مهرجانات العالم تصعد وتهبط أو تبقى حيث هي

أماكنها وأزمنتها تختلف كبورصة نجوم السينما

حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
TT

مهرجانات العالم تصعد وتهبط أو تبقى حيث هي

حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»

يحتفي مهرجان شيكاغو، في الشهر العاشر من هذا العام، بمرور 68 سنة على ولادته سنة 1956. هو بالطبع ليس أقدم مهرجان سينما في العالم، لكنه أقدم مهرجان سينمائي في الجزء الشمالي من القارة الأميركية.

المهرجان الأميركي العتيد تمتع بالفرادة عاماً واحداً، إذ انطلق على إثره في عام 1957 مهرجان كبير آخر هو سان فرانسيسكو.

كل منهما كان له شأن كبير في الستينات والسبعينات. لكنهما اليوم أقل استدعاء لعناصر النجاح وأقل شهرة من مهرجانات أميركية أخرى مثل «صندانس» و«بالم سبرينغز» و«سانتا باربرا» و«ترايبيكا».

المهرجانات الثلاثة الأولى (صندانس وبالم سبرينغز وسانتا باربرا)، كلها في ولاية كاليفورنيا، كذلك حال مهرجان سان فرانسيسكو، فهل يعكس ذلك أهمية الموقع الجغرافي بالنسبة لمهرجان ما؟ وإذا كان يفعل لماذا لا يواكب النجاح ذا الأمد الطويل مهرجانات أخرى تُقام في مدن وعواصم رئيسية مثل القاهرة وأثينا وطوكيو وروما؟

مهرجان «سان سيباستيان» نافس «كان» (سان سيباستيان)

حديث العالم

الأسئلة كثيرة وكاشفة عن أن النوايا لا تحقق النجاح بالضرورة. هناك باع واسع بينها وبين ما يمكن فعلاً تحقيقه، وبين ما يمكن تحقيقه لكن الممكن يتحوّل إلى المستحيل بسبب عوائق أهمها عدم الدراية والسرعة في محاولة إثبات الفاعلية والشهرة.

قبل 60 سنة أو ما يواكبها لم تكن المهرجانات في الأساس غزيرة العدد (نحو 9 آلاف مهرجان حسب موقع IMBd معظمها صغير لكنه منتظم) مما جعل المهرجانات الموجودة في ذلك الحين قادرة على البروز واحتلال المكان المتقدّم في خريطة المهرجانات. لكن حتى في ذلك الحين كانت هناك مهرجانات ترتفع عن سواها وأخرى تهبط كالمصاعد الكهربائية. على سبيل المثال شكّل مهرجان سان سيباستيان السينمائي (الذي احتفى بمرور 60 سنة على إنشائه العام الحالي) شوكة في خاصرة مهرجان «كان» في مطلع الستينات ولبضع سنوات. كان أشهر وأكبر وتحلّى بميزانية أوفر وجمع أفلاماً أهم.

شيكاغو وسان فرانسيسكو كانا حديث العالم في ذلك الحين تماماً كمهرجانات أوروبا. إلى حدٍ كبير بقي هذان المهرجانان في مرمى اهتمام العالم. السينما الفرنسية اختارت شيكاغو سنة 1972 لعرض نسخة مرممة من فيلم «بونابرت والثورة» لآبل غانس، وروسيا اختارته ليكون العرض الأول لفيلم غريغوري كزنتزيف «الملك لير» (ما زال أحد أهم الإنجازات الفيلمية عن ذلك النص الشكسبيري الذي لا يُهزم).

على الجانب الأوروبي أحاط مهرجان موسكو نفسه بهالة كبيرة من النجاح مستقبلاً أفلاماً شرقية وغربية. وقف وراء نجاحه حقيقة أن العالم المنقسم على نفسه بين يسار ويمين وجد فيه ضالة فريدة من حيث رغبة ذلك المهرجان الدفع إلى الواجهة في سينما تقدمية سياسياً وجيدة فنياً.

