شاشة الناقد: فيلم سعودي أصيل وأميركي هزيل

من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

شاشة الناقد: فيلم سعودي أصيل وأميركي هزيل

من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)

فيلم سعودي أصيل، فيلم أميركي هزيل مع استعادة لفيلم حول الكومبيوتر الذي قد يشعل حرباً نووية

مندوب الليل ★★★★

إخراج: علي الكلثمي | درما | السعودية | 2023

أحد المشاهد التي تمرّ على العين غير الخبيرة، ذلك الذي يضع فيها المخرج الكاميرا عالية عن مستوى الأرض تصوّر سيارة بطل الفيلم فهد (محمد الدوخي) وهو يبتعد بسيارته في ظلمة الليل في شارع يمتد أمامه طويلاً. هناك في نهاية الشارع ظل رجل لا علاقة للفيلم به، ظلّه مرسوم على الأرض تحت ضوء الطريق. لن تمر السيارة به، فاللقطة هي لبداية تحرّك السيارة ومصممّة لكي توحي وليس لتتحدّث.

الحديث والإيحاء يتناوبان هنا جيداً. في لقطة أخرى ينتظر فهد في شقة في طابق علوي. تنطلق الألعاب النارية في سماء المدينة (الرياض) ويستدير لينظر إلينا وإليها معاً. ليس من السهل كتابة وصف هنا لكن سأحاول: أول ما يستدير صوب النافذة الكبيرة. تقطع الكاميرا لوجهه فنجده يحدّق بها. تلتقطه من الخلف ها هو يحدّق. مدهوشاً، بتلك الألعاب التي تبدو كما لو كانت تحتفي به. أو هكذا سيشعر لحين، فتوقيت المشهد مرتبط بأول عملية بيع كحول مهرّبة ينفّذها.

الطريق التي أوصلته إلى هذا المشهد ليست طويلة لكنها حافلة. هو شاب طيّب نراه يعمل في مطلع الفيلم في شركة اتصالات هاتفية، وبعد قليل يُطرد من العمل. لديه أب معتلّ وشقيقة تطلّقت من زوجها تعيش في البيت مع ابنتها الصغيرة، وهو يعيل العائلة بكاملها. يجد عملاً مندوباً لتوصيل البيتزا. لكنه ينتبه إلى أن هناك من يوصل طلبات الكحول فيقرّر سرقة المكان وبيع الكحول على حسابه. ذلك المشهد المذكور يمثّل نجاحه الأول من اثنين قبل أن يكتشف أنه وضع نفسه وعائلته في خطر.

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم من البداية باستثناء جزءٍ سيأتي ذكره. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتوليفاً وتصويراً وتمثيلاً مصمّم بدقة. مُعالج بدراية، وفعّال في عرض التفاصيل التي بيّنها المشهد الأول المشار إليه لكنها منسابة على كل مشاهد الفيلم بلا تلكؤ أو هفوات. الفيلم نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت الكثير من التصميم المسبق والتنفيذ.

نعم، هو أيضاً عن رجل القاع يجد من رياض الأزقة نفسه في الرياض الجديدة. المباني الشاهقة. الأضواء. الرفاهية التي يعيش فيها البعض. لكن ذلك لا يتحوّل إلى رسالة اجتماعية. هو إيحاء وجودٍ لكنه ليس رسالة. مضمون ينساب بلا تعليق. عميق الدلالات التي لا تحتاج لحوارات توضح أو مشاهد مبنية على أساس استنساخ الواقع. كل ما تريده من فيلم جيّد بأسلوب عمل عالمي اللغة، تجده فعلاً في هذا الفيلم.

بداية الفيلم هي الناحية التي أجدها ضعيفة. مشهد سيُعاد تقديمه لاحقاً لفهد وهو في كرنفال مع ابنة شقيقته قبل أن يتلقى اتصالاً فينطلق لتلبيته. حين إعادة عرض هذا المشهد نفهمه كاملاً، لكنّ تقديمه في المرّة الثانية هي المناسبة توقيتاً ودرامياً. الأولى لا تعدو سوى محاولة لجذب المُشاهد إلى وضع ما، ينصرف عنه في المشهد الثاني (دخوله مكتب العمل) مما يجعله يبدو محشوراً.

تمثيل محمد الدوخي جيد جداً في بساطة تلقيه وإلقائه. لكن العلامة الأكثر تميّزاً هي للتصوير الذي قام به أحمد الطاحون، ليس سهلاً التصوير في الليل إذا كان لديك موضوع على كل شيء في تلك العتمة أن يبرز بأدواته (سيارة، مدخل منزل، شارع... إلخ) وبمعانيه حين تكون بمثابة الكيفية التي على تلك الأدوات أن تشكل الحكاية وعمق مدلولاتها.

