المشهد الروائي اليمني... من أسئلة الهوية إلى المسكوت عنه

الناقد محمد جازم يلقي الضوء عليه في دراسة تطبيقية

المشهد الروائي اليمني... من أسئلة الهوية إلى المسكوت عنه
TT
20

المشهد الروائي اليمني... من أسئلة الهوية إلى المسكوت عنه

المشهد الروائي اليمني... من أسئلة الهوية إلى المسكوت عنه

يتناول كتاب «الكتابة السردية في اليمن - قراءة أولية في الدلالة والمؤشرات» الصادر أخيراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للناقد والباحث محمد جازم، وواقع هذه الكتابة من عدة زوايا ورؤى نقدية، فيستهله بنظرة عامة في مناخات هذا المشهد، ثم يتوقف بشكل خاص وتفصيلي أمام عدد من الإبداعات الروائية اليمنية التي تمثل آفاقاً جديدة في الكتابة السردية.

يشير المؤلف في استهلاله الكتاب إلى أن «الروائيين الجدد» في اليمن يشكلون جيلاً اكتشف قارات جديدة في الإبداع وتحمَّل على عاتقه مقاومة ظروف وملابسات تجعل البلاد تهرول بسرعة جنونية في اتجاه اليأس. إنه جيل متمرد على التقاليد البالية يَجمع بين استحقاق الحداثة والحرص على الهوية، ويبدو أكثر قدرة على قراءة الواقع وأشد عزيمة على مقاومة الضجر إلى درجة أنه وجه خطواته باتجاه المجتمع ليتغلغل في منابته حتى صارت له جذور متينة متداخلة بعناصر الهوية والجمال والتاريخ.

ومن أبرز الأسماء في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر، علي المقري وأحمد زين والغربي عمران ووجدي الأهدل وسمير عبد الفتاح ومحمد عثمان وعبد الناصر مجلي وبسام شمس الدين.

عُرف المقري في الثمانينيات والتسعينيات شاعراً وقاصاً حتى أصدر روايته الأولى «طعم أسود... رائحة سوداء» عام 2008. ويُبرز العنوان جنوح الروائي وسعيه الحصيف إلى استخدام اللغة الشعرية المرتبطة بالتخييل وهو اتجاه يتشكل لدى «المقري» بسهولة لأنه يذهب إلى عالم ذي حساسية مفرطة وهو عالم المهمشين المسكوت عنهم في المجتمع. طائفة ممن يعيش أصحابها في ظروف قاسية وينتزعهم الكاتب من ذلك الظرف القاسي ويحركهم في عمل روائي مبتكر وقد أعطت غرائبية الأحداث النص زخماً متجدداً.

تتحدث الرواية عن علاقة حب نشأت بين شاب وفتاة مهمشة ترتب عليها هروبهما معاً من مجتمع الريف الذي يلفظ نشوء مثل هذه العلائق إلى مجتمع المدينة ليستقرا في منطقة سكنية بمدينة تعز تسمى «محاوي». هنا يفتح النص أشرعته ويُبحر في اتجاه سرد المختلف.

تدور الأحداث في الرواية بين عامي 1970 و1982 وهي حقبة شهدت تقسيم اليمن بين شماليٍّ وجنوبيٍّ، إذ استطاع الروائي أن يوظِّفَ الأحداث الكبرى التي شهدتها البلاد لتنعكس بشكل مباشر على شخصيات العمل.

وتأتي «اليهودي الحالي» بوصفها الرواية الثانية للكاتب والتي تنكأ فنياً الكثير من الجراح والبثور الملتهبة. تقوم الحبكة هنا على قصة حب مغايرة أيضاً كسابقتها، لكنها هذه المرة مغايرة تماماً، بين فتاة مسلمة وشاب يهودي، وهي مفارقة صادمة وانفجارية إذا أخذنا بعين الاعتبار الأجواء الملتبسة في الرواية. تزداد المفارقة اتساعاً كلما عرفنا أن فاطمة، بطلة العمل، لم تكن فتاة سلبية عادية وإنما فتاة تميزت بحبها المعرفة وقراءتها الواسعة في الكتب الدينية والتراثية، وقد دفعتها سعة الاطلاع إلى اختيار حبيبها من خارج النسيج المعتاد لأن الوعي الذي بنته لا يعترف بحدود أو حواجز.

