العوامل الثقافية وراء تقدُّم دول وتخلُّف أخرى.

دراسات لكُتَّاب ومُفكِّرين ضمنهم هنتنغتون وفوكوياما

العوامل الثقافية وراء تقدُّم دول وتخلُّف أخرى.
TT

العوامل الثقافية وراء تقدُّم دول وتخلُّف أخرى.

العوامل الثقافية وراء تقدُّم دول وتخلُّف أخرى.

يتضمن كتاب «هل تصنع الثقافة السياسة؟» الصادر حديثاً عن دار العين المصرية مختارات من أبحاث نُشرت في كتاب «الثقافة مهمة»، الذي أشرف على تحريره وإصداره المفكران الأمريكيان لورانس هاريسون وصامويل هنتنغتون، ضمن فعاليات ندوة مُوسَّعة بعنوان «القيَم الثقافيَّة والتقدُّم الإنسانيّ»، نظمتها أكاديمية جامعة هارفارد للدراسات الدولية ودراسات المناطق في أبريل (نيسان) 1999، وشارك فيها كُتَّاب ومُفكِّرون من شتى مناطق العالم.

النسخة العربية المنقحة قدمتها المترجمة المصرية الدكتورة سهير صبري، التي قامت بانتخاب 6 دراسات رأت أنها قريبة الصلة من الواقع العربي والأفريقي، وهي «الأنماط الثقافية والتنمية الاقتصادية» وقدّمها عالم الاجتماع الأرجنتيني ماريانو جروندونا، و«الثقافة وسلوك النُّخَب في أميركا اللاتينيَّة» للمحلل والكاتب السياسي الكوبي كارلوس ألبرتو مونتانير، و«هل تحتاج إفريقيا إلى برنامج تكيف ثقافي؟» لعالم الاقتصاد الكاميروني دانيال إتونجا مونجيل، و«رأس المال الاجتماعي» للمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما، و«الخرائط الأخلاقية: غرور العالم الأول والإنجيليُّون الجُدُد» للباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية وعلم النفس الثقافي الأمريكي ريتشارد أ. شويدر، بالإضافة إلى بحث أخير جاء بعنوان «تعزيز التغيير الثقافي التقدُّمي» لـلورانس هاريسون.

يأتي الكتاب في سياق جدل دائماً ما يخوضه مفكرون ينتمون إلى مجالات ثقافية وفكرية مختلفة بهدف تفسير وبحث ومعرفة أسباب تقدُّم دول وتخلُّف أخرى، وشهدت فترة الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، ازدهار التيار الذي يؤكِّد أهميةً الثقافة، وكان هو التيار الرئيسي في العلوم الاجتماعية، بعدها تقلص الاهتمام به، ثم عاد ليزدهر مجدداً في مرحلة الثمانينات. ويرفض أصحاب هذا الاتجاه، ربط أسباب التخلُّف بعوامل المناخ، والتفسير العنصري، والاستعمار والتبعية.

المفكر الأميركي صامويل هنتنغتون

وفي أعقاب الأدبيات التي أنتجها علماء الاجتماع خلال مرحلتي الأربعينات والخمسينات، تقلَّص الاهتمام بالأبحاث الثقافية بشكل ملحوظ في الدوائر الأكاديمية في الستينات والسبعينات، ثم بدأ الاهتمام بها يزدهر في الثمانينات بوصفها متغيراً تفسيريّاً، وتحوَّل علماء الاجتماع أكثر إلى العوامل الثقافية لتفسير التحديث ومواكبة العصر، والتحوُّل الديمقراطي السياسي، والاستراتيجيات العسكرية، وسلوك الأقليَّات العِرْقيَّة، والتحالفات والعداوات بين البلدان.

ومن بين الأسئلة التي يطرحها الباحثون المشاركون في الكتاب، ما تمحور حول قدرة السياسة على إصلاح الثقافة والقيام بدور حاسم في إنقاذها هي والمجتمع من نفسيهما، كما سعى الباحثون لتبيان إلى أي مدى تُشكّل العوامل الثقافيَّة النمو الاقتصاديَّ والسياسيّ؟ وكيف يمكن إزالة المُعوِّقات الثقافية أمامه لتسهيل التقدم؟

في دراسته التي حملت عنوان «الثقافات مهمة» يؤكد صامويل هنتنغتون على دور الثقافة بعد مقارنة أجراها بين الواقع الآني في كل من غانا وكوريا الجنوبية اللتين كانتا متماثلين في بياناتهما الاقتصادية بداية فترة الستينات، وذكر أن هناك عوامل عدة لعبت دوراً فيما آلت إليه الأمور في كل منهما، ومن بينها الثقافة التي رأى أنها يجب أن تكون عنصراً مؤثراً في تفسير ذلك التطور.

