المخرج تاكيشي كيتانو لـ«الشرق الأوسط»: عليّ أن أكون قادراً على التعبير عن نفسي بالطريقة وبالأسلوب الذي أراه

تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).
تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).
TT

المخرج تاكيشي كيتانو لـ«الشرق الأوسط»: عليّ أن أكون قادراً على التعبير عن نفسي بالطريقة وبالأسلوب الذي أراه

تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).
تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).

ذات مرّة لبّى المخرج الأميركي سام بكنباه نداءات النقاد وقام بتحقيق فيلم يخلو من العنف (باستثناء مشهد واحد لا يندرج تحت الوصف تماماً). الفيلم كان «حكاية كابل هوغ الشعرية» (The Ballad of Cable Hogue)... وفشل الفيلم تجارياً.

تعليق بكنباه على ذلك كان ساخراً: «يطلبون مني التخلي عن مشاهد العنف، وعندما أفعل، يفشل الفيلم».

المخرج الياباني تاكيشي كيتانو لديه المشكلة ذاتها: إذا ما أنجز فيلماً لا يقوم على العنف كعادة أعماله فإن القلّة تحتفي به. حدث هذا عندما قام في عام 1999 بتحقيق Kikujiro، دراما خفيفة حول رجل (كيتانو نفسه) ينطلق مع صبي صغير يبحث عن أمّه. الإقبال كان أقل على نحو ملحوظ من أفلام كيتانو الأخرى.

«السيّاف الأعمى زاتويشي (أشاي ناشنال كومباني).

سؤال في العنف

أذكر له ذلك في لقائي معه خلال حضوره مهرجان ڤينيسيا (أحد رواد هذا المهرجان منذ سنوات بعيدة) فيبتسم ويجيب: «ربما لم يكن فيلماً جيداً. لا أدري. لكن الدرس الذي تعلّمته في مهنتي أن المخرج عليه أن يلبي حاجته الشخصية وإذا ما اضطر إلى القيام بشيء مختلف فإن عليه أن يتوقع عدم استجابة الآخرين له. هذا يحدث كل يوم مع كتّاب روايات ورسّامين وموسيقيين وممثلين ومخرجين».

مهنته كمخرج بدأت سنة 1989 عندما حقق «شرطي عنيف» (Violent Cop). أحداثه، مثل عنوانه. كيتانو يلعب فيه دور الشرطي الذي لا يؤمن بأن يمضي الجناة من دون عقاب ويكتشف أن زميلاً له يتاجر بالمخدرات. سوف لن يرحمه ولن يرحم شركاءه. يعلّق على هذا الفيلم الأول بقوله: «أردت أن أمنح المشاهدين عملاً يقتص من المجرمين الخارجين عن القانون والذين يعتقدون أنهم فوقه. لا يهمني أن أكتب وأخرج فيلماً يتناول مثل هذه القصص درامياً أو كنوع إرشادي. أنا مثل بطل الفيلم أريد للقانون أن يحكم ويكون قوياً في الحكم».

كيتانو في «غضب محطّم» (مهرجان ڤنيسيا).

‫* هذا المنوال يتكرر في كل أفلامك اللاحقة تقريباً. هل هو الحل أو أنك تصنع هذه الأفلام تلبية لرغبة الجمهور؟‬

- في البداية لا يعرف المخرج ما يريده الجمهور بالتحديد، لكن ذلك يتغيّر سريعاً. حين تسأل إذا ما كان العنف هو الحل، فإن الجواب البديهي أنه ليس كذلك لكني أتمنى لو كان هناك من يرى غير ذلك. لا أمارس العنف في حياتي على الإطلاق لكن أفلامي تعبّر عن نظرتي ومعرفتي. أيضاً أنا لا أصنع أفلامي لكي تطرح حلاً، بل لتقديم وضع يتضمن بالطبع رغبة الفيلم بالوصول إلى جمهور يقدّر ما أقوله.

عبر أفلامه، يعمد كيتانو لتداول صورة عن يابان لم تعد موجودة. صورة مستمدة من زمن الفروسية في قرون ماضية. يابان الساموراي والياكوزا والإمبراطورية التي تتنازع فيما بينها. حين أسأله إذا ما كان هذا صحيح، يقول:

«ليس كله صحيحاً. العصابات موجودة في أفلامي وموجودة في تاريخ اليابان وحاضره. لا أدّعى أنني أنقل صورة واقعية، لكن أوافق على أني أقدم أفلاماً تعبّر عن فروسية وبطولة مضت، وعليّ أن أكون قادراً على التعبير عن نفسي بالطريقة وبالأسلوب الذي أراه».

ياكوزا من جديد

فيلمه الجديد «غضب محطّم» (Broken Rage) هو ثالث ثلاثية عن عصابات الياكوزا التي يعود تاريخها حسب بعض المراجع إلى القرن السابع عشر. فيلم كيتانو لا يتحدث عن عصابات الأمس، بل تقع أحداثه في الزمن الحاضر. الموضوع، بحد ذاته، يتيح لكيتانو الاشتغال على النوعية التي يحبّها أكثر من سواها وهي مزيج من الحركة (الأكشن) والجريمة والمشاهد العنيفة.

