شعراء ونقاد ودبلوماسيون: الاحتفال بنازك هو احتفال باللغة العربية

بيت الشعر العربي يحتفل بمئويتها

الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يلقي كلمته
الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يلقي كلمته
TT
20

شعراء ونقاد ودبلوماسيون: الاحتفال بنازك هو احتفال باللغة العربية

الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يلقي كلمته
الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يلقي كلمته

دعا شعراء ونقاد ومبدعون مصريون وعرب للاحتفاء بمنجز الشاعرة العراقية نازك الملائكة من خلال دراسة أعمالها والاهتمام بها ونشرها، وإبراز مكانتها في الشعر العربي الحديث. وقال الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في احتفالية أقامها أول من أمس «بيت الشعر» العربي بالقاهرة بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد الملائكة إنها تستحق تقديراً في كل العواصم العربية يليق بإبداعاتها.

وتحدث حجازي عن البيئة التي نشأت فيها الشاعرة العراقية، مشيراً إلى أنها كانت تنتمي لعائلة شعرية، يكتب كل أفرادها الشعر، وهو ما يشير إلى أن قرابة الدم بالنسبة لها كانت هي نفسها قرابة الشعر، وقد كان جدها لأمها وأبوها واثنان من أخوالها يكتبون الشعر، ولم يكن عجيباً من خلال هذه النشأة أن تبدأ نازك الملائكة كتابة الشعر وهي في سن مبكرة جداً، وقد نظمت أولى قصائدها وهي في العاشرة من عمرها، وقد ظلت على اهتمامها بنظم الشعر حتى أصبح شاغلها الأساسي وهي في الثامنة عشرة من عمرها.

وذكر حجازي أن الملائكة التي توفيت في 20 يونيو (حزيران) 2007 في القاهرة عن عمر ناهز 83 عاماً ارتبطت بعلاقة وثيقة بمصر وثقافتها، وقد تواصلت هذه العلاقة حتى رحيلها، مشيراً إلى أن الاحتفال بها يعني في صميمه الاحتفال باللغة العربية، «ونحن نحتفل بمن مضى ومن يأتون، نازك جمعتنا جميعاً».

ولم يقتصر الاحتفال بمئوية الملائكة على المبدعين فقط، لكن كان هناك حضور دبلوماسي لافت تمثل في السفير العراقي بالقاهرة الدكتور أحمد نايف رشيد الدليمي، ومندوب بغداد الدائم لدى جامعة الدول العربية، الذي قال إن نازك الملائكة رمز للشعر الحر، واحتفاء مصر بها يدل على عمق العلاقات التاريخية التي تربط العراق ومصر على كافة المستويات وعلى رأسها الجانب الثقافي.

وقال الديلمي إن القيادة العراقية تولي اهتماماً خاصاً بالرموز الأدبية والثقافية، عرفاناً منها لمنزلتهم الكبيرة وتأثيرهم في الوعي الحضاري العراقي والعربي، وقد جرى احتفال رسمي بمئويتها، وتخصيص يوم لها لتعريف الجيل الجديد بإسهاماتها البارزة في الثقافتين العربية والعراقية.

جانب من الاحتفالية
جانب من الاحتفالية

احتفاء بيت الشعر بمئوية نازك الملائكة الذي حضره نجلها الدكتور البرّاق عبد الهادي، وشقيقتها ميسون الملائكة، يأتي في إطار الاحتفال باليوم العربي للشعر الذي أقرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، وقد تضمن قراءات شعرية لبعض قصائد نازك الملائكة قدمها شعراء من مصر وسوريا والعراق والجزائر، فضلاً على شهادات شخصية ونقدية حولها تركزت على دورها الريادي في حركة الشعر الحديث والسياقات التي أفرزت هذه الحركة وروادها.

وفي هذا السياق تحدث الباحث والناقد الدكتور حسين هنداوى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية عن مسيرة نازك الملائكة الشعرية مشيراً إلى أنها تعد رمزاً من رموز الشعر العربي، وقد جعلها عطاؤها الشعري لا سيما في فترتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي من أبرز الأصوات الشعرية التي أثّرت في الشعر العربي الحديث، وهي لم تكن شاعرة مبدعة فقط إنما كانت كاتبة وناقدة واسعة الثقافة حاولت أن تجمع بين الفكر والفن.

وقال الناقد العراقي عبد الرحمن عبد الوهاب في كلمته إن نازك الملائكة «تميزت بأسلوب خاص في كتابة القصيدة، وقدمت إسهاماً عظيماً للشعر العربي، وسوف تظل مسيرتها مصدر إلهام للأجيال الجديدة من الشعراء والأدباء، تذكرهم دائماً بأن للشعر العربي تراثاً ثرياً ومتنوعاً تجب المحافظة عليه وتطويره».

ومن جهته، وصف الشاعر سامح محجوب مدير بيت الشعر نازك الملائكة بأنها «التحويلة الفنية القوية والدقيقة جداً في مسيرة القصيدة العربية الطويلة، من الجماعة للذات، ومن الموضوع للتجربة، ومن القصيدة للنص، من البارودي وشوقي القابضين على المقولات الكبرى للقصيدة العربية، إلى نازك الملائكة ومعاصريها أبناء عصر سقوط تلك المقولات الكبرى؛ ذلك الجيل الذي نظر بداخله ملياً ليكتب العالم من خلال ذاته، بطريقته التي تعكس روحه وروح عصره».

يذكر أن نازك الملائكة وُلدت في بغداد عام 1923، وحصلت على شهادة دار المعلمين العالية عام 1944. مثلما حصلت على شهادة معهد الفنون الجميلة عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن - ماديسون في أميركا، وقامت بالتدريس في جامعات بغداد، والبصرة، والكويت.