لم تكتفِ فاطمة بالمحبة فقط وإنما راحت تُعلِّم بطلها القراءة والكتابة ونقلت إليه الكثير من معارفها، وهو سلوك إنساني يندرج ضمن التطلع إلى التعايش المشترك ونبذ الفُرقة والتسلط والقمع، كون الإنسان أولاً وأخيراً ابن بيئته وابن مجتمعه وجغرافيته ولا يمكن بأي حال من الأحوال نبذ الآخر بسبب معتقده أو ديانته أو رأيه. وكان لافتاً أن شخصيات «اليهودي الحالي» هي في الحقيقة من الشخصيات البسيطة العادية التي تأخذ طابع المحلية، ولعل هذا من الأسباب التي دفعتها لتكون عالمية عبر ترجمتها إلى أكثر من لغة.

في هذا السياق يأتي الكاتب محمد الغربي عمران الذي أصدر عام 2010 رواية لافتة بعنوان «مصحف أحمر»، التي تحمل بين أجنحتها الفنية تطوراً لافتاً، أُضيف إلى بنية الرواية اليمنية، حيث تداخلت عوالمها بين الواقعية والرمزية والسريالية، بمعنى أنها كسرت رتابة المدرسة الكلاسيكية في الكتابة. ويلفت الباحث إلى التعامل مع الزمان في الرواية، وكيف لعب بدلالاته المكانية دوراً مهماً فيها. هنا تبدو شخصية «العطوي» شخصية مركزية في فضاء النص بامتياز وتتمتع بسمات حالمة، حيث يسعى إلى تذويب الفوارق التي تؤدي إلى الصراع بين البشر على أسس مذهبية أو طائفية أو عرقية أو مكانية. اشتغل الكاتب على النحت اللغوي الذي طال أسماء شخصياته لتحمل مدلولات جمالية ساعدت على تثبيت الأحداث في ذهن المتلقي. ومن تلك الأسماء شخصية «سمبرية» و«تبعة» و«فطمينا» و«حنظلة» و«العطوي».

أما الكاتب أحمد زين، فيشير المؤلف إلى أنه يعد من أهم الكتاب اليمنيين الذين رفدوا المكتبة اليمنية بإبداعاتهم المتنوعة، فبعد أن أصدر الكثير من المؤلفات القصصية انتقل إلى الرواية التي أصدر منها «تصحيح وضع» 2004، و«قهوة أميركية» 2008، و«حرب تحت الجلد» 2011.

تميز زين خلال رحلته الكتابية بأسلوبه الخاص ولغته الخاصة وأسئلته الفنية. ورغم عمله الصحافي وانشغالاته، فإنه ظل وفياً للكتابة الإبداعية التي مكّنته من تبوُّأ مكانة جيدة في المشهد. وتعد روايته المدهشة «قهوة أميركية» إحدى الروايات الأكثر حضوراً في المشهدين اليمني والعربي وذلك لأنها راحت تطرح أسئلة كثيرة تتعلق بشخصية الإنسان اليمني وما يقابل ذلك من رفض وانتقاد، حيث تُظهر «عارف»، بطل العمل، في الاتجاه النقيض المعارض للخمول والجمود، لكن الدراما تتصاعد على نحو نواجه معه سؤالاً جوهرياً: هل يكمن الخلل في رؤية «عارف» للحياة أم في الحياة نفسها؟


مقالات ذات صلة

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

ثقافة وفنون محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

كل قراءة أو «إعادة» قراءة لشاعر هي قراءة جديدة. ما مِن إعادة بمعنى التكرار إزاء النصوص المخترقة لزمنها، المتقدمة عليه.