كان مقدّم «توك شو» كوميدي على الشاشة الصغيرة قبل أن يؤدي دور القائد الياباني القاسي سنة 1983 في فيلم ناغيزا أوشيما «ميلاد سعيد، مستر لورنس» (Merry Christmas Mr. Lawrence).

* ذكرت في أحاديث مختلفة لك أن هذا الفيلم جعلك تفكّر بالتحوّل إلى الإخراج. كيف ذلك؟

- قبل ذلك لم أكن فكّرت في السينما كمخرج. حين راقبت أوشيما وهو يدير كل شيء ويصنع من كل مشهد الصورة التي يريد وينتج عن ذلك الفيلم الذي يتحدّث فيه عن كل ما في باله وغايته، أدركت أن هذا ما أود القيام به. كنت أجلس وأراقبه من دون تطفّل.

‫*‬ لكن أسلوبك غير أسلوبه.

- هذا طبيعي ولو لم يكن أوشيما بل مخرج آخر لكان هذا أيضاً أمر طبيعي. عندما أدركت ما أريد القيام به فعلاً وأن إخراج الأفلام هو الخطوة الصحيحة لي وجدت أن عليّ أن أنجز ما ينتمي إليّ فقط.

أفلام كيتانو لا تعرف المهادنة. أسلوبه يتبع نهجاً فنياً واضحاً. المهم لديه هو أن تكون الصورة نقية. الكاميرا تعيش الحدث والفكرة سهلة الوصول.

هذا مؤكد في أفلامه البوليسية مثل «سوناتين» (Sonatine) و«ما بعد الغضب» (Beyound Outrage) و«أخ» (Brother) من بين أخرى. حتى عندما يختار الانتقال إلى حكاية ليست معاصرة فإنه يبقى في أفضل حالاته. مثال ذلك «السيّاف الأعمى زاتويشي» (The Blind Swordsman‪:‬ Zatoichi) الفيلم الذي حققه سنة 2003 والذي يأتي بعد سلسلة من تلك الأسطورة حول محارب أعمى ينتصر للحق. كالعادة لعب كيتانو بطولة هذا الفيلم أيضاً.

في «غضب محطّم» يؤدي دور قاتل محترف نراه ينفّذ عمليّتين بنجاح كبير. بعد ذلك هو في قبضة رجلي بوليس يريدان منه تنفيذ عملية خطرة وصعبة لحسابهما مقابل إطلاق سراحه ومنحه هوية جديدة. المهمّة هي الانضمام إلى المافيا اليابانية (الياكوزا) كجاسوس. الفيلم ممتع بصرياً كمعظم أفلامه بالإضافة إلى ذلك هناك اشتغال على أسلوب السرد وتقسيم الحبكة لمنهجين من تفعيل الحكاية:

«لا أدري إذا كنت لاحظت أنه وراء قناع الدراما ومشاهد العنف هناك دائماً خيط ساخر. ما يقع في الفيلم لا يقع في الحياة. السينما ليست لنقل الحياة كما هي وإلا لما كانت هناك حاجة لها».


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيه

روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
TT

روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيه

روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)

يعود المخرج السويدي روبن أوستلند إلى الشاشات في العام المقبل بفيلم جديد عن الترفيه... أو - بالأحرى - عن عدمه.

الفيلم يحمل عنواناً دالاً «نظام الترفيه معطل» (The Entertainment System is Down)، وهو من بطولة مجموعة كبيرة من نجوم أميركا وأوروبا من بينهم وودي هارلسون وكيانو ريڤز وكريستين دانست وسامنتا مورتون ودانيال برول وجول إدجرتن.

بوصلة الفعل

العنوان هو إشارة لعبارة مطبوعة تظهر على شاشات الطائرات المتلفزة خلال الرحلات إذا ما أصاب عطل تقني البث في كل أقسام الطائرة.

الرحلة طويلة من غرب الولايات المتحدة إلى أوروبا، والركاب جميعاً تعوّدوا على مشاهدة ما تعرضه محطات الطائرة من أفلام وبرامج ترفيهية أو رياضية أو أخبار أو أغانٍ وموسيقى. هكذا اعتادوا وهكذا يتأمّلون في زمن قلّ فيه عدد من يعمد على الكتب ليقرأها. إنه الزمن نفسه الذي لم يعد بالإمكان مطالعة الصحف والمجلات فيه، لأنها محدودة أو ممنوعة في الرحلات الجويّة.

«الميدان» (بلاتفورم برودكشن)

السؤال الظاهر الذي يطرحه الفيلم الجديد: ماذا سيفعل الركّاب في رحلة ستستغرق 10 ساعات أو أكثر ما بين عاصمتين متباعدتين.

السؤال الضمني هو ماذا فعل حب الترفيه بنا بحيث لم نعد قادرين على الحياة من دونه؟

هذا السؤال من مخرج تخصّص في الأسئلة الصعبة، كما حاله في «الميدان» (The Square) سنة 2017. و«مثلّث الحزن» (Triangle of Sadness) في 2022. كلاهما نال السّعفة الذهبية من مهرجان «كان» العريق. كل منهما ألقى نظرة ساخرة على أنماط الحياة التي نعيشها اليوم.

