«القاهرة للكتاب»... دورة استثنائية وحضور لافت لدور نشر جديدة

رقم غير مسبوق في عدد الزوار وأجنحة وزارة الثقافة الأكثر مبيعاً

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

«القاهرة للكتاب»... دورة استثنائية وحضور لافت لدور نشر جديدة

جانب من المعرض
جانب من المعرض

اختتم معرض القاهرة الدولي للكتاب دورته الـ55 والتي يمكن وصفها بدورة «الأرقام القياسية» على صعيد عدد الحضور من الجمهور العام، حيث تجاوز الرقم مليون زائر في الأيام الثلاثة الأولى فقط، وهو ما ينطوى على مفارقة لافتة مقارنة بعدد رواد المعرض العام الماضي والذي لم يزد على 3 ملايين إلا بنسبة قليلة على مدار 14 يوماً كاملة.

ووصفت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة نيفين الكيلاني هذا الأمر بـ«الفارق والاستثنائي» في تاريخ المعرض. وأشار الدكتور أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب ومدير عام المعرض، إلى وجود رقم قياسي آخر غير مسبوق يتمثل في عدد الزائرين الذي تجاوز 3 ملايين ونصف المليون زائر بعد 9 أيام من بدء فعاليات هذا الحدث الذي يعد الأبرز على الساحة الثقافية بمصر. وبلغ إجمالي عدد الزائرين في 11 يوماً هي مدة المعرض أكثر من 4 ملايين ونصف المليون.

ورغم الواقع الاقتصادي المضطرب التي تعانيه عدد من الدولة العربية وعلى رأسها مصر رأى مثقفون مصريون وعرب أن تلك الأعداد تنطوي على دلالات مهمة، أبرزها تجسيد شوق القارئ العربي إلى الثقافة ونزوعه إلى المشاركة الفعالة في الأحداث الثقافية الكبرى ذات المسحة الكرنفالية والتي تنطوي على بهجة جماعية.

وامتدت الأرقام القياسية لتشمل عدد دور النشر المشاركة والتي بلغت 1200 دار نشر من 70 دولة في العالم، فضلاً عن عدد الفعاليات والأنشطة الذي بلغ 550 فعالية تتوزع بين الأدب والفكر والأنشطة الفنية والفنون الأدائية.

واتسمت الدورة التي امتدت في الفترة من 24 يناير (كانون الثاني) حتى 6 فبراير (شباط) بصعود عدد من دور النشر الجديدة، مصرية وعربية، والتي فرضت حضورها في المشهد عبر نوعية المحتوى والطباعة الأنيقة والطرق المبتكرة في الترويج للكتب.

الزميل الشاعرجمال القصاص متسلما جائزة افضل ديوان شعر

وعكست جوائز المعرض التي قامت بتسليمها للفائزين وزيرة الثقافة، ورئيس هيئة الكتاب، هذا المتغير في صناعة الكتاب، حيث ذهبت جائزة أفضل ناشر مصري إلى دار «بيت الحكمة للصناعات الثقافية»، بينما تقاسمت كل من «دار الرواق» و«منشورات المتوسط» جائزة أفضل ناشر عربي.

