شاشة الناقد: «فيلم نوار»

واكين فينكس في «جوكر: جنون ثنائي» (وورنر)
واكين فينكس في «جوكر: جنون ثنائي» (وورنر)
TT
20

شاشة الناقد: «فيلم نوار»

واكين فينكس في «جوكر: جنون ثنائي» (وورنر)
واكين فينكس في «جوكر: جنون ثنائي» (وورنر)

JOKER: FOLIE À DEUX ★★★★

جزء جديد من «ذَ جوكر» مع واكين فينكس وليدي غاغا

الولايات المتحدة | مهرجان ڤينيسيا

كل ما لا تتوقعه من فيلم جديد عن شخصية «جوكر»، الشرير الأول في عالم «باتمان» يحدث في هذا الفيلم. على عكس أفلام الكوميكس، ليس عن بطولة خارقة وعلى عكس «جوكر» الأول، ليس كذلك عن تأسيس ثم جرائم آرثر فليك (واكين فينكس) التي تقع أمام العين كما الحال في الفيلم السابق.

أكثر من ذلك، هو فيلم ميوزيكال. تخيّل الشرير الذي روّع غوثام سيتي يغني ثم تخيل أن من يغني هو واكين فينكس. ليدي غاغا تشترك معه في الغناء وتغني وحدها. هذا يبدو طبيعياً كون الغناء هو مهنتها الأولى، لكن فينكس؟ جوكر؟

هذا ليس كل ما هو مختلف هنا: جوكر حبيس في سجن بانتظار محاكمته. غالبية الأحداث تقع في السجن. كونه مجرماً لا يتورع عن شيء وداهية كما عودتنا كل تلك الأفلام السابقة مع باتمان وبدونه، يجعلك تتوقع هروبه من السجن، لكن للخيال حدود وهو لا يستطيع الفكاك ولا يفكّر أساساً فيه. في النصف الأخير من الساعة، تُتاح له فرصة الهرب بعدما ساعدته المرأة التي يحب (غاغا) بتفجير سيارة في المحكمة التي أصدرت حكمها بإعدامه. لكن هروبه، مستغلاً الفوضى والدمار لا يستمر إلا لفترة وجيزة. بعد ذلك هو في السجن بانتظار الموت.

لا أستطيع البوح هنا عما إذا سيأتيه ذلك الموت أو لا، لكن النهاية بدورها مفاجئة.

الكاتب والمخرج تود فيليبس، الذي أنجز الجزء الأول (أكثر من مليار دولار سنة 2019)، يخلع عن بطله كل علامات الدهاء. كل الألاعيب والكثير من الشر. في الصّميم، قد يكون أي شخص آخر لولا حاجة الفيلم لاسمه. جوكر ليس لديه نكات يطلقها في هذا الفيلم، أو كما تخبره غاغا في حوار، «فقد الخيال». ما الذي حدث له؟ هل أفاقَ من وهم عاشه سابقاً؟ هل طوّعه السجن وظروفه واضطهاد الحرس له؟ نعم جواباً على هذين السؤالين، لكن هذا لا يمنعه من السعي للبقاء حيّاً. يتحوّل في محاكمته إلى المهرج الذي تعودنا عليه لكن من دون الخوف منه. يرتدي البذلة الحمراء ويلطخ وجهه بالألوان ويدافع عن نفسه أمام المحلّفين والقاضي.

في حين تبذل غاغا جهدها لتكون ندّاً لواكين فينكس، لكن هذا يوفّر التمثيل الذي لا يُضارى. المنافس الوحيد في تجسيد هذه الشخصية هو جاك نيكلسون كما ظهر في نسخة تيم برتون «باتمان» سنة 1989.

الوجهة التجارية مجهولة تماماً: قد ينجح الفيلم في جذب الجمهور نفسه، وقد يجذب نصفه فقط أو يسقط حال ينتشر الخبر من أن جوكر هنا أضعف من أن يدافع عن نفسه.

