مهرجان القاهرة المقبل بين أيدٍ خبيرة

يوفر باقة مهمّة من الأفلام العربية


مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
TT

مهرجان القاهرة المقبل بين أيدٍ خبيرة


مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).

على مدار 44 دورة سابقة، جسّد مهرجان القاهرة السينمائي شخصيات مدرائه وقدراتهم على إنجاز دورات متفاوتة النجاح ومختلفة في أسباب ذلك. في أحيان كانت الإدارة جيدة وجادّة (وهو شرط رئيسي لأي مهرجان) وفي أحيان أخرى كان الفشل والعجز في استقطاب أفلام جيّدة أو قصور في الميزانية.

أدار سعد الدين وهبة المهرجان في سنوات ربيعه على نحو صارم ثم مرّ المهرجان بإخفاق مدراء لاحقين، كل حسب خبرته (وأحياناً مزاجه)، وصولاً إلى الدورة الحالية التي يقودها حسين فهمي بالتزام وثيق لتأمين حاجة القاهرة لمهرجان سينمائي دولي ناجح، وليس فقط لمهرجان سينمائي.

أفضل ما استطاع المهرجان في دورته الجديدة التي تبدأ يوم الأربعاء المقبل في الثالث عشر وتمتد لعشرة أيام لاحقة، هو تعيين الناقد السينمائي عصام زكريا في الإدارة.

عصام زكريا ليس أي ناقد بل يملك خبرة واسعة في الثقافة السينمائية وملم جيد بما يدور حول العالم من اتجاهات وتيارات وإنتاجات. هذا حدث عندما تسلم الراحل سمير فريد إدارة المهرجان لدورة واحدة كانت لامعة وحيدة قبل تقديمه استقالته تبعاً لانتقادات معظمها حجج اختلقت لدفعه للاستقالة. قبله تسلمت الناقدة ماجدة واصف لدورتين ثم اعتزلت عندما وجدت نفسها في مشاكل مشابهة.

من الفيلم اللبناني «أرزة» (مهرجان القاهرة).

حضور سعودي

يقع مهرجان القاهرة العتيد وسط مجموعة من المهرجانات العربية المجاورة. هناك في مصر مهرجان «الجونة» الذي بذل كثيراً في هذه الدورة لاستقطاب المواهب في كل الخانات ورفع عدد الجوائز والمسابقات. هناك «مراكش» الذي يبني نفسه بصبر ودراية، وهناك مهرجان «قرطاج» الذي يمر بفترة صعبة لا تلغي ماضيه الكبير، ثم هناك مهرجان «البحر الأحمر» الذي يشبه النجمة المضيئة، ويُدار ببذل وجهد مثاليين، متمتعاً باهتمام الدولة والسينمائيين السعوديين على حد سواء.

من بين هذه المهرجانات وسواها من التي تشهدها المنطقة العربية في فترات مختلفة من السنة، اثنان وفّرا للسينما العربية حضوراً أساسياً بمنهج يعكس اهتماماً خاصّاً ودائماً، هما مهرجان «القاهرة» ومهرجان «قرطاج». في سنوات غابرة نجح مهرجانا دبي وأبوظبي (قبل توقفهما) في دعم السينما العربية على نحو لم يكن منظوراً من قبل.

شارك الفيلم السعودي «ثقوب» ضمن مسابقة (آفاق السينما العربية) (الشرق الاوسط)

في مهرجان القاهرة هذا العام وضمن مسابقة آفاق السينما العربية أربعة عشر فيلماً لأربعة عشر مخرجاً جديداً أو شبه جديد. من بينها فيلم «ثقوب» المنتظر للمخرج السعودي عبد المحسن الضبعان في ثاني عمل روائي له بعد فيلمه الجيد السابق «آخر زيارة» (2019).

في ذلك الفيلم حكى المخرج قصّة أب وابنه في زيارة غير متوقعة لوالد الأول المسجى على سرير المرض. يتوخى الأب المناسبة كفرصة للتباهي بابنه الشاب كولد طيّع وصالح ضمن المفهوم التقليدي للعائلة المحافظة. هذا ما يخلف تباعداً بين الأب وابنه. في «ثقوب»، يواصل المخرج الاهتمام بالمنحى العائلي عبر حكاية شقيقين في زيارة لوالدتهما وما يفضي إليه ذلك اللقاء من نتائج.

