شاشة الناقد: أفلام عن الهوية والعبودية

إيفاندرو غوميز في «بانزو» (كارلوڤي ڤاري)
إيفاندرو غوميز في «بانزو» (كارلوڤي ڤاري)
TT

شاشة الناقد: أفلام عن الهوية والعبودية

إيفاندرو غوميز في «بانزو» (كارلوڤي ڤاري)
إيفاندرو غوميز في «بانزو» (كارلوڤي ڤاري)

BANZO ★★★☆

* أزمة مزدوجة لطبيب أسود يداوي أفارقة يائسين |البرتغال (2024)

بالقرب من سواحل غينيا غرباً هناك جزيرة اسمها برنسيبي احتلتها البرتغال في القرن الـ15 ثم جلبت إليها «عبيداً» من مستعمراتها الأفريقية الأخرى ليعملوا في مزارع السكّر و- لاحقاً - الكاوكاو.

حسب هذا الفيلم الذي أخرجته البرتغالية مارغريتا كاردوسو، حط هناك في عام 1910 طبيب اسمه موراتا (إيفاندرو غوميز) ليجد نفسه أمام وباء منتشر بين الأفارقة لا بد من مداواته والتغلّب عليه. موراتا (هو أيضاً اسم البندقية التي استخدمها اليابانيون في غزوات استعمارية مماثلة) يجد نفسه أيضاً وسط أزمات ليس الوضع الطبي سوى أحد جوانبها.

ينظر لحال الأفارقة الذين يعملون لقاء الأكل والنوم بعدما جيء بهم من الكونغو أساساً. يجدهم وقد نُزعت هويّتهم عنهم. يعيشون كأشباح بلا أمل للعودة إلى الإنسانية ولا أصحاب المزارع سيسمحون لهم بذلك.

أزمة موراتا الأخرى موزّعة بين الشعور الإنساني صوب هؤلاء وبين أزمته مع نفسه. هو أيضاً يبحث عن هويته. وإنجاز المخرجة كاردوسو هي ملكيّتها الجيدة في التعبير عن بطلها وعن محيطه، بل وعن وجدانيات مختلفة. يقترح الفيلم أن موراتا بدوره شبح ما يتيح للفيلم الإبحار في اتجاهه الوجداني بطلاقة. إذا كان موراتا شبح فلا داعي للتمسك بتقديم قصّة على نحو تقليدي. كذلك يتيح الفيلم لنفسه دفع موضوع الاستعمار الغربي لأفريقيا إلى الارتقاء لمستوى البحث الوجداني. على ذلك، موراتا مرئي كما لو أنه حي بالفعل وهو كثير التأمل بطبيعة المنطقة. بالجبل المطل وبالغابة الكثيفة التي تعتليه وتنتشر من حوله وبالبحر الممتد بلا نهاية.

الوباء المُشار إليه («بانزو») ليس علمياً بدوره. يوفر الفيلم تفسيراً له على أساس أنه مرض الوحدة والحنين. يداوي الأفارقة أنفسهم بالسعي للموت. ينتحرون بتناول التراب أو بشنق أنفسهم أو بالسباحة هرباً وحتى الموت غرقاً. موراتا لا يعرف كيف يداوي هؤلاء ولا تضميد مآسيهم. كل ما يستطيعه (حتى وإن كان آدمياً وليس شبحاً) هو التأمل والنقاش مع أترابه البيض لعله يجد للسود حلاً. إخراج كاردوسو نابع من أسلوبٍ بصري ما عاد متداولاً، وإيقاع يخاف منه معظم مخرجي اليوم. تتسلح المخرجة بمصمم إنتاج يمنح الشاشة تفاصيل دقيقة للتاريخ وللمكان. أحد الأمور التي لم ينجزها أن العنصر البشري الأول في الفيلم ما زال للبيض بينما يتوزع الأفارقة كديكورات خلفية.

* عروض: مسابقة مهرجان كارلوڤي ڤاري.

