منصة «إنكيت»... مجموعة وسائط تبدأ بالكتاب ومنه تتوسع نتاجاتها

النشر الرقمي والقراءة المجانية يدرّان الملايين

فريق عمل «إنكيت» في أحد احتفالاته بالموقع
فريق عمل «إنكيت» في أحد احتفالاته بالموقع
TT

منصة «إنكيت»... مجموعة وسائط تبدأ بالكتاب ومنه تتوسع نتاجاتها

فريق عمل «إنكيت» في أحد احتفالاته بالموقع
فريق عمل «إنكيت» في أحد احتفالاته بالموقع

تجربة موقع «إنكيت» لنشر الكتب ذاتياً تستحق النظر في جدواها، وربما الاستفادة منها. صاحب المبادرة ومديرها التنفيذي هو العراقي الأصل؛ الألماني النشأة، علي البزاز، المولود في بغداد عام 1989، قبل أن تترك عائلته البلاد وهو بعدُ صغير. ويعدّ البزاز نفسه «أول ناشر في العالم» يعتمد على القارئ، وتوفر منصته اكتشاف المواهب الخفية وتحولهم إلى مؤلفين ناجحين، بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي.

الموقع، الذي احتفل بعشر سنوات على انطلاقته العام الماضي، منصة مفتوحة، تتيح للكاتب أن ينشر كتابه بنفسه، وتترك للقراء أن يختاروا بحرية المؤلّف الذي يعجبهم. والكتب التي تحوز إعجاب أكبر عدد من القراء تصبح موقع جذب لمزيد من المهتمين، ومن ثم فستجد هذه المؤلفات الفائزة حظها للانتقال إلى منصة أخرى هي امتداد للأولى؛ تحمل اسم «غالاتيا».

يبدو المشروع طموحاً جداً؛ إذ يراد منه أن يتحول إلى إمبراطورية من الوسائط المتعددة، التي تنشر الكتب، وتنتج من هذه القصص أفلاماً ومسلسلات، وتستوحي ألعاب فيديو، وربما أمكن مستقبلاً كتابة قصص ينتجها الذكاء الاصطناعي؛ بناء على المعطيات التي شكلها من خلال بيانات جمعها مما كتبه البشر، ونُشرت على الموقع، ونالت حظوة عند القراء. وقد أُنتج بالفعل مسلسل تلفزيوني يستند إلى كتاب من موقع «غالاتيا» بعنوان «خطأ جميل»، ويبدو أنه لقي نجاحاً. والذكاء الاصطناعي الذي يعتمد عليه الموقع له فضل في التسريع بتطوير المنصة، ويسهم في تحويل الكتب المكتوبة إلى مسموعة، كما يشارك في وضع الأغلفة، ويتيح ترجمة الكتاب الواحد إلى لغات عدة. يبقى السؤال حول نوعية ومدى كفاءة كل هذه المهام التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي وهو لا يزال في مراحله البدائية.

كل هذا يبدو كأنه من الخيال العلمي، إنما صاحب المشروع الذي بدأ بشركة ناشئة صغيرة، تمكن من اجتذاب ملايين المستخدمين، وفق المؤسس نفسه، وأقنع مستثمرين بدفع عشرات ملايين الدولارات لتطوير المشروع لغاية الآن، خصوصاً أنه يعدّ أن خوارزمياته يمكن أن تعطيه دفعاً قوياً في الاختيار والتطوير يفوق ما تستطيعه أي دار تقليدية.

ويعتمد البزّاز على فكرة أن دور النشر التي تُخضع المخطوطات لفحص لجان القراءة تقع في أخطاء، يتبين بعد ذلك أنها كانت فادحة. فكاتبة «هاري بوتر»، جيه كي رولينغ، قدمت مخطوطتها إلى عشر دور ورُفضت قبل أن تتحول إلى «بيست سيلر»، والحال نفسها حدثت مع كتاب «كاري» لمؤلفه ستيفن كينغ، كذلك رفضت تكراراً رواية «توايلايت» لستيفاني مايرز.