الحضور السعودي متعدد في هذه المسابقة المهمّة التي تداوم العمل على كشف الجديد من الإنتاجات العربية. هناك فيلم له، لسبب غير معروف بعد، عنوانان «فخر السويدي»؛ والسويدي هنا لا يمت إلى البلد الأوروبي بل إلى مدرسة أهلية يقرر مديرها إنشاء فصل لتشجيع الشبان على مواجهة تحديات العصر عوض القبول بها.

ثمة مشاركة سعودية في فيلم لبناني- مصري بعنوان «أرزة» لميرا شعيب يبدو غير بعيد، في فكرته، عن «سارقو الدراجات» للإيطالي ڤيتوريو دي سيكا (1948).

وهناك مشاركة ثانية متمثلة في فيلم «مثل قصص الحب» لمريم الحاج التي تحاول فيه الإحاطة باضطرابات أوضاع العالم العربي الحالية.

فلسطين في أفلام

في هذه التظاهرة المهمّة هناك ثلاثة أفلام تدور في الشأن الفلسطيني وهي «الإجازات في فلسطين» للفرنسي مكسيم ليندون. يتداول الفيلم التسجيلي وضع فلسطيني مهاجر، يعود إلى بلد مولده ويستخدمه الفيلم لإلقاء نظرة على الوضع المتأزم في فلسطين.

في الجوار «غزة التي تطل على البحر»، وثائقي طويل آخر لمحمد نبيل أحمد الذي تم تحقيقه قبل الحرب الجارية، ويدور حول أربع شخصيات تبحث عن حياة أفضل.

شعار مهرجان القاهرة (مهرجان القاهرة)

الفيلم الثالث هو «حالة عشق»، وهو أيضاً من أعمال السينما التسجيلية؛ إذ يدور حول الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة وهو من إخراج كارول منصور ومنى خالدي.

باقي أفلام هذه المسابقة تتوزع «أرض الانتقام» لأنيس جعاد (الجزائر)، و«مدنية» لمحمد صباحي (السودان)، و«سلمى» لجود سعيد (سوريا)، و«المرجا الزرقا» لداود أولاد السيد (المغرب)، و«قنطرة» لوليد مطار (تونس)، و«وين صرنا» لدرة زروق (مصر) و«مين يصدق؟» لزينة عبد الباقي (مصر).

لجنة التحكيم لهذا القسم النشط من أعمال المهرجان تتألف من ثلاثة سينمائيين هم المنتج الإيطالي أنزو بورسللي، والكاتبة والمخرجة السعودية هند الفهاد، والموسيقار المصري تامر كروان.

لا يخلو المهرجان المصري العريق من البرامج المهمّة الأخرى بما فيها المسابقة الرسمية، وقسم خاص لمسابقة للأفلام الأفريقية، وتظاهرة للسينما الصينية من بين تظاهرات أخرى. كذلك في أهمية اختيار المخرج البوسني دنيس تانوفيتش لرئاسة لجنة التحكيم الرئيسية.


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)

وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
TT

وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)

بعد أن أحدث ضجة كبيرة في مهرجان برلين السينمائي أوائل العام، يُطرح في صالات السينما الفرنسية الأربعاء الوثائقي «لا أرض أخرى» No Other Land الذي صوّرت فيه مجموعة من الناشطين الإسرائيليين والفلسطينيين لخمس سنوات عملية الاستيطان في مسافر يطا في منطقة نائية بالضفة الغربية.

وقد فاز الفيلم بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، فيما اتُّهم مخرجاه في ألمانيا وإسرائيل بمعاداة السامية بعدما قالا عند تسلّم جائزتهما إن الوضع الذي يعكسه الوثائقي هو نظام «فصل عنصري».

أحد مخرجي العمل، باسل عدرا، ناشط فلسطيني ولد في مسافر يطا، وهي قرية تتعرض لهجمات متكررة من المستوطنين. أما الآخر، يوفال أبراهام، فهو إسرائيلي يساري كرّس حياته للعمل في الصحافة.

