سردية ما بعد الثورات

«قافلة الإعدام: مذكرات سجين في طهران» نموذجاً

سردية ما بعد الثورات
TT

سردية ما بعد الثورات

سردية ما بعد الثورات

لا تؤجل الثورات الإفصاح عن نكباتها، هي جزء من حاضرها، وتوقها إلى التحقق، وتلافي تكرار ما جرى، بيد أنها سرعان ما تصطنع مآسيها الخاصة، المأخوذة برغبة الثأر، وتصفية الخصوم، وعدم السقوط في براثن الثورات المضادة، من هنا تضحى المذكرات والسير المرافقة لوقائع التحول، داخل الأنظمة والدول، سردية لوعي الضحايا والهاربين والمنتصرين على حد سواء. ولا جرم بعد ذلك تتجلى تفاصيل العمر القديم وكأنما من عمق لحدي، وجوه متقلبة لشخص يَمْثُلُ بوصفه «آخر»، بوقائع وأهواء وصلات منتهية، وصداقات تعيد تركيب كلام منسي، ومواقف تنأى عن الحاضر، عن الشخص الملتفت إلى وقائع الذاكرة البعيدة. إنه الإحساس الذي ينزغنا، من الوهلة الأولى، بعد الانتهاء من كتاب «قافلة الإعدام: مذكرات سجين في طهران» (دار الساقي، بيروت، 2023) لبهروز قمري المؤرخ وعالم الاجتماع الإيراني وأستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون.

حمل الكتاب في الطبعة الإنجليزية (الأصل) عنوان «في تذكر أكبر: داخل الثورة الإيرانية»، ولم يكن «أكبر» إلا الاسم الذي سعت السيرة إلى استعادة ملامحه الممحوة من شاشة الذاكرة، استنباته في تربة أخرى، لطالب الجامعة والمناضل الشيوعي، والحالم المشارك في يوميات الثورة الإيرانية، ثم المعتقل السياسي، المحكوم بالإعدام، ضمن المئات من المحكومين الآخرين، المنتظرين تنفيذ العقوبة في سجن إيفين الرهيب، الذي خصصه «الملالي» لتصفية خصومهم الآيديولوجيين، بعد تسلمهم الحكم.

لقد درج عدد كبير من الأكاديميين الإيرانيين على التأريخ للثورة، وتحولات المجتمع الإيراني في تلك السنوات المفصلية، من لحظة سقوط الملكية إلى استحواذ نظام الولي الفقيه على السلطة، على نموذج السيرة الروائية، فمن كتاب «آذر نفيسي» المعنون بـ«أن تقرأ لوليتا في طهران»، إلى كتاب «بردة النبي» لـ«روي متحدة»، تواترت نصوص سردية عديدة عن السنوات الثلاث الأولى للثورة الإيرانية، وما تخللها من صراع نكد بين فرقائها، من الشيوعيين إلى الليبراليين الديمقراطيين، ومن الاشتراكيين إلى القوميين والأقليات الإثنية، ومن رجال الدين إلى طلاب الجامعة الراديكاليين، ومن الملالي إلى «اليساريين الإسلاميين»، وغيرهم ممن انتهى بهم الحال إلى الدفاع عن قناعة امتلاكهم وحدهم «المعنى الحقيقي للثورة»؛ ومن ثم ستسعى تلك التخاييل السردية إلى محاولة فهم ما جرى من انقلاب في الاصطفافات النضالية، ومن صدام دامٍ، ومن تمزقات، وتحولات في المشهد، تكاد لا تستند لمنطق، وتحتاج للتعبير الروائي لتصوير مفارقاتها والتباساتها، ذلك ما سعى إليه مجدداً بهروز قمري في كتابه «قافلة الإعدام».