* عروض مهرجان البحر الأحمر

REBEL MOON PART TWO: THE SCRGIVER ★

إخراج: زاك سنايدر | أكشن | الولايات المتحدة | 2024

حال يتولى الحوار القول بأنه من المستحيل تحقيق الانتصار في المعركة المقبلة، أغمض عينيك واستمتع براحة نفسية واثقاً من أن النبوءة لن تتحقق.

إنها إسطوانة مشروخة كغيرها. رغبة صانعي الفيلم في إثارة شكٍّ وخوفٍ وترهيبٍ. فقط الذين لم يشاهدوا فيلماً من قبل سيصدّقون أن هذا الوعد صادق، وهذا الوعيد سيتحقق وسينتصر الشّر على الخير في النهاية. الباقون موجودون من باب الفضول أو لملء فراغٍ يدركون أنه لن يُملأ.

«قمر متمرد 2» (نتفليكس)

في النصف الأول من هذا الفيلم يجمع المحارب القديم تايتوس (جيمون هاونسلو) المزارعين حوله ليقِصّ عليهم، ومن خلالهم علينا، حكايات عمّا حدث معه عندما تم غزو بلاده (فوق كوكب ما) من قِبل مجرمين ومحاربين أشرار مسلّحين بما لا يملكه وشعبه من أدوات حرب، وإلقاء القبض عليه. يحمل الرجل شعوراً بالذنب لأنه فضّل الحياة على الموت عندما خيّروه بينهما.

مستمعوه يصغون إليه ويهزّون رؤوسهم معاً. يهمهمون معاً ويوافقون معاً. مع مطلع النصف الثاني يهيم بمستمعيه أن يهبوا لمقاومة الغزاة: «تسلّحوا بكل بندقية وسكين». نعم؟ ضد مركبات فضائية مسلّحة تستخدم الليزر؟ بندقية وسكين؟ ماذا عن «مدقّة» ثوم... ألا تنفع؟

خِطب رئيس البلدة تشبه تلك التي ألقاها الممثل بلاك بوزمان في «بلاك بانثر» لرايان غوغلر والمزارعون، الذي يهيب بهم رئيس بلدتهم وحاكمهم الدفاع عن أرضهم يشبهون مزارعي «الساموراي السبعة» لأكيرا كوررساوا. الفيلم بأسره يبدو نتفاً مأخوذة من أكثر من مكان، لكن حين تقع الأحداث في مكان غير الأرض، وفي زمن من المفترض أن يكون غير زمننا، يبدو عجيباً أن حياة الفلاحين لم تتغير. أضف إلى هذه الخلطة ما استورده هذا الفيلم (من كتابة المخرج مع آخرين) من شخصيات تدور في محيط الأفلام الأولى من سلسلة «ستار وورز».

بعد خطبة السيد الرئيس يَطلب من بعض المجتمعين حوله سرد حكاياتهم الخاصّة. مرّة أخرى نجد أنفسنا في مشاهد «فلاشباك» تبتعد بنا عن الحدث الحاصل (على ضجره)، ثم تعود (بعد ضجر مماثل) إليه. لا يمنحنا الفيلم شيئاً عميقاً عن تلك الشخصيات، بل هي، والفصل بكامله، لأجل الاستماع وليس القبول.

لا يتحسّن الوضع إلا في نهاية الفيلم عندما تقع المعركة الفاصلة التي نعرف نتيجتها مسبقاً، كون أصحاب القضايا ينتصرون في كل مرّة في الأفلام التي هي على هذه الشاكلة. لكنه تحسّنٌ تقني لا يفضي إلى مفاد ما.

هذا هو الجزء الثاني من مسلسل من المفترض به أن يكون «فانتازيا من الخيال العلمي» كما أحب سنايدر وصفه. إذ تضع هذه المعلومة في مؤخرة رأسك وتتابع بعينيك فيلماً لا جديد فيه تدرك كم نحن محظوظون أن المخرج لم ينبرِ لتحقيق فانتازيا فعلية من الخيال العلمي مثل «Dune»، أو لم يُسند إليه تحقيق ثلاثية بيتر جاكسون البديعة «The Lord of the Rings».

لا أحد قال إن زاك سنايدر مخرج فنان ولا حتى منفّذ جيد، وهذا هو عذره الوحيد.

* عروض عالمية و«نتفليكس».

