منى قطان: كنت أرى نفسي من خلال عيني صلاح جاهين

تروي سيرة حياتها مع شاعر العامية الشهير

منى قطان: كنت أرى نفسي من خلال عيني صلاح جاهين
TT

منى قطان: كنت أرى نفسي من خلال عيني صلاح جاهين

منى قطان: كنت أرى نفسي من خلال عيني صلاح جاهين

في كتابها «صورة شخصية لزوجة شاعر» تتأمل الكاتبة والفنانة الفلسطينية منى قطان سنوات الحب، التي جمعتها بزوجها الشاعر المصري الراحل صلاح جاهين، من خلال كتابة سيّرية تدمج بين الذاتي والأدبي.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «الكرمة» في مصر، وبه تستهل منى قطان السيرة بافتتاحية حكائية: «كان يا مكان منذ بدء الزمان، زوج من الأنفس، ووشيجة تربط بين اثنين، رجل وامرأة أقسم أحدهما للآخر أن يعيشا معاً على الحلوة والمُرة»، وتختار منى قطان أن تتخلى عن ضمير الأنا المُتكلم على مدار السرد، والاستعاضة عنه بضمير الراوي العليم، حيث تتحدث عن نفسها باسم «هي»، وعن صلاح جاهين باسم «هو».

مفارقات الحب

على مدار الكتاب، الذي يقع في 157 صفحة، تتراوح تأملات منى قطان حول مفهوم الحب، فهي تصفه تارة بـ«الفيضان» وأخرى بـ«منطقة الاكتشاف»، وتعبر عن احتياجه لتلك القدرة من إخضاع الصراعات النفسية الداخلية والصمود أمام الضغوط الخارجية. ثم تتحدث عن تلك الهُوة المُتسعة بحكم سنوات التكوين الأولى، والفوارق الجغرافية والاجتماعية بينها وبين جاهين، وهناك كذلك عامل السن، حيث كان يكبرها بأربعة عشر عاماً: «كنا في عيون العالم الخارجي زوجاً عجيباً من العشاق» وساهم في ذلك حسبما تصف أنها كانت تبدو أصغر من عمرها الحقيقي، فيما كان جاهين يبدو أكبر من عمره الفعلي - مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1930 - حتى ملامحهما الشكلية تبدو غير متناغمة بشكل ما، فقد كانت هي أطول منه، فيما كان هو بديناً وشعره الخفيف في طريقه للصلع.

التقت منى زوجها لأول مرة في مكتبه بجريدة «الأهرام»، حينما قدمته لها والدتها الصحافية الفلسطينية جاكلين خوري، التي كانت آنذاك المحررة الوحيدة في ذلك الوقت بالجريدة ومنذ أوائل الخمسينات، وخلال شهرين تطوّر الأمر وبدأت لقاءاتهما تتراوح بين السير في شوارع القاهرة، والتواعد للرقص في مطاعم إيطالية بالإسكندرية، ويتخلل ذلك أحاديث عن الحياة والفن، حتى قررا العيش معاً للأبد، فهما «روحان مرهفتان، كلاهما قابل للكسر، ويستمد القوة من الآخر».

لم تكن تعرف في البداية أنها أحبت شخصاً «مشهوراً»، ظنت في البداية أنه رسّام كاريكاتير يعمل في الصحيفة التي تعمل بها والدتها، وترجع منى قطان ذلك لعدم مطالعتها للثقافة والشعر العربي قبل لقائها بجاهين. وبحسّ ساخر تروي كيف أن مجموعة من السيدات دفعهن الفضول للتعرف على تلك الفتاة التي وقع «شاعرهن» في غرامها، فأصبن بخيبة أمل: «لقد تحدث لهن طويلاً طويلاً، حتى توقعن أن تتجلى عليهن عند اللقاء، لكنهن وجدن في المقابل مخلوقة صامتة خائفة، ذات شعر معقوص على هيئة ذيل حصان، وأنف طويل وبسمات خجول».

