في العام الحالي، وحتى الآن، عُرض ما لا يقل عن 30 فيلماً إيرانياً في نحو 8 مهرجانات عالمية، من بينها 15 فيلماً إيراني الإنتاج فعلياً، في حين حمل الباقي اسم إيران كدولة، لكن التمويل الفعلي، وبالتالي جهات الإنتاج، حمل أسماء دول غربية. هذه أفلام تتحدث الفارسية، وشخصياتها إيرانية، وتبحث في شؤون الداخل (مسائل انتقادية) والخارج (مهاجرون في الغرب يرنون إلى التواصل مع أقارب لهم في الداخل).
لو استبعدنا، إلى حين، الأفلام التي أُنتجت في الخارج من دون مشاركة إيرانية باستثناء مخرجيها، فإن العدد المسجل للأفلام الإيرانية المحلية التي أُنتجت في السنوات الخمس الماضية يتراوح بين 180 و210 أفلام في السنة. لا يوجد بعد تعداد دقيق لما أُنتج في العام الحالي، لكن مع الوضع الاقتصادي والأمني لهذا العام، من المحتمل أن يُنتج عدد أقل من الأفلام مقارنة بالأعوام السابقة. لا تتوفر مراجع مؤكدة، ولكن الرقم قد لا يزيد عن 150 فيلماً روائياً وتسجيلياً طويلاً.

دلالات
لا يزال هذا رقماً جيداً بالنسبة لدول الجوار الإيراني وحتى بالنسبة للعمق الآسيوي وبعض الدول الأوروبية أيضاً. على سبيل المثال، فإن معدل الأفلام المنتجة في تركيا منذ سنوات لا يزيد عن 70 فيلماً في السنة (وفي بعض السنوات القليلة الماضية بلغ نحو نصف هذا العدد). دول البلقان وسينمات وسط آسيا غالباً ما تكتفي بعشرة أفلام أو أكثر قليلاً لكل دولة.
ازدياد عرض الأفلام الإيرانية في المهرجانات الدولية يحمل دلالات عدة، يشكل فيها الطموح الفردي والحكومي جزءاً مهماً منها. فالفيلم المَرْضي عنه يحمل دعاية مناوئة لما تحققه الأفلام المنتسبة إلى إيران والتي يحققها سينمائيون مهاجرون في الغرب، حتى وإن لم يطرح أي وجهة نقدية. لكن الدلالة الأبرز هي استعداد المهرجانات الدولية لاستقبال الأفلام الإيرانية المنتجة داخل البلاد، أي تلك المتمتعة بموافقة الرقابة الرسمية. يعود هذا بدوره إلى رغبة جماهير أوروبية وآسيوية وأميركية في التعرف على ما هو إيراني.
على سبيل المثال، عرض مهرجان طوكيو في دورته التي انتهت في الخامس من هذا الشهر فيلم «ابنة نوح»
(Noah’s Daughter) لأمير رضا جلاليان. كما عرض مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي فيلم فيروز خسروڤاني «ماضي المستقبل يستمر» (Past Future Continues). وكان مهرجان كارلوڤي ڤاري قد اختار فيلم «صرخة» (Bidad بالفارسية) في مسابقته، وهو من إخراج سهيل بيراغي.
هذه عينة محدودة من مجموعة كبيرة من الأفلام، من بينها أيضاً «بين الأحلام والأمل» (Between Dreams and Hope) لفرنوش صمدي (تورنتو)، و«مواطن نزيل» (Citizen-Inmate) لحسام إسلامي (برلين). واستقبل مهرجان سياتل الأميركي فيلماً إيراني المولد بعنوان «حشد» لشهد كبيري، ومنحه جائزة لجنة تحكيم قسم «مخرجون جدد» أيضاً.
الجانب الآخر من الأفلام التي عرضت في المهرجانات هو تلك التي مُوّلت (بالكامل غالباً) من قِبل شركات غربية مثل بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا والولايات المتحدة، مثل «مجرد حادثة» لجعفر بناهي و«داخلي» (Inside) لأمير بحراني.

اعتبارات سياسية
تمت مشاهدة 11 فيلماً من هذه الأفلام، من الداخل والخارج، ليس من بينها ما يمكن اعتباره تحفة أو عملاً ذا جودة استثنائية، بما في ذلك فيلم بناهي «مجرد حادثة» الذي خطف سعفة مهرجان «كان» وأرسلته فرنسا ليمثلها في سباق أوسكار أفضل فيلم عالمي. لا محال من اعتبار أن فوز فيلم بناهي جاء، في جزء منه، لاعتبارات سياسية.
يدور الفيلم حول رجل يشتبه في أن شخصاً معيناً هو الضابط الذي استخدم العنف معه خلال فترة سجنه. بناءً على هذا الاشتباه، يتصل بآخرين تعرضوا للتعذيب على يد الضابط أو تحت إشرافه، ويُختطف بهدف قتله. لكنه يقنع الجميع بأنه ليس هو الشخص الذي يعتقدون أنه هو. نهاية الفيلم لا تؤكد أو تنفي ذلك، لأن هدف بناهي هو تسليط الضوء على عنف السجون السياسية من خلال طرح السؤال عما إذا كان المخطوف هو فعلاً ذلك الضابط أو شخصاً آخر.
أفضل منه، نصاً وتنفيذاً، كان فيلم محمد رسولاف «بذرة التين المقدسة» (The Seed of the Sacred Fig). بعد عروضه في مهرجان «كان» في العام الماضي، مثّل إيران في سباق أوسكار 2025. وقد عُرض في هذا العام في 40 مهرجاناً سينمائياً حول العالم، قطف خلالها جوائز من اتحادات نقاد ومن بعض المهرجانات (أهمها الجائزة الأولى لمهرجان «بالم سبرينغز»). «بذرة التين المقدّسة» يقوم على فكرة الاشتباه، لكن في عمق مدروس: قاضٍ مرشح لمنصب أعلى يفتقد مسدسه الحكومي ولا يجده. يخاف من تبعات ذلك، قبل أن يشتبه (ولاحقاً يتأكد) أن إحدى ابنتيه هي التي أخفت المسدس لأنها ضد ممارسات الحكومة. يتقدم الفيلم بهذه الحبكة جيداً، حتى يصطدم بنهاية تحوّل مجرى الفيلم إلى نوع سردي مختلف.
عدد لا بأس به من الموضوعات التي تطرحها الأفلام الإيرانية غير المدعومة من الغرب يتعلّق بالمرأة. على سبيل المثال، يتناول فيلم «ابنة نوح» وضع امرأة تنشد العزلة من المدينة إلى بلدة ساحلية، ولو لبعض الوقت. ليس هناك من حبكة واضحة، لكن بعض الترميز الاجتماعي موجود في هذه الدراما.