THE CONVERT ★★

* دراما أخرى عن رجل فقد هويّته | بريطانيا (2024)

مضت ثلاثة عقود كاملة منذ أن قدّم المخرج النيوزيلندي (من مواطنيها الأصلين) لي تاماهوري فيلمه «كنا محاربين ذات مرّة» (Once We Were Warriors)، الذي وجّه الأنظار إليه وساعده، بعد سنوات طويلة من العمل مساعدَ مخرجٍ، ومن الانتقال إلى سلسلة من المشاريع البريطانية والأميركية بينها «الحافّة» (The Edge)، و«التالي» (Next)، و«مت في يوم آخر» (Die Another Day)، كلها، بما فيها «مت في يوم آخر»، كانت مجرد تماثل مع سينما الأكشن العادية التي تروّج هوليوود لها جيداً قبل أن تتحوّل إلى أرشيف الأفلام المنسية.

غاي بيرس في «الإعتناق» (برهاها إنترتاينمنت)

في «الاعتناق» عودة إلى موطنه طارحاً حكاية قسيس بريطاني يصل إلى نيوزيلندا للتبشير ليجد أنه وسيلة لدخول البلاد في عداد البلدان التي تستعمرها بريطانيا. مثل «بانزو» أعلاه، هو فيلم تقع أحداثه في الماضي (1830) ويتحدّث عن هوية بطله التي جاء بها إلى مكان بعيد ليفقدها هناك.

على عكسه، هو فيلم أكشن أكثر منه دراسة. غاي بيرس يلعب الدور جيّداً لكن المخرج يتحاشى منحه لقطات قد تساعد على التعاطف مع شخصيّته أو فهم أسبابها. كذلك فإن مرحلة الاعتناق في نهاية الفيلم (ممثلة برفضه دوره السابق بوصفه مبشّراً ليختار الانضمام إلى القبيلة) غير مقنعة. المشهد قصير مستثمر كحوار بين شخصيّتين تبدو الأولى (مونرو) محتدّة وتبدو الثانية (المسؤول العسكري المنتدب عن بريطانيا) كما لو أنها لا تفهم ما يُقال لها.

نتعرّف على مونرو (بيرس) فوق مركب بالكاد يتسع للحفنة التي أبحرت به من الشاطئ البريطاني. حال وصوله يجد نفسه أمام زعيم قبيلة قوي وعنيف. لأجل البقاء حياً وإنقاذاً لفتاة وزوجها من القتل يعرض مونرو حصانه الأبيض الجميل هدية. يقبل الزعيم الهدية لكنه يذبح الزوج على أي حال. تنتقل الزوجة لكي تعيش في القرية البريطانية التي شُيّدت هناك. لا مشاهد حب متبادل، لكن هناك مشهد غرامي يمضي من دون أن يترك تأثيراً أو يردم هوّة بينهما. تاماهوري مشغول في عرض المواجهات العنيفة بين القبائل من ناحية والعنصرية البيضاء تجاه المواطنين الأصليين من ناحية أخرى. لكنه في الوقت نفسه لا يعمّق أياً من هذه الصراعات، بل يعرضها بوصفها سلسلة من الأحداث التي توفر الاهتمام بالموضوع والخروج منه بلا اكتراث في الوقت نفسه.

* عروض: تجارية عامّة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

حسن الرداد لـ«الشرق الأوسط»: اختياراتي الفنية تخالف السائد

الوتر السادس اعتاد العمل على أكثر من مشروع في وقت واحد (الشرق الأوسط)

حسن الرداد لـ«الشرق الأوسط»: اختياراتي الفنية تخالف السائد

يتطلع الفنان المصري حسن الرداد للوقوف مجدداً على خشبة المسرح من خلال مسرحية «التلفزيون» التي تجمعه وزوجته الفنانة إيمي سمير غانم

انتصار دردير (القاهرة)
الوتر السادس يعتبر هجرس التمثيل مسؤولية لقدرته على التأثير في الجمهور (حسابه على {إنستغرام})