باسم المرعبي
ثقافة وفنون متاهة سردية وبطل يعاني من التهميش

متاهة سردية وبطل يعاني من التهميش

يهدي محمد فرج مجموعته القصصية «شيء ما أصابه الخلل» - دار «المرايا» بالقاهرة - «الكازّين على أسنانهم أثناء النوم»، في تهيئة مُبكرة لما يواكب عالم المجموعة

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق جانب من افتتاح جناح مدينة الرياض في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 (واس)

افتتاح جناح «الرياض» في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

نطلقت، أمس، فعاليات الدورة الـ49 من معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه مؤسسة الكتاب في الأرجنتين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
كتب رواية «صلاة القلق» للكاتب المصري محمد سمير ندا (صورة من صفحة الكاتب على «إنستغرام»)

فوز «صلاة القلق» للمصري محمد سمير ندا بجائزة الرواية العربية

فاز المصري محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثامنة عشرة اليوم الخميس عن روايته (صلاة القلق) الصادرة عن منشورات ميسكلياني.

كتب الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

مفاجآت عدّة وإجابات غير متوقعة، تحملها الدراسة التي أجرتها مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية على 12 ألف شاب وشابة من العالم العربي

سوسن الأبطح (بيروت)

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين
TT
20

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

الشباب العربي يريد قائداً قوياً ودوراً أكبر للدين

مفاجآت عدّة وإجابات غير متوقعة، تحملها الدراسة التي أجرتها مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية على 12 ألف شاب وشابة من العالم العربي، تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاماً. فهؤلاء أبدوا رغبة في أن تتحمل الدولة المزيد من المسؤوليات في رعايتهم، لكنهم في الوقت نفسه غير راغبين في الانخراط في الأحزاب السياسية. وهم ينظرون إلى السياسة على أنها رديف للفساد والانتهازية، ولا يحبّذون أن يكونوا جزءاً منها. لكن الأكثر لفتاً للانتباه، هو أن الشباب العربي لا يرى الديمقراطية عنصراً حاسماً في صلاح الحكم، بقدر ما يبحث عن القائد القوي الذي يمكن أن ينجو بالسفينة. ومما يدعو إلى الاهتمام هو اعتبار الأغلبية الساحقة من الشباب، في البلدان التي أجريت فيها الاستطلاعات، أن الدين يجب أن يلعب دوراً أكبر في تسيير الحياة. ومن المفارقات، أن الأبحاث التي ترصد الجوع وتصف جيلاً بأكمله بالحرمان، تظهر هي نفسها أن الشباب العربي مفعم بالأمل، وأنه مقبل على الحياة، رغم أنه لا يشعر بالرضا عن واقعه، وهذا أمر في غاية الأهمية.

بعد المأزق جاء الحرمان

نقاط أساسية لفهم توجهات الشباب العربي، تطلعاته، رغباته، بواطنه، وما يجول في خاطره؟ وهو ما لا نعرفه بوضوح بسبب غياب الدراسات، أو تشتتها، وربما عدم توفيرها للجمهور العريض. من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة الاستطلاعية التي شارك فيها 11 باحثاً وباحثة من ألمانيا، وشملت 11 دولة عربية، هي: الأردن، والجزائر، ومصر، والعراق، واليمن، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وفلسطين، والسودان وتونس، إضافة إلى اللاجئين السوريين في لبنان. تمت المقابلات مع المستطلعين، بين عامي 2021 و2022، أي بعد وباء كورونا. حرَّرها كلٌ من يورغ غرتل، ودافيد كروير وفريدريكا ستوليس. وأصدرت «دار الساقي» الدارسة في كتاب من 500 صفحة بترجمة دكتورة شيماء مرزوق، حمل عنواناً دالاً هو «الجيل المحروم». وكانت دراسة أولى قد أجرتها المؤسسة بين عامي 2016 - 2017 رصدت من خلالها توجهات الشباب بعد ثورات الربيع العربي، صدرت في كتاب بعنوان «مأزق الشباب»، بينما تأتي الدراسة الجديدة بعد خمس سنوات، لترصد التغيرات بعد الموجة الثانية للحراك الشعبي عام 2018 الذي شاهدناه في لبنان، والجزائر والسودان.

