«الشارقة الثقافية»: تراثنا العربي في عصر المعلوماتية

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

«الشارقة الثقافية»: تراثنا العربي في عصر المعلوماتية

غلاف المجلة
غلاف المجلة

صدر أخيراً العدد (83)، لشهر سبتمبر (أيلول)، من مجلة «الشارقة الثقافية»، التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة. وتناولت الافتتاحية اهتمام الشارقة باللغة العربية والأدب والثقافة، التي تعدُّ من أساسيات مشروعها الثقافي والحضاري.

أما مدير التحرير نواف يونس؛ فكتب عن «الحضارة... ومشكلات العصر».

وفي تفاصيل العدد، يسلط يقظان مصطفى الضوء على إسهامات جابر بن أفلح، الذي أنشأ أول مرصد فلكي في الأندلس، ويكتب الكتاني حميد عن مشروع إعادة كتابة التاريخ العربي الذي يؤسس له سلطان القاسمي، ويتناول وليد رمضان المستشرق فرانسيسكو كوديرا، الذي اهتم بالتراث الأندلسي كحلقة وصل مع الثقافة العربية، فيما يتوقف أحمد سليم عوض عند تاريخ مدينة الزقازيق، التي تعدُّ مفترق طرق زاهراً في إقليم دلتا مصر، ويضم العدد أيضاً بانوراما عن مدينة المنستير التونسية، وهي شبه جزيرة تطل على البحر المتوسط، وقد اتخذها يوليوس قيصر مقراً له.

في باب «أدب وأدباء»؛ إضاءة على منجز وسيرة إلياس أبو شبكة، الذي ترك 40 كتاباً في الأدب والفكر والترجمة كتبها ذكاء ماردلي، و«إطلالة على تراثنا العربي والوعي الثقافي في عصر المعلوماتية» لأيمن أحمد شعبان، إضافة إلى وقفة مع سيرة البشير خريّف... الأب الروحي للرواية التونسية، الذي لقبوه بـ«ماركيز العرب» لأمل محمد علي، ومداخلة حول الشاعر خالد أبو خالد «فارس الحلم النبيل» لرفاه هلال حبيب، بينما يكتب د. يحيى عمارة عن رواد التيار الشعري الرومانسي في المغرب الذين قدموا تصوراً تأسيسياً جديداً، ويحتفي خليل الجيزاوي بجريدة «أخبار الأدب» في عيدها الثلاثين، ويتوقف أنور الدشناوي عند إرث الكاتب والأديب عبد المعين الملوحي، وهو من رواد النهضة الثقافية، أما محمد محمد مستجاب فيكتب عن محمد البساطي، الذي اهتم بالإنسان أولاً في جل أعماله، وتقدم أمل ناصر مداخلة حول الأدب العربي الحديث بين التقليدي والرومانسي الرمزي، ويتناول عزت عمر رواية دوستويفسكي «الأبله» كنص تجريبي رائد، ويرصد أحمد أبو زيد أشهر الصحف في الزمن الجميل، التي أسهمت في ظهور مجموعة من الأدباء والظرفاء.

ومن الموضوعات الأخرى، يتناول قمر صبري الجاسم الشاعر مصطفى خضر فارس الرؤية وعراف الريح الذي اشتغل على الذات وإعادة اكتشافها، ويحاور وفيق صفوت مختار الأديبة منال رضوان، ويكتب أحمد أبو دياب عن الشاعر عبيد عباس، بينما يتطرق يسري الغول إلى الكتابة والواقعية السحرية عند فارغاس يوسا، الذي ينتمي إلى حركة الازدهار الأدبية اللاتينية، ويتوقف السيد حسن عند القرية المصرية التي تعد إحدى أهم مصادر الإلهام الحقيقي لكثير من الروائيين المصريين، ويستعرض د. محمد الخياري مسيرة الأديب سعيد سالم، الذي قدم إنتاجاً غزيراً في الرواية والقصة، وتكتب عبير محمد عن الدكتور يوسف نوفل صاحب مشروع ريادي في النقد الأدبي الحديث.