وأثار ذهاب جائزة أفضل ديوان شعر فصحى لـديوان «كانت هنا موسيقى» للزميل الشاعر جمال القصاص حالة من الفرح والارتياح في الأوساط الثقافية؛ نظراً لما يتسم به مشروع القصاص من تراكم جمالي يتسم بالخصوصية والتميز، فضلاً عن الجدية والإخلاص، كما حصد الشاعر عبده المصري جائزة أفضل ديوان في شعر العامية عن ديوانه «الحياة مكنتش أحلى»، ونال الكاتب الروائي محمد الفخراني جائزة أفضل رواية عن روايته «غداء في بيت الطباخة»، وذهبت جائزة النقد الأدبي مناصفة بين الدكتور محمد إبراهيم السيد عبد العال عن كتابه «النقد الثقافي: نحو منهجية التحليل الثقافي للأدب»، والدكتور حسام جايل عبد العاطي عن كتابة «التماسك النصي في الشعر العربي: دراسة في البنية والرسائل». وفى العلوم الإنسانية، فازت شيرين محمد مناصفة مع شريهان محمد عبد الحافظ عن كتاب «الإعلام الرقمي تشريعات وأخلاقيات النشر»، وفي المجال العلمي، الكاتب إيهاب خليفة عن كتابه «الخوارزميات القاتلة»، أما جائزة تحقيق التراث ففازت بها الصيدلانية مروة محمد عن كتاب «معجم المصطلحات الصيدلانية التراثية». ونال جائزة الفنون الكاتب محمود قاسم، عن كتابه «العلم والسينما والتخيل»، وفاز الكاتب أحمد سمير سعد بجائزة أفضل كتاب مترجم للطفل عن كتابه «جورج ومفتاحه السري للكون».

وشهدت هذه الدورة حضوراً لافتاً للشعر، وتنوعاً في الإصدار، بعد أن كان يعدّه الكثير من الناشرين سلعة غير مربحة. كما احتل الشعر المساحة الأكبر في الفعاليات الثقافية، لا سيما على صعيد مشاركة الشعراء الأجانب الذين تتنوع خلفياتهم الثقافية كما هو الحال مع الشاعر والمترجم والناشط الثقافي البنغالي أمنيور رحمن، الذي ألقى بعضاً من قصائده في ندوة خاصة بالمعرض، كما وقّع ديوانه الجديد المترجم إلى العربية والصادر عن «دار الأدهم» ويحمل عنوان «يوميات خالدة».

بلغ عدد دور النشر المشاركة 1200 دار نشر من 70 دولة في العالم وعدد الفعاليات والأنشطة 550 فعالية

وتفاعل جمهور المعرض مع قصيدة رحمن التي تحمل عنوان «أرغب في العودة إلى فلسطين» التي تتناول مأساة غزة. وذكر رحمن، أنه يعرف الأدب العربي جيداً من خلال رموزه الكبرى، مثل جبران خليل جبران، ومحمود درويش ونزار قباني، لكنه متأثر بشكل خاص على المستويين الإنساني والإبداعي بتجربة الشاعر المصري الراحل محمد عفيفي مطر.

وكشفت الشاعرة الإسبانية - الأرجنتينية، يونا بورجهارت، في ندوتها عن مفاجأة تتمثل في رفضها طباعة أي ديوان شعري لها مكتفية بما يوفره أصدقاؤها الشعراء حول العالم لقصائدها من فضاءات في عالم الإنترنت ومواقع التواصل.

وأوضحت أنها ترجمت حتى الآن ما يقرب من 100 ديوان حول العالم إلى اللغة الإسبانية؛ إيماناً منها بوجود تجارب إبداعية مهمشة لأسباب سياسية أو جغرافية أو لغوية أو عرقية، وتستحق أن ينم تسليط الضوء عليها بقوة.

وشهدت الأجنحة التابعة لوزارة الثقافة المصرية مثل جناح الهيئة العامة للكتاب وجناح الهيئة العامة لقصور الثقافة إقبالاً وزحاماً شديدين؛ نظراً لتقديمها مؤلفات قيمة بأسعار زهيدة في ظل ارتفاع وصفه البعض بـ«الجنوني» في أسعار الكتب بمصر.

وطرحت الهيئة العامة لقصور الثقافة عدداً من كتب التراث التي قام عميد الأدب العربي طه حسين بترجمتها والمشاركة في تحقيقها، لا سيما كتاب «كليلة ودمنة» لعبد الله بن المقفع - تحقيق: عبد الوهاب عزام وطه حسين. والكتاب يُعدّ كما هو معروف إحدى درر التراث ويحتوي على أبواب عدة متنوعة تضم كثيراً من القصص التي أبطالها حيوانات، ولكل حيوان شخصية وسلوك، وكل سلوك يرمز إلى صفات عدة، تعبّر في النهاية عن مجموعات بشرية. ويقدم الكتاب الحكمة على ألسنة الحيوانات الذين كانوا أبطال الحكايات والقصص التي تدعو إلى التحلي بالأخلاق الحميدة.