في الأسطر الأولى من السيرة يقول السارد ما يلي: «متُّ في السابعة والنصف من صباح 31 ديسمبر (كانون الثاني) 1984. لا أقول ذلك مجازاً، وإنما بالمعنى الحقيقي للوجود. في تلك اللحظة تماماً، وضعت قدماً في العالم الآخر مع توقيع متردد ذيل قرار الإفراج... هكذا متُّ، بالخروج من عالم لا يمكن تصوره، ودخول عالم مرتبك من التفاهات، تركت نفسي السابقة في مكان يوجد فقط في شروط مستحيلة» ص9-13. وعبر فصول الكتاب الـ26 تتخايل تدريجياً الحياة المنتهية للشخص الملتبس بالاسم الحركي: «أكبر»، الذي كان قبل أزيد من 4 عقود معتقلاً سياسياً أصيب بالسرطان، عالم جحيمي يركب مفصلاً عابراً في حياة لا تتجاوز 3 سنوات، داخل سجن سياسي بطهران، استضاف «أعداء الثورة» لاستراحة ما قبل الإعدام.

على هذا النحو تقدم لنا السيرة الروائية تفاصيل عودة «أكبر» (الاسم الحركي لبهروز)، من تجربة تنفيذ حكم الإعدام، بعد مضي عقود على خروجه من المعتقل «لأسباب صحية»، كان السرطان الذي تفاقم في جسم المعتقل اليافع، سبباً في الإفراج عنه، فقد كان شخصاً ميتاً، بحكم وضعه الصحي، ولا يحتاج لأن يحال على المشنقة. بعد خروجه وإثر مصادفات شتى انتهت به إلى الولايات المتحدة، وإلى علاج كيميائي قاسٍ، كلل بشفائه التام، وعودته من تجربة موت محقق. فتحول تاريخ خروجه في 31 ديسمبر من سنة 1984، إلى لحظة لاستعادة تفاصيل ما جرى في معتقل إيفين، وإلى استرجاع ملامح وأسماء وحيوات رفاقه في الزنازين، وفي تجربة الانتظار؛ انتظار تنفيذ حكم الإعدام الذي يختصر في جملة يطلقها الحارس على حين غرة، منادياً اسماً معيناً، طالباً منه: «جمع أغراضه»، وعبر مساحات الاستعادة المرمّمة للوقائع والأحاسيس، والمتخيلة للكلام المنسي، تنبت تأملات في تحولات البلد والناس، كما تستدرج للسيرة سير أشخاص عاديين ممن واكبوا منعرجات الثورة في الشوارع والمصانع والجامعات والمقاهي والحانات، من حكاية الكحول والعمل النقابي وصناعة الأحذية، إلى حكاية الهروب من حظر التجول، إلى صور مناضلين ركبت أحلامهم الثورية على شغف بأشعار حافظ والموسيقى الأذربيجانية... على ذلك النحو انتسجت ملامح شخصيات: «علي» و«شاهين» و«غُلام» و«داوود» و«منصور» و«برهام» و«أصغر» و«صلاح»، ممن شيعهم «أكبر» مع بقج متاعهم الصغيرة إلى باب المغادرة النهائية.

«نصر الله»، «الخال حسين»، «ما العمل؟»، «المنزل الآمن»، «سيمفونية ميلر الأولى»، «التروتسكي»، على هذا المنوال صيغت عناوين فصول السيرة، المنطوية على حكايات لحظات وصفات وسجايا، وطرائف، سكبت في فجوات زمن التحقيق والتعذيب والمحاكمة، ومعايشة برودة زنازين المعتقل، وانتظار نداءات مدعي عام الثورة «أسد الله لاجوردي»، لتعيد الفصول تركيب صور حياة يومية مأخوذة من مفارقات الصخب الثوري، داخل فضاءات مغلقة تملأ بنقاشات الأسرى واسترجاعاتهم، في تلك الحكايات نتعرف على حكايات صناع الأحذية مع النقابات الممنوعة، والأدبيات الماركسية المتنقلة عبر الأيدي في نسخ صغيرة، مخبأة ككنوز مهربة، نكتشف مواسم القراءة تحت اللحاف في الليل بمصابيح عمال المناجم، كما نصاحب النقاشات السياسية المحمومة بين الخصوم/ الشركاء في الثورة، عن فائض القيمة والعنف الثوري، كما نلتقط شذرات الشعر الطليعي جنباً إلى جنب مع الأشعار الكلاسيكية، مع تخايلات موسيقية ومسرحية، وطبعاً حكايات الصمود أمام آلة التحقيق الجهنمية، ونوازع الانتقام البارد، وفناء الذوات في الحشود، والمواهب في الشعارات.