في «الميدان» شاهدنا أوستلند ينبري في معالجة غير متوقعة لتقديم حكاية مشرف على متحف في ستوكهولم يتعرّض لسرقة محفظته وهاتفه المحمول وهو في طريقه لعمله. فهو في سبيل حضور احتفاء فني يدعو فيه الناس لتحمّل مسؤولياتهم حيال الفن والمجتمع. الفيلم، في جزءٍ منه، يدور حول كيف أننا قد نفقد بوصلة الفعل الصحيح حال وقوع حادث مفاجئ. بطل الفيلم (كليز بانغ) يتصرّف من دون وعي ويجد نفسه سريعاً مع مديري المتحف الذين صرفوا ميزانية كبيرة على هذا المشروع.

لم يسرد الفيلم حكايته بتسلسل متواصلٍ أو بمشاهد هي بالضرورة متتالية على منهج منظّم، بذلك هو، في غالبيّته، عبارة عن مشاهد غير مترابطة تشبه فن النقش أو مثل مرايا تحيط بالمكان الواحد ومن فيه، بحيث تعكس ما ترويه من زوايا متعددة وليس على نحو متتابع بخط جلي واحد.

طرفا نزاع

لفيلمه التالي، «مثلث الحزن» انتقل إلى سؤال آخر يوجهه إلى مشاهديه.

يدور الفيلم أساساً حول الشاب كارل الذي جرى قبوله للعمل عارض أزياء (هاريس ديكنسن) وصديقته يايا (شاريبي دين). يبدأ الفيلم بمشاهد ساخرة لعملية انتقاء المرشّحين للعمل عارض أزياء ثم ينتقل بكارل وصديقته إلى عشاء في مطعم. الطاولة ليست الوحيدة التي تفصل بينهما، بل أيضاً منهج تفكير يرمي لطرح موضوع التوازن الذي يبدو مفتعلاً في علاقات اليوم. فهو يصرّ على أن تدفع هي ثمن العشاء. عندما توافق بعد تردّد يصر على أن يدفع. بين الموقفين وتبعاتهما هناك ما يبدو نزعة غير ناضجة لتأكيد الذات الذكورية أو، بنظرة أكثر شمولاً، نزعة صوب فرض معاملة بالمثل يلجأ إليها الطرفان في عالم اليوم.

هاريس ديكنسن في «مثلث الحزن» (إمبرتڤ إنترتاينمنت)

بعد ذلك هما على ظهر يخت في عرض البحر حيث سيستعرض المخرج شخصيات متعددة من ذوي الثراء. كارل ويايا لا ينتميان إلى تلك الزمرة، لكنهما لا يمانعان ممارسة حلم التقرّب والتماثل بما إنهما مدعوان (مجّاناً) لذلك. عبر هذا كله يرسم الفيلم صورة عن الطبقات وسوء التصرّفات حين الأزمات وكيف يعيش البعض منا في أوهام ترضيه.

الملل... الملل

الفيلم الجديد سيُعالج مسألة الملل إذا ما وقع ما هو غير متوقع في حياتنا اليومية. في فيلمه الأسبق، يتعرّض بطل الفيلم للسرقة فتنقلب حياته رأساً على عقب. في الثاني يجد بطلا الفيلم نفسيهما مثل حمامتين وسط الصقور. هنا السؤال حول كيف سنتصرّف إذا ما وجدنا أنفسنا بلا قدرة على ملء فراغ حياتنا بالترفيه.

بعض ركّاب تلك الطائرة معرّضون لحالة إفشاء الأسرار على العلن. من بينهم الزوجان كريستين دَانست ودانيال برول اللذان كانا يعيشان في شرنقة من الخداع العاطفي، فكل منهما خان الآخر في علاقات عاطفية جانبية.

من دون أن يكشف المخرج عن تفاصيل الحكاية ودور باقي الشخصيات فيها، فإن الفيلم (الذي يُصوّر حالياً في طائرة فعلية من دون مشاهد خارجية) هو عن عاصفة أخرى تضرب الطائرة ومن فيها.

على أن سرد الحكاية وحدها ليس من عادة المخرج أوستلند كما برهن سابقاً.

موضوع الترفيه (ذَ إنترتاينمنت) بوصفه وسيطاً بين الإنسان وعالم آخر يجذبه ولا يستطيع دخوله فعلياً هو أكثر من رمزٍ قائم لحالة أي منا قد يجد نفسه محروماً، لسبب أو أكثر، من متابعة الترفيه ليكون خطاً يسير متوازياً مع حياته الواقعية. بالتالي، قد نتعرّض، حين مشاهدة الفيلم، إلى السؤال الأصعب: ماذا لو أن السينما وأفلامها اختفت من الظهور؟ ماذا لو أدّى التقدّم التقني لتعطيل الإنترنت الذي بتنا نصرف عليه ساعات حياتنا الثمينة؟ إنهما سؤالان جديران بالطرح، وأوستلند يتولّى ذلك في «نظام الترفيه معطّل».