تامر هجرس لـ«الشرق الأوسط»: ليلى علوي ساندتني في حياتي

كد الفنان المصري تامر هجرس أن نجاح فيلم «شوجر دادي» وتحقيقه إيرادات كبيرة شجعاه للمشاركة في فيلم «جوازة توكسيك» المعروض في صالات السينما راهناً

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق أوصت بإكمال مشوارها وإعطاء الفرص لجيل الشباب (باسم الحاج)

لبنان يودّع كوليت نوفل مديرة «مهرجان بيروت الدولي للسينما»

ودّع لبنان كوليت نوفل مديرة مهرجان بيروت الدولي للسينما التي كانت السبّاقة في إطلاق مشروع من هذا النوع في العاصمة في عام 1997.

فيفيان حداد (بيروت)
سينما فيلم «أفق: ملحمة أميركية-1» (نيولاين سينما)

كيڤن كوستنر رهن أملاكه ليصنع ملحمة عن الغرب الأميركي

أضاف مهرجان «ڤينيسيا» فيلماً آخر فوق العدد الكبير من الأفلام التي سيعرضها في دورته الـ81 التي ستقع ما بين 28 من أغسطس (آب) و9 سبتمبر (أيلول) المقبل.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق منشأة نتفليكس في العاصمة الإسبانية مدريد (الشرق الأوسط)

«نتفليكس» تتطلع لمد الجسور بين الثقافات وتمكين رواة القصص المحلية نحو العالمية

تأمل شبكة «نتفليكس»، من خلال مساعيها في تطوير صناعة الأفلام والمحتوى، في دمج القصص من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والترويج لها نحو العالمية، وذلك من خلال…

مساعد الزياني (مدريد)

شاشة الناقد: أفلام المؤامرات السياسية

«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)
«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)
TT

شاشة الناقد: أفلام المؤامرات السياسية

«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)
«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)

THREE DAYS OF FISH. ★★★★

نال جائزة التمثيل في مهرجان كارلوڤي ڤارى الأخير

* إخراج: بيتر هونغدوم (هولندا، 2024)

في المشهد الأخير من هذا الفيلم الهولندي المعالج بذكاء، يصعد الأب جيري القطار (توم كاس) ويطل من باب المقطورة على ابنه دك (غويدو بولمانز) ويتحادث معه. الثاني يقف على رصيف المحطة يجيب عن الأسئلة. كل منهما يبدو توّاقاً للتواصل، لكن الأيام الثلاثة السابقة كانت المناسبة الصحيحة، وليست وقفة الوداع على رصيف المحطة. يختم المخرج الفيلم قبل أن يتحرّك القطار كما لو أنه يؤكد جمود العلاقة بين الرجلين.

إنها ثلاثة أيام حط فيها الأب في المدينة وأمضاها مع ابنه الراشد. ذهبا معاً إلى الحديقة العامة وإلى التسوّق وفي شوارع المدينة وإلى الطبيبة التي قصدها الأب للكشف عليه كما عادته في كل سنة وخلال تلك الأيام تتحدّث الإيماءات والتصرّفات أكثر من الكلمات. في مشاهد يفتح الأب لابنه الباب ليخرج قبله، في أخرى يفتح الابن الباب ليخرج هو أولاً تاركاً والده وراءه. سلوكياته تكشف تفاصيل مكثّفة. الأب الذي ما يزال يريد ابنه أن يكون مثله والابن الذي يحبس عاطفته تحت عبء الرغبة في الاستقلال من التبعية.

برودة العلاقة واضحة كذلك السبب الذي من أجله قرر المخرج بيتر هوغندوم (في ثاني عمل روائي له) التصوير بالأبيض والأسود وبذلك ضمن أن الفيلم سيوفر لمشاهديه معالجة خالية مما قد يسرق النظر. لا ألوان تشغل العين بها أو تصرفه عن المتابعة الأساسية.