ونقرأ في تقديم طه حسين لهذا العمل الفريد قوله: «في هذا الكتاب حكمة الهند، وجهد الفرس، ولغة العرب، وهو من هذه الناحية رمز صادق دقيق لمعنى سامٍ جليل، هو هذه الوحدة العقلية الشرقية التي تنشأ عن التعاون والتضامن وتظاهر الأجيال والقرون بين أمم الشرق على اختلافها، والتي حققتها الحضارة الإسلامية على أحسن وجه وأكمله أيام كانت هذه الحضارة حية قوية مؤثرة في حياة الأمم والشعوب والتي نريد الآن أن نرد إليها قوتها الأولى وجمالها القديم».


مقالات ذات صلة

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

ثقافة وفنون قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

عن دار «طيوف» بالقاهرة صدر كتاب «مرايا الفضاء السردي» للناقدة المصرية دكتورة ناهد الطحان، ويتضمن دراسات ومقالات نقدية تبحث في تجليات السرد العربي المعاصر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الكاتب السعودي فيصل عباس مع السفير البريطاني نيل كرومبتون خلال الأمسية الثقافية

أمسية ثقافية بمنزل السفير البريطاني في الرياض للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني»

أقام السفير البريطاني في الرياض أمسية ثقافية في منزله بالحي الدبلوماسي للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني» للكاتب السعودي ورئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

يجري النظر إلى بيدرو ألمودوفار، على نطاق واسع، باعتباره أعظم مخرج سينمائي إسباني على قيد الحياة. أما هو فيرى نفسه كاتباً في المقام الأول - «كاتب حكايات»،

نيكولاس كيسي
يوميات الشرق الصور الثابتة في أي كتاب مدرسي تتحوَّل نماذج تفاعلية ثلاثية البُعد (فرجينيا تك)

الذكاء الاصطناعي يضخّ الحياة بالكتب المدرسية الجامدة

طوّر فريق من الباحثين في جامعة «كولورادو بولدر» الأميركية نوعاً جديداً من الكتب المدرسية التفاعلية التي تتيح تحويل الصور الساكنة نماذجَ محاكاة ثلاثية البُعد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «شيء مثير للاهتمام جداً» (رويترز)

نسخة نادرة من مخطوطة «الأمير الصغير» للبيع

ستُطرح نسخة نادرة من المخطوطة الأصلية لرواية «الأمير الصغير» للكاتب أنطوان دو سانت أكزوبيري، للبيع؛ وهي التي تحتوي على تصحيحات وتعليقات مكتوبة بخطّ المؤلّف.

«الشرق الأوسط» (لندن)