نقرأ في باب «فن. وتر. ريشة»؛ الموضوعات الآتية: «فهد النعيمة... مساحة حيوية في التشكيل العربي» لمحمد العامري، و«رنا حتمل... فنانة تعبيرية تجريدية» لأديب مخزوم، و«الموسيقار محمد نوح قدم لوناً مغايراً للأغنية العربية» لنور سليمان، و«أحمد، عبد الفتاح قلعجي... علامة فارقة في المسرح العربي» لمفيد فهد نبزو، «فيلم أوبنهايمر والصراع بين العلم والأخلاق» لأسامة عسل، و«الدراما التاريخية واللغة العربية» لمروان ناصح.

ونشرت المجلة مجموعة من القصص القصيرة، والترجمات لعدد من الكتاب، إضافة لمواد أخرى.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو
TT

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

في روايتها «عشبة ومطر» دار «العين» للنشر بالقاهرة - تختار الكاتبة الإماراتية وداد خليفة الثقافة العربية سؤالاً مركزياً حائراً بين واقع مشوّش ومستقبل مجهول، حيث تبدو اللغة والتاريخ وكأنهما ينازعان أنفاسهما الأخيرة للصمود داخل قِلاعها العربية نفسها.

وتعتمد الروائية على تقنية الأصوات المتعددة لتعميق صراعات أبطالها مع عالمهم الخارجي، حيث تتشارك كل من بطلة الرواية «عشبة» وابنها «مطر» في نزعة تراثية جمالية يتفاعلان من خلالها مع دوائرهما التي يبدو أنها تتنصّل من تلك النزعة في مقابل الانسحاق في مدّ «الثقافة العالمية» المُعلبّة، ولغة التواصل «الرقمية»، فتبدو بطلة الرواية التي تنتمي إلى دولة الإمارات وكأنها تُنازِع منذ أول مشاهد الرواية من أجل التواصل مع محيطها الأسري بأجياله المتعاقبة، حيث تُقاوم النزعة «السائدة» في ذلك المجتمع العربي الذي بات أفراده يتحدثون الإنجليزية داخل بيوتهم، ولا سيما أجيال الأحفاد وسط «لوثة من التعالي»، «فهؤلاء الأبناء لا يعرفون من العربية سوى أسمائهم التي يلفظونها بشكل ركيك»، في حين تبدو محاولات «عشبة» استدراك تلك التحوّلات التي طرأت على المجتمع الإماراتي أقرب لمحاربة طواحين الهواء، فتأتيها الردود من محيطها العائلي مُثبِطة؛ على شاكلة: «لا تكبّري المواضيع!».

صناديق مفتوحة

يتسلل هذا الصوت النقدي عبر شِعاب الرواية، فتبدو «عشبة» مهمومة بتوثيق العلاقة مع الماضي بذاكرته الجمعية التي تتقاطع مع سيرتها الشخصية منذ تخرجها في معهد المعلمات بإمارة الشارقة وحتى تقاعدها، لتعيد تذكّر تفاعل جيلها مع كبريات التغيّرات السياسية سواء المحلية، وعلى رأسها المخاض الطويل لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، وحتى سياقات الحروب والنكبات العربية منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وصولاً لمجازر «صبرا وشاتيلا» الدامية في لبنان 1982 والنزف الفلسطيني المُستمر، في محطات تجترها البطلة بعودتها إلى قصاصات الأخبار التي ظلّت تجمعها وتحتفظ بها من مجلات وصحف عربية لتؤرشفها وتُراكمها عبر السنوات داخل صناديق، ليصبح فعل تقليبها في هذا الأرشيف بمثابة مواجهة شاقّة مع الماضي، بينما تبدو الصناديق والقصاصات الورقية مُعادلاً للحفظ الإلكتروني والملفات الرقمية التي قد تتفوق في آلياتها وبياناتها، وإن كانت تفتقر إلى حميمية الذكرى، وملمس المُتعلقات الشخصية التي تنكأ لديها جراح الفقد مع كل صندوق تقوم بفتحه: «أعدت غطاء الصندوق الذي يحتاج مني إلى جرأة أكبر لنبشه، ففي الصندوق ثوب فلسطيني طرَّزته أمٌ ثكلى من بئر السبع... أم صديقتي سميرة أخت الشهيد، ودفتر قصائد نازقة دوّنته صديقتي مها من غزة... صورٌ لزميلاتي بالعمل من جنين ونابلس ورام الله... رسائل من صديقتي ابتسام المقدسية... ومن حيفا مفارش مطرزة من صديقة العائلة أم رمزي».

