قيادة نسائية لدورة مهرجان «كان» الجديدة

ينطلق بـ«الرحيل يوماً» وأسئلة في أولوية الأفلام

قصر المهرجانات قبل انطلاق الدورة الـ78 لمهرجان «كان السينمائي» (إ.ب.أ)
قصر المهرجانات قبل انطلاق الدورة الـ78 لمهرجان «كان السينمائي» (إ.ب.أ)
TT

قيادة نسائية لدورة مهرجان «كان» الجديدة

قصر المهرجانات قبل انطلاق الدورة الـ78 لمهرجان «كان السينمائي» (إ.ب.أ)
قصر المهرجانات قبل انطلاق الدورة الـ78 لمهرجان «كان السينمائي» (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان»- 1

تنطلق الدورة الـ78، مساء يوم الثلاثاء، وفي صدارتها فيلم الافتتاح الذي اختير خصيصاً لهذه المناسبة.

ليس من إخراج اسم كبير لامع، ولا من بطولة نجوم تتهافت حولهم وسائل الإعلام، بل هو فيلم لا يمكن إدراك فحواه وقيمته إلا بعد مشاهدته الليلة، ولا توجد مبرِّرات واضحة لاختياره فيلماً للافتتاح.

يحمل عنوان («الرحيل يوماً» Partir un jour)، أخرجته إميلي بونن، وتؤدي بطولته جولييت أرماني وتوفيق جلّاب. أدت جولييت أول أدوارها سنة 2009 في فيلم جان-بيار جونيه «Micmacs»، أما توفيق فحديث العهد بدوره، معروف على الشاشة الصغيرة بمسلسلَيْن ناجحَيْن هما: «ساحل دموي»، و«قلوب داكنة».

على الرغم من أن فيلم «الرحيل يوماً» لا يضمُّ نجوماً بارزين، وهو من إخراج مخرجة لم تحقِّق حضوراً نقدياً لافتاً من قبل، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه لا يصلح لافتتاح الدورة؛ والتساؤل جائز، فقد وجد بعض النقاد أن هناك أفلاماً أخرى كان من الممكن اختيارها لمنح الحدث هالة أكبر.

فيلم حفصية حرزي «آخر العنقود» (June فيلمز)

تغيير واقع

لكن لا بدّ أن هناك سبباً وجيهاً لهذا الاختيار، وهو غالباً يعود إلى احتفاء الدورة الحالية بعدد متزايد من المخرجات وأفلامهن التي غالباً ما تدور حول قضايا نسوية.

ففي السابق، واجهت كل المهرجانات الكبرى اتهامات بتجاهلها للأفلام التي تخرجها النساء، لكن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجياً منذ مطلع العقد الثاني من القرن الحالي.

في عقود سابقة، خلا مهرجان «كان» من أفلام نسائية الإخراج، ومنذ عام 2011 بدأ تغيير هذا النمط تدريجياً، وصولاً إلى العام الحالي حيث يحفل المهرجان بسبع مخرجات يتنافسن في المسابقة الرسمية على السّعفة الذهبية، مقابل العدد نفسه في العام الماضي، حين فازت جوستين ترييه بالسعفة عن فيلمها («تشريح سقوط» Anatomy of a Fall).

من حيث المبدأ، يأمل المرء أن يُختار الفيلم بناءً على جودته فقط، لا على أساس جنس مخرجه. إلا أن تجاهل ذلك قد يؤدي إلى احتجاجات واسعة من المطالبين بالمساواة، (وهو حق بالطبع)، والإعلام الذي ينتظر مثل تلك الفرص ليدلو بدلوه.

فيلم الافتتاح «الرحيل يوماً» (توب شوت فيلمز)

المخرجات المتنافسات في هذه الدورة هن ماشا شيلنسكي التي تتقدم بفيلمها «صوت السقوط»، وجوليا دوكورناو («ألفا»)، والأميركية كيلي رايشارد («ذا ماسترمايند»)، والتونسية الأصل حفصية حرزي («آخر العنقود» La Petite Dernière)، واليابانية تشي هاياكاورا («رنوار»)، والبريطانية لِين رامزي («مت يا حبي» Die My Love)، وكارلا سيمون («روميريا»).

تأكيداً لظاهرة نجاح الاعتماد على رفع عدد المخرجات المشاركات في المسابقة الرسمية (وباقي التظاهرات والبرامج) تابعنا في مطلع العام الحالي، دخول فيلم كورالي فارجا («المادة» The Substance) موسم الجوائز في أكثر من بقعة حول العالم بينها ترشيحات «الأوسكار» و«البافتا».