محاور أساسية

تنقسم الدراسة إلى أربعة محاور رئيسية، تتفرع منها عناوين عدة. المحور الأول حول «الحرمان» والفقر. أما المحور الثاني، فهو حول «الأزمات المتعددة» التي يعاني منها الشباب مثل الجوع والعنف والهجرة، والبيئة. أما المحور الثالث، فهو عن «التوجهات الشخصية» للشباب من خلال الأسرة والتعليم والقيم الفردية والجمعية والدين. في حين يكشف المحور الرابع عن طبيعة «العلاقات الاجتماعية» ومستوى الالتزام الاجتماعي للشباب ونظرتهم للمؤسسات ومدى ثقتهم بها، وصولاً إلى رصد تطلعاتهم وأحلامهم على المستويين الشخصي والجماعي من خلال الإعلام ووسائل التواصل، كذلك السياسة والمشاركة المدنية والآمال والتوقعات.

فيما يخص التدين تظهر الدراسة الميدانية أن غالبية الذين سئلوا يشعرون بأنهم أكثر تديناً اليوم عما كانوا عليه قبل خمس سنوات. وتربط الدراسة بين هذه النتائج، وازدياد الإحساس بعدم اليقين، الذي يعيشه الشباب في مجتمعات متقلبة تعاني أزمات اقتصادية وحروباً وتهديدات مباشرة للحياة. وقد قال الليبيون والمغاربة والأردنيون، إنهم الأكثر تديناً من ذي قبل بعلامة وصلت إلى 8 من 10، في حين انخفضت العلامة التي أعطاها الشباب لتدينهم في لبنان وتونس، لكنها بقيت 6 درجات من 10.

قال أكثر من ثلثي الشباب المستطلعين إنهم غير مهتمين على الإطلاق بالسياسة. وهم حين يتحدثون عن هذا الموضوع فإنما يربطونه في «المقام الأول بالسياسة الحزبية الرسمية» في بلادهم، ولا يحيلون في حديثهم إلى الانخراط في خدمة المجتمع. وهذه النظرة تنبع من الإحباط العام الذي يعانيه الشباب بعد الأزمات المتلاحقة التي عاشتها بلادهم.

الثقة بالقبيلة والجيش

يرغب أكثر من ثلثي المشاركين في أن تلعب الدولة دوراً أكبر في تسيير الحياة اليومية. والنسبة الأكبر جاءت من لبنان 88 في المائة والأدنى من الجزائر 50 في المائة؛ ما يدل على إحساس بغياب الدولة في لبنان، وتدخلها الشديد في الجزائر، بينما يرغب فقط 7 في المائة من المستطلعين، في أن تؤدي الدولة دوراً أقل. والثقة متدنية بالمؤسسات السياسية والقانونية، وانخفضت أكثر عما كانت عليه قبل خمس سنوات، بينما يحظى الجيش بالثقة الأكبر، خصوصاً في الدول ذات الانتماءات القبلية. ففي ليبيا واليمن بعد اشتعال الحروب، يقول الشباب إنهم يثقون بقبائلهم أكثر من ثقتهم بدولتهم. وحين يُسألَون عن النظام السياسي الذي يرغبون فيه، نجد أن نسبة المطالبين بنظام ديمقراطي، قد انخفضت عما كانت عليه قبل خمس سنوات، وعبرت الغالبية عن حاجتها إلى «رجل قوي يحكم البلاد».