WARGAMES ★

إخراج: جون بادهَم | تشويق | الولايات المتحدة | 1983

بينما ترتفع التكهنات حول حرب نووية محتملة، يمكن للمرء العودة إلى بضعة أفلام حول الخطر الماثل في هذا الموضوع. هناك بالطبع فيلم ستانلي كوبرَك الساخر «دكتور سترانجلف» (1964) مثالاً بارزاً على مثل هذا الاحتمال، إلّا أن هناك أفلاماً أقل شهرة تناولت الموضوع نفسه ومن بينها «ألعاب حرب» للمخرج جون بادهَم.

«ألعاب حرب» (يونايتد آرتستس)

الفيلم هو عمّا يمكن أن يحدث فيما لو تدخلت التكنولوجيا نتيجة خطأ لتُنذر بهجوم نووي فوق الولايات المتحدة. عن سهولة وقوع مثل هذه الأخطاء (قيل إن 172 حالة من هذا النوع وقعت في الأشهر الـ18 التي سبقت إنتاج هذا الفيلم) واحتمالات عدم القدرة على تداركها والاندفاع بالتالي لتدمير هذا العالم الذي لا ملجأ للبشر سواه.

يحقق جون بادهَم في نظريات قابلة للتّصديق. بطله مراهق كومبيوتر (ماثيو برودريك) محترف شاب يعرف أسرار التكنولوجيا وكيف يسبر أغوارها ويتسلل إلى أي موقع يريد. في واحدة من المرّات التي عاين فيها موقعاً للعبة فيديو يكتشف أن اللعبة تحمل إنذاراً حقيقياً تبعاً لتمرد الكومبيوتر ورفضه الاستجابة لإيقاف اللعبة. النتيجة هي أن الكومبيوتر يلفّق وجود صواريخ نووية معادية في طريقها للولايات المتحدة.

ما بين احتمالات أن يكون ذلك صحيحاً يسارع الأميركيون لإطلاق السّلاح النووي على الاتحاد السوڤياتي. الفصول الأولى تمهيدية ومليئة بالحوار. الأخيرة أفضل. ليس بالفيلم الذي يمضي عميقاً فيما يعرضه، لكنه يؤدي ذلك القدر من واجب التحذير. مشاهدته اليوم تشي بأن كل الاحتمالات ما زالت على الطاولة، وقعت أو لم تقع.

* عروض منصّات مختلفة

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيه

روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
TT

روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيه

روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)

يعود المخرج السويدي روبن أوستلند إلى الشاشات في العام المقبل بفيلم جديد عن الترفيه... أو - بالأحرى - عن عدمه.

الفيلم يحمل عنواناً دالاً «نظام الترفيه معطل» (The Entertainment System is Down)، وهو من بطولة مجموعة كبيرة من نجوم أميركا وأوروبا من بينهم وودي هارلسون وكيانو ريڤز وكريستين دانست وسامنتا مورتون ودانيال برول وجول إدجرتن.

بوصلة الفعل

العنوان هو إشارة لعبارة مطبوعة تظهر على شاشات الطائرات المتلفزة خلال الرحلات إذا ما أصاب عطل تقني البث في كل أقسام الطائرة.

الرحلة طويلة من غرب الولايات المتحدة إلى أوروبا، والركاب جميعاً تعوّدوا على مشاهدة ما تعرضه محطات الطائرة من أفلام وبرامج ترفيهية أو رياضية أو أخبار أو أغانٍ وموسيقى. هكذا اعتادوا وهكذا يتأمّلون في زمن قلّ فيه عدد من يعمد على الكتب ليقرأها. إنه الزمن نفسه الذي لم يعد بالإمكان مطالعة الصحف والمجلات فيه، لأنها محدودة أو ممنوعة في الرحلات الجويّة.

«الميدان» (بلاتفورم برودكشن)

السؤال الظاهر الذي يطرحه الفيلم الجديد: ماذا سيفعل الركّاب في رحلة ستستغرق 10 ساعات أو أكثر ما بين عاصمتين متباعدتين.

السؤال الضمني هو ماذا فعل حب الترفيه بنا بحيث لم نعد قادرين على الحياة من دونه؟

هذا السؤال من مخرج تخصّص في الأسئلة الصعبة، كما حاله في «الميدان» (The Square) سنة 2017. و«مثلّث الحزن» (Triangle of Sadness) في 2022. كلاهما نال السّعفة الذهبية من مهرجان «كان» العريق. كل منهما ألقى نظرة ساخرة على أنماط الحياة التي نعيشها اليوم.