لكن على الجانب الآخر، ظهرت، بحسب هنتنغتون، هناك حركة مضادَّة قللت من أهمية التفسيرات الثقافية لتقدم وتطور المجتمعات، وانعكست في النقد الشديد الذي شكك في أعمال كل من فرانسيس فوكوياما، ولورانس هاريسون، وروبرت كابلان، وآخرين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل التحق بالمعركة في عالم الدراسات العلمية كل من يرون الثقافة عنصراً رئيسياً، يؤثر ضمن عناصر أخرى على السلوك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

ويستكشف الكتاب كيفية تأثير الثقافة في التقدُّم والتنمية الاقتصادية والتحوُّل الديمقراطي السياسي وأساليب تحقيق ذلك، وتركز الدراسات التي تضمنها على الثقافة بوصفها مُتغيراً مُستقلاً، وتسعى لتوضيح ما إذا كانت العوامل الثقافية تؤثر حقّاً في التقدم الإنساني، أم تعرقله.

ويشير الباحث الأرجنتيني ماريانو جروندونا إلى أن ما أحرزته بلاده من تقدم في اتجاه الإصلاح الاقتصادي، والاستقرار الاقتصادي، والتحوُّل الديمقراطي السياسي في منتصف التسعينات. ويذكر أن البلاد التي لديها منظومة قيَم جوهرية وأداتية مواتية هي القادرة فقط على التنمية السريعة المستدامة، حيث تشجع الرخاء، والحرية، أو الأمان، وتتعامل التنمية بوصفها ظاهرة أخلاقية، دافعة عملية التراكم إلى الأمام بلا توقف، ومركزة على الفرد بوصفه المحرِّك الأساسي بعمله وإبداعه.

وفي دراسته «الثقافة وسلوك النُّخَب في أميركا اللاتينية» لفت الباحث السياسي الكوبي كارلوس ألبرتو مونتانير إلى معاناة دول أميركا اللاتينية منذ فترة طويلة من دورات من «الهَوَس الاكتئابي»؛ ونتيجة لذلك يبدأ رأس المال الأجنبي في الهروب. ويتحوَّل الاكتئاب إلى يأس، واستسلام، مشيراً في هذا السياق إلى الجدل المستمر حول أسباب فشل أميركا اللاتينية مقارنةً بنجاح كندا والولايات المتحدة هما موضع تساؤل متكرِّر من مُثقَّفي أميركا اللاتينية،

من جهته يسعى الباحث الكاميروني دانيال إتوجا مونجيل إلى الإجابة عن أسئلة مثل «هل تحتاج إفريقيا إلى برنامج تكيف ثقافي؟»، وما مدى توافقها مع المُتطلَّبات التي يواجهها الأفراد والأمم في بداية القرن الحادي والعشرين؟ ومدى احتياجها إلى برنامج تكيُّف ثقافي؟

وهو يرى أن الثقافة الإفريقية هي واحدة من أكثر الثقافات إنسانية، ولكن يجب تجديدها من خلال عملية تأتي بمبادرة من الداخل تسمح للأفارقة أن يحافظوا على ثقافاتهم، و«أن يكونوا في زمانهم في الوقت نفسه». ويشير إلى أن وجود مؤسسات إفريقية أكثر كفاءة وعدالة يتوقف على «إجراء تعديلات ثقافاتهم»، والقيام بثورات ثقافية سلمية في قطاعات التعليم، والسياسة، والاقتصاد، والحياة الاجتماعية.

المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما

وفي بحثه «رأس المال الاجتماعي»، يركز المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما على القيَم والمعايير غير الرسمية المشتركة بين أعضاءِ أية جماعة، تتيح لهم التعاون فيما بينهم، و«الوفاء بالالتزامات، والمعاملة بالمثل». وذكر أن كل المجتمعات لديها مخزونٌ من رأس المال الاجتماعي؛ لكن الفروق الحقيقية بينها تتعلق بالمعايير التعاونية المنتشرة فيها، والتي تواجه مشكلة أنها لا يمكن مشاركتها إلا بين جماعات محدودة من الناس.

ومن الممكن، حسب فوكوياما، أن تتشكَّل جماعات ناجحة في غياب رأس المال الاجتماعي، وذلك باستخدام أشكال متنوعة من آليَّات التنسيق الرسمية مثل العقود، والتدرُّجات الوظيفية، والدساتير، والنُّظُم القانونيَّة، لكن المعايير غير الرسمية تُقلِّل بشكلٍ كبيرٍ ما يطلق عليه الاقتصاديون تكاليف المعاملات، كما يمكن لرأس المال الاجتماعي أيضاً تسهيل درجة أعلى من الابتكار والتكيُّف الجماعي، ذلك أنه جوهري لخلق مجتمع مدني صحي، يلعب دوراً حاسماً في نجاح الديمقراطية، ويتيح للجماعات المختلفة أن تتَّحد معاً للدفاع عن مصالحها حتى لا تتجاهلها الدول القوية.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.