ويرغب ثلثا الشباب المسلمين الذين شملهم الاستطلاع، في أن يؤدي الإسلام دوراً أكبر في الحياة العامة. وقد زادت النسبة عما كانت عليه قبل خمس سنوات بمقدار عشر نقاط، وهو تحول ملموس ولافت. وصلت نسبة الذين يريدون دوراً أكبر للدين في فلسطين إلى 90 في المائة، وفي الأردن إلى 84 في المائة، وتحظى - بحسب الدراسة - أفكار الجماعات الإسلامية بشعبية بين الشباب. وهذا يظهر أكثر بين الذين لم يغادروا بلادهم منه عند الذين قضوا وقتاً خارج أوطانهم. كما أنها رغبة موجودة بنسبة أكبر عند الطبقة المتوسطة، التي عبر 70 في المائة منها عن رغبتهم في رؤية الدين يلعب دوراً أبرز في حياتهم، بينما انخفضت النسبة إلى 62 في المائة عند الطبقة الفقيرة أو الغنية. مع ذلك، تبقى نسبة عالية جداً قياساً إلى مجتمعات أخرى.

مفعمون بالأمل لا بالرضا

ومقارنة بالدراسة التي أجريت منذ خمس سنوات، ورغم الظروف الصعبة التي استجدت بقي الشباب محتفظاً بالأمل، وهو أمر مثير للاهتمام. باستثناء النازحين السوريين في لبنان واللبنانيين الذين انخفض بينهم قليلاً الشعور بالأمل، فإن عدد المتشائمين لم يرتفع في العالم العربي، بالقدر الذي يمكن تصوره. على العكس، نصف الجزائريين متفائلون وأكثر من الثلثين في تسع دول أخرى. رغم حالة عدم اليقين الشديدة التي تعيشها بلادهم، يبقى الشباب العربي متفائلاً في رؤيته للمستقبل. ففي جميع الدول التي أجري فيها الاستطلاع، 58 في المائة من الشباب يميلون إلى التفاؤل، و15 في المائة فقط هم من عبروا عن تشاؤمهم، وثلثا الذين سئلوا، قالوا إنهم «واثقون تماماً» أو «إلى حدٍ ما» من تحقيق رغباتهم وطموحاتهم المهنية. لكن هذا لا يعني أن الشباب يشعرون بالرضا عن أوضاعهم والحياة التي يعيشونها، فالتفاوت الطبقي والبطالة والنزاعات المسلحة كلها مصدر قلق، مع ذلك، فإن الشباب في مصر مثلاً رغم معدلات الفقر العالية، أكثر رضا من دول أكثر غنى مثل العراق أو الجزائر، واللاجئون السوريون في لبنان رغم أوضاعهم الحرجة أكثر رضا عن معاشهم من اللبنانيين أنفسهم. ويأتي السودان، حتى في دراسة أجريت قبل الحرب، في مؤخرة اللائحة.

الإعلام ينقل الأخبار السيئة

لا مفاجأة في أن 90 في المائة من المستطلعين يمتلكون هاتفاً ذكياً، وإن انخفضت النسبة قليلاً في اليمن والسودان. لكن الثقة بوسائل الإعلام التقليدية، لا تتجاوز في المتوسط 14 في المائة حين يتعلق الأمر بالمواضيع السياسية، أما أعلى نسبة ثقة فهي في المغرب ولا تتجاوز 26 في المائة. وعكس المتوقع، الثقة بوسائل التواصل ليست أفضل حالاً في ما يتعلق بمواضيع السياسة؛ إذ تبقى عند 16 في المائة. وعلى أي حال، ثلاثة أرباع الشباب يحصلون على معلوماتهم من وسائل التواصل، ويرون وسائل الإعلام بشكل عام، أدواتٍ لنقل الأخبار السيئة.

ورغم الكلام الكثير على الدور السياسي لوسائل التواصل وأهميتها التعليمية، وتعزيزها فرص الحصول على العمل، فإن هذه الدراسة تبين أن الشباب العرب يستخدمون هذه الأدوات بشكل أساسي للتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم، وبدرجة ثانية للاسترخاء وملء وقت الفراغ. وعلى الأرجح أن وسائل التواصل تهدئ الشباب ولا تشحن ثورتهم وغضبهم.