هُوية ضبابية

ورغم هذا القدر من التواصل الروحي والعاطفي بينهما، فإن الهُوية كانت واحدة من الأسئلة الكبيرة التي شغلت تأملات السيرة، ليس فقط لكونها فلسطينية الجنسية وهو مصري، بل بسبب القدرة على الاتساق مع الهوية، فصلاح جاهين كان يُدهشها بقدرته على التعبير عن نفسه بالعامية بفصاحة ندر أن يوجد لها مثيل بالفصحى كما تصف، أما هي فلم تكن متأكدة من هويتها: «إحساسها الشعري كان بالفرنسية، ولغة تفلسفها الإنجليزية، أما العربية فكانت فاقدة الثقة حين تستخدمها»، كما تصف حالها وهي تتأمل طفولتها التي كانت كلماتها الأولى بالإيطالية، وتدوينها في مفكرة يومياتها بالفرنسية، وعلاقة ذلك بهجرتها المبكرة برفقة والدتها، وتعليمها الذي تعتبر أن سبب تقاطعاته مع لغات أجنبية هو تلك الهيمنة الإنجليزية والفرنسية على منطقة الشرق الأوسط في زمن الحربين العالميتين وما بينهما، ولأن «الفلسطينيين فقدوا أرضهم، كان عليهم تعويض ذلك بالاستثمار في التعليم الراقي الذي يمكن أولادهم من الحصول على وظائف جيدة في المستقبل»، وبسبب تلك الخلفية التعليمية والثقافية المبكرة، كانت تواجه مشقة في قراءة قصائد صلاح جاهين بالعامية المصرية واستيعابها.

وتقول منى قطان إنه «من خلال إحساسها الضبابي بالهوية، وجدت الحب، وجدته كما كان مذكوراً في الكتب التي اعتادت قراءتها»، وتعترف أنها ظلّت تعتز بتلك الرابطة بينهما حتى بعد موته المأساوي، وبأن زوجها كان سبباً في مساعدتها على التطور والوعي بما حولها في الدنيا، فهو كما تصفه رجل صنع نفسه بنفسه، وعلى درجة مدهشة من الثقافة والمعرفة، حتى ولو لم يكمل تعليمه الجامعي، واستطاع تحريرها تدريجياً من شعورها بالعزلة وعلّمها كيف تستمتع بالحياة، وبدأت ترى نفسها من خلال عينيه «فقد كان يراها ذات عقل مرهف، ولم تكن هي تعرف هذا عن نفسها».

لحظات داكنة

تمر منى قطان على كثير من تحديات الزواج، التي واجهتها، وقرارها دراسة فن التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية بعد مرور عام على زواجهما، ودعم جاهين لهذا المسلك، ثم تعرفها على الأمومة بعد إصرار من جاهين على أن يُنجب منها طفلاً، رغم أن له ابنين من زواجه السابق، وتتحدث كذلك عن علاقتها بأبنائه وأسرته. وتتذكر كذلك تلك الهزّات التي أصابت حياتهما معاً، لعل أبرزها تلك المرة، التي علمت فيها أنه قام بإعادة زوجته الأولى لعصمته على الورق لتتمكن من الاستفادة بما تدره أعماله من حقوق الأداء العلني بعد وفاته، وكيف أن صدمتها كانت لعدم إعلامها بهذا الأمر سوى بعد تنفيذه له بفترة.

وتسرد منى ومضات من سيرة جاهين على مدار الكتاب، بداية من طفولته التي كان دائماً ما يحكي عنها لها، وعلاقته المبكرة بالقراءة وتحديداً بـ«ألف ليلة وليلة»، وهوايته الأثيرة بالاحتفاظ بنسخ الكتب القديمة، ونظرته للمال، وفلسفته الفنية التي كانت تجعله كولد في سن المدرسة يلهو بالكلمات كما المكعبات الملونة كما تصفه، وصولاً للحظات الداكنة في العالم النفسي لجاهين، وبدايات مكابداته مع الاكتئاب، وما كان يرافقه من عبارات لا تزال تحفظها، كما كان يخبرها في آخر حياته برغبته في الهجرة إلى نيوزيلاندا، لأنها كما يقول «أبعد مكان في الدنيا»، تتذكر منى قطان تلك الرغبة اليائسة، تستشعر ابتعاده للأبد، حين كانت هي في الأربعين وابنتها في السادسة.

وتمر على عديد من الأسباب التي تراها قد أنهكت الحالة النفسية لجاهين في سنواته الأخيرة، ومنها وجود «نفوس حاقدة» - كما تسميها - لم تحفظ له الجميل، ومن بين الأسباب أيضاً، الهجوم العنيف الذي شن عليه بسبب أنه «لم يعلن رفضه الفوري لتوجهات السلام مع إسرائيل بعد حروب تسببت في قتل وسقوط الآلاف».

يضم الكتاب عدداً من الصور الشخصية التي جمعت بين منى قطان وشاعرها الراحل، أبرزها صورة زفافهما، وصور متفرقة لهما على مدار سنوات زواجهما، وهناك صور لها منذ طفولتها مروراً بمراحل حياتها وأخرى مع زملائها بالمسرح، كما يضم الكتاب بورتريهين لها بريشة صلاح جاهين.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.