منذ أول خمس دقائق يدلّنا المخرج على نوعية تلك العلاقة بين رجلين انفصلا لكن عليهما البقاء معاً في تلك الأيام الثلاثة. في المشاهد الأولى نجد دك جالساً فوق كرسي وجده في كوم قمامة. يخرج الأب من الحافلة ويسأله عن الكرسي. يخبره دك بأن هذا الكرسي قد يساوي مبلغاً من المال إذا أعاد بيعه. يبدو دك كما لو أنه يحاول الفوز بقبول الأب بفكرته، لكن الأب ينظر إليه بعين ناقدة ويسأله البحث عن عمل. بخاطر مكسور يجيبه الابن «لقد تقدّمت بطلب». كلمات موجزة ومشهد بسيط يمهّدان جيداً لما سيلي.

على المُشاهد أن يتمعن في التصرفات والسلوكيات والإيماءات لكي يقف على خط واحد مع الفيلم. لا يرتفع العمل أو يهبط، بل هو مستوى واحد من التعبير والمعالجة، كذلك هو مستوى واحد من علاقة مشحونة بالانفعالات من دون أن يخرج أي منها إلى السطح مباشرة. الممثلان مسيطران بدوريهما على النبرة والحركة وكلاهما نال جائزة أفضل تمثيل في نهاية المهرجان التشيكي قبل أيام قليلة.

* عروض: مهرجان كارلوڤي ڤاري.

THE MANCHORIAN CANDIDATE ★★★★

استعادة لفيلم من أفلام المؤامرات السياسية الأميركية.

* إخراج: جون فرانكنهايمر (الولايات المتحدة 1962)

«المرشّح المنشوري» واحد من أفلام موجة «نظرية المؤامرة» التي شهدتها هوليوود في الستينات والسبعينات. جون فرانكنهايمر أخرج هذا الفيلم المُعتنى به جيداً عن رواية بالعنوان ذاته وضعها ريتشارد كوندون حول احتمال قيام جزء من المؤسسة العسكرية بانقلاب لإطاحة رئيس الجمهورية وبالحكم الديمقراطي نفسه تبعاً لأجندة شيوعية.

«المرشح المنشوري» (إم سي فيلمز)

الفيلم، كالرواية، مبني على خيال جانح. ثلاثة جنود خلال الحرب الكورية يعودون إلى الولايات المتحدة بعد أن قام أحدهم، شو (لورنس هارڤي) بإنقاذ حياة رفاقه والعودة بهم إلى الأمان بعدما كانوا دخلوا الأراضي التي تستولي عليها القوّات الشيوعية. تحتفي أميركا بعودة شو وتمنحه وسام شرف. لكن لا أحد يعلم أن شو ورفيقين له هما ماركو (فرانك سيناترا) وتشنجن (هنري دي سيلڤا) قد تم القبض عليهم وتجنيدهم للعودة إلى الولايات المتحدة كمتعاونين. على شو أن ينفّذ تعليمات هي بمثابة اختبار له وهو يفعل ذلك. بنجاح. في الوقت ذاته نجد ماركو يعاني من تبعات أسره ولا يفهم سبباً لتلك الكوابيس التي تتكرر. حين يلتقي ماركو بشو تبدو المسافة قريبة بينهما لكن ماركو مشوّش في مقابل شو الجاد في تنفيذ مؤامرة اغتيال المرشح الرئاسي.

القصة مختلقة والمُشاهد يدرك ذلك سريعاً ليس بسبب ثغرات في الرواية بقدر ما تفترضه من أحداث بعيدة الاحتمال. لكن إخراج جون فرانكنهايمر مشغول بوتيرة فنية وتنفيذية عالية. الناتج عن هذا النجاح في المعالجة وتيرة عمل تحمل في طيّاتها الحكاية على الرغم من ثغراتها. يمر الفيلم أمام مشاهديه اليوم موفراً الحدّة في التوليف والبراعة في التنفيذ كما كان حال الفيلم في عام إنتاجه سنة 1962.

* عروض: DVD

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز