كتب يتوجس زبائن المكتبة من الاقتراب منها

علي حسين يكتب عن تجربته في قراءة «الكتب المملة»

كتب يتوجس زبائن المكتبة من الاقتراب منها
TT

كتب يتوجس زبائن المكتبة من الاقتراب منها

كتب يتوجس زبائن المكتبة من الاقتراب منها

هل هناك كتب مملة؟ بهذا السؤال؛ يستهل الكاتب علي حسين مقدمة كتابه الجديد «لماذا نقرأ الكتب المملة؟»، الذي صدر أخيراً عن دار «المدى» في بغداد، والذي حاول فيه أن يشير إلى الأسباب التي جعلت من بعض الكتب مملة بالنسبة له، وبالتأكيد السبب لا يتعلق بالكتاب وإنما بالقارئ السيئ الذي «هو»، ولهذا حاول في صفحات هذا الكتاب أن يأخذنا في جولة لنشرع معه سوية في ممارسة قراءة صحية، وممارسة حصيفة ومبدعة، وبعيدة عن القراءات السيئة التي كان الفارس دون كيخوته يحشو بها رأسه.

في كتابه هذا، لا يخرج حسين عن موضوعات الكتب التي ألفها سابقاً مثل: «سؤال الحب»، و«صحبة الكتب»، و«دعونا نتفلسف»، التي تهتم بالكتب والقراءة، وهي الشغل الشاغل للمؤلف.

في هذا الكتاب الممتع يختار المؤلف عدداً من أمهات الكتب، التي يصفها البعض بـ«المملة» في الأدب والسياسة والاقتصاد، ليجري عليها قراءة جديدة، ولكن قبل ذلك، نتعرف على جانب من سيرة حياته مذ كان صبياً، التي اندغمت في الكتاب وأحواله، وبالتالي يحاول أن يسرد لنا علاقته الغريبة بالكتب، حيث كان يعمل منذ نشأته الأولى في إحدى أهم المكتبات التي يملكها أحد أقاربه، والتي كان موقعها في إحدى ساحات بغداد، وكانت قبلة لعدد كبير من مثقفي العراق خلال السبعينات. ويشير الكتاب إلى بعض هؤلاء، الذين أسهموا بشكل أو بآخر في تغذية هواية القراءة لديه، بل إن بعضاً من هؤلاء كان له دور كبير في التأثير على شخصيته. الكاتب إذن لا يقتصر على سرد قراءات كتب مهمة، بل يستعرض جانباً من الحياة الثقافية في بغداد خلال السبعينات.

لكن ما هي «الكتب المملة»؟ ولماذا نقرأها إذا كانت كذلك؟ يقول المؤلف: «أثناء عملي في المكتبة، كنت أواجه بعض القراء الذين يبدون تذمرهم من بعض الكتب، فأجد أحدهم يقول لي: أريد أن أقرأ هذا الكتاب، لكن البعض نصحني بتركه لأنه ممل».

من خلال خمسة وعشرين فصلاً تضمنها الكتاب يأخذنا المؤلف إلى قراءة مختلفة للكتب التي يراها القراء مملة

لا توجد طريقة واحدة لقراءة الكتب التي تشعر بأنها مملة، كما يقول المؤلف، ولكنّ هناك سبباً رئيسياً يجعلنا نسعى للحصول على هذه الكتب وضمها إلى مكتبتنا الشخصية، وتصفحها أو قراءة صفحات منها بين الحين والآخر. وبالتأكيد لا توجد نصيحة واحدة تعلمنا كيفية قراءة مثل هذه النوعية من الكتب، وسبق للروائية الإنجليزية فرجينيا وولف أن حذرتنا قائلة: «فيما يتعلق بالقراءة، فإن النصيحة الوحيدة حقاً التي يمكن أن يسديها شخص لآخر هي إياك أن تأخذ نصيحة أحد»، لكن رغم ذلك تجدنا دائماً نسأل: هل هذا الكتاب ممتع؟ وما الفائدة من شراء هذا المجلد؟

من خلال خمسة وعشرين فصلاً تضمنها الكتاب يأخذنا المؤلف إلى قراءة مختلفة للكتب التي يراها القراء مملة، كما حصل معه شخصياً مع كتاب «النسبية» لآينشتاين. يقول المؤلف: «كالعادة فشلت معه، فعثرت بالمصادفة على كتاب بعنوان (آينشتاين والنسبية) للكاتب المصري مصطفى محمود، وهو كتاب بسيط وممتع، يَعرف كاتبه كيف يجذب القارئ. بعد سنوات قرأت كتباً كثيرة عن آينشتاين والنظرية النسبية، لعل أشهرها كتاب برتراند رسل (ألف باء النسبية)، وكتاب (آينشتاين كما عرفت) لجون بروكمان».

وفي الطريق إلى فلسفة إيمانويل كانط، يعثر المؤلف على نسخة من كتاب زكريا إبراهيم «كانت أو الفلسفة النقدية»، وهو الكتاب الأول من سلسلة عبقريات فلسفية، الذي قاده إلى كثير من الكتب ذات الشأن نفسه.

وهكذا مع كتاب «أصل الأنواع»، فـ«طوال سنوات عملي في المكتبة، لم أسمع قارئاً يقول إنه قرأ كتاب (أصل الأنواع) من الجلاط إلى الجلاط»، فقد كان المقربون من داروين يشكون من ضخامة كتابه، وفي رسالة يوجهها له صديقه توماس هنري هكسلي يخبره فيها بأن كتاب «أصل الأنواع»، «من أصعب الكتب استيعاباً». ويقول حسين: «قال لي ذات يوم الروائي الراحل غالب هلسا، إن بعض الكتب ترغمك على تصفحها وقراءة بعض صفحاتها، بالنسبة إلى (أصل الأنواع) لا تكمن قوته بحجج داروين العلمية، وإنما بالجدال والشائعات التي لا تزال ترافق الكتاب».

وهكذا مع باقي فصول الكتاب التي تحظى بقراءة خاصة مقترنة بجانب من سيرة المؤلف مع الكتاب، الذي يختمه بوصية بورخس لمكتبة اقترح هو كتبها.


مقالات ذات صلة

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «جدة تقرأ» عنوان معرض الكتاب 2024 (المركز الإعلامي)

الكتاب الورقي ينتصر على الأجهزة الرقمية في معرض جدة

في ظل التطور التقني والاعتماد المتزايد على الكتب الإلكترونية، حسم زوار معرض جدة للكتاب 2024 الجدل لصالح الكتاب الورقي

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق دور النشر شهدت إقبالاً كبيراً من الزوار من مختلف الأعمار (هيئة الأدب والنشر والترجمة)

«جدة للكتاب»... مزيج غني بالمعرفة والإبداع بأحدث الإصدارات الأدبية

يعايش الزائر لـ«معرض جدة للكتاب 2024» مزيجاً غنياً من المعرفة والإبداع يستكشف عبره أحدث الإصدارات الأدبية، ويشهد العديد من الندوات وورش العمل والجلسات الحوارية.

إبراهيم القرشي (جدة)

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».