KNOX GOES AWAY ★★★☆

إخراج وبطولة مايكل كيتون «فيلم نوار»

حديث وجيد |الولايات المتحدة

عروض تجارية

مرّت 14 سنة منذ أن جرّب مايكل كيتون حظه في الإخراج. حدث ذلك في سنة 2008 مع «The Merry Gentleman» من بطولته وكيلي ماكدونالد لاعباً دور قاتل محترف على أهبّة الوقوع في الحب.

مايكل كيتُون في «نوكس يذهب بعيداً» (بروكستريت بيكتشرز)
مايكل كيتُون في «نوكس يذهب بعيداً» (بروكستريت بيكتشرز)

فيلمه الجديد هو الثاني له مخرجاً، وكما الفيلم السابق يقوم ببطولته لاعباً أيضاً دور قاتل محترف. الاختلاف المهم هو أنه قاتل مختلف لديه أسابيع قليلة قبل أن يفقد ذاكرته تماماً، وذلك تبعاً لطبيب أخبره بأنه مصاب بنوع من الخرف الذي لا شفاء منه. هذه واحدة من مشكلتين تواجه نوكس (كيتون). الثانية هي أن ابنه مايلز (جيمس ماردسن) قتل رجلاً استدرج ابنته واعتدى عليها، وها هو يلجأ إلى والده ليساعده في «تنظيف» الجريمة. يوافق نوكس ويتوجه إلى منزل الرجل المقتول ويقتل رجلين خلال وجوده. التحرية إميلي (سوزي ناكومارا) تحقّق وتربط خيوط الحادث الذي سيؤدي إلى تحديد ما حدث، لكن نوكس في هذه الأثناء يخسر المزيد من قدرته على التذكر حتى عندما يريد تحديد كلمة بذاتها (مثلاً ينسى كلمة «الجامعة» ويقول «المدرسة الكبيرة»).

هذا «فيلم نوار»، حديث عن نهايات قاتل محترف يختلف في أنه بعيد عن التبجح وفرض الذات. ليس فيلم أكشن ولا يعمد إلى مفاتيح تشويق مفتعله. السيناريو الذكي الذي وضعه غريغوري بوارييه يتحاشى السّهل ولو أن الكتابة بحد ذاتها لا تأتي بجديد. على ذلك يعالج الكليشيهات المتداولة بفاعلية. كيتون يمنح الفيلم حرارة هادئة تزيد الاهتمام بما يقع على نحوٍ ناضج كما أن حضوره في الفيلم مُصاغ بالهدوء والتميّز نفسيهما.


مقالات ذات صلة

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

سينما  توم كروز وراء القناع (وورنر)

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

لم يكن من المفترض أن يختم ستانلي كوبريك حياته المهنية المديدة، التي بدأت عام 1952 وانتهت في 1999، بفيلم «عيون مغلقة على اتساعها» (Eyes Wide Shut)

محمد رُضا (لندن)
سينما «بيت ساكن» (بلايسلس برودكشنز)

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام عربية عن المرأة وظروفها

العالم الذي تشيده المخرجة سارة فرنسيس صغير المساحة شاسع الإيحاء: المنزل، المطعم، السيارة، ولا شيء آخر.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق جانب من حضور حفل افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

«الخلافات الفلسطينية» تخيّم على افتتاح «مالمو للسينما العربية»

طال الانقسام الفلسطيني حفل افتتاح الدورة الـ15 من مهرجان «مالمو للسينما العربية».

