«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (7): ساعات قبل ختام دورة «كان» الحافلة

الأكثر استحقاقاً لن يفوز والرابح قد يكون فرنسياً

«أنواع اللطف» (مهرجان كان)
«أنواع اللطف» (مهرجان كان)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (7): ساعات قبل ختام دورة «كان» الحافلة

«أنواع اللطف» (مهرجان كان)
«أنواع اللطف» (مهرجان كان)

في الساعة السابعة مساء بتوقيت فرنسا، يوم السبت، يبدأ حفل توزيع جوائز الدورة الـ77 من مهرجان «كان»، الذي انطلق في 14 مايو (أيار) الحالي. يستمر الحفل لنحو ساعة ونصف الساعة، ليسدل الستار بعدها على هذه الدورة ويتوزّع كل الحاضرين للعودة من حيث جاءوا بعد دورة حافلة رغم اختلاف مستويات أفلامها، وهذا أمر طبيعي.

تضارب مواقف وآراء

من حسن الحظ أن كثيراً من هذه الأفلام المدعومة على نحو أو آخر، تستحق دخول المهرجان رسمياً في أي من تظاهراته؛ بذلك يُموّه الجانب المذكور وتقلّل سلبياته.

ومن ثَمّ يأتي دور لجان تحكيم المسابقة الرسمية، وهذه المرّة تحت إدارة الممثلة والمخرجة الأميركية غريتا غيرويغ، لاختيار الأصلح كما تراه. عادة ما تأتي النتائج على غير ما يتمناه لفيف من النّقاد، وهذا طبيعي، فالاختلافات في الآراء ومسبباتها ومصادر التقييم تختلف حتى بين أعضاء اللجنة، التي تجلس وتدرس وتساوم وتمنح الجوائز لمن تراه مستحقاً.

هذا التباعد ليس جديداً. لذلك يختار النقاد (فرنسيون أو غير فرنسيين) من الأفلام والشخصيات التي يرونها الأجدر بالفوز. ما يستطيع هذا الناقد التحذير منه، هو عدم التفاؤل كثيراً بنيل فيلم فرانسيس فورد كوبولا «ميغالوبوليس» السعفة الذهبية. هذا ليس فيلماً من تلك التي تحظى بالإجماع. بالنسبة لي هو أفضل فيلم معروض في هذه الدورة، لكن حتى بين النّقاد الفرنسيين هناك جدلٌ حوله. بل هناك ما يشبه الإجماع على رفضه فمِن بين 15 ناقداً في مجلة أو صحيفة مطبوعة، هناك اثنان فقط منحاه درجات إعجاب وتأييد. أحدهما فقط، من مجلة «كاييه دو سينما» انبرى لترشيحه للسّعفة.

زوي سولدانا في «إميليا بيريز» (مهرجان كان)

فيلم كوبولا، كما تقدّم هنا، فيلم عملاق بصرياً وفكرياً. يواجه ما يحصل في العالم وتخليه عن الحقائق والمنطق والأخلاقيات، طمعاً في السُّلطة. المعارضون له لا يوافقون على النّقد الذي يحمله، ويرون أنه يتحدّث لغة عفا عليها الزمن. لا يكترثون لإبداعات فنية يحملها الفيلم من مشهده الأول لمشهده الأخير. كيف إذن سيُعجب به من لم يفهم مراده أو فهم المُراد ولو يوافق عليه.

الفيلم الذي حصل على ترشيحات النّقاد الأعلى هو «إميليا بيريز» للفرنسي جاك أوديار، الذي ينحو بعيداً عن أفلامه السابقة (من بينها «نبي» و«ديبان» و«صدأ وعظم»، التي عرضها جميعها في دورات كانيّة سابقة)، رشّحه خمسة للفوز بالسّعفة، وهي أعلى نسبة من بين ما تم ترشيحه لهذه الجائزة من الأفلام الـ22 الأخرى.

«ليمونوف: أنشودة إدي» للروسي المهاجر كيريل سربنيكوف، قبع في جملة الأفلام التي لم تُثِر إعجاب النقاد الفرنسيين، مثل «ميغالوبوليس»، وهو فيلم يعتمد على سرد بصري يغلّف نقداً لسُلطة المال، فهل يكون موقف النقاد هو رفض هذا الانتقاد، خصوصاً أن «ليمونوف: أنشودة إدي» يجهر بموقف معادٍ للطبقة المثقفة الغربية (الفرنسية تحديداً)؟

من «ليمونوف: إنشودة إدي» (مهرجان كان)

توقعات

ضمن معطيات ما سبق، ومع وجود عددٍ لا بأس به من الأسماء الكبيرة والأفلام التي تستحق الاهتمام والتقدير، يمكن القول إن النتائج التي ستتوصل إليها لجنة التحكيم ستنضوي على العناوين والأسماء التالية.

