مي زيادة وجبران: الحب كالكتابة لا يزهر إلا في تربة الغياب

كلاهما آثر في عمقه عدم اللقاء بالآخر رغم أن الأمر لم يكن متعذراً

مي زيادة وجبران
مي زيادة وجبران
TT

مي زيادة وجبران: الحب كالكتابة لا يزهر إلا في تربة الغياب

مي زيادة وجبران
مي زيادة وجبران

قد تكون العلاقة التي جمعت بين مي زيادة وجبران خليل جبران، واحدة من أغرب العلاقات العاطفية التي ربطت بين كاتبين، وأكثرها التباساً ومحلاً للجدل والقراءات المختلفة. إذ ندر أن شهد التاريخ المديد للعشق، علاقة عاطفية بين طرفين اقتصرت تعبيراتها على تبادل الرسائل لفترة تقارب العقدين من الزمن، دون أن يعمد أي منهما إلى هدم العائق الجغرافي والتقدم بوصة واحدة باتجاه الآخر. لكن هذه الغرابة بالذات، هي التي جعلت منهما محل متابعة العشرات من النقاد والباحثين، بحيث وُضعت حولهما عشرات الكتب والأطروحات، ولم تُترك نأمة صغيرة من حياتيهما إلا وتمت متابعتها بالتفصيل.

وإذا كان جبران مديناً فيما حققه من مكانة وحضور إبداعيين، لأمه كاملة رحمة التي اتخذت قرارها الشجاع بترك الأب المتسلط والمدمن على الخمرة وحيداً في بشري، والهجرة مع أولادها الأربعة بطرس وجبران وسلطانة ومريانا إلى أميركا، فهو لا يخفي الدور الموازي الذي لعبته نساء أخريات في حياته القصيرة الحافلة، حيث ورد في إحدى رسائله إلى مي زيادة «أنا مدين بكل ما هو أنا للمرأة، منذ كنت طفلاً وحتى الساعة. المرأة هي من فتحت النوافذ في بصري والأبواب في روحي. ولولا المرأة الأم والمرأة الشقيقة والمرأة الصديقة، لبقيت هاجعاً مع هؤلاء النائمين الذين يشوشون سكينة العالم بغطيطهم».

إلا أن المتتبع لحياة جبران العاطفية لا بد أن يلاحظ أنه إزاء شخصين متغايرين تماماً، أحدهما يصوب باتجاه الجسد الغرائزي، والآخر باتجاه الروح والتوهج المثالي للأنوثة الكونية. وإذ يكشف ميخائيل نعيمة في كتابه عن جبران، أن هذا الأخير أقام في مراهقته علاقة جسدية محمومة مع امرأة أميركية متزوجة من تاجر جلود، كانت تتردد عليه ليرسمها، فإن نعيمة يسرد الحدث بأسلوب من الغمز المشوب بالإدانة المبطنة، علماً بأن الإنسان في الصبا لا يأبه بالمعايير الأخلاقية السائدة، بل بتحقيق ذاته وإثبات هويته الذكورية.

وكما يظهر جبران في صورة أخرى مناقضة من خلال العلاقة الرومانسية الحالمة التي أقامها أثناء إقامته في بيروت مع حلا الضاهر، التي أطلق عليها في «الأجنحة المتكسرة» اسم سلمى كرامة، ما يلبث أن يقع فريسة شغفه المشبوب بالأميركية ميشلين ذات الجمال المغوي، التي عرفته بها ماري هاسكل، قبل أن تصل علاقتهما إلى طريق مسدود، ليس فقط لأن جبران لم يرغب في الزواج منها، بل لأنه لم يكن قادراً على خيانة هاسكل، التي لم يكن من دون رعايتها ودعمها ليقف على قدميه. أما علاقته بماري فتتخذ طابعاً ملغزاً وشديد الإبهام. ففي حين يرى البعض أن جبران قد وجد في ماري، التي تكبره بعشر سنوات، أمه الرمزية البديلة، يبدو جبران في قرارته وكأنه منشطر نصفياً بين إبقاء ماري، ذات الجمال المتواضع، في خانة الصداقة والحدب الإنسانيين، وبين الزواج منها بدافع تأنيب الضمير أو التعبير عن الامتنان.

