سيرة المحقق السعودي حمد الدخيّل في كتاب موسوعي

مقالات ودراسات عنه لباحثين من السعودية ومصر والكويت

سيرة المحقق السعودي حمد الدخيّل في كتاب موسوعي
TT

سيرة المحقق السعودي حمد الدخيّل في كتاب موسوعي

سيرة المحقق السعودي حمد الدخيّل في كتاب موسوعي

أصدرت جمعية الأدب والأدباء بالمدينة المنورة بالشراكة مع «اثنينيّة الذييب» كتاباً عنوانه «عاشق التراث وفارس التحقيق: حمد بن ناصر الدخيّل» من إعداد وتحرير الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري، وصدر الكتاب الذي يقع في 220 صفحة بمناسبة تكريم الدخيّل من قبل الجمعية و«الاثنينية» هذا الشهر.

تصدّر الكتابَ تقديم كتبه رئيس مجلس إدارة الجمعية حاتم بن فهد الرويثي، جاء فيه: «من بين أهداف الجمعية: استضافة الفعاليات والمنتديات والمسابقات الأدبية، ونشر الأدب والإبداع في المجتمع، ومن هذا المنطلق أقر مجلس إدارة الجمعية تكريم واحد من الأعلام في مجال اللغة العربية وأدبها، وهو الأستاذ الدكتور حمد بن ناصر الدخيّل (أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً)، وهو اسم معروف حمل على عاتقه منذ أكثر من نصف قرن تدريس اللغة العربية والأدب والنقد في التعليم العام وفي الجامعة، وجال بقلمه السيّال في أروقة الصحف والمجلات، وفي الإذاعة، وأسهم بعطائه في الندوات والمؤتمرات في داخل السعودية وخارجها، كما رفد المكتبة العربية بعدد كبير من المؤلفات التي تنوعت وشملت الأعمال الأكاديمية، والمقالات، وتحقيق التراث».

كما تضمن الكتاب ترجمة مطوّلة للدكتور حمد الدخيّل، ثم قصيدة لعدنان السيد محمد العوامي في اثنين وأربعين بيتاً، وعنوانها «حامل الأنواء»، ومطلعها:

لا نخل عندي فتجنيه، وترتفدُ

ولا سنابلَ تسقيها، فتَحتصدُ

يتوزع الكتاب على قسمين: الأول البحوث، والثاني: المقالات وعروض الكتب. وضم القسم الأول 7 بحوث رتّبت بحسب الحروف الهجائية لأصحابها، وهي: ملامح السيرة الذاتية لدى الدكتور حمد الدخيّل في كتابه: «ثلاث سنوات في بلاد النخيل» للدكتورة سامية الهاجري، وفي «عباءة الأستاذ» للدكتورة سحر بنت عبد الرحمن الدوسري، و«الدخيّل بين حنفيين» للدكتور سعد بن سعيد الرفاعي، و«موسوعة شعر قبيلة بني حنيفة للدكتور حمد بن ناصر الدخيّل» للدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيّع، و«الرؤية النقدية لدى الدكتور حمد بن ناصر الدخيّل» للدكتورة مشاعل بنت علي العكلي، و«سردية الذاكرة في كتابات الدكتور حمد الدخيّل» للدكتور مصطفى الضبع، و«الثقافة الموسوعية في فكر الدكتور حمد بن ناصر الدخيّل» للدكتور ياسر عكاشة.

أما القسم الثاني (المقالات وعروض الكتب) فضم 11 مقالة متنوعة كتبها عدد من مجايلي الدكتور حمد الدخيّل ومن تلاميذه ومحبيه، وجاءت في سياق استدعاء ذكريات قديمة معه، أو حديث عن تجربته في إدارة كلية اللغة العربية أو معهد تعليم اللغة العربية، أو عروض لبعض كتبه.