* ما زالت هناك فرصة لمنح «ميغالوبوليس» السّعفة الذهبية رغم أن جائزة «لجنة التحكيم الخاصّة» تبدو الأقرب إليه.

* الحظ الأوفر حالياً، هو لفيلم جاك أوديار «إميليا بيريز»، لكونه فيلماً موسيقياً وكوميدياً ويوفر موضوعاً عن زعيم عصابة يتمنّى لو كان امرأة. إذا ما نالها أوديار فسيدخل التاريخ على أنه أول مخرج يفوز ثلاث مرات بهذه السّعفة.

* لا داعي للحذر من فيلم يورغوس لانتيموس «أنواع اللطف» (Kinds of Kindness)، لأنه لم يُثر الإعجاب العام الذي عادة ما يواكب الأفلام التي تفوز بالجوائز الأولى. معقْد لأجل التعقيد، وغير مثير لا في الموضوع ولا في الشخصيات أو الحالات.

* الممثل بن ويشو يستحق الخروج بجائزة أفضل ممثل عن «ليمونوف: أنشودة إدي»، وقد يكون هذا ما ارتسم في بال غالبية أعضاء لجنة التحكيم. ليس هناك من الممثلين الذين ظهروا في الأفلام المنافسة من خاض الرحلة داخل الشخصية التي يؤديها مثله.

* المسألة ليست في هذا الوضوح بالنسبة للممثلات المتنافسات. زوي سالدانا تؤدي دورها في «إميليا بيريز» على أحسن وجه. كونها راقصة ومغنية أساساً وممثلة موهوبة في أكثر من عمل، وكون الفيلم على ما ذكرناه أعلاه يهيؤها لتكون الرابحة بوصفها أفضل الممثلات.

* هناك احتمال محدود لأن تقبض الممثلة الجديدة نيكيا آدامز هذه الجائزة، هي دون السادسة عشرة من العمر وتؤدي دور ابنة الثانية عشرة في «بيرد» لأندريا أرنولد.

* كون رئيسة لجنة التحكيم من المؤمنات بدور المرأة ومؤيدة لكل الهيئات المطالبة بتعزيز دورها على الشاشة، قد يقودها للتصويت على «بيرد» الذي نال إعجاباً لا بأس به من المشاهدين والنّقاد على حد سواء.

كل ذلك وسواه من احتمالات وتكهنات قد يصيب وقد يخيب. القرار مساء السبت سينجلي عمّا سيسمح لنا بالعودة لتحليل النتائج على نحو مؤكد.


مقالات ذات صلة

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون «المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

رغم وفاته في سن السادسة والثلاثين، فإن الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي والممثل الألماني راينر فيرنر فاسبندر (1945 - 1982) ترك وراءه كنزاً من الإبداع

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أسماء المدير أمام بوستر المهرجان في مدينتها سلا (إدارة مهرجان سلا)

أسماء المدير: «كذب أبيض» فتح أمامي أبواب السينما العالمية

قالت المخرجة المغربية أسماء المدير، إن رحلتها من أجل الحصول على تمويل لفيلمها «كذب أبيض» لم تكن سهلة.

انتصار دردير (سلا (المغرب))
يوميات الشرق ماغي سميث في لقطة من عام 2016 (أ.ف.ب)

ماغي سميث سيدة الأداء الساخر

بأداء عملاق وخفة ظل وسخرية حادة تربعت الممثلة البريطانية ماغي سميث على قلوب معجبيها، كما جمعت بين الجوائز وبين حب الجمهور.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق داليا تشدّد على أنها لن تطلب العمل من أحد (الشرق الأوسط)

داليا البحيري لـ«الشرق الأوسط»: لن أطرق باب أحد من أجل العمل

قالت الفنانة المصرية داليا البحيري إن التكريم الذي يحظى به الفنان يكون له وقع رائع على معنوياته إذ يُشعره بأنه يسير في الطريق الصحيح.