العراق...مركز الحراك الحضاري وممر سهل لكل العابرين

بارتل بول
بارتل بول
TT

العراق...مركز الحراك الحضاري وممر سهل لكل العابرين

بارتل بول
بارتل بول

تبدو فكرة كتابة تاريخ للعراق منذ بدايات الحضارات الأولى في حوض ما يعرف بمنطقة ما بين النهرين إلى اليوم ضمن متن كتاب واحد أقرب إلى مهمّة مستحيلة بحق. فالعراق بصفته دولة في إطار حدوده الحالية قد يكون من وجهة نظر كثيرين صنيعة بريطانيّة - فرنسيّة في سياق توافق القوى الإمبريالية على تقاسم تركة الدّولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ولقرون عدّة، كانت الأراضي التي تشكل العراق كما نعرفه الآن جزءاً من إمبراطوريات ودول أخرى، ومجرد إقليم يدار من عواصم بعيدة أو قريبة؛ إذ حكمها العثمانيون من إسطنبول لأربعة قرون بداية من القرن السادس عشر الميلاديّ، وفي فترة سابقة حكمها الأمويون من دمشق؛ ما يجعل كتابة تاريخ عراقيّ أمراً شديد التعقيد وربما غير عمليّ بحكم التّداخل مع تقلبات الأحداث في الكثير من الأمم الأخرى. ويستحضر كثير من الكتاب المسلمين مفهوم الجاهلية للفصل الصارم بين تاريخ للعراق قبل الإسلام وبعده. وفوق ذلك، فإن تاريخ هذه المنطقة الجغرافيّة على مدى خمسة آلاف عام شديد التنوع والثراء؛ ما يهدّد من يتصدى لمهمة سرده بالوقوع في شباك عدم تجانس مادته، وخطر الانتهاء إلى ما يشبه (كتالوغ) سياحياً أو موسوعة موجهة لصغار السن.

على أن ثمّة ما يغري دائماً بوضع نص يحاول الإمساك بخيط ذهبي يجمع بين حلقات كثيفة مذهلة أحياناً من النشاط البشري الذي كان مسرحه تلك المساحة الضيقة للأرض بين نهري العراق العظيمين: دجلة والفرات. أقله هذا ما يزعمه بارتل بول، في كتابه الصادر حديثاً بالإنجليزية: «أرض ما بين النهرين: تاريخ العراق في 5000 عام»* والذي يرى أن تلك الأرض - والعراق اسم مستخدم منذ القرن السادس الميلادي على الأقل، حتى قبل ظهور الإسلام - بقيت دائماً محوراً أساسياً للحراك الحضاري، ومقراً أو ممراً لكل إمبراطوريات الشرق، وأن أهم مدينة في العالم في مراحل متعاقبة منذ الخمسة الآلاف عام الماضية كانت مدناً عراقيّة: أور، وأوروك (الوركاء)، وبابل، ونينوى، وطيسفون، وبغداد. وبنى سلوقس، وريث الأجزاء الشرقية من أراضي كورش الفارسي والإسكندر المقدونيّ، عاصمته سلوقية على نهر دجلة، شمال بابل، ومنها استمر العراق الهلنستي لقرنين جسراً بين الشرق والغرب، ونموذجاً أرسطياً توفيقياً متسامحاً في الدين، وفضولياً بلا حدود في العلم - قبل أن يعمد الرومان إلى تدميرها في القرن الثاني للميلاد -.

ولا يجد المؤلف صعوبة تذكر في سوق الأدلة على ما ذهب إليه. ففي هذه الأرض تحديداً نشأت أول مجتمعات البشر الحضريّة المتقدمة - السومريون خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد -، ومنها أيضاً جاءت الملكيّة، وبناء المدن، والقانون المكتوب، وسلك الكهنوت، وتجييش الجيوش، والدبلوماسيّة، وأصول المحاسبة، والشعر الملحميّ، والعجلة، والقارب الشراعيّ، وقنوات الريّ، والأدب - الذي استوحى منه كتبة العهد القديم الكثير من قصصهم المركزية كالطوفان -، وبناء القبب، والمعمار الرسميّ، والقوس والنشاب، ومهارات تشكيل المعادن، والنحت البارز والغائر، وأسس الرياضيات الحديثة (بما في ذلك ما نُسب زوراً إلى فيثاغورس اليوناني)، والنظام الستيني لحساب الوقت. وكانت مسرحاً لمواجهات التاريخ الكبرى من أيّام السومريين والآشوريين والآكاديين إلى صدام الإسكندر المقدوني بالفرس، وحروب الرومان والبارثيين، ولاحقاً فضاءً للانقسام الكبير في الإسلام بين الشيعة والسنة، ومركزاً لدولة الخلافة العباسيّة التي بقيت لما يقرب من خمسة قرون (750 – 1258) أهم إمبراطوريات العالم في زمانها، والعصر الذهبيّ لازدهار الحضارة الإسلاميّة.