الإيمان أولاً

وحين طُلب من المستطلعين وضع علامة على عشرة فيما يخص إنجازات الحياة التي يريدون تحقيقها، جاء الإيمان بالله على رأس اللائحة، تلاها العثور على شريك ذي ثقة، ثم الشعور بالأمان، تلتها الصحة والمثابرة. ثم نجد الاستقلال المادي والالتزام بقانون الشرف والعار، في الخانة نفسها، وجاء في آخر اللائحة إنجازات من صنف المشاركة في السياسة أو إرضاء الآخرين، أو امتلاك السلطة، أو الانقياد للمشاعر الذاتية.

أما الهجرة بالنسبة للشباب العربي، فهي ليست فقط لأسباب اقتصادية ومالية، بل تحولت في بعض البلدان نوعاً من العادة، وتسجل الدراسة تغيراً في وجهتها؛ إذ لم تعد الدول الغربية هي الهدف الأول، وحلّ مكانها دول الخليج العربي بنسبة 14 في المائة، مقابل 9 في المائة لأوروبا، 6 في المائة إلى آسيا، و3 في المائة إلى أميركا الشمالية ودول جنوب الصحراء.

وتنمو الرغبة في الهجرة في كل من تونس، ولبنان وسوريا لتصل إلى 20 في المائة ومستقرة عند 5 في المائة في مصر والمغرب.

شارك في الدراسة الاستطلاعية 11 باحثاً وباحثة من ألمانيا وشملت11 دولة عربية

لكن هذه الرغبة لا تشهد نموا يذكر في مصر والمغرب؛ إذ لا يتجاوز معدل 5 في المائة، مقارنة بتونس ولبنان وسوريا، التي يتضاعف فيها معدل الرغبة المؤكدة في الهجرة ويقترب من نسبة 20 في المائة.

ويُعدّ الأردن الاستثناء الوحيد من بين دول المنطقة التي شملتها الدراسة، الذي يُسجَّل به تراجعٌ كبيرٌ في معدل الرغبة المؤكدة في الهجرة لدى الشباب، وهو ما يجد تفسيره في إحساس الشباب بأن لديه فرصاً في بلاده، وبأنه لا يشعر بدرجة إقصاء أو تهميش كبيرة.

كما يرصد الباحثون ظهور نوع من ثقافة «الاعتياد على الهجرة» لدى الشباب في مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بيد أن الدراسة تسجل أيضاً تحولاً مهماً في البلدان أو المناطق المقصودة لدى الشباب، اعتماداً على تجاربهم الشخصية في الهجرة. إذ تأتي دول الخليج العربي في المقدمة بنسبة 14 في المائة، مقابل 9 في المائة بأوروبا، وبنسبة 6 في المائة في آسيا، ونسبة 3 في المائة في أمريكا الشمالية ودول جنوب الصحراء.

وشارك في الدراسة 11 باحثاً وباحثة من ألمانيا من تخصصات أكاديمية وحقول متعددة من مناهج العلوم الاجتماعية، كما تمت الاستفادة مما يزيد على مائتي عنوان كتاب ودراسة لباحثين ومراكز دراسات ومؤسسات دولية، حول أوضاع الشباب في العالم العربي.

ويمزج مؤلفو الدراسة في أبحاثهم بين أدوات البحث التجريبي والواقعي لأوضاع الشباب الشخصية والمجتمعية والتحليل الموضوعي للظواهر والسياقات التي يعيشون فيها محلياً وإقليمياً. وهو ما يضفي على هذا العمل البحثي ثراءً في المعلومات والمعطيات عن تضاريس حياة الشباب في الدول العربية، مدعمةً بعشرات الرسوم البيانية، ونظرة تحليلية معمقة لاتجاهات التطور في الأفكار والقيم والعلاقات في المجتمعات العربية.

وتتبع الدراسة عملاً بحثياً سابقاً كان بحجم أقل تم إنجازه في سنتي 2016 و2017؛ وهو ما يشكل أرضية مناسبة برأي المشرفين على الدراسة لإجراء مقارنات واستنتاج اتجاهات تطور الأوضاع في المجتمعات العربية.