قدامى وجدد

بعيداً عن هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن مهرجان «كان» العريق ضمَّ العام الحالي عدداً من الأفلام الجديرة بالاهتمام، بعضها لمخرجين متمرسين في المهنة مثل الأميركيين ويس أندرسون وريتشارد لينكلاتر.

يقف الأول وراء فيلم («الخطة الفينيقية» The Phoenician Scheme) مع ف. موراي أبراهام، وبينثيو دل تورو، وسكارليت جوهانسون، وويليم دافو بين آخرين، والثاني يضع نصب أعين لجنة التحكيم فيلماً يحاكي موجة السينما الفرنسية الجديدة بعنوان «Nouvelle Vague»، ويدور حولها وفي البال إلقاء تحية لا على تلك الموجة الستينيّة فقط بل على أهم مخرجيها وأشهرهم وهو جان-لوك غودار.

المشهورون بين المخرجين المتقدّمين بأفلامهم العام الحالي، ليسوا غالبية. هناك بالطبع الأخوان جان-بيير ولوك داردين اللذان سبق لهما الفوز مرّتين بالسعفة، ويعودان هذا العام بفيلمهما («بيت الأم الشابّة»)، والنرويجي واكيم تراييه («قيمة عاطفية»)، والإيراني جعفر بناهي («كانت حادثة فقط»)، والإيطالي ماريو مارتوني («فيورو»)، والبرازيلي كليبر مندوزا فيلو («العميل السري»)، والأوكراني سيرغي لوزنتسا (مدّعيان عامان»). هذا إلى جانب الأميركيين رايشارد ولينكلاتر وأندرسون.

«بيت الأم الشابة» للأخوَيْن داردين (خدمة «كان»)

ستطالعنا المسابقة بفيلم إيراني آخر لسعيد روستايي عنوانه «امرأة وطفل»، وبفيلم مصري لطارق صالح عنوانه «نسور الجمهورية» بطولة فارس فارس، ولينا خضري، تدور أحداثه حول ممثل يجد نفسه مضطراً إلى قبول عرض رسمي لا يستطيع رفضه.

خارج المسابقة الرسمية وفي إطار مسابقة «نظرة ما»، هناك أسماء عربية أخرى. المخرج المصري مراد مصطفى يتبارى بفيلمه الجديد «عائشة لا تستطيع أن تطير بعيداً»، وهو الذي كان قد قدَّم على شاشة هذا المهرجان سابقاً فيلمه «سعاد» سنة 2020.

الفلسطينيان عرب وطرزان ناصر يعودان بفيلم «ذات مرّة في غزّة»، والتونسية أريج السحيري تتقدم بفيلمها الجديد «وعد السماء»، وآخر أفلامها كان «تحت أشجار التين» سنة 2021.

كذلك هناك فيلم للممثلة سكارليت جوهانسون التي تبدأ به مسيرة في عالم الإخراج عنوانه «إليانور العظيمة».

بين المسابقتين، هناك 42 فيلماً، إلى جانب أكثر من 100 فيلم ضمن البرامج الموازية، أبرزها «نصف شهر المخرجين»، الذي يضمُّ 19 فيلماً، من بينها الفيلم العربي «كعكة الرئيس» للمخرج العراقي حسن هادي.


مقالات ذات صلة

مهرجان عمّان السينمائي بدورته السادسة... حكايات متحررة من القيود في «عالم خارج النص»

يوميات الشرق تمتدّ فعاليات مهرجان عمّان السينمائي الدولي بدورته السادسة من 2 إلى 10 يوليو (إدارة المهرجان)

مهرجان عمّان السينمائي بدورته السادسة... حكايات متحررة من القيود في «عالم خارج النص»

بعيداً عن المظاهر الاحتفالية، تقام فعاليات مهرجان عمّان السينمائي بمشاركة أكثر من 60 فيلماً من حول العالم، وإضاءات خاصة طالعة من قلب مأساة غزة.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الدكتور ميشال ضاهر مؤسس «مهرجانات بيروت الدولية» (بياف)