لم يكن التنويع أمراً سهلاً في البداية. رغم ذلك، وفي إطار الدورة الرابعة سنة 1956 (حين كان لا يزال يُقام كل عامين بالتناوب مع مهرجان كارلوڤي ڤاري في تشيكوسلوڤاكيا، سابقاً) جاءت الأفلام من النادي الأوروبي الشرقي: بلغاريا، ورومانيا، وألمانيا الشرقية والمجر كما من السينمات الغربية مثل إيطاليا وبريطانيا والدنمارك وفنلندا والولايات المتحدة).

السينما العربية وجدت في موسكو ملاذاً جيّداً منذ الستينات وما بعد، فعرض فيه مخرجون عرب لامعون أفلامهم. من بينهم المصريون، حسين كمال، وصلاح أبو سيف، وحسام الدين مصطفى، والسوري صلاح ذهني، والجزائريان محمد بوعماري ومرزاق علواش، وعديدٌ غيرهم؛ صلاح أبو سيف، ومديحة يسري، ويوسف شاهين كانوا من عداد لجان التحكيم الرئيسية في تلك الآونة.

للملاحظة، كان وجود حسام الدين مصطفى في مهرجان موسكو أمراً غير متوقع بسبب مواقفه السياسية، لكنه عرض هناك فيلمه «سونيا والمجنون» (المأخوذ عن رواية «الجريمة والعقاب» لفيودور دوستويفسكي)، ما يبرر رغبة المخرج في الذهاب به إلى ذلك المهرجان.

طبعاً كان مهرجان موسكو محطة سياسية الهدف، لكن المهرجانات الكبرى الثلاث، فينيسيا وكان وبرلين، كانت بدورها ردات فعل سياسية حيال أحداث وتطوّرات من هذا النوع ألمّت بالعالم قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها.

«سونيا والمجنون» لحسام الدين مصطفى (ستديو مصر)

صعود وهبوط

بالممارسة وتبعاً للمتغيّرات، تهاوت العناصر السياسية جانباً كسبب لإطلاق مهرجان أو نجاحه. مهرجانات الثمانينات والتسعينات وما بعد أقيمت لغايات أخرى في صدرها الرغبة في أن يكون للمدينة أو للبلد الذي تنتمي إليه موقعاً بين هذه الاحتفالات الكبيرة. في هذا السياق نجد نشأة معظم المهرجانات الدولية مثل مهرجانات القاهرة وإسطنبول وأثينا وروتردام وتورونتو ونيويورك وساراييڤو ونيودلهي ومهرجانات أخرى من تلك المذكورة آنفاً.

وعى العالم العربي أهمية المهرجانات باكراً: قرطاج في مطلع الستينات ثم دمشق والقاهرة وصولاً إلى دبي وأبوظبي ومراكش ثم، في السنوات العشر الأخيرة، البحر الأحمر والجونة وعمّان وبغداد وسواها.

في مضمار ما يتناوله هذا الاستعراض ارتفعت مهرجانات عربية عديدة وهبطت. الحال أن «القاهرة» بدا فاعلاً أساسياً في هذه المنطقة من العالم، وكوّن لنفسه صدى طيّباً لجانب ذاك الذي اشتهر به مهرجان قرطاج بوصفه مناسبة لجمع الأفلام العربية والأفريقية. لكن الطموح الكبير للقاهرة لم يصاحبه معرفة الكيفية الصحيحة للإدارة فتحوّلت المناسبة إلى غاية بحد نفسها.

مع «دبي» و«أبوظبي» ارتفعت الآمال بمهرجانين حدثيين في العالم العربي خصوصاً «دبي»، الذي استفاد سريعاً من خبرة من عملوا فيه ومن حقيقة أن مدينة دبي تجذب، طبيعياً الإعلام ولها موقع جيد بوصفها مدينة مزدهرة ومختلفة. شهرة مهرجان «دبي» وقيمته الفنية والإعلامية سادت طوال سنوات إقامته التي امتدت لـ10 سنوات قبل إيقافه وهو في أوج نشاطه.

بينما تسهر الكفاءات اليوم على دفع جميع المهرجانات، عربية وغير عربية، إلى صف أمامي أول، لا بدّ الإشارة إلى أن كلمة «العالمي» لا تعني شيئاً أكثر من التعريف بتصنيف الأفلام التي يعرضها. نحن نبلغ العالمية عندما يختار مهرجاناتنا صانعو الأفلام قبل سواها.