وسط البلبلة العاطفية التي عاشها جبران في فترة شبابه، كان يمكن للرسالة التي وصلته من مي زيادة عام 1912، والتي تعرب فيها عن إعجابها الشديد بقصته «مرتا البانية»، أن تكون حدثاً عابراً في حياته، كما في حياة الكاتبة اللبنانية التي تشاء المفارقات أن تدين انطلاقتها الفعلية في عالم الأدب لجبران نفسه، حيث تسبب إلقاؤها المميز لكلمته في حفل تكريم خليل مطران عام 1913، في لفت أنظار الوسط الثقافي المصري إلى نبرتها الواثقة وحضورها الآسر. فما الذي دفع الطرفين إلى الدخول في مغامرة عاطفية نظرية استمرت عقدين من الزمن، في حين كانت نساء عديدات تتنافسن على قلب جبران، وكان عشرات الكتاب المصريين والعرب يتسابقون بالمقابل للوصول إلى صالون مي الأدبي، وإلى قلبها فيما بعد؟

والواقع أن مثل هذا السؤال لم يكن ليغيب عن بال الكتاب والباحثين، الذين عاينوا العلاقة عن كثب، أو قاربوها من موقع الدرس والتمحيص والتحليل النفسي، وبينهم ميخائيل نعيمة الذي يمر بشكل عارض على الرسالة التي وصلت جبران من فتاة شرقية لم يسمّها، متحدثاً عن شعور صديقه بالزهو والغبطة إثر قراءة الرسالة، وملمحاً إلى أن جبران لم يشأ اللقاء بالفتاة، تجنباً «لإفساد ما تبقى من براءته، أو الابتلاء بالمزيد من التجارب».

وإذ يُفترض بالرسائل التي تبادلها الطرفان أن تكون المرجع الأهم في تبيان حقيقة العلاقة وطبيعتها، فإن هذه الرسائل تندرج في خانتين اثنتين، فكرية وعاطفية، مع الإشارة إلى اتسام الأولى بالجرأة النقدية والغنى المعرفي، فيما تدرجت الثانية من البوح الخفر والموارب، إلى الاعتراف بالحب والمكاشفة العاطفية الصريحة. وحيث تعمد مي إلى امتداح السرد الجبراني في «الأجنحة المتكسرة»، إلا أنها تبدي تحفظها على موقفه السلبي من الزواج، وعلى تسويغه للخيانة حتى ولو كان الحب دافعها الوحيد. وفي «دمعة وابتسامة» تأخذ مي عليه «لهجته المضطربة وأفكاره الصبيانية». وإذ تمتدح كتابيه «المواكب» و«المجنون»، لا تتوانى رغم إعجابها بالكتابين عن القول: «في كلا الكتابين أكاد أتبين تأثير نيتشه، وإن كانت بسمة التهكم الفني الدقيق التي نراها عند جبران لن تشبه أبداً ضحكة نيتشه ذات الجلبة الضخمة المزعجة». والأرجح أن تعلق جبران العاطفي بمي، هو الذي دفعه إلى أن يتقبل برحابة صدر «حديثها العلوي المتراوح بين العذوبة والتعنيف». إلا أن جبران، من جهة ثانية، لم يتردد في مكاشفة مي بما يرى فيه تعزيزاً لدورها ومكانتها الأدبيين، فيحثها على استثمار مواهبها في ما هو أبعد من النقد الأدبي والاجتماعي، قائلاً لها: «أو ليس الابتداع أبقى من البحث في المبدعين؟ ألا ترين أن نظم قصيدة أو نثرها، أفضل من رسالة في الشعر والشعراء؟».

أما الجانب العاطفي من العلاقة فهو يبدو، رغم تطوره المطرد من الصداقة الفكرية باتجاه الحب، أقرب إلى ما أطلق عليه جبران اسم «النشيد الغنائي» أو «إنشاد المنادى»، بتعبير هايدغر، أو مناجاة المثال الأفلاطوني الموزع بين المطلقيْن الأنثوي والذكوري. ففي حين يكتب جبران لمي «أستعطفك أن تكتبي إليّ بالروح المطلقة المجردة المجنحة التي تعلو فوق سبل البشر»، تكتب له من جهتها «لما كنت أجلس للكتابة كنت أنسى من أنت وأين أنت. وكثيراً ما أنسى أن هناك رجلاً أخاطبه، فأكلمك كما أكلم نفسي».

