاحتلال البريطاني في أربعينات القرن الماضي (وقد سُجنت آنذاك في الإسكندرية عام 1949) ومشاركتها في الحركة الطلابية بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) عام 1942. أما القسم الثاني فيسجل تجربة سجنها في سجن القناطر عام 1981. ومن الأحداث الأخرى التي يسجلها الكتاب زواجها ثم طلاقها من الدكتور رشاد رشدي الناقد الأدبي والكاتب المسرحي وأستاذ الأدب الإنجليزي، وحرب 1973 مع إسرائيل، ووفاة طه حسين.

ولا نكران لأهمية الدور الذي لعبته لطيفة الزيات في الحياة العامة والجامعية والأدبية، فقد كانت روايتها «الباب المفتوح» (1960) من أهم نماذج أدب المرأة الجديدة الطامحة إلى المشاركة في الحياة العامة والنضال القومي، والخروج من نطاق الاهتمامات النسائية التقليدية. وكانت كتاباتها النقدية بالإنجليزية والعربية (ومنها كتاب جيد عن نجيب محفوظ) ومحاضراتها في الجامعة مؤثراً قوياً في عدد من الكتاب والكاتبات مثل الدكتورة رضوى عاشور الروائية والأستاذة الجامعية أبرز السائرات على دربها. ولكن من المبالغة الغليظة والإسراف أن نقول، كما يقول الدكتور صبري حافظ في الجزء الثاني من كتابه «سرادقات من ورق»، إن كتاب «أوراق شخصية»: «إضافة جديدة لا لعالم لطيفة الزيات وحده وإنما لجنس السيرة الذاتية في الأدب العربي كله لأنه كتاب يغير مفهوم هذا الجنس الأدبي ويبدل بنيته حتى تتواءم مع تاريخ المرأة وتجربتها في عالمنا العربي، وهي تجربة تعاني من التمزق والتفتت وغياب الاستمرارية السببية أو المنطقية».

رواية «حبات النفتالين» (1986) للروائية العراقية عالية ممدوح من الأعمال التي تفردها تحية عبد الناصر بالذكر، وقد ترجمت إلى لغات غربية عدة. وكانت الروائية قد غادرت العراق في 1982 وعاشت متنقلة بين المغرب ولبنان وإنجلترا قبل أن يستقر بها المقام في باريس، و«حبات النفتالين» رواية عن بغداد، بطلتها شابة تدعى هدى، أبوها مأمور سجن في كربلاء، وأمها سورية تعاني من ذات الصدر. وزمن الأحداث هو أربعينات القرن الماضي وخمسيناته في حي الأدهمية ببغداد. إنها رواية أوتوبيوغرافية من نوع روايات تكوين الشخصية وتتبع نموها، فهدى تسجل انطباعاتها عن أسرتها وعن الحياة في مدينتها في منتصف القرن العشرين. والرواية في الوقت ذاته، كما تقول الدكتورة فريال غزول، رواية عن حالة العراق عشية ثورة 1958 التي كانت ثورة على النظام الملكي وعلى سيطرة بريطانيا على مقدرات الوطن. والرواية من هذه الناحية تشبه رواية لطيفة الزيات «الباب المفتوح»، ورواية آسيا جبار «أبناء العالم الجديد»، إذ تشترك الروايات الثلاث في تصوير عالم المرأة في غمرة نضال قومي.

وتتحدث تحية عبد الناصر عن الروائي المصري صنع الله إبراهيم (1937- ) في روايتيه « تلك الرائحة» (1966) و«التلصص» (2007). و«تلك الرائحة» رواية قصيرة (نوفيلا) شبه أوتوبيوغرافية تستخدم تيار الشعور الذي أشاعه الروائي الآيرلندي جيمس جويس. أما «التلصص» فهي رواية عن طفولة المؤلف، تروي قصة صبي وأبيه المسمى خليل بك، وهو ضابط جيش متقاعد. وتستمد الرواية عنوانها من كون الصبي يتلصص على الكبار من حوله مسترقاً السمع أو مختلساً النظر إليهم. إنه يصحب أباه في زيارات للأقارب وإلى المقهى وإلى دكان البقالة. على أن عقل الصغير لا يستطيع أن يفهم كثيراً من الأمور: كيف كانت العلاقة بين أبويه، لماذا أصيبت الأم بانهيار عصبي... إلخ.