مقالات ذات صلة

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

يوميات الشرق ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

انضمت الفنانة المصرية ياسمين رئيس لقائمة الممثلين الذين قرروا خوض تجربة الإنتاج السينمائي من خلال فيلمها الجديد «الفستان الأبيض».

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يخرج آرثر فليك (واكين فينيكس) من زنزانته، عاري الظهر، بعظام مقوّسه، يسحبه السجانون بشراسة وتهكّم...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق يشجّع المهرجان الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما (الشرق الأوسط)

الشيخة جواهر القاسمي لـ«الشرق الأوسط»: الأفلام الخليجية تنمو والطموح يكبُر

الأثر الأهم هو تشجيع الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما، ليس فقط عن طريق الإخراج، وإنما أيضاً التصوير والسيناريو والتمثيل. 

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل مهرجان «الجونة» (إدارة المهرجان)

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

في حين طالب بعضهم بإلغاء المهرجانات الفنية لإظهار الشعور القومي والإنساني، فإن فنانين ونقاد رأوا أهمية استمرار هذه الأنشطة وعدم توقفها كدليل على استمرار الحياة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق البرنامج يقدم هذا العام 20 فيلماً تمثل نخبة من إبداعات المواهب السعودية الواعدة (مهرجان البحر الأحمر)

«سينما السعودية الجديدة» يعكس ثقافة المجتمع

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي برنامج «سينما السعودية الجديدة»؛ لتجسيد التنوع والابتكار في المشهد السينمائي، وتسليط الضوء على قصص محلية أصيلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)

شاشة الناقد: أفلام رعب

«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
TT

شاشة الناقد: أفلام رعب

«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)

BLACK BUTTERFLIES ★★

• «فراشات سوداء»: أنيميشن عن ثلاثة مهاجرين في ثلاث دول | إسبانيا (2024)

عندما أقيمت الدورة الأخيرة من مهرجان «أنيسي» للرسوم المتحركة في فرنسا هذا العام، لفتت المشاركات الإسبانية النظر لحجم ما عرضته، وتنوّعه. أحد هذه الأفلام هو «فراشات سوداء» الذي أنجزه ديڤيد باوت حول موضوع الهجرة في ثلاث قصص متوازية. تقع إحداها في فرنسا، والثانية في دولة أفريقية غير مُسمّاة، والثالثة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ما هو وراء قصصه هذه محاولة لتقديم المتغيّرات البيئية، وهذا حسب ما صرّح به المخرج حين قدّم فيلمه هناك. لكن هذا الهدف مموّه لحد كافٍ عبر الحديث عن ثلاث نساء مهاجرات ومتاعبهن في الأماكن التي حلّوا بها والتي تبتعد عمّا قد يكون له علاقة حتمية بتغيير المناخ. في حين يقدّر الناقد عدم قيام المخرج بتوفير معالجة وعظية، فإن التغيير المناخي يبقى حاضراً عن بعد في أغلب الأحيان.

يوظّف المخرج بطلاته (واحدة أوروبية، والثانية أفريقية، والثالثة هندية وهذه تنتقل للعمل في دبي بنظام الكفالة) ليتحدّث عن مشاكلهن الخاصّة وليس البيئية فقط. هذا جيد لولا أن طريقته في استعراض هذه الحكايات المنفصلة هي الانتقال من واحدة إلى أخرى بقطع مبتورٍ بين الفقرات. بذلك يبدو الفيلم غير قادر على التعامل فنياً مع متاعب السّرد. الرسوم نفسها مشكلة أخرى، فهي غير متقنة في المشاهد التي تصوّر شخصيات الفيلم وتعابيرها، وحين تتحدث يميل الفيلم لأقل الحركات وأسهلها وإلى روتين غير خلّاق، لكنها أفضل في المشاهد التي تصوّر الطبيعة وبعض المشاهد الفانتازية.

• عروض: مهرجان أنيسي.