أحمد عدلي (مالمو (السويد))
يوميات الشرق سمحت الرحلة لهما بالتعرّف إلى بعضهما البعض عن قرب (أنجي عبيد)

أنجي عبيد تُصالح المسافات.... من «يلّا بابا» إلى الذات

صوّرت أنجي الفيلم عام 2022، واستغرق نحو 3 أشهر، قطعت خلالها نحو 4 آلاف كيلومتر بالسيارة. ويتحدث العمل عن تغيّرات تسببت بها الحروب منذ 40 عاماً.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة المصرية ريهام حجاج (صفحتها على «فيسبوك»)

ريهام حجاج: انشغالي بالدراما أبعدني عن السينما

أعلنت الفنانة المصرية ريهام حجاج أنها ستخوض تجربة سينمائية جديدة قريباً؛ تعكف على قراءة السيناريو والتحضير لها، مؤكدة أن الدراما شغلتها وأبعدتها عن السينما.

داليا ماهر (القاهرة)

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

 توم كروز وراء القناع (وورنر)
توم كروز وراء القناع (وورنر)
TT
20

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

 توم كروز وراء القناع (وورنر)
توم كروز وراء القناع (وورنر)

لم يكن من المفترض أن يختم ستانلي كوبريك حياته المهنية المديدة، التي بدأت عام 1952 وانتهت في 1999، بفيلم «عيون مغلقة على اتساعها» (Eyes Wide Shut)، إذ كان لديه مشروعات عدة غير منجزة في أدراج مكتبه. أحدها كان «ذكاء اصطناعي» (AI: Artificial Intelligence) المقتبس عن رواية قصيرة لبرايان ألديس، كما كان على أهبّة البدء بنفض الغبار عن مشروع قديم بعنوان «أوراق أريانية» (Aryan Papers) المستوحى من رواية للويس بَيغلي بعنوان أكاذيب زمن حرب (Wartime Lies).

آل مشروع «ذكاء اصطناعي» إلى ستيفن سبيلبرغ، كما هو معلوم، فحقّقه بعد عام واحد من وفاة كوبريك (الذي توفي في 1999 قبل أشهر قليلة من عرض فيلمه).

أما «أوراق أريانية»، فيذكر بول دانكن في كتابه ستانلي كوبريك: الأفلام الكاملة (2003)، أن المخرج خطط لتحقيقه قبل 10 سنوات من وفاته، لكنه انتقل لإخراج «عيون مغلقة على اتساعها» مع توم كروز وزوجته آنذاك نيكول كيدمان.

وكحال معظم أعمال كوبريك السابقة، فإن «عيون مغلقة على اتساعها» كان هو الآخر مستوحى من رواية أدبية عنوانها قصة حلم للكاتب النمساوي آرثر شنيتسلر، وكما اعتاد كوبريك، امتلك حق تطوير القصة وتعديلها كما يشاء.

كوبريك خلال التصوير (وورنر)
كوبريك خلال التصوير (وورنر)

رسالة غير احتفائية

هذا فيلم غريب عن قصة حب يعيشها زوجان قريبان جسدياً، بعيدان روحياً. كلٌّ منهما يتخيل أن شريكه شخص آخر، ويشعر بالرغبة نحوه بناءً على هذا التخيُّل. لا نرى خيانة فعلية من أي منهما، لكن الفيلم يتجلّى في ليلة يقضيها كروز في حفل كبير.

يجول فيه مرتدياً قناعاً، كذلك تجول الكاميرا لتعرض مجتمعاً سرياً لا روحانيات فيه ولا أخلاقيات. مجتمع يؤمن بعلاقات لا تقوم على الحب، وتُقام في حفلاته طقوس قتل عنيفة.

هناك إيحاءات خلال ذلك الفصل الكبير من الفيلم تُلمِح إلى أن الماسونية هي المقصودة. بعض المحللين رأوا أن كوبريك كان ماسونياً، أو على الأقل متأثراً بفلسفتها. لكن هذا يتناقض مع الإدانة الواضحة التي تحملها تلك المشاهد ومضامينها.

الراجح إذن أن كوبريك أراد تصوير الحفل بهذه الطريقة ليبعث رسالة غير احتفائية، تتجاوز الماسونية لتدين قوى مختلفة تقف وراء ستائر العالم، تمتلك قدرة على السيطرة الخفية.

ويليام (كروز) يمر بهذه التجربة ثم يعود إلى زوجته، مع احتمال أن كل ما مرّ به في تلك الليلة لم يكن سوى وهم وفانتازيا - لكن هذا أمر آخر.

نيكول كيدمان وتوم كروز في مشهد من الفيلم (وورنر)
نيكول كيدمان وتوم كروز في مشهد من الفيلم (وورنر)

تمهيدات فلسفية

أفلام كوبريك، منذ «لوليتا» (1962) و«دكتور سترينجلوف أو كيف تعلمت التوقف عن القلق وأحببت القنبلة» (1964)، تبدأ بمقدمات ذات بعد فلسفي، ليست كغيرها من مقدمات الأفلام، بل تهيئة فكرية لما سيُكشف لاحقاً.

نجد هذا في 2001: أوديسا الفضاء (1968)، حيث تبدأ القصة بصراع قبيلتين من القردة على الماء، قبل الانتقال إلى حكاية فضائية.

وفي «اللامع» (The Shining)، حيث ينتقل الكاتب (جاك نيكولسون) من عالم يعرفه إلى عالم مخيف وغامض.

وفي «سترة معدنية كاملة» (Full Metal Jacket)، حيث تبدأ القصة بمقدمة طويلة عن المجند الذي ينتحر بسبب عنف المؤسسة العسكرية، قبل أن ننتقل إلى حرب في ڤيتنام.

هذه النماذج تعكس أفكاراً فلسفية وسياسية واضحة، وتتقاطع مع ما يعيشه ويليام في «عيون مغلقة على اتساعها» من انتقال إلى اكتشافات محظورة.

عين ويليام هي عين المخرج، وهي أيضاً عين المشاهد، إذ يلج ما يريده المخرج له أن يراه، وفق رحلة البطل الاستكشافية.

في هذا الفيلم، هناك محطات تمهّد لدخول ويليام المنطقة المحظورة. زوجته أليس تعترف له بأنها تخيّلت نفسها تخونه مع ضابط في البحرية.

ينطلق ويليام من هذا الاعتراف في عالم من الخيال، ثم الرغبة في عيش تلك الحالة متجسدة.

وهذا يعزز فرضية أن الفيلم، بمعظمه، هو حلم ويليام، وليس واقعاً يقدّمه كوبريك. بمعنى آخر، ما نشاهده هو انعكاس لرغبات بطل الفيلم وليس واقعه، ما يعني أن الحفل الماسوني (أو ما يشبهه) ليس بدوره سوى وسيلة استخدمها كوبريك لنقد عالمنا المعاصر. ذاك العالم الذي يؤثر فينا دون أن نعيه.

حقيقتان

يدعم هذا الطرح ما تقوله أليس لزوجها وهما في المتجر برفقة ابنتهما، وهما يشتريان حاجيات عيد الميلاد، إذ تقول: «أنا واثقة من أن حقيقة ليلة واحدة، أو حتى العمر كله، لا يمكن اعتبارها الحقيقة بعينها».

(تستخدم أليس كلمتي Reality وTruth للتأكيد على الفرق بينهما).

بكلمات أخرى: من يستطيع أن يؤكد أن ويليام خاض فعلاً ما اعتقد أنه عاشه؟

هنا يلعب القناع (المتوفّر في الحفل كما في مشاهد خارجه) دوره في فك لغز هذا الفيلم.

فهو رمز للمزج بين الحقيقة والخيال.

أليس هي القوة الخفية وراء رجل كان يظن نفسه القوة الفعلية.

القناع هو طريقته في خداع نفسه والاعتقاد بأنه شخص آخر.

إنه القناع الذي نرتديه جميعاً لأن أعيننا، كما يقول كوبريك، «مغلقة... على اتساعها» عن الحقيقة.