ويستعرض المخرجان الثلاثينيان في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية محطات إنجاز هذا الوثائقي، ويكرران المطالبة بإنهاء الاستيطان.

سيارات لفلسطينيين أحرقها مستوطنون في ضواحي رام الله (د.ب.أ)

يقول يوفال أبراهام عن الفصل العنصري: «من الواضح أنه ظلم! لديك شخصان (أبراهام وعدرا) من العمر نفسه، يعيشان في ظل نظامين تشريعيين مختلفين، تفرضهما دولة واحدة. لا أعتقد أن هذا يجب أن يوجد في أي مكان في العالم في عام 2024 (. .. ) لا يجوز أن يعيش الفلسطينيون في هذه الظروف، تحت سيطرة جيش أجنبي. يجب أن يتمتع كلا الشعبين بحقوق سياسية وفردية، في إطار تقاسم السلطة. الحلول موجودة ولكن ليس الإرادة السياسية. آمل أن نرى خلال حياتنا نهاية هذا الفصل العنصري (...) اليوم، من الصعب جدا تصور ذلك».

وعن اتهامه بمعاداة السامية قال: «هذا جنون! أنا حفيد ناجين من المحرقة، قُتل معظم أفراد عائلتي خلال الهولوكوست. أنا آخذ عبارة معاداة السامية على محمل الجد، وأعتقد أن الناس يجب أن يتساءلوا لماذا أفرغوها من معناها من خلال استخدامها لوصف أولئك الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الفصل العنصري أو إلى المساواة (...). إنها ببساطة طريقة لإسكات انتقادات مشروعة للغاية. معاداة السامية أمر حقيقي يسجل تزايدا في جميع أنحاء العالم. لذا فإن استخدام هذه العبارة كيفما اتفق فقط لإسكات الانتقادات الموجهة إلى دولة إسرائيل، أمر خطر للغاية بالنسبة لليهود».

وعن اكتفاء الوثائقي بعرض وجهة نظر واحدة فقط ترتبط بالفلسطينيين المطرودين من أرضهم، أوضح أبراهام: «لكي يكون الفيلم حقيقيا، يجب ألا يخلط بين التماثل الزائف (بين وجهتي نظر المستوطنين والفلسطينيين) والحقيقة. ويجب أن يعكس عدم توازن القوى الموجود في المكان. ما كان مهما بالنسبة لنا هو إظهار الاضطهاد المباشر للفلسطينيين.

عندما تنظر إلى مسافر يطا، فإن الخلل في التوازن لا يُصدّق: هناك مستوطنون موجودون هناك بشكل غير قانوني بحسب القانون الدولي، ويحصلون على 400 لتر من المياه في المعدل، بينما يحصل الفلسطينيون المجاورون على 20 لترا. يمكنهم العيش على أراضٍ شاسعة بينما لا يحظى الفلسطينيون بهذه الفرصة. قد يتعرضون لإطلاق النار من الجنود عندما يحاولون توصيل الكهرباء. لذا فإن عرض هذا الوضع غير العادل، مع هذا الخلل في توازن القوى، من خلال وضعه في منظور جانبين متعارضين، سيكون ببساطة أمرا مضللا وغير مقبول سياسيا».

مشهد من فيلم «لا أرض أخرى» (أ.ب)

* باسل عدرا

من جهته، قال باسل عدرا عن تزايد هجمات المستوطنين بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023: «الوضع سيئ وصعب للغاية، منذ عام لم نعد نعرف ما سيحدث (...) في منطقة جنوب الخليل. هجر البعض بسبب الهجمات، خصوصا في الليل، لكن قرى أخرى مثل قريتي بقيت تحت ضغط هائل، وقُتل ابن عمي برصاصة في البطن، كما رأينا في الفيلم. (المستوطنون) يريدون أن يخاف الناس ويغادروا (...) وهم المنتصرون في هذه الحرب في غزة، وهم الأسعد بما يحدث وبما تفعله الحكومة (الإسرائيلية)».