انتصار دردير (سلا (المغرب))

مخرجو الفيلم الواحد خاضوا التجربة وتابوا

جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)
جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)
TT

مخرجو الفيلم الواحد خاضوا التجربة وتابوا

جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)
جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)

انتهى الممثل جوني دَب من إخراج فيلم يجمع بين الكوميديا والدراما تحت عنوان «مودي- ثلاثة أيام على جناح الجنون» (Modi‪-‬ Three Days on the Wing of Madness) ويروي فيه حكاية فنان إيطالي يعيش في باريس خلال الحرب العالمية الأولى ولديه 72 يوماً ليجد الفرصة المناسبة والمكان الصحيح لعرض رسوماته.

هذا ربما يكون أهم دور للممثل آل باتشينو في السنوات العشرين الأخيرة على الأقل. فهو يؤدي دور الفنان بكل ما لديه من قدرة على تشكيل شخصيات بوهيمية التفكير وغريبة الأطوار.

لكن ما هو غريب الأطوار كذلك، أن يُخرج دَب من بعد أن كان قرر في أحاديث له، من بينها لقاء تم بيننا على أعتاب الجزء الخامس من «قراصنة الكاريبي» (2017)، إنه لن يعود إلى الإخراج مطلقاً بعد تجربته الوحيدة سنة 1997 عندما عرض في مهرجان «كان» فيلم وسترن حقّقه تحت عنوان «الشجاع» (The Brave).

«الشجاع» احتوى على فكرة جيدة لم يعرف الممثل - المخرج دَب طريقة لمعالجتها على نحو صحيح. هو، في الفيلم، شاب من أصل إحدى القبائل الأصلية يعيش حياة مدقعة وله سجل مع البوليس يبرم اتفاقاً مع ملاك الموت (مارلون براندو) أملاً في مساعدته في تلك الحياة المدقعة التي يعيشها والإهمال الفردي والمجتمعي الذي يواجهه.

الفيلم الجديد لجوني دَب دخل قبل أسبوعين غُرف ما بعد التصوير، وعبره خرج دَب من قائمة الممثلين الذين حققوا فيلماً واحداً في حياتهم ثم تابوا!

خطوات سريعة

بالطبع هناك ممثلون كثيرون أخرجوا أفلاماً على نحو متواصل من بينهم روبرت ردفورد، وكلينت إيستوو، و(الياباني) تاكيشي كيتانو، والبريطاني كينيث برانا، وأنجلينا جولي، والفرنسية جولي دلبي، كما الممثلة (المنسية) ساندرا لوك (ولو إلى حين)، وميل غيبسون، لكن أولئك الذين حققوا فيلماً واحداً وامتنعوا كانت لديهم أسباباً مختلفة دفعتهم لدخول عرين الإخراج وأسباباً مختلفة أخرى للتوقف عنه. وليسوا جميعاً ممثلين بالضرورة.

درو باريمور واحدة من هؤلاء الذين أقدموا على هذه التجربة عندما حقّقت سنة 2009 فيلم «Whip it»، الذي دار حول فريق نسائي يمارس رياضة «الرولر كوستر» (سباق زلاجات داخل ملعب مغلق). مثل جوني دَب، نراها الآن ستعود في محاولة ثانية تحت عنوان «استسلمي دوروثي» (Surrender Dorothy). فيلمها السابق لاقى استحساناً محدوداً بعضه عدّ توجهها للإخراج بادرة في محلها لكن هذا لم يثبته الفيلم جيداً

على الخطى نفسها قامت الممثلة بري لارسون التي كانت سطعت سنة 2015 بفيلم «غرفة» (Room) ونراها الآن واحدة من ممثلي سلسلة «كابتن أميركا»، بالانتقال إلى الإخراج في فيلم وحيد بعنوان «يونيكورن ستور». المشكلة التي واجهتها أنها استعجلت الانتقال من التمثيل بعد عامين فقط من نجاح «غرفة».

أفضل منها في فعل الانتقال من التمثيل إلى الإخراج هي رجينا كينغ، الممثلة التي لها باع جيد في السينما بوصفها ممثلة جادة وجيدة. في عام 2020 تصدّت لموضوع مثير حول اللقاء الذي تم بين محمد علي ومالكولم أكس و(الممثل) جيم براون و(المغني) سام كوك داخل غرفة فندق في ميامي. عنوان الفيلم هو «ليلة في ميامي» ويسبر غور ما دار في ذلك اللقاء الذي خرج منه محمد علي ليشهر إسلامه.

