عباس الجراري يرحل من دون إتمام سيرته «رحيق العمر»

لقب بعميد الأدب المغربي

عباس الجراري
عباس الجراري
TT

عباس الجراري يرحل من دون إتمام سيرته «رحيق العمر»

عباس الجراري
عباس الجراري

رحل السبت الماضي عميد الأدب المغربي الأكاديمي والمستشار الملكي في عهد الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس، وعضو أكاديمية المملكة المغربية، عباس الجراري عن 87 عاماً، من دون أن يكمل سيرته رحيق العمر (منشورات نادي الجراري/ الجزء الأول/ الرباط/ 2021). وهذه السيرة تدفعنا لنحدد بداية دافع التأليف من منطلق كونها التبرير والتفسير لما تحقق الإقدام عليه. من ثم لنا أن نتمثل التالي: دافع التأليف، ودافع التعدد، ودافع الاكتمال.

والقصد من دافع التأليف، بيان الأسباب الداعية لكتابة وتدوين حياة الذات في خصوصياتها وعمومياتها. فعباس الجراري الكاتب المؤلف، والشخصية الوطنية، لم تعد حياته تتحدد في الترجمة القصيرة التي اعتيد تقديم الأدباء والكتاب وفقها، وإنما يقتضي الحال كتابة السيرة الذاتية. فالترجمة الحياتية التي يقدم عليها الغير، مختصرة لا تفي الغاية والهدف. وبذلك، تحدد مقدمة السيرة الفرق بين الترجمة التي قد تغفل عن أحداث وقضايا ويدونها آخر، والسيرة الذاتية التي يكتبها المعني بها.

«... وإذا شعر أحد المؤلفين بأن مثل ذلك التعريف القصير - في أي شكل من أشكاله - لم يعد كافياً في نظره أو في نظر قرائه، فإنه يلجأ إلى كتابة ما يطلق عليه (سيرة ذاتية - Autobiographie) يضمنها تفاصيل مراحل حياته، وما عاش فيها من تجارب خاصة، وما صادف من وقائع وأحداث عامة، وما خلف كل ذلك في ذهنه ونفسه وفكره من ذكريات».

وأما دافع التعدد، فيعكسه بيان الصورة أو الهيئة التي ستعلن عنها «رحيق العمر» كسيرة ذاتية للتداول والتلقي. فالمقدمة تكشف أنها ستظهر في 3 أجزاء، علماً بالتنصيص «موجز سيرتي الذاتية». فالتلقي سيكون أمام موجز يقع في 3 أجزاء. بيد أن ما يتوفر - وإلى غاية كتابة هذه السطور - الجزء الأول المحدد في عنوان «النشأة والمشروع». يقول عباس الجراري:

«وبعد، فهذا جزء أول من موجز سيرتي الذاتية التي سميتها (رحيق العمر). وقد خصصته لمرحلة النشأة وما كان يشغلني فيها من مشروع علمي كتب الله فيه بعض التوفيق، على أن أتبعه بجزء ثانٍ قد يكون عنوانه (الشهود الفاعل)، وفيه أتناول ما شاهدت وما أسهمت به - قدر الإمكان - في الشأن الوطني العام، تحت ظل 3 ملوك عظام...».

ويبرز دافع الاكتمال من خلال الاستجابة لدعوة التأليف. الدعوة التي تهدف للتوسعة والإحاطة بالحياة - وإن بإيجاز - وهي الصادرة عن المهتمين بالشأن الأدبي والفكري لشخصية الدكتور عباس الجراري، ولئن كان الأمر لا ينحصر فحسب بهذه الفئة بالتحديد، وإنما يطول المتلقي الذي دأب على القراءة والمتابعة، خصوصاً أن حياة الكاتب والأديب والوطني عموماً ليست ملكاً شخصياً ذاتياً له، وإنما يتنازعه فيها غيره ممن يستبد به فضول المعرفة، والمقارنة بين حصيلة المنجز السير ذاتي على امتداد خريطة الأدب العربي.

هاجس الموت لدى كتاب السيرة الذاتية يظل حاضراً وباستمرار

«وذلكم ما جعل بعض الدارسين - على كثرة ما كتبوا عني مشكورين - يلحون علي - لحسن الظن بي - أن أكتب ترجمة شخصية تكون موسعة بعض الشيء، ومستوفية كذلك بموضوعية وإنصاف لتلك الفراغات والثغرات، وإن بإيجاز».

وإن المتوقع أن تكون سيرة عباس الجراري - حسب المقدمة - في 3 أجزاء، ولئن اختار منحى بلاغة الإيجاز الذي يفهم منه أن التدوين سيخضع لعمليتي الانتقاء والانتخاب، وهما عمليتان تؤكدان ممارسة النقد الذاتي والرقابة على المكتوب، وقد يعود ذلك في الجوهر لوضعية عباس الجراري ومهامه التي تحملها ويتحملها سياسياً.

هل يمكن يا ترى المقارنة بما جاء به عمرو موسى في سيرته الذاتية بجزأيها «كتابيه» و«سنوات الجامعة العربية»، ثم سير مصطفى الفقيه «الرواية رحلة الزمان والمكان»، و«دهاليز السياسة وكواليس الدبلوماسية»، و«شخصيات على الطريق»، و«عرفتهم عن قرب» و«ذكرياتي معهم»؟

على أن هاجس الموت لدى كتاب السيرة الذاتية يظل حاضراً وباستمرار. يقول عباس الجراري:

«وإني لأرجو مواصلة العمل إن كان مكتوباً لي في العمر بقية».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية
TT

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات... سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري رفعت إسماعيل بوعساف، الصادر، أخيراً، عن دار «ميتافيرس برس» للنشر. ويعرض المؤلِّف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات، موضحاً أهم المقومات التي امتازت بها وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، وتمسك قادة الإمارات بالقيم الإنسانية، وسماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، والمشروعات والمبادرات النوعية الكفيلة بترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، وبيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، والمعهد الدولي للتسامح، والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).

يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، على أربعة أبواب رئيسية، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب كثيرة شاملة يُجمل فيها بوعساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهلّ إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذه الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية... وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب الأجانب حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولون أمريكيون، ونجم الكرة الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا، والروائي البرازيلي باولو كويلو، ونجم بوليوود شاروخان، وعالم النفس والباحث الكندي البروفسور إدوارد دينر. كما يُفرد الكتاب محطات موسَّعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، التي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطول أصقاع الأرض قاطبةً ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.

ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم «حوارات وسيمفونية»، بحوارات وأحاديث مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف كثيرة، بشأن التسامح وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة هؤلاء المحاورين: أحمد الحَدَّاد، مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، وبول هيندر، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، وراجو شروف، رئيس معبد «سندي غورو دربار» الهندوسي، وحمّود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وسوريندر سينغ كاندهاري، رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، وعشيش بروا، مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، وإيان فيرسرفيس، الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، وزليخة داود، أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، وبيتر هارادين، الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، وراميش شوكلا، أحد أقدم المصورين في الإمارات.