هذه إطلالة على عالم الكبار تذكرني (وهذا اجتهاد من جانبي) برواية الروائي أميركي المولد، بريطاني الجنسية هنري جيمس «ما كانت تعرفه ميزي». وبطلتها فتاة صغيرة تكتشف، مثل بطل «التلصص»، تعقيدات العلاقات بين الراشدين من رجال ونساء (لرواية جيمس ترجمة عربية للدكتور نظمي لوقا).

وتحت عنوان «أغنية فلسطين» تكتب تحية عبد الناصر عن الشاعر محمود درويش (1942 - 2008) والشاعر مريد البرغوثي (1944-2021) الأول في كتابه «ذاكرة للنسيان» (1986)، والثاني في كتابيه «رأيت رام الله» (1996) و«ولدت هناك، ولدت هنا» (2009). (أول وثاني هذه الأعمال مترجم إلى الإنجليزية).

أغلق درويش بابه على نفسه في شقته بمدينة باريس لمدة 3 أشهر كي يؤلف كتابه عن بيروت في أغسطس (آب) 1982 وهو تاريخ غزو إسرائيل للعاصمة اللبنانية. كتاب درويش يفتتح درباً جديداً للسيرة الذاتية العربية، إذ هو إطلالة على المشهد التاريخي والسياسي والثقافي، ومزج بين الشعر والسيرة الذاتية. وقد ظهر باللغة العربية تحت عنوان «الزمان: بيروت/ المكان: أغسطس». ويعالج آليات الذاكرة ومفارقات الحلم ولواعج الرغبة.

وفي إلماعة تعكس مقولة ت. س. إليوت «أبريل أقسى الشهور» يكتب درويش: «أغسطس أطول الشهور» كما يردد - إذ يواجه الموت - سؤال هملت «نكون أو لا نكون» وقد حول السؤال من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع.

وفي كتاب «رأيت رام الله» (نقلته الروائية الدكتورة أهداف سويف إلى الإنجليزية) يسجل مريد البرغوثي زيارته لقريته في فلسطين لمدة اثني عشر يوماً بعد غياب ثلاثين عاماً في المنفى. لقد بدأت غربته بعد حرب 1967 وها هو ذا الآن يعود إلى رام الله في 1996. وكتابه مزيج من المذكرات والشذرات الشعرية والحكايات وأدب الرحلات.

لقد شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحالي ازدهاراً لفن السيرة الذاتية والمذكرات والذكريات. وساهم في هذا الفن (إذا اقتصرنا على مصر وحدها) ساسة ورجال دولة، منهم الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري في عهد جمال عبد الناصر، وعلماء منهم الدكتور رشدي سعيد أستاذ الجيولوجيا، وأساتذة جامعيون من مختلف التخصصات: «أوراق العمر» لأستاذ الأدب الإنجليزي لويس عوض، و«سيرة حياتي» لأستاذ الفلسفة عبد الرحمن بدوي، و«معي» لأستاذ الأدب العربي شوقي ضيف، و«الليالي» لطه وادي (أستاذ آخر للأدب العربي أصغر سناً من ضيف)، و«مشيناها خطى» لأستاذ التاريخ رءوف عباس، و«واحات العمر» (وما تلاها) لمحمد عناني (أستاذ آخر للأدب الإنجليزي أصغر سناً من عوض) والقائمة تطول. فلعل واحداً من شباب الباحثين الذين يعملون تحت إشراف المؤلفة في الحقل الجامعي يصرف همه إلى دراسة هؤلاء الكتاب سائراً على الدرب الذي شقته، بكفاءة واقتدار، تحية عبد الناصر في هذا الكتاب. شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحالي ازدهاراً لفن السيرة الذاتية والمذكرات والذكريات



أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.