نص «أرض ما بين النهرين» يبدو في مواجهة هذه القائمة الطويلة من الإنجازات الهائلة والأحداث الفاصلة متماسكاً، وقادراً على تقديم سردية مثيرة للاهتمام يمكن منها التّوصل إلى خلاصات واستنتاجات، على الرغم من هفوات هنا (مثل إهمال الديانة المندائية التي تعطي قيمة عالية لشخصية يوحنا المعمدان عند الحديث عن المساهمات في الفكر العالمي)، أو مبالغات استشراقية هناك (مثل التركيز على قصص المحظيات وصراعات القصور في بغداد الرشيد).

ينسج بول تلك السرديّة الآسرة عبر استدعاء حكايات شخصيات بارزة مرَّت بالعراق ومقاطعتها مع عوامل جغرافية وبيئية تأخذ عادة ببساطة، لكنها شكَّلت المنصة الدائمة للحدث التاريخي العراقي. وهنا تتوالى الحلقات التاريخيّة مستندة إلى أسماء مثل جلجامش (ملك الوركاء في الألفية الثالثة قبل الميلاد)، وهارون الرشيد (الخليفة العباسيّ الأشهر من القرن الثامن الميلاديّ)، وهنري لايارد (الرحالة والدبلوماسي في القرن التاسع عشر الميلادي الذي كان وراء اكتشاف الكثير من الآثار القديمة في نينوى والنمرود) وغيرها من الشخصيات المهمة فيما يبرز أهميّة الطبيعة المسطحة والمفتوحة للبلاد، الذي جعل منها ممراً سهلاً للعابرين، غزاة وتجاراً ومهاجرين، وفي الوقت ذاته بوتقة لتلاقح هائل بين الثقافات واللغات والحضارات والأعراق والأديان، وإن كان ذلك أحياناً نتاج صراعات كانت في بعض الأحيان شديدة العنف..

 

بول بمشروعه الطموح لتغطية فترة مديدة من التاريخ يترك القارئ المعاصر ودون مبرر ظاهر عند لحظة ثورة يوليو (تموز) 1958

ويشير بول إلى أن هذه الأرض - البوتقة أنتجت بالفعل وعبر المراحل التاريخية ثقافة وأفكاراً شكَّلت جزءاً كبيراً من مسيرة الفكر الإنساني، سواء في مخاطبة تجربة الوجود كما في ملحمة جلجامش، أو في التأثير الحاسم للزرادشتية على الأديان الإبراهيمية خلال مرحلة السبي البابليّ لليهود – مثل مفاهيم الروح والحياة الآخرة والملائكة والقيامة والتركيز العميق على الأخلاق والإرادة الحرة -، وكذلك الصراعات اللاهوتية والسياسيّة في الإسلام المبكّر، ولاحقاً في تجربة المعتزلة في بغداد العباسية حول فكرة خلق القرآن المتأثرة بأفكار مترجمة من اليونانية والفارسية.

ومع ذلك، فإن بول بمشروعه الطموح لتغطية فترة مديدة من التاريخ يترك القارئ المعاصر ودون مبرر ظاهر عند لحظة ثورة يوليو (تموز) 1958 والانقلاب على المملكة العراقية الهاشمية التي كان أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية، ويَقصر، باستثناء موجز متسرع، عن وضع عصر الجمهوريّة والغزو الأميركيّ واحتلال العراق وتغيير نظامه في سياق السردية التاريخية، بينما هي الحلقة الأقرب إلى ذلك القارئ، والأعمق صدى في أجواء الخمسين سنة الأخيرة؛ ما يفقد الكتاب فرصة ربما كانت مثالية لتشبيك التاريخ بالحاضر، وإنهاء الرحلة المثيرة والجديرة بالثناء عبر الأزمنة العراقية في ميناء الواقع الراهن.

LAND BETWEEN THE RIVERS: A 5,000-Year History of Iraq | By Bartle Bull | Atlantic Monthly Press, 2024