ولكن هل ينجح فعلاً الذكاء الاصطناعي في اختيار المخطوطات المناسبة؛ أفضل من البشر؟ وما الأسس والقواعد التي يستند إليها؟ وهل البيانات وحدها قادرة على تنقية الجيد من الرديء؟ وما نوعية الكتب التي يريد صاحب موقع «إنكيت» الترويج لها؟ خصوصاً أنه لا يحبذ التعامل مع الأسماء المعروفة والذائعة الصيت على موقعه، فهو ليس المكان لنشر المكرسين والمعروفين، خصوصاً أن هؤلاء لا يؤمنون عادة بهذا الأسلوب الذي لا يزال قيد التجريب. ومع ذلك، فإن كتّاب الموقع كثر حتماً؛ لأن من يحلمون بالكتابة والنشر، وفرة فائضة، وبالتالي فالسوق مفتوحة ولا حدود لها.

تجربة النشر الإلكتروني الذاتي المفتوح للجميع، ليست جديدة بالكامل كما يدّعي صاحب موقع «إنكيت»؛ فالصين فتحت لجمهور الكتّاب الناشئين مواقع من هذا النوع قبل نحو عشرين سنة، وتركت الحكم للقراء، من خلال التقييم واختيار عدد النجوم التي يستحقها كل كتاب، لتصبح الأكثر قراءة وتداولاً في المقدمة، ومن ثم تطبع ورقياً ويروج لها، ويستفاد منها في كتابة سيناريوهات سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية. لكن جمهوراً من المدققين كان وراء هذه المواقع، وقد خرج منها بالفعل نجوم في عالم الأدب. وبعض الأدباء المعروفين اليوم، الذين هم في ثلاثيناتهم، بدأوا النشر على المواقع الرقمية، لكن أعدادهم ليست بالكثرة التي يمكن أن يتخيلها البعض؛ لأن السمين غالباً ما يضيع وسط الغث.

عام 1997 قام رجل الأعمال الصيني - الأميركي ويليام تشو بإنشاء موقع أدبي تجاري، كان الأول من نوعه حينها، ومن بعده توالت المواقع الصينية. ومع بدء القرن الحادي والعشرين، كان كثير من المواقع قد ظهر، ومنذ حينها أصبح النشر عليها جزءاً من الحركة الأدبية الصينية، وليس مجرد مرادف للنشر التقليدي.

لكن هذا النوع من الأدب ليس مما يرضي الكتّاب التقليديين الذين باتوا ينعون النصوص الجادة. وبمراجعة موقع «إنكيت»، يُلحظ الميل للإثارة والتشويق، وما يرضي القارئ ويمكن أن يروج، أكثر من البحث عن النص العميق الذي يتعب الذهن.

يعتقد البعض أن أدب الإنترنت تحكمه النزعة التجارية، ويسير على غير هدى لأنه لا يخضع لأي عملية نقدية جادة، بل هو يمضي وفقاً لهوى قراء لا باع لهم في الأدب وشؤونه. وثمة من يرى أن هذه الكتابات مليئة بالقرصنة، وهناك من يقول إن البعض يستغلها للترويج لأمور بعينها لا تكون مقبولة عادة في الأعمال التي تمر عبر فلاتر دور النشر المعروفة.

أما المشجعون لمواقع النشر والقراءة الإنترنتيين فيستندون إلى ما يعدّونها ميزات لا يمكن تجاهلها؛ منها الوصول إلى كل الناس حين يكون متاحاً بالمجان، وأكثر حرية؛ لأنه لا يخضع للجان الناشرين أو الرقابات الرسمية والاجتماعية، والمقاييس التقليددية، كما أنه يصبح تفاعلياً تلقائياً، وتصل الأصداء من القراء إلى الكاتب بسرعة البرق، وبشكل مباشر دون وسيط. كما أنه نوع من النشر يتيح ظهور أشكال أدبية جديدة، مثل النصوص القصيرة، والشعر الرقمي، والمدونات الأدبية؛ مما يطور الأساليب والصيغ التعبيرية بشكل مستمر.

ويستند المدافعون عن هذا النوع من المواقع إلى أرقام تظهر أن النشر الإلكتروني التفاعلي أعاد كثيرين إلى القراءة... فقد بيّن استطلاع صيني أن 85 في المائة من القراء يفضلون مطالعة كتبهم على وسائل رقمية أكثر من الورقية. لكن دراسة أخرى تقول إن غالبية الذين يستخدمون هذه المواقع؛ سواء للنشر وللقراءة، هم دون الأربعين من العمر. وهذا يعطي فكرة عن تقسيمات مجتمعية حادة، تخضع ليس للطبقية الاجتماعية هذه المرة؛ إنما لانقسام حادٍ بين الأجيال.