بالتوازي مع تنقّل السرد من حكايات صندوق إلى آخر، يتصاعد الصراع الدرامي لبطل الرواية «مطر» الخبير في تقييم التُحف، الذي يقوده شغفه بمجال «الأنتيك» والآثار القديمة لتتبع مساراتها في مزادات أوروبية تقترب به من عالم عصابات مافيا القطع الأثرية، كما تقوده إلى الاقتراب من حكايات أصحاب القطع الأثرية التي تُباع بالملايين في صالات الأثرياء، كحكاية «مرآة دمشقية» ظلّ صاحبها يتتبعها حتى وصلت لقاعة مزادات «كريستيز» حاملاً معه ذكرى حكاية جدته وأسرته وتشريدهم، وتصنيعهم تلك المرآة بأُبهتها الزخرفية والفنية في غضون ظروف تاريخية استثنائية خلال فترة سيطرة الحكم العثماني في دمشق.

نهب ممنهج

تبدو الرواية التي تقع في 350 صفحة، وكأنها تمنح حضوراً سردياً للقطع الأثرية المفقودة، والمنهوبة، بصفتها شواهد تاريخية تتعقب «تُجار الممتلكات الثقافية»، ودور المزادات، وأمناء المتاحف، وسط متاهات تزوير الوثائق الخاصة بالقِطع وشهادات المنشأ، وتهريب القطع من بلادها، ولا سيما بعد الربيع العربي والحروب الأهلية التي أعقبته، لتفتح ساحات السرقة الممنهجة للآثار في المواقع الأثرية العربية، كما في تونس ومصر وسوريا والعراق، في حين تبدو قصص القطع المفقودة أُحجيات تتبعها الرواية وتحيكها بخيوط نوستالجية تمدّها الكاتبة على امتداد السرد.

تعتني لغة الرواية بالوصف الدقيق للتفاصيل الجمالية التي تبدو في صراع متواتر مع تيار محو أعنف، كقطع السجاد الأصيل وأنواله التقليدية، والزخارف الغرناطية العتيقة على الأسطح، في مقابل ثقافة «الماركات» الاستهلاكية التي تُميّع الذوق العام، والحروف اللاتينية التي تُناظر الحروف العربية وتُغيّبها في لغة الحياة اليومية.

وقد حازت رواية «عشبة ومطر» أخيراً جائزة «العويس للإبداع»، ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كنتُ قصيراً، أقفز كي تلمس أطراف أصابعي مطرقة الباب، وبعد أن كبرت قليلاً، وأصبحت أمسكها بيدي، استوقفني شكلها الذي صُنع على هيئة يد بشرية، ثم أدركت أن هناك مطرقتين فوق بعضهما، تعجبت، وسألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لدروازتنا مطرقة واحدة، لكن والدك أبهرته فنون بغداد، فجلب منها مطرقتين، مثبتاً المطرقة الأكبر في الأعلى للرجال والمطرقة الأصغر أسفل منها للنساء، ليختصر بذلك السؤال عن هُوية الطارق، فكنا نُميّز الطارق رجلاً أم امرأة من صوت المطرقة)... بِتُ أنصت للطَرق، كنت أعرف طرقات أمي الثلاث، وتعرف أمي طرقاتي المتسارعة، كان هناك طَرقٌ مُبشر، وطرقٌ يخلع القلب، طرق هامس مُدلل، وطرق يُشبه كركرة الأطفال».