ويشارك في هذا القسم أسماء من السعودية ومصر والكويت: الدكتور إبراهيم بن محمد الشتوي «حمد الدخيّل حين نتحدث عنه»، وحجاب بن يحيى الحازمي «العلّامة حمد الدخيّل»، والدكتورة الريم بنت مفوّز الفوّاز «امتداد لجيل الرواد»، وسعد بن عايض العتيبي «الدكتور حمد الدخيّل وإخاء 30 عاما»، والدكتور صلاح حسنين من مصر «قضايا وتجارب في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها»، والدكتور عبد الله بن محمد الزازان «حمد الدخيّل وإعادة تعريف الأديب»، والدكتور عبد الله القتم من الكويت «حَمد بن ناصِر الدُّخَيِّل: الأديب اللغوي»، وفرج مجاهد عبد الوهاب من مصر، «الدكتور حمد الدخيّل وخصوصية الأدب ومنهجه»، والدكتور فهد بن إبراهيم البكر «الأدب في خطر»، واستعرض الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي كتابين للدكتور الدخيّل، هما: «التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم لأبي أحمد العسكري»، و«شعر شواعر بني حنيفة في الجاهلية والإسلام».



لماذا تتغيّر عناوين روايات في الترجمة؟

غلاف موت صغير
غلاف موت صغير
TT

لماذا تتغيّر عناوين روايات في الترجمة؟

غلاف موت صغير
غلاف موت صغير

كان لترجمة الدكتورة، مارلين بوث، رواية جوخة الحارثي «سيدات القمر» دور في تقوية اهتمام صغير لديّ؛ الاهتمام بتغيّر، أو ضياع العناوين الأصلية لبعض الروايات العربية المترجَمة إلى الإنجليزية على نحو خاص.

في بداية الأمر، كان ذلك الاهتمام الصغير ينحصر في محاولة فهم الأسباب التي تجعل المترجِمات والمترجِمين يغيّرون عناوين الروايات، أو التخمين بالأسباب، إذا تعذّر معرفتها، ثم جاءت ترجمة بوث «Celestial Bodies/ أجرام سماوية» لتكون نقطة تحوّل في اهتمامي، أو لحظة تطوّره إلى مستوى أعمق وأكثر إمتاعاً... قراءة ما يجود به محرك البحث مما كُتب ونُشر من مقالات ودراسات تناقش تغيّر العناوين في الترجمة.

البداية مع «سيدات القمر»

الساعة الثامنة والنصف من مساء السابع عشر من سبتمبر (أيلول) 2019، موعد محاضرة الدكتور سعد البازعي، الموسومة بـ«سيدات القمر... الرواية والترجمة»، التي شَرُفْتُ بإدارتها، وكنتُ في خلالها أتمنى لو أنني جالس على مقعد بين الحضور، متحرّراً من القيود التي قيّدت بها نفسي وكبّلت لساني، لأطرح على د. البازعي الأسئلة التي تمور في ذهني، دون الشعور بالخوف من الاستئثار بجزء كبير من الوقت، يفترض أن يكون مخصّصاً لأسئلة ومداخلات الحضور.

غلاف سيدات القمر

ذهبتُ إلى الأمسية في فرع «جمعية الثقافة والفنون السعودية» بالدمام بثلاثة أسئلة، استطعت، ولله الحمد، كَبْتها داخلي، حتى السؤال الذي كنت أعُدّه أهمها، واكتفيت بإدارة الأمسية بأقل قدر ممكن من الكلام.

وعُدت إلى البيت بسلام، وقد ساعدني على قمع ذلك السؤال أن د. البازعي لم يتطرق في محاضرته إلى تغيّر، أو ضَياع العنوان في الترجمة، أو إلى أسباب تغيّره المحتملة، ودلالات تغيّره، وعلاقة ثقافة اللغة الهدف بذلك.

كنتُ أريدُ سؤال د. البازعي رأيه في تغيير (د. بوث) للعنوان، وتجنّبها ترجمتَه حرفياً إلى عنوان مثل (Ladies of the Moon)، أو أي عنوان آخر بصيغة مشابهة. سؤال بسيط لم أوفّق إلى العثور على إجابات عنه حينذاك فيما قرأته من حوارات مع الروائية أو المترجِمة بعد فوز الترجمة الإنجليزية بجائزة «بوكر» الدولية 2019.