ومن المعروف أن نازك الملائكة اختارت مصر منذ عام 1990 لتعيش فيها في عزلة اختيارية، وتوفيت عام 2007 عن عمر يناهز 83 عاماً، ودفنت في مقبرة خاصة بالعائلة غرب القاهرة.

نشرت الملائكة ثماني إصدارات شعرية من بينها «عاشقة الليل» عام 1947، وهو أول دواوينها، بعده توالت دواوينها: «شظايا ورماد» عام 1949، «قرارة الموجة» عام 1957، «شجرة القمر» عام 1968، «ويغير ألوانه البحر» عام 1977، «مأساة الحياة وأغنية الإنسان» عام 1977، و«الصلاة والثورة» عام 1978.

ومن مؤلفاتها النقدية «قضايا الشعر الحديث» (1962) و«التجزيئية في المجتمع العربي» (1974) و«سيكولوجية الشعر» (1992) و«الصومعة والشرفة الحمراء» (1965)، فضلاً على مجموعة قصصية صدرت في القاهرة بعنوان «الشمس التي وراء القمة» (1997).

حقائق



قصيدة المقاومة عند سميح القاسم

قصيدة المقاومة عند سميح القاسم
TT
20

قصيدة المقاومة عند سميح القاسم

قصيدة المقاومة عند سميح القاسم

يتناول الناقد والشاعر المصري د. محمد السيد إسماعيل في كتابه «انفتاح النص الشعري» الصادر في القاهرة ضمن سلسلة «كتابات نقدية» التي تصدرها «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة» العديد من المفاهيم النظرية والتطبيقية في الشعر العربي الحديث، لكنه يتوقف بمزيد من التفصيل والتحليل عند تجربة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم عبر تجليات قصيدة المقاومة والتمرد.

ويرى المؤلف أن قصيدة المقاومة ارتبطت بشعراء الأرض المحتلة ارتباطاً وثيقاً إلى الدرجة التي كادت تقتصر عليهم.

ومن هنا اتسم شعر سميح بمجموعة من السمات الفنية يأتي في مقدمتها الوضوح، والمباشرة، والاستنفار، والإيمان بعدالة قضيته، وانتصارها الأكيد رغم كل ما يصيبها من انكسارات، وتضحيات، وهو إيمان لا يرجع فحسب إلى أفكار الواقعية الاشتراكية، التي يعتنقها الشاعر، وما تقدمه من نموذج «البطل الإيجابي»، بل يرجع في الأساس إلى إيمانه بالشعب الفلسطيني، وثقافته، وحتمية انتصاره قياساً على تجارب النضال العالمية كلها.

ظلت قصيدة القاسم، حسب المؤلف، في مقدمة شعر المقاومة، وهو ما انعكس على جماليات النص، وطبيعة التجربة، فوجدنا نموذج الإنسان البسيط المنكسر، والمحاصَر. ومن الدواوين الممثلة لهذا التوجه ديوان: «ملك أتلانتس وسربيات أخرى»، والعنوان يستلهم أسطورة تحكي غرق إحدى الجزر التي تدعى «أتلانتس»، حيث يتخذ من هذه الجزيرة رمزاً لفلسطين. والديوان مقسم إلى ست قصائد طويلة تقترب من طبيعة القصيدة الملحمية، وأكثر هذه القصائد تعبيراً عن المأزق الفلسطيني هي قصيدة: «أشد من الماء حزناً».

بتأمل عنوان القصيدة، سوف نجد «دالة الحزن» هي الأكثر حضوراً وإشعاعاً، وقد تكرر استخدامها كثيراً داخل القصيدة حتى أصبحت عبارة «أشد من الماء حزناً» أشبه بلحن الختام الذي ينهي به الشاعر مقاطعه الشعرية التي تتكون منها القصيدة. جاءت تلك العبارة أشبه بالقرار الذي ينتهي به المقطع الشعري، تمهيداً لاستئناف مقطع آخر، أو موجة أخرى، ومن مجموع هذه الموجات أو المقاطع تتكون القصيدة الغنائية الطويلة ذات النفس الملحمي الواضح.

وجاء التكرار باعتباره إحدى وسائل استمالة القارئ، والتأثير عليه، واستحضاره في وعي الشاعر، فهو المستهدف أولاً وأخيراً لأغراض متعددة، منها السخرية، كما في قوله بالفوضى: «وحول جنونك تقعي الملايين حول الملايين/ فوق الملايين/ تحت الملايين/ تمضي إلى الذبح قطعان ماعز».

وتتطور السخرية إلى ما يعرف بالرسم، أو الصورة الساخرة للشخصيات، أو من يسميهم الشاعر بـ«الكائنات الغرائب» الذين «لهم قصب السبق دون سباق/ اللهم ما تتيح المقاعد للمُقعدين/ ولهم جثة رحبة في الزحام الفقير/ وإنهم نخبة الرق أسياد زوجاتهم في المحافل/ زوجات أسيادهم في القرار الصغير».

يمكن وصف قصيدة سميح القاسم بصفة عامة بأنها قصيدة شفاهية ذات طابع احتفالي، وهذا ما يفسر ما تتسم به من تكرار، وسخرية، وزخرفة أسلوبية، كما يفسر اعتماده في تلك القصيدة على الجمل القصيرة، والقوافي المتتابعة.

وفي الأخير، يستنهض الشاعر الإنسان الفلسطيني المأزوم، والمحاصر، ويخاطبه بعقيدة التفاؤل التي لا يتراجع عنها قائلاً: «بروحك يسكن طير يهاجر صيفا/ ليرجع قبل الشتاء بموت جديد/ وتعطيك قنبلة الغاز إيقاع رقصتك القادمة/ لتنهض في اللحظة الحاسمة/ أشد من الماء حزناً وأقوى من الخاتمة».