«مهرجانات بيروت الدولية»... نافذة أمل وتألق ثقافي رغم الأزمات

الدكتور ميشال ضاهر يكرّم التميز في لبنان والعالم عبر «مهرجانات بيروت الدولية»، وفاءً وإيماناً بقوة التقدير.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق ليلة طربية خارجة عن المألوف كانت تنتظر روّاد «مهرجانات بيت الدين» (الجهة المنظمة)

«مهرجانات بيت الدين» تعلّق حفلاتها... وآخرون ينتظرون

مسألة اضطراب حركة الطيران في المنطقة كلها تبقى العائق الرئيسي أمام وصول الفنانين الآتين من الخارج.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق تكريم «SRMG Labs» بجائزتين ضمن فئة الصوت والراديو في مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع (SRMG)

«SRMG Labs» تحصد جائزتين في مهرجان «كان ليونز»

حصدت وكالة «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، جائزتين ذهبية وفضية ضمن فعاليات مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تألّف برنامج المهرجان من 3 أمسيات فنية (مهرجانات صيدا)

مهرجانات صيدا تعود بـ«لحن كبير»... الفن يصدح من قلب البحر والتاريخ

بعد غياب سنوات، تعود «مهرجانات صيدا الدولية» بحلة فنية جديدة تجمع بين الأصالة والتجدد، بمشاركة نجوم كبار.

فيفيان حداد (بيروت)

السينما الفلسطينية الجديدة تخترق جدران الصمت

«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)
«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)
TT

السينما الفلسطينية الجديدة تخترق جدران الصمت

«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)
«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)

لم يتناول فيلم الأخوين عرب وطرزان ناصر «كان يا ما كان في غزّة» الوضع الآني فيها؛ كونه صُوِّر قبل اندلاع الحرب الطاحنة فيها. وبالمثل، لم يتطرّق فيلم «لا أرض أخرى» إلى ما شهدته فلسطين من أحداث خلال الأشهر الثمانية الماضية؛ لأنه أيضاً صُوِّر قبل ذلك. الأول فيلم روائي، والآخر تسجيلي، وكلاهما فاز بجوائز مهمّة.

نال «كان يا ما كان في غزّة» الجائزة الأولى في تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان «كان» الأخير. أما «لا أرض أخرى» فكان قطف جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان «برلين»، ثم الجائزة نفسها في حفل «الأوسكار» الأخير.

«ذاكرة خصبة» لميشيل خليفي (كينو ڤيديو)

مباشِرة وخطابية

الذي فاز في أوسكار أفضل فيلم تسجيلي طويل هذا العام وجائزة أفضل فيلم تسجيلي في «مهرجان برلين» في العام الماضي. نجاحهما يُسجَّل لسينما فلسطينية لديها الكثير مما قالته سابقاً وما تود قوله اليوم وفي الغد.

بسبب غياب أرشيف موحّد وموثّق يرصد إنتاجات السينما العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، يصعب إجراء إحصاء دقيق لجميع هذه الأعمال. ومع ذلك، تُقدَّر الأفلام التي تناولت القضية، سواء أُنتجت داخل فلسطين أو في بلدان عربية وأجنبية، منذ النكبة وحتى اليوم، بأكثر من 400 فيلم، تتنوع بين الروائية والتسجيلية، القصيرة والطويلة.

جميع هذه الأفلام تقريباً عرضت حقّ الفلسطينيين في أرضهم، وندَّدت باستخدام إسرائيل القوة والعنف لتغيير الواقع القائم.

منذ السنوات الأولى للصراع، وحتى يومنا هذا، احتلت الأفلام التي تناولت الوضع الفلسطيني مساحة كبيرة من الاهتمام بسبب الصراع العربي - الإسرائيلي عبر العصور والحروب المتكررة التي دارت إلى اليوم. عبر تلك السنوات انتقلت «القضية» من أفلام دعائية وعاطفية لجذب المشاعر الوطنية لدى الجمهور العربي إلى أفلام مدروسة بنجاح أو ببعض الفشل. الأفلام السابقة كانت دعائية مباشرة على نسق «الفدائيون» لكريستيان غازي (لبنان، 1967)، و«كلنا فدائيون» لغاري غرابتيان (لبنان، 1969)، و«الفلسطيني الثائر» لرضا ميَسّر (مصر، لبنان، 1969).

غسان مطر في «الفلسطيني الثائر» (أ آر تي)

في الفترة نفسها، أُنجزت أفلام تسجيلية – وثائقية على يد مخرجين عاشوا في المخيمات الفلسطينية في لبنان، تناولت تاريخ الاحتلال وكيف وقع، أو تناولت النتائج الدموية للغارات الإسرائيلية على لبنان في الستينات والسبعينات. ليست هذه الأفلام خارج إطار السينما الفلسطينية أو بعيدة عنها، بل تُشكّل جزءاً مهمّاً من مجموعها العام، لكنها واكبت فترة كانت فيها تلك الأفلام (روائية أو تسجيلية) ذات خطاب مباشر، تقصد ما تطرحه بوضوح، لكنها لا تُعنى كثيراً بكيفية هذا الطرح.

من مطلع السبعينات، تبدّلت الصورة كثيراً. قدّم مخرجون ينتمون إلى السينما الجادة أعمالاً واقعية ومؤثرة، من دون اعتماد الشعارات المرفوعة أو مشاهد الابتزاز العاطفي. من بين هذه الأفلام: «المخدوعون» للمصري توفيق صالح (1972)، و«كفر قاسم» للبناني برهان علوية (1974)، وكلاهما من إنتاج مؤسسة السينما السورية، و«عائد إلى حيفا» للعراقي قاسم حول (في مطلع السبعينات).

بعد نحو 8 سنوات بادر مخرجون فلسطينيون في تحقيق أفلام جادة عن الموضوع الفلسطيني ومن زاوية ما هو مُعاش وواقعي.

في هذا الإطار، تأتي مساهمات المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي متميزة ومهمة. فقد أخرج «ذاكرة خصبة» (1981)، موثقاً فيه رفض امرأة فلسطينية بيع أرضها أو التخلي عنها بأي ثمن. بعد ذلك، أنجز في عام 1987 فيلم «عرس الجليل»، قبل أن تتباعد أفلامه (كان آخرها «زنديق» عام 2014).

خليفي (الذي اتخذ من بلجيكا موطناً له) كان الصوت الفلسطيني الأول في تلك الفترة، تبعه رشيد مشهراوي (ابن غزة) الذي تميّز بغزارة أعماله، ومن بين آخرها «الكتابة على الثلج»، وإنتاجه في العام الماضي «من المسافة صفر» الذي أشرف فيه على جمع 22 فيلماً قصيراً لمخرجين من غزة.

السينما الفلسطينية تطورت من أفلام دعائية إلى أعمال واقعية حاصدة جوائز دولية مرموقة

ثالث القادمين من قلب فلسطين هو إيليا سليمان. أفلام سليمان، من بينها «الزمن المتبقي» (2009)، وفي 2019 «إن شئت كما في السماء» (حمل عنواناً آخر هو It Must Be Heaven)، كانت إضافات نوعية مهمّة تنتمي أسلوبياً لموهبة مؤكدة.

في الفترة القريبة نفسها، أنجز هاني أبو أسعد أفلاماً تحكي وقائع فلسطينية حاضرة، كما في «الجنة الآن» (2005)، و«عمر» (2013)، وآخرها «صالون هدى» (2021).

وقامت مي المصري (التي لها باع طويل من الأفلام التسجيلية في هذا المجال) بإخراج «3000 ليلة».

كذلك قدّمت نجوى النجار «بين الجنة والأرض» (2019)، وآن ماري جاسر «واجب» (2017)، التي كانت قد أنجزت سابقاً «ملح هذا البحر» في عام 2008. كلتاهما تنتمي إلى السنوات الـ25 الأخيرة، التي شهدت عدداً كبيراً من المخرجين العرب، المهاجرين والمقيمين، الذين انبروا للإسهام في طرح فلسطين على الشاشات العالمية.

ساهمت المهرجانات الدولية إلى حد كبير في نقل معرفة ما يقع في فلسطين إلى العالم. لكن هذا لم يكن تلقائياً على الإطلاق؛ فالحال أن الصراع العربي – الإسرائيلي لم يعد، منذ عقود، حالة بعيدة عن التداول الإعلامي؛ ما يجعل المهرجانات راغبة في الاستجابة للاهتمام العالمي المُنصبّ، شعبياً ورسمياً، حول واحدة من أصعب صراعات الإنسان في سبيل العدالة والمساواة.

هي استفادت من تسليط الضوء على موضوع لم يغادر ناصية الاهتمام العالمي يوماً، والمخرجون استفادوا من مشاهدة أفلامهم وهي تُعرض على الشاشات العالمية، من «تورونتو» إلى «كان»، ومن «ڤينيسيا» إلى «نيويورك».