الآن، وأنا أستعيد لحظات البحث والنبش، أعزو إخفاقي في العثور على إجابات من الروائية والمترجِمة إلى أن بحثي ربما لم يكن دقيقاً وواسعاً كفايةً، رغم تأكدي من أنني بذلت قصارى جهدي ووقتي.

حرصت على الحصول على إجابات عن سؤالي، خصوصاً من الروائية أو المترجِمة، أو منهما معاً، لعل وعسى يكون فيها ما يلتقي ويتقاطع مع إجابتي عن السؤال نفسه، ويؤكد معقوليتها، وأنها لم تُجانب ولو قدراً ضئيلاً من حقيقة سبب أو أسباب تغيّر عنوان رواية الحارثي، أو ضياعه في الترجمة.

وانتهى بي المطاف، مع مرور الوقت، إلى نسيان ما فهمتها وفسّرتها على أنها أسباب تغيير عنوان الرواية؛ نسيان استمر إلى ما قبل كتابة هذه المقالة بأيام، حين تداعت إلى الذاكرة «سيدات القمر»، ومؤلفتها ومترجِمتها في خلال تصفّحي مجلة «رياض ريفيو أوف بوكس».

«موت صغير»... رواية العناوين المتعددة

تعرّض عنوان رواية محمد حسن علوان «موت صغير» لإضافات وتغييرات طفيفة جداً في ترجماته جعلته يبدو متعدداً، مع حفاظه على حرفيته، وعلاقته بمحتوى النصّ، فمثلاً، يلتقي متصفح «رياض ريفيو أوف بوكس»، بمراجعة لـ«موت صغير» بعنوان «Little Death»، أنجزتها الشاعرة والقاصّة والصحافية المصرية مروى مجدي، ويترجم موقع الجائزة العالمية للرواية العربية عنوان رواية علوان إلى «A Small Death»، ويظهر العنوان نفسه في الترجمة الإنجليزية لمقالة الكاتب والناقد المصري محمود حسني، المنشورة في «Arab Lit»، مجلة الأدب العربي المترجم، ويختفي الحرف «A» من عنوان الرواية «Small Death»، في القراءة النقدية التي أنجزها د. أشرف سعيد قطب متولي ومحمد السباعي زايد (جامعة الجوف)، ونُشرت في مجلة لندن للبحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية بالعنوان «نزع الأسطورة عن ابن عربي في رواية الروائي السعودي محمد حسن علوان (موت صغير)... قراءة ما بعد حداثية».

تتميز تلك الترجمات لعنوان رواية علوان بالاختلافات الرفيعة بينها، لكن المميز الأهم هو أنها ترجمات للعنوان تمّت بمعزل عن النصّ، ترجمات إنجليزية للعنوان أُنجزت لغرض مراجعات وقراءات نقدية لنص عربي، كُتبت بالإنجليزية أو نُقلت إليها، أي لم تكن في الأصل عناوين لترجمات إنجليزية متعددة لنص واحد، ليست ترجمات لمنتَج ثقافي تُرجم لغاية نقله إلى ثقافة أخرى؛ لذا يبدو أن أصحابها لم يكترثوا بالمسائل التي تشغل في العادة اهتمام من ينقل نصاً من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، فكانوا في حرية من الالتزام بالقواعد والعوامل التي تؤثر على عملية اختيار العناوين المناسبة للنصوص المترجمة، وهذا ما يجعلها مختلفة عن العنوان الذي اختاره الأكاديمي والمؤلف ومترجم الأدب العربي المعاصر، ويليام مينارد هتشنز، لترجمته لـ«موت صغير»: «Ibn Arabi’s Small Death»، الذي من الممكن مناقشته في ضوء الأدبيات، والتنظير المتعلق بترجمة العناوين.

إغراء القارئ

يكشف عنوان هتشنز وعيه أن «موت صغير» منتَج ثقافي، أو على نحو أكثر وضوحاً، سلعة ثقافية، وأن ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية يعني نقلها إلى ثقافة أخرى، إلى متلقّ يختلف عن متلقّيها بلغتها الأصل، وأن ذلك المتلقي المستهدَف ينتمي إلى ثقافة لا يستطيع أن يكون في حالة مناعة مطلقة ضد تأثيرها على استقباله للنص المنقول من ثقافة غريبة، فضلاً عن أن رواج المنتَج الثقافي يتطلّب توفر عنوان جاذب للقارئ المحتمل، لذلك أضاف اسم الشخصية المحورية «ابن عربي»، مراهناً على كونه معروفاً في الغرب؛ لجذب انتباه القارئ الغربي.

وتلعب مسألة جذب وإغراء القارئ الهدف بالنص المترجَم دوراً حاسماً في تغيّر عنوان رواية «فخاخ الرائحة»، ليوسف المحيميد، أو بالأحرى، إبداله بعنوان آخر، فعلى الرغم من أن الجامعة الأميركية في القاهرة - مالكة حقوق النشر في الشرق الأوسط - وافقت على ترجمة توني كالدربانك الحرفية للعنوان «Traps of the Scent»، حسب ما ذكره المحيميد، إلا أنّ الناشر «بنغوين»، مالك حقوق النشر العالمية، اقترحوا العنوان «Wolves of the Crescent Moon / ذئاب الهلال»، وتركوا قرار اختيار العنوان للمترجِم وللروائي المحيميد، واقترح الأخير على المترجِم عرض العناوين على عشرة قراء أجانب، وجاءت الردود العشرة مُفَضِّلَةً بالإجماع العنوان الذي اقترحه الناشر «بنغوين»، وقد استطاع المترجم كالدربانك والمحيميد فرضه على الجامعة الأميركية، ما يدل على أن اختيار العنوان المناسب للترجمة قد يشارك فيه آخرون إلى جانب المترجِم.

العناوين في الترجمة

يقسم ماورزيو فيزي، في مقالته «العناوين في الترجمة»، العناوين إلى: أساسية، وأخرى اختيارية، ويفترض أن يقوم أي عنوان بكل الوظائف الأساسية، وفي مقدمتها وظيفة التسمية، (appellative)، كما يسمّيها ليو هوك؛ أحد مؤسّسي علم العناوين، حسب جيرار جينيت. ويضيف جينيت أن هوك يُعَرِّف العنوان بأنه سلسلة من «الإشارات اللغوية التي يمكن أن تظهر على رأس النص؛ للدلالة عليه، ولبيان محتواه، ولتوجيهه إلى الجمهور المستهدف»، (بنية ووظائف العنوان في الأدب)، موضحاً أن الوظيفة الأولى – التسمية/ الدلالة على النص - إلزامية، بينما الإشارة إلى المحتوى وإغراء الجمهور وظيفتان اختياريتان.

ويُورِد فيزي في مقالته عشرة أسباب أو أغراض وراء تغيير المترجمين عناوين النصوص المترجَمة: تقديم وجهة نظر مختلفة، تسليط الضوء على جانب أو شخصية مختلفة، إبدال العناوين الأصلية بأخرى مترجمة أكثر وضوحاً، إضافة معلومات عن الجنس الأدبي إلى العنوان المصدر، قد تُقدّم العناوين المترجمة زوايا رؤية أو مفاتيح مختلفة لتأويل النصوص المترجمة، الإشارة إلى درس أخلاقي يمكن تعلّمه، إضافة أسماء شخصيات مشهورة إلى العناوين كوسيلة لجذب القراء، قد تحتوي العناوين المترجمة على إشارات تناصّية وبينيّة، تأكيد العناوين المترجمة على الجوانب المُغرية، واختلاف العناوين المترجمة في محتواها الدلالي من لغة هدف إلى أخرى.

ويذكر فيزي أن البعض يرفض استعمال كلمة «ترجمة» عند الإشارة إلى العملية المؤدّية من عنوان مصدر إلى عنوان هدف، ويعتبرون ما يحدث تكييفاً أو نقلاً أو استبدالاً، والاستبدال هو ما يحدث لعنوان رواية المحيميد المذكورة، وأيضاً لعنوان رواية جوخة الحارثي؛ حيث لا يوجد أثر من العنوان الأصل في عنوان الترجمة الإنجليزية.

*ناقد وكاتب سعودي