اللافت في الأمر أن رد فعل مي على عرض جبران الزواج منها، لم يختلف كثيراً عن رد فعل ماري هاسكل، حيث نظرت المرأتان إلى العرض بوصفه مجاملة أخلاقية فرضتها علاقته الوثيقة بكل منهما. ومع أن زيادة لم تقدم على الزواج من رجل آخر، كما فعلت ماري، إلا أنها كتبت له رداً على عرضه: «لقد تكاتبنا كصديقين مفكرين، ولو كنت سعيداً بالصداقة مثلي لما كنت رميت إلى أبعد من ذلك». إلا أنها ما تلبث أن تكتب لاسترضائه عام 1921: «أريد أن تساعدني وتحميني وتبعد عني الأذى ليس بالروح فقط بل بالجسد أيضاً». ثم تخلع عنها بعد ذلك رداء الخفر لتخاطب جبران بقولها: «ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إنني لا أعرف ماذا أعني به، ولكنني أعرف أنك محبوبي وأني أنتظر الحب كثيراً، وأخاف أن لا يأتيني بكل ما أنتظر».

ومع ذلك فإن جبران الذي وعد مي بأن يزورها في القاهرة، أو يلتقي بها في أوروبا، لم يفِ بوعوده أبداً، بما جعل منسوب الرسائل بينهما يتضاءل بشكل تدريجي. والأرجح أن خيبة مي من جبران قد أسهمت في توطيد علاقتها بالعقاد، كما يكشف خالد غازي في كتابه «جنون امرأة»، مستشهداً بقولها لهذا الأخير: «إن ما تشعر به هو نفس ما شعرتُ به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك». وإذ تخاطبه بمكر أنثوي لافت: «الآن عرفت لماذا لا تميل إلى جبران»، تضيف قائلة: «لا تحسب أني أتهمك بالغيرة من جبران، فهو في نيويورك لم يرني ولعله لن يراني، كما أنني لم أره إلا في الصور».

والأرجح أن كلاً من جبران ومي لم يكن يرغب في عمقه بلقاء الآخر أو الارتباط به، لأن ذينك اللقاء والارتباط كانا سيسقطان العلاقة من سدة الحلم إلى رتابة الواقع وسقمه وفساده. وكان لا بد من أن تحول قارات ومحيطات شاسعة دون عناقهما المباشر، لكي يتكفل المتخيل بالأمر، وتقوم اللغة مقام الذراعين. والأنفاس المحمومة ونبض القلب. ولعل المآل المأساوي لمصيريهما المتباعدين، هو الذي وفر لحبهما «الافتراضي» ما يلزمه من عناصر الأسطورة. فمع رحيل جبران المبكر بفعل تفاقم أمراضه، كان جسد مي النضر وعقلها المستنير يترنحان تحت مطرقة الزمن القاسي وغدر الأقارب وتخلي الأصدقاء. وحيث كان الكثيرون يرون في مي صورة المرأة الحالمة ذات الشفافية المفرطة والذكاء المتوقد، ظلت صورة جبران مثاراً للجدل والتباين والتأويلات المختلفة. وحدها الشاعرة الأميركية باربارا يونغ، رفيقة سنواته الأخيرة، ألحت على تنزيهه عن كل دنس وإلحاقه بمصاف الأولياء والقديسين، هاتفةً بعد رحيله بمحبيه الكثر:

الشاعر ينام، لكنه لا ينام

بل خرج يمشي في الفضاء

ويركض في الريح

لا تُسمّوا احتضاراً عناقه الغمامة

لا تُسموا موتاً ذهابه الى الشمس

ها هو، قاصداً نجمة الصبح

يرسم الأثير شموساً وأقماراً

ويبلغ بيته هناك، في قلب العاصفة



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.