دراما من الممثلة رجينا كينغ (أمازون ستديوز)

كونها ممثلة جعلها تستخدم الأزرار الصحيحة لإدارة المواهب التي وقفت أمام الكاميرا وهم الممثلون ألديس هودج (في دور جيم براون)، ليزلي أودوم جونيور (سام كوك)، وكينغسلي بن أدير (مالكلولم إكس)، وإيلي غوري (محمد علي).

وجدت المخرجة كينغ قبولاً رائعاً حين عرضت الفيلم في مهرجان «ڤينيسيا» في ذلك العام لكنه ما زال فيلمها الوحيد.

طموحات محقّة

على النحو نفسه، قام الممثل مورغن فريمن قبل 30 سنة بتجربة لم يكرّرها عندما اقتبس مسرحية بعنوان «بوفا» (Bopha) سانداً بطولتها إلى داني غلوفر، ومالكولم مكدويل وألفري وودارد. كانت مغامرة محسوبة تستند إلى طموحٍ مبني على عناصر إيجابية عديدة إحداها أنه اقتباس عن مسرحية لاقت نجاحاً حين عرضت في برودواي، ومنها أنها تطرح مشكلة جديدة في حياة جنوب أفريقيا بعد انتهاء حقبة التفرقة العنصرية. الجديد فيها أنها تحدّثت عن أزمة مختلفة يشهدها بطل الفيلم، غلوفر، وتناولت الوضع العنصري من وجهة نظر رجل أسود هذه المرّة على عكس ما تم سابقاً تحقيقه من أفلام تحدّثت عن مواضيعها من وجهة نظر شخصيات أفريكانية بيضاء.

على حسناته لم يُنجز الفيلم أي نجاح، وانصرف مورغن فريمن بعده إلى تمثيل أدوار التحري الذي لا يمكن حلّ القضايا المستعصية والجرائم الصعبة من دونه.

ما سبق يُحيط بأسماء ممثلين ما زالوا أحياء عاملين في مجالات الفن ممثلين (وأحياناً منتجين أيضاً)، لكن إذا ما ذهبنا لأبعد من ذلك لوجدنا أن «تيمة» الفيلم الواحد ليست جديدة تماماً وأن أحد أشهر المحاولات تمّت سنة 1955 عندما حقق الممثل تشارلز لوتون فيلمه الوحيد «ليلة الصياد» (The Night of the Hunter) في ذلك العام.

قصّة تشويقية جيدة في كل جوانبها قادها على الشاشة روبرت ميتشوم وشيلي وينتر. الأول مبشّر ديني ملتزم والثانية زوجته التي تشارك أولادها سراً لا تود الإفصاح عنه. لوتون كان ممثلاً مشهوداً له بالإجادة لعب العديد من الأدوار الأولى والمساندة وغالباً لشخصيات مهيمنة ومخيفة.

درو باريمور خلال التصوير (فوكس سيرتشلايت)

تجربة فريدة

على أن ليس كل الذين حققوا أفلاماً يتيمة من الممثلين. لا بدّ من الإشارة إلى طارئين أتوا من جوانب فنية مختلفة ولو عبر نموذج واحد. فنانون في مجالات أخرى عمدوا إلى تحقيق أفلامهم ثم انصرفوا عن متابعة المهنة رغم نجاح المحاولة.

أحد الأمثلة المهمّة التي تدخل في هذا النطاق الفيلم الذي حققه جيمس ويليام غويركو سنة 1973 بعنوان «Electra Glide in Blue». فيلم هامَ به نقاد ذلك الحين إعجاباً ثم ازدادوا إعجاباً به كلما التقطوه على أسطوانة أو معروض في إحدى تلك المحطّات. غويركو كان مدير الفرقة الغنائية الشهيرة في الثمانينات «Chicago»، ولا أحد يدري لماذا توقف عند هذا الفيلم ولم يحقق سواه.

تتمحور الحكاية حول ونترغرين، شرطي على درّاجة في تلك الربوع المقفرة من ولاية أريزونا (يقوم به روبرت بليك) الذي يكتشف جريمة قتل يريد البعض اعتبارها انتحاراً. التحري (ميتشل ريان) يحقق حلم ونترغرين بالارتقاء إلى مصاف التّحريين. لكنه حلم لا يدوم طويلاً وينتهي على نحو مفاجئ. احتوى الفيلم على كل ما يلزم لتحقيق فيلم يدخل نطاق الأعمال الكلاسيكية، وكان له ما أراد.