خصّصت مجلة «المسرح»، في عددها (42) الصادر أخيراً، ملفاً موسعاً عن الكاتب المسرحي الراحل «أبو العلا السلاموني»، وتصدَّر العدد مقال لافت له بعنوان «محنة ظاهرة المسرح مع النخبة المثقفة»، يتساءل فيه عن دور النخبة، وهل يمكن أن تسهم في تراجع المسرح وتكون سبباً مباشراً في تهميش ظواهر مسرحية بعينها. ورغم أن السؤال يبدو صادماً، فإن الإجابة تأتي مفاجئة وأكثر صدمة بـ«نعم»، على لسان أحد أبرز الكُتاب المسرحيين في مصر. المقال هو آخِر ما كتبه السلاموني قبل رحيله، في وقت لاحق من هذا العام، ويأتي بوصفه «مسك الختام» في سلسلة مقالات مختلفة وجريئة عاد فيها إلى التاريخ واستعان بالدرس الفلسفي، ليثبت أن النخبة المثقفة العربية أسهمت بالفعل في تراجع فنون الفُرجة المسرحية.
ويتضمن الملف مجموعة من المقالات والشهادات المهمة حول رحلته وأعماله، ودوره في إثراء الحركة المسرحية، وذكرياته مع الأصدقاء والمحبّين، وخصوصاً صديقه الراحل يسري الجندي. وكتب الناقد الدكتور عمرو دوارة عن «السلاموني شهيد الثقافة والفنون العربية»، كما كتب الدكتور أحمد محمود حامد عن «المصادر التراثية في دراما محمد أبو العلا السلاموني». وفي شهادة شجيّة تساءل المخرج عادل زكي: هل كان يرثي السلامونى نفسه، مستعرضاً ما كتبه الراحل في رثاء بطله امرئ القيس في رائعته المسرحية «الثأر ورحلة العذاب»، ورصدت الدكتورة نعيمة عاشور البعد الميتافيزيقي للمرأة في مسرحيات الراحل «أبو العلا السلاموني»، ودوره في تنمية الصراع درامياً في أعماله. وضمّ الملف مقالات لمحمد عبد الحافظ ناصف «السلاموني يقول والتاريخ يقول»، والدكتور تامر فايز «السلاموني بوصفه عاشق المسرحية التاريخية»، ودراسة للناقد المسرحي «أحمد عبد الرازق أبو العلا» عن «السلاموني والمسرح الشعبي».
إضافة إلى ذلك، تضمّن العدد بعض الدراسات النقدية التطبيقية والمراجعات لبعض العروض، منها دراسة للناقد والباحث الدكتور «أسامة أبو طالب» عن «المسرح والتمرد»، تطرّق فيها إلى حالات التعبير المسرحي بوصفها خروجاً عن المألوف، مثل عروض الممثل الأول في الدراما الإغريقية القديمة. وعلى هذه الخلفية، ناقش أبو طالب أعمال شكسبير والمسرحية الرومانسية والمسرح الواقعي والطبيعي والاتجاه الرمزي والحركة التعبيرية ونظرية التغريب ومسرح العبث.
وكتب ناصر العزبي عن «كريمة بدير بين قضايا المرأة والمسرح المصري للرقص الحديث»، في حين يتناول الدكتور كمال يونس «السينوغرافيا وفن تشكيل الصورة المسرحية». وتستلهم إخلاص عطا الله الدروس المستفادة من مسيرة فيكتور هيجو، ويكتب عبد السلام إبراهيم عن «أزمة البطل التراجيدي» في مسرحية «نصب تذكاري» لبكري عبد الحميد. ومن محتويات العدد اللافتة دراسة كندية مختلفة حول «تدريس اللغات» من خلال المسرح، وقد أنجزها الباحثون في مدارس تعليم اللغات بكندا، وناقشت التأثير الإيجابي للأنشطة المسرحية، وتحليل البرامج الدراسية وبرامج تدريب المعلمين. قام بترجمة الدراسة الكاتب والناقد الجزائري ياسين سليماني.
وفي العدد دراسة للكاتبة صفاء البيلي عن العرض المسرحي العراقي «أمل»؛ أحد عروض «المهرجان العربي للمسرح» في دورته الـ13 الذي نظّمته «الهيئة العربية للمسرح»، ونور الهدى عبد المنعم عن مسرحية «حتشبسوت» لفرقة «فرسان الشرق للتراث» بـ«دار الأوبرا».
وتناول أشرف سلامة قراءة للعرض المسرحي «يا شيخ سلامة»، كما تناول عبد السلام إبراهيم المسرحية الميلودرامية «الفلنكات» للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف، وكتب ناصر العزبي عن الواقعية الفنية الجديدة من خلال رصد التاريخ والحضور الفني لصانع النجوم، والظاهرة الفنية ذات الأثر خالد جلال. وتناول أحمد عجيبة عودة الروح لمسرح السامر، وكتب الدكتور كمال يونس عن «الترجمة المسرحية بين التقليد والتجديد»، وياسين سليماني عن «تسويق المنتج الثقافي وإنتاج الثروة... الإنتاج المسرحي نموذجاً»، وأخيراً يتناول الدكتور رضا عبد الرحيم النص المسرحي «المهاجران».
ويضم العدد حوارين، أجراهما محمود قنديل مع الفنانة مديحة حمدي، وإيناس العيسوي مع مصصمة الديكور والملابس الدكتورة مروة عودة، وتكتب لنا يوسف عن مسرحية «بنات قمة» لكارل تشرشل، وتناقش من خلالها الحركة النسوية الحديثة، وأسلوبها في الكتابة الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان. ويواصل الدكتور محمود أبو دومة الكتابة عن عروض المسرح في مدينة لندن، بمقالة عن مسرحية «البوتقة» أو ساحرات ساليم، تأليف آرثر ميللر، ويناقش معالجة الإخراج للنص الذي يعود إلى خمسينات القرن الماضي، وأسلوب الأداء التمثيلي. وتتناول الدكتورة وفاء كمالو جدل الفكر والثقافة والفن في «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي»، في حين يستعيد الدكتور عمرو دوارة جلسات المحاور الفكرية والدراسات التي جرت مناقشتها في الدورة الماضية من «المهرجان القومي المصري»، كما يضم العدد ترجمة محمود قاسم للنص المسرحي الفرنسي «زمن العزلة»، تأليف فرانسوا تيسا ندييه.
يشار إلى أن مجلة «المسرح» تصدر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، ويأتي هذا العد بعد توقف استمر لعدة أشهر، وصدر بالتعاون بين «المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية» و«الهيئة المصرية العامة للكتاب»، وبرئاسة تحرير الناقد المسرحي عبد الرازق حسين.