وبيّن تقرير صيني أن القراء يتجاوزون البلاد إلى آسيا وغيرها، وفي آسيا غالبيتهم ولدوا بعد عام 1995؛ 60 في المائة منهم حاصلون على شهادات جامعية، بمعنى أنهم على مستوى من المعرفة، ونحو 60 في المائة من القراء من الإناث، وهم من دول جنوب وجنوب شرقي آسيا مثل إندونيسيا والفلبين وماليزيا والهند.

والبزاز؛ مؤسس موقع «إنكيت»، يستند في دفاعه عن منصته إلى معلومات مشابهة، كما يعدّ أن الدفع الذي لقيته المتاجر الإلكترونية خلال وباء «كورونا»، زال أو يكاد بعد عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية، والشراء الإلكتروني لم يعد على ما كان عليه، لكن موقعه لم يتأثر؛ بل على العكس، فالكتب المقروءة إنترنتياً تحظى بزيادة واضحة في نسبة المهتمين، بل تعيد الملايين للقراءة والأدب؛ ذلك لأن عامة الناس بعد انتهاء الوباء، وبسبب الضغوط التي يعيشونها، «يبحثون عن مهرب، ونعتقد أن هذا هو سبب ازدهارنا»؛ يقول البزّاز.

بمراجعة موقع «إنكيت» يُلحظ الميل للإثارة والتشويق وما يرضي القارئ ويمكن أن يروج... أكثر من البحث عن النص العميق الذي يتعب الذهن

ولا بد من الإشارة إلى أن مؤسس موقع «إنكيت» هو في الأصل مختص في علوم الكومبيوتر، عشق منذ صغره التكنولوجيا والهواتف الجوالة التي كان يسعى للحصول عليها مستعملة ليجري تجاربه، وعمل في عدد من الشركات قبل أن تأتيه فكرة الموقع الإلكتروني المعني بالنشر في سان فرنسيسكو، والذي يفسح المجال أمام مسابقات، ونقاشات مع الكتّاب. فهو، بالتالي، مشروع مفتوح على كثير من الأنشطة التي تدور حول الكتب والنصوص. وحين يجري التحدث عن هذا النوع من المواقع، فغالباً ما يصنّف على أنه وجد للترفيه، وهذا يغير من الرؤية إلى نوعية المنشورات، وإلى الفئة المستهدفة بالكتب؛ إذ بات يعتقد أن كل المنتجات التي تتيح لعامة الجمهور المتعة؛ سواء أكانت رياضية أم فنية أم أدبية، تصب في خانة الترويح عن النفس. من هنا يفهم أن النصوص ليس الهدف منها التثقيف بقدر ما إن الهدف من نشرها التسلية والترويح عن النفس. وعلى منصة «إنكيت» نعثر على خانات نختار منها تبعاً للأجواء التي نحتاجها؛ هناك روايات حول: الحب، والمغامرة، والمزاح، والرعب، والخيال العلمي، والشعر، والأحجية، والإثارة، والرومانسية، والدراما، والأطفال... وغيرها. والموقع ينشر الكتب بلغات عدة؛ الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية... لكن التطلعات واسعة لانتشار أكبر، ولتوسيع الخدمات الترفيهية التي تحيط بالكتب ونصوصها.

واحتفل فريق «إنكيت» العام الماضي بتصنيف «فايننشيال تايمز» له «الشركة الأسرع نمواً في ألمانيا» و«الثامنة في أوروبا».