في «الميدان» شاهدنا أوستلند ينبري في معالجة غير متوقعة لتقديم حكاية مشرف على متحف في ستوكهولم يتعرّض لسرقة محفظته وهاتفه المحمول وهو في طريقه لعمله. فهو في سبيل حضور احتفاء فني يدعو فيه الناس لتحمّل مسؤولياتهم حيال الفن والمجتمع. الفيلم، في جزءٍ منه، يدور حول كيف أننا قد نفقد بوصلة الفعل الصحيح حال وقوع حادث مفاجئ. بطل الفيلم (كليز بانغ) يتصرّف من دون وعي ويجد نفسه سريعاً مع مديري المتحف الذين صرفوا ميزانية كبيرة على هذا المشروع.

لم يسرد الفيلم حكايته بتسلسل متواصلٍ أو بمشاهد هي بالضرورة متتالية على منهج منظّم، بذلك هو، في غالبيّته، عبارة عن مشاهد غير مترابطة تشبه فن النقش أو مثل مرايا تحيط بالمكان الواحد ومن فيه، بحيث تعكس ما ترويه من زوايا متعددة وليس على نحو متتابع بخط جلي واحد.

طرفا نزاع

لفيلمه التالي، «مثلث الحزن» انتقل إلى سؤال آخر يوجهه إلى مشاهديه.

يدور الفيلم أساساً حول الشاب كارل الذي جرى قبوله للعمل عارض أزياء (هاريس ديكنسن) وصديقته يايا (شاريبي دين). يبدأ الفيلم بمشاهد ساخرة لعملية انتقاء المرشّحين للعمل عارض أزياء ثم ينتقل بكارل وصديقته إلى عشاء في مطعم. الطاولة ليست الوحيدة التي تفصل بينهما، بل أيضاً منهج تفكير يرمي لطرح موضوع التوازن الذي يبدو مفتعلاً في علاقات اليوم. فهو يصرّ على أن تدفع هي ثمن العشاء. عندما توافق بعد تردّد يصر على أن يدفع. بين الموقفين وتبعاتهما هناك ما يبدو نزعة غير ناضجة لتأكيد الذات الذكورية أو، بنظرة أكثر شمولاً، نزعة صوب فرض معاملة بالمثل يلجأ إليها الطرفان في عالم اليوم.

هاريس ديكنسن في «مثلث الحزن» (إمبرتڤ إنترتاينمنت)

بعد ذلك هما على ظهر يخت في عرض البحر حيث سيستعرض المخرج شخصيات متعددة من ذوي الثراء. كارل ويايا لا ينتميان إلى تلك الزمرة، لكنهما لا يمانعان ممارسة حلم التقرّب والتماثل بما إنهما مدعوان (مجّاناً) لذلك. عبر هذا كله يرسم الفيلم صورة عن الطبقات وسوء التصرّفات حين الأزمات وكيف يعيش البعض منا في أوهام ترضيه.

الملل... الملل

الفيلم الجديد سيُعالج مسألة الملل إذا ما وقع ما هو غير متوقع في حياتنا اليومية. في فيلمه الأسبق، يتعرّض بطل الفيلم للسرقة فتنقلب حياته رأساً على عقب. في الثاني يجد بطلا الفيلم نفسيهما مثل حمامتين وسط الصقور. هنا السؤال حول كيف سنتصرّف إذا ما وجدنا أنفسنا بلا قدرة على ملء فراغ حياتنا بالترفيه.

بعض ركّاب تلك الطائرة معرّضون لحالة إفشاء الأسرار على العلن. من بينهم الزوجان كريستين دَانست ودانيال برول اللذان كانا يعيشان في شرنقة من الخداع العاطفي، فكل منهما خان الآخر في علاقات عاطفية جانبية.

من دون أن يكشف المخرج عن تفاصيل الحكاية ودور باقي الشخصيات فيها، فإن الفيلم (الذي يُصوّر حالياً في طائرة فعلية من دون مشاهد خارجية) هو عن عاصفة أخرى تضرب الطائرة ومن فيها.

على أن سرد الحكاية وحدها ليس من عادة المخرج أوستلند كما برهن سابقاً.

موضوع الترفيه (ذَ إنترتاينمنت) بوصفه وسيطاً بين الإنسان وعالم آخر يجذبه ولا يستطيع دخوله فعلياً هو أكثر من رمزٍ قائم لحالة أي منا قد يجد نفسه محروماً، لسبب أو أكثر، من متابعة الترفيه ليكون خطاً يسير متوازياً مع حياته الواقعية. بالتالي، قد نتعرّض، حين مشاهدة الفيلم، إلى السؤال الأصعب: ماذا لو أن السينما وأفلامها اختفت من الظهور؟ ماذا لو أدّى التقدّم التقني لتعطيل الإنترنت الذي بتنا نصرف عليه ساعات حياتنا الثمينة؟ إنهما سؤالان جديران بالطرح، وأوستلند يتولّى ذلك في «نظام الترفيه معطّل».