لكن ما يوحد مقامات تلك الفصول في الغالب الأعم هو انتظامها على إيقاع التحقيق والمحاكمة وانتظار دعوة الحارس للخروج النهائي، فعبر تلك الفواصل يكتشف القارئ أمزجة وطبائع بشرية شتى، وقدرات خارقة على الصمود، وضعف بديهي يفضي إلى التراجع والتنكر للقناعات وطلب العفو. بين تلك المدارات تتكشف قدرات تحويل المأساة إلى طاقة للهزل، والتخفف من رهاب الموت والتصالح مع قرار الذهاب إلى الإعدام، ذلك ما يفسر تلك القدرة على استنبات السخرية في فجوات الصمت والألم والعلة: «كانت الغرفة مليئة بدخان السجائر، نحن نصنع غرفة إعدام بالغاز، قال السيد الصالحي بمحاولة باهتة للمزاح».

كانت التفاصيل المفعمة حماساً وعمقاً وتشبثاً بالمعنى، واستحضاراً للأشعار والموسيقى، تُطل لتبديد سطوة الحراس والمحققين، وجعل الخروج النهائي مجرد إجراء عابر، مفرغ من الفجائعية، لهذا كانت محاولات الإقناع المتبادلة بين المعتقلين ليست عن الموت وإنما عن الحياة، عن السياسة والثورة والماركسية والفكر الإسلامي والعمال والحركة الطلابية وانتظارات الإيرانيين منهم، ومدى أخلاقية التراجع تحت وطأة التعذيب، ومصداقية التحولات الفكرية الأخيرة. كان النقاش بصدد ضمائر منذورة للحياة، لا بين أجساد ذاهبة لموت محتوم، يقول السارد في الأسطر الأخيرة من فصل يحمل عنوان «اعتراف»: «أعدمت منية هدائي بعد شهرين من رفضها سحب إنكارها لتراجعها. ألقى حسين روحاني اثني عشر خطاباً آخر، ظهر في ثلاثة منها كماركسي ولد من جديد يدافع عن سنواته في (بيكار)، وفي ثلاثة أخرى كماركسي رفض أجندة (بيكار) السياسية، لكنه دافع عن آيديولوجيتها الثورية. وظهر خلال محاضراته الستة الأخيرة كناقد إسلامي للماركسية وأعلن أنه أخيراً وجد الله بصدق. أعدم بعد وقت قصير من ذلك». (ص168)


مقالات ذات صلة

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

ثقافة وفنون 3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون «الشارقة الثقافية»: سيرة التجاني يوسف بشير

«الشارقة الثقافية»: سيرة التجاني يوسف بشير

صدر أخيراً العدد الـ«99»؛ يناير (كانون الثاني) 2025، من مجلة «الشارقة الثقافية»، وقد تضمن مجموعة من الموضوعات والمقالات والحوارات، في الأدب والفن والفكر

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
ثقافة وفنون باقر جاسم محمد

نقد النقد بصفته خطاباً فلسفياً

شهدت مرحلة ما بعد الحداثة صعودَ الكثير من المفاهيم والمصطلحات النقدية والثقافية والسوسيولوجية، ومنها مفهوم «نقد النقد»

فاضل ثامر
ثقافة وفنون «فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «فلسفة هيوم: بين الشك والاعتقاد» الذي ألفه الباحث والأكاديمي المصري د. محمد فتحي الشنيطي عام 1956

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون مجلة «القافلة» السعودية: عام الحرف اليدوية

مجلة «القافلة» السعودية: عام الحرف اليدوية

في العدد الجديد من مجلة «القافلة» لشهري يناير (كانون الثاني)، وفبراير (شباط) 2025، التي تصدر عن شركة «أرامكو السعودية»، تناولت الافتتاحية موضوع الأمثال الدارجة

«الشرق الأوسط» (الدمام)

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

ناثان هيل
ناثان هيل
TT

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

ناثان هيل
ناثان هيل

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها. الضغوط اليومية والتوقعات غير المطابقة تُعكر الأجواء وتطرد السعادة، فكيف يواجهان خيبات الأمل، وهما تجسيد للحب المثالي؟ مثل هذه التأملات خطرت على بال الكاتب الأميركي ناثان هيل، حين بدأ كتابة روايته الرائعة «الرفاهية (أو «ويل نيس»)، والنتيجة غوص عميق في سيكولوجية العلاقات الرومانسية، وتشريح بالمشرط لحياة زوجين من الطبقة الوسطى «ميدل كلاس» في مجتمعٍ تطغى عليه الرقميات ووسائل التواصل الاجتماعي.

موضوع أزمة العلاقات الزوجية يبدو متداولاً بكثرة، إلا أن قوة الرواية تكمن في الذكاء الذي عُولجت به، والسرد الروائي المشوِّق، والبنية المُحكمة التي جعلت التنقل بين الماضي والحاضر والمستقبل يبدو شديد التناسق، ويجعلنا نلتهم 700 صفحة بكثير من المتعة والاهتمام.

غلاف «الرفاهية»

الرواية تبدأ في شيكاغو، خلال سنوات التسعينات، جاك وإليزابيث جاران في العشرينات من العمر، هو طالب في الفنون الجميلة ومصوِّر، وهي طالبة في علم النفس. كل منهما لاحظ وجود الآخر من خلال ظلمة النوافذ المتقابلة، بدأ يراقبان بعضهما البعض لدرجة الهوس: ماذا يسمع من الموسيقى؟ ماذا تقرأ من كتب قبل النوم؟ لماذا تأخر، اليوم؟ ماذا تكتب منذ ساعة؟ إلى أن يجري اللقاء مصادفة في حانة من حانات الحي، فيحدث الحب من أول نظرة. وعلى امتداد أكثر من خمسين صفحة ينجح الكاتب ببراعة في إقناعنا بقوة هذه العاطفة التي تربط شخصين لا يجمعهما شيء، فهو شاب عفوي من عائلة بسيطة تنحدر من الأرياف والسهول الشاسعة لمنطقة الكانساس، وهي فتاة منضبطة سليلة عائلة غنية من الساحل الشرقي جمعت ثروتها من استغلال الآخرين، لنكتشف أن الهروب من محيط عائلي مفكّك وتطلعاتهم الرافضة لحياة مسطَّرة هو ما يجمع الاثنين. في هذا الفصل يحملنا الكاتب على سحابة وردية لنلامس السعادة في حياة الحبيبين، من خلال مناقشتهما الطويلة، وتأملاتهما العميقة، وتعبيرات الفرح والحماس.

بعد مُضي عشرين سنة، نلتقي بهما من جديد وهما متزوجان ومستقران مهنياً. وبين نوبات غضب الابن المراهق، والروتين الخانق، ومشروع المنزل الجديد، تدخل العلاقة بين جاك وإليزابيث في أزمة. الفضاء الضيق الذي اندمج، بعد أن وقعا في حب بعضهما البعض، بدأ يميل إلى الاتساع لدرجة أنه أصبح هاوية... هل تأثرا بما تُسميه بعض الدراسات منحنى U؟ سعادة عارمة في السنوات الأولى، ثم ملل وفتور في الوسط، وفي النهاية عودة السعادة تدريجياً مع نقص المسؤوليات؟ هل وصلا إلى وسط المنحنى؛ حيث تكون فيه السعادة أسفل القاع؟ وهل هي ضبابة عابرة أم أزمة عميقة؟ هل أخطآ الاختيار؟ أم أنهما ببساطة تغيَّرا مع الوقت؟ يحاول ناثان هيل الإجابة عن هذه الأسئلة بالتحليل العميق وفتح الأبواب؛ الواحد تلو الآخر، حيث يتعرض لأشباح الماضي التي تُوجه خياراتنا في الحياة دون وعي، من خلال شخصية والدة جاك المتسلطة القاسية، وإحساس الذنب عند إليزابيث بسبب والدها رجل الأعمال الاستغلالي. كما يسلّط الكاتب الضوء على دور الحتميات الأولية والمغالطات الناتجة عنها، حيث يبدو أن الحب والعلاقات تعمل بالطريقة نفسها التي تعمل بها الأدوية الوهمية «بلاسيبو»؛ أي من خلال الإيحاء الذاتي والرغبة في الإيمان الأعمى بأساطير السعادة، التي يزرعها فينا المجتمع. ناثان هيل لا ينسى أن يفتح باب المعتقدات الجديدة؛ كهوسنا الجماعي بـ«الرفاهية»، والتي فرضت نفسها على أسلوب حياتنا بديلاً للسعادة العفوية. الرواية عميقة لأن الكاتب تعمَّق في تحليله لدرجة تشريح الظواهر التي تُشكل المجتمع المعاصر، مثل غزو الممارسات الرقمية، وانتشار الخوارزميات التي تحدِّد ماهية الأخبار التي نحصل عليها، والأشخاص الذين نتعرف عليهم، أيضاً من خلال النظريات التآمرية على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث نرى جاك وهو يواجه والده على فيسبوك بسبب تفسير غبي لسرِّ انتشار الإيبولا، أو طغيان السعادة وكل ما يجرُّه من ادعاءات، فيخصّص لنا الكاتب فقرة مطوَّلة عن «التربية الإيجابية» التي تُجربها إليزابيث مع توبي؛ ابنهما المراهق الذي أصبح التعامل معه موضوع جدال بين الزوجين.

وبالفعل، منذ صدورها لقيت رواية «الرفاهية» ترحيباً واسعاً من طرف النقاد والجمهور، وحصدت كثيراً من الجوائز كجائزة «نيويورك تايمز»، و«الجائزة الكبرى للأدب الأميركي»، حتى إن البعض عدَّ الكاتب ناثان هيل، الذي كان قد فاجأ المجتمع الأدبي بموهبته المتميزة في عمله الأول «لا شيء»، أنه الآن ماضٍ على خطى عمالقة الأدب الأميركي.

الصحافي الناقد في الملحق الأدبي لجريدة «لوفيغارو»، إيريك نؤوف، وصف الرواية بالعبارات التالية: «هي كالكاتدرائية التي ينفجر منها عرض عملاق للألعاب النارية. تحتوي على كل شيء: قصة حب، وصورة لقارة بحواضرها وأريافها، وتأمل في الخوارزميات، وحنين هائل إلى الماضي، واهتمام بالتفاصيل يذكِّرنا أحياناً بدون دي ليلو»، مضيفاً، في آخِر المقال: «قد لا تكون (الرفاهية) الرواية الأميركية العظيمة، لكنها ليست بعيدة عن ذلك». وفي مقالة نقدية أخرى بمجلة «تيلي راما» الثقافية، تكتب نتالي كروم مايلي: «يأخذ ناثان هيل وقته للتعرف على شخصياته، حيث انتظر سبع سنوات قبل أن يبدأ روايته الثانية هذه، وحين نرى النتيجة الرائعة فإننا لا نملك إلا أن نقارنه بأقلام كبيرة كجون إرفينغ وفيليب روث...».