 

الموقعان هما:

https://www.inkitt.com

https://getgalatea.com


مقالات ذات صلة

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

كتب دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

يضم الكتاب مجموعة من البحوث والدراسات الأكاديمية وموضوعات وقراءات تتعلق بالجانب الاجتماعي - الاقتصادي

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
كتب بعض واجهات المكتبات

موجة ازدهار في الروايات الرومانسية بأميركا

الصيف الماضي، عندما روادت ماي تنغستروم فكرة فتح مكتبة لبيع الروايات الرومانسية بمنطقة فنتورا بكاليفورنيا

ألكسندرا ألتر
كتب الرواية الخليجية... بدأت خجولة في الثلاثينات ونضجت مع الألفية

الرواية الخليجية... بدأت خجولة في الثلاثينات ونضجت مع الألفية

يتناول الناقد والباحث اليمني د. فارس البيل نشأة وجذور السرد الإبداعي في منطقة الخليج وعلاقة النص بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة

رشا أحمد (القاهرة)

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق
TT

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

صدر حديثاَ للباحث د. هاشم نعمة فياض، كتاب بعنوان «موضوعات اجتماعية - اقتصادية معاصرة مع التركيز على حالة العراق»، عن دار أهوار للنشر والتوزيع في بغداد، وهو يقع في 224 صفحة.

ويضم الكتاب مجموعة من البحوث والدراسات الأكاديمية وموضوعات وقراءات تتعلق بالجانب الاجتماعي - الاقتصادي مع التركيز على حالة العراق. ويعالج الكتاب قضايا مثل نمو سكان المناطق الحضرية في العراق وآثاره الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك يتناول الكتابات الماركسية الجديدة والنمو الحضري في البلدان النامية، اللاجئون العراقيون في أوروبا: تحليل مقارن، اتجاهات الهجرة الطلابية من البلدان العربية وتحولاتها، تزايد حاجة أوروبا للعمالة المهاجرة، العلاقة بين الخصوبة السكانية ومكانة المرأة في المجتمع، العراق مثالاً، وجفاف الدلتا في العراق وآثاره.

ومن المواضيع الأخرى صعود الليبرالية الجديدة وسقوطها، والعلاقة بين الديمقراطية والتنمية، والتعافي الاقتصادي بعد الجائحة، وعصر التنوير والجغرافيا، والجغرافيا والثقافة، وغيرها.

ويقول المؤلف إن هذه الموضوعات كُتبت أو تُرجمت في أوقات مختلفة، وارتأى جمعها في كتاب واحد لتكون في متناول الباحثين والقراء عموماً.

يركز الباحث على تحليل تطور نمو سكان الحضر في العراق زمانياً ومكانياً، ويمهد لذلك بخلفية نظرية تخص التحضر الهامشي وعلاقته بتوسع النظام الرأسمالي، ويتناول توزيع سكان الحضر على مستوى المحافظات، ويحلل مكونات النمو الحضري خصوصاً الهجرة الريفية - الحضرية إلى المدن الكبيرة مثل بغداد، ومدى مساهمتها في تضخم عدد سكانها، ويدرس الهجرة القسرية، ويتوقف عند التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن نمو سكان الحضر وما أفرزته من مشكلات كبيرة على مستوى أزمة السكن، خصوصاً السكن العشوائي والفقر والبطالة، ومساهمة ذلك بعد عام 2003 في تغذية الموقف السلبي من قبل الشباب تجاه الأحزاب الدينية والسياسية الحاكمة، وعلاقة ذلك باندلاع «انتفاضة تشرين 2019»، كما يعالج إشكالية هيمنة المدن الكبيرة على الشبكة الحضرية ونتائجها.

وبالنسبة إلى هجرة العراقيين يذكر الباحث أن هناك كثيراً من الأسباب المتشابكة التي تقف وراء موجات هجرة العراقيين القسرية في مراحل مختلفة من تاريخ العراق. ولعل أبرز الأسباب يكمن في فشل الدولة العراقية الحديثة والخلل في بناء الدولة - الأمة، وعدم الاستقرار السياسي نتيجة تعاقب الأنظمة المستبدة الفاقدة للشرعية التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، وإقامة نظام الحزب الواحد المتمثل في حزب البعث وانتهاجه سياسات القمع السياسي والفكري والتبعيث القسري والتمييز القومي والديني والمذهبي والمناطقي، والحروب الداخلية والخارجية التي ساهم هذا النظام في اندلاعها، وكذلك احتلال العراق في عام 2003 وما تبعه من تفكك مؤسسات الدولة وإقامة نظام يتبنى المحاصصة الطائفية والإثنية، وشيوع ظاهرة الإرهاب والفساد وارتفاع معدلات البطالة وتدني الخدمات الأساسية، مما دفع آلاف العراقيين وخصوصاً الشباب، إلى طلب اللجوء لأوروبا خاصة.