APARTMENT 7A ★★☆

• «الشقّة 7A»: إخراج: نتالي أريكا جيمس (الولايات المتحدة - 2024)

يعود الفيلم هذا إلى أحداث ما قبل فيلم «طفل روزماري» الذي حققه رومان بولانسكي سنة 1968 عن امرأة تتزوج من رجل ينتمي وجيرانه إلى طائفة تعبد الشيطان. تضع بطلة ذلك الفيلم مولوداً لا ينتمي إلى الآدميين. ميا فارو لم تمثّل فيلماً داكن المواصفات، لكن بولانسكي تمرّس أكثر من مرّة في هذا النوع من الأفلام.

جوليا غارنر في «الشقة 7A» (باراماونت +)

تلعب جوليا غارنر دور الشابّة تيري الذي لعبته حينها فارو، ما يجعل الفيلم خلفية لما سبق. نتعرّف على تيري راقصة باليه تُكسر قدمها حينما كانت تؤدي استعراضاً مسرحياً فتتحطم آمالها بممارسة هوايتها. يتم رفضها بعد أشهر؛ كونها لم تعد قادرة على استعادة مهارتها. يستقبلها زوجان ويعرضان عليها الإقامة في دارهما الواسعة. بعد حين، ستجد تيري نفسها وسط عصبة شيطانية ترغب في تزويجها لإنجاب طفل شيطاني. الباقي معروف لمن شاهد فيلم بولانسكي لأن المخرجة، على براعة ما تسرده، لا تستطيع إلّا توجيه الدفّة لتلتقي ببدايات الفيلم السابق. من شاهد ذلك الفيلم سيعرف بالتأكيد ما حصل بعد نحو ثلاثة أرباع الساعة مشدودة الوتيرة إلى حد كافٍ. لكن من لم يشاهد فيلم بولانسكي، سينجو من هذا الاستشراف وسيُعدّ الفيلم عملاً مستقلاً بنفسه.

هناك إخراج جيد ومتمهّل من نتالي إريكا جيمس، وقدرة على تطويع التكلفة المحدودة عبر أحداث يقع معظمها في مشاهد داخلية.

• عروض: منصة باراماونت +.

SALEM‪’‬S LOT ★★

• «باحة سالم» إخراج: غاري داوبرمان (الولايات المتحدة - 2024)

اقتباس آخر عن واحدة من أكثر أعمال الروائي ستيفن كينغ شهرة. تدور حول كاتب اسمه بن ميرز (لويس بولمان) يعود إلى البلدة الصغيرة التي وُلد فيها بحثاً عن الإلهام بعدما فشلت رواياته الأخيرة في تحقيق المبيعات (بداية قريبة من بداية The Shining عن ذلك الكاتب الذي يقصد العزلة في مكان ناءٍ بحثاً عن الإلهام).

«باحة سالم» (نيو لاين سينما)

يقصد مكتبة البلدة ويقضي فيها كثيراً من الوقت؛ ما يجعله حديث البلدة. هناك يتعرّف على سوزان (مكنزي لي) والاثنان يتحابان ويصبحان معاً حديث البلدة.

الأمور ستتعقد بعد اختفاء صبي ومقتل آخر. الظنون تحوم حول الكاتب؛ كون البلدة كانت آمنة إلى أن وصل إليها. وبينما عليه تبرئة نفسه والبحث عن مَخرج آمن له ولمن يحب، على الفيلم أن يصل إلى تلك المناطق العويصة حيث لا تكفي الحكاية لإحداث الرعب المنشود، بل على المخرج ابتكارها بأسلوب فعّال.

يكاد المخرج أن يفعل ذلك، وهناك دراية لا بأس بها في هذا الشأن بما في ذلك توفير بداية واعدة تستفيد من تأسيس الشخصيات والأماكن. لكنه لا يسبر الموضوع على نحو حثيث، بل يصرف كثيراً من الوقت في التمهيد والإيحاء بما هو قادم. وهذا المنوال يستمر لفترة أطول من المفترض حتى إذا ما وصل الفيلم إلى ذروته خسر الفيلم أنيابه وتحوّل سرداً ميكانيكياً. أفضل ما في الفيلم نفحات ناجحة لوصف الأماكن المعتمة وبضعة مشاهد تحيط بالخطر الذي تتعرض له الشخصيّتان الرئيسيّتان.

• عروض: منصات إلكترونية.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز