«كلاب تنبح خارج النافذة»... انتهازيون في عباءة الثورة

«كلاب تنبح خارج النافذة»... انتهازيون في عباءة الثورة
TT

«كلاب تنبح خارج النافذة»... انتهازيون في عباءة الثورة

«كلاب تنبح خارج النافذة»... انتهازيون في عباءة الثورة

ترصد رواية «كلاب تنبح خارج النافذة»، الصادرة في القاهرة عن «دار صفصافة» للكاتب المصري صبحي موسى فكرة الانتهازيين الذي يحصدون المكاسب من وراء كل ثورة دون أن يشاركوا في أي تضحية تقتضيها الشعارات الحالمة التي يرفعها النبلاء المنادون بالعدل والحرية. وتزداد حدة هذه المعضلة الأخلاقية حين يكون الانتهازي مثقفاً يخون دوره المنتظر في محاولة تغيير الواقع وتنوير الرأي العام. ويتخذ المؤلف من تداعيات «ثورة 25 يناير» 2011 منطلقاً لهذه الفكرة من خلال قصة بطل العمل، الذي يعمل كاتباً وصحافياً، يتم تكليفه بمراقبة شخص آخر يعاني من قصور عقلي. ورغم عبثية الأمر، فإن البطل يؤدي المهمة بجدية شديدة تجعل النص ينطوي على مفارقات درامية بارزة.

تنقسم الرواية إلى جزأين هما «أنجريتا»، وهو مكان عشوائي يقطنه البطل أو الراوي العليم ويقع في منزلة وسطى بين الريف والمدينة دون هوية واضحة سوى القبح والفوضى. الجزء الثاني هو «فئران بدينة»، حيث يشير هذا العنوان، بشكل غير مباشر، إلى عدد من شخصيات الرواية التي تتحرك في بطء وتثاقل وخمول وتبدي لا مبالاة مذهلة تجاه ما يحيط بها حتى لو كان الحدث الأبرز الذي يشغل العالم هو احتجاجات حاشدة في أكبر ميادين البلاد، التي يتابعها العالم لحظة بلحظة، ولا تبعد عن هذه الشخصيات سوى مسافة قريبة للغاية.

من أجواء الرواية نقرأ:

الساعة الآن تجاوزت الثامنة مساء، أشعر أنني في حاجة للترفيه، والاحتفال بأول يوم عمل في وظيفتي الجديدة؛ لذا سأخرج من شقتي باحثاً عن مكان هو الوحيد الموجود في هذه المنطقة الواقعة في آخر العالم، المنطقة المحيطة بالبيت تكاد تكون خالية من الحياة. فقط بعض الكلاب المتصارعة على غنيمة في كومة كبيرة من الزبالة، وبعض المتسولين وجامعي كانزات المياه الغازية، هؤلاء الذين يقومون بتهشيمها في مداخل بيوتهم المظلمة، ثم وضعها في أجولة من الخيش تحملها عربات تقوم بجمعها منهم. أعبرهم في صمت كأنني لا شيء، وأمرُّ في اتجاه الكوبري الممتد أسفل الطريق الدائري، حيث نهاية خط الأتوبيسات القادم من وسط العاصمة إلى هنا، أمرُّ من بين الأتوبيسات الواقفة في محطتها صامتة، فلا أحد في المكان سوى راكبَين ينتظران أتوبيساً لم يأت بعد. وحدهما الظلام والبرد يتجليان بوضوح، الجميع أغلق أبوابه على نفسه، تاركاً إضاءة خفيفة تطل من خلف الزجاج كي تدل على وجودهم في الحياة.

كان الوقت ما زال صيفاً، وعدد الذين في الشارع أكبر من الموجودين في البيوت. سألت بعضهم عن مقهى «سامبو»، ظللت أسأل حتى وجدت رجلاً على مشارف الستين يجلس أمام مكتبة، قال إنه في الشارع القادم أسفل البيت قبل الأخير. لم أستطع أن ألمح الضوء القليل المنبعث من الزجاج المعتم. مررت مرتين بالمكان دون أن أتعرف عليه. رأيت رجلاً يخرج من باب في حالة سكر واضح. دُهشت أنني لم أر ذلك الضوء الخفيف من قبل. ورغم أنني لم أكن متأكداً من صدق توقعي، فإنني قررت المغامرة. سحبت الباب الخشبي إلى الخارج، ثم دفعت على استحياء الباب الزجاجي المعتم إلى الداخل. رأيت ثلاث مناضد موزعة في فراغ لا يزيد عن خمسة أمتار. في الخلفية يجلس رجل عجوز خلف سور لا يزيد عن نصف متر بجانب ثلاجة، وأمامه قِدر يتصاعد منه بخار. كانت إضاءته خافتة. ولم يكن به سوى أربعة زبائن، كل اثنين يجلسان معاً على منضدة، يتهامسان أحياناً، ويعلو صوتهما أحياناً أخرى، بدا أنهم قد بدأوا سهرتهم مبكراً، وبدت المنضدة الثالثة كما لو أنها كانت تنتظرني، فقد غادرها للتو الرجل الذي رأيته خارجاً. كانت زجاجته وبقاياه ما زالت موجودة عليها. جلستُ متأففاً من بؤس المكان، فالمناضد والكراسي من الخشب القديم الذي اكتسب دهانه من تراب وعرق الجالسين عليه».


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
TT

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة.

من التقديم:

«نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